شبكة ذي قار
عـاجـل










 

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا )

 

 

منذ كنت فتى وأنا أقرأ الآية الكريمة : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)، كم فكرت في معنى عمارة المساجد، ولم أقتنع بالمعنى الظاهري وهو البناء (بمعنى التشييد)، إن من يعمر المساجد قد وصفوا بقول الله عز وجل بالمؤمنون، فلا يمكن أن يكون المعنيين بذلك مشيدي البناء، سواءا العمال أو المتبرعون بالكلفة، ولكن يجب أن نفقه المعنى العظيم في يعمر، بل العمارة في الآية الكريمة هذه تعنى الإعمار ألقيمي والخلقي والسلوكي، أي إعمارها بالمؤمنين، بالناس الذين يفهموا ويعملوا أن الإسلام إعمار للنفوس والضمائر ورقي بالخلق، وأن يفهموا أن هنا (أي في المساجد) يكون المنهج الروحي لبني أدم هو الإيمان المبني على المحبة والتسامح والتحضر والرقي الخلقي والسلوكي، تعليم الناس قيم الدين وخلق المسلم في مجتمعه إبتداءا من الوحدة الأساسية في بناء المجتمع وهي العائلة، أي التقرب الروحي والنفسي عبر القناعة والسلوك (القول والعمل، الممارسة والتطبيق)، وفي المسجد تعلم ويتعلم المسلم حب إخوانه المسلمين والناس جميعا سواءا في وطنه أو خارجه، لأن الإسلام يعلمه أن يحب كل البشر، لأن البشر كلهم متماثلون، أما أن يكون أخوه في الدين أو شبيهه في الخلق، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام، بهذه الصفات وبهذه الأخلاق والوعي للمعنى الإنساني الحضاري للإيمان والعباد يتطلع المؤمن ليبلغ مرحلة التقوى والعبادة الحق للرب سبحانه، لأن البحث في تفاصيل مفردات الآية الكريمة يدلنا على ذلك، أنما يعمر مساجد الله المؤمنون الذين يعملوا صالحا، وهذا واضح من معنى الآية الكريمة: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62, إذن الذين يعمرون المساجد تجمعهم نفس الصفات مع المؤمنين المذكورين في هذه الآية، الذين بشرهم الله بالآمن وعدم الحزن، وتجمعهم مع المؤمنين إقامتهم للصلاة وإيتاهم الزكاة وعدم خشية أحد غير الله، ومع كل ذلك يقول الله تعالى فيهم بصيغة الرجاء والتمنى (فعسى أن يكونوا من المهتدين)، إذن كل ذلك يدل على أن المقصود في العمارة هنا الجانب القيمي والسلوكي لإنسان المسجد، وليس البناء المادي للمساجد.   

 

إذن يجب أن نفقه دور المسجد ووظيفته الدينية والتربوية، فالمسجد في بداية الدعوة وصدر الإسلام كان يضطلع بمعظم واجبات دواوين (دوائر ومؤسسات الدولية)، لبساطة الحياة وقلة العمران، وعدم تعقيد وتشعب الحياة بكل جوانبها، خصوصا السياسية والإدارية والقانونية، فكان الجانب الأساسي في الواجبات الدينية هي تعلم المناسك والفروض، فكان المسجد يكون مكان إقامة الصلاة الموحدة والتي غالبا ما تكون خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم أصبحت بإمامة الخليفة في عهد الخلافة الراشدة وأمراء الأمصار أو أمراء الجند بعد توسع دولة الإسلام، لذلك لا شغل في المسجد في أوقات الصلاة، لكون عموم المسلمين الموجودين يؤدونها جمعا وخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد الصلاة ممكن أن يتخذوا المسجد للتعليم العام أو الخاص، والتعليم العام أقصد به أن يتلقى المسلمين الموجودين علوم القرآن والتفسير والتشريع الرباني والفقة وكل تفاصيل الدين من الرسول الكريم، وبعد توسع المسلمين وزيادة أعدادهم ودخول الناس أفواجا في دين الله صارت هناك حلقات للدرس والتعلم للمسلمين الجدد من أخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، وتلقوا العلم من مصدره، فكان الرسول يكلف الصحابة السابقين السابقين بتعليم المسلمين الجدد مناسك الدين، فيحفظوهم القرآن ويفقهوهم بالأحكام والتشريع، وهذا الذي أقصده بالتعليم الخاص، فبالنسبة للمسائل الآساسية كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الناس أثناء خطبة الصلاة والحديث العام للجميع، أما التفاصيل فكان يتولاها الصحابة رضي اللهعنهم المتعلمون منه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك كان المسجد يؤدي دور المدرسة في تعليم المسلمين الكتابة والقراءة، وقد تكون هذه الوظيفة قد بدأت مع أشتراط الرسول العظيم على أسرى معركة بدر من المشركين، أن يقوم كل أسير يعرف القراءة والكتابة بتعليم عشرة مسلمين مقابل أطلاق سراحه، أي إعتبر تعليم المسلمون القراءة والمتابة بمستوى الحصول على الفدية، أي أنه دعى المسلمون وأرشدهم للإستثمار النوعي في تطوير الإنسان ومن ثم تطوير المجتمع، إضافة لكون المسجد في عهد الرسول العظيم وصحابته الكرام كات مدرسة تربوية لمكارم الأخلاق والفضيلة والمحبة والخير والقيم الإنسانية العظيمة، ولو أدرجنا بعض من أحاديث الرسول التربوية لأدركنا ذلك مضافا لما ورد في القرآن الكريم من تقويم للنفس البشرية، وللمثال:

لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفشوا السلام.

لزوال الدنيا أو الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم أمريء مسلم.

أحب لأخيك كما تحب لنفسك.

ليس بمؤمن من بات بطينا وجاره جائع.

هذا هدي المصطفى عليه وعلى آل بيته وصحبه الصلاة والسلام، فمن أين جاءوا بالبغضاء والتأليب التي تؤدي للفتن؟ وكيف وظفوا المساجد للفتن والسياسة وأعمال الدنيا والتدافع والسلطة؟ وقد تعلمنا ونحن صغار واجبات المسجد، وفهمنا ونحن كبار ما هو هدي محمد ورسالته التي بعث بها للناس وكيف سار السابقون وتلقوا منه فعملوا.

 

 فهل فهمنا واتضح لنا التحريف والإنحراف في الممارسات الحالية للجماعات والأحزاب المتأسلمة، وخطئها في تحريف دور ووظيفة المسجد العظيمة، فمن هذا السمو والرفعة التي جعلها الله ورسوله للمسجد كمكان حيث المساجد هي بيوت الله ولها من القيم والحرمة ما للبيت العتيق، والمفروض أن يشملها خلق المسلمون بأن لا رفث ولافسوق ولا جدال، ففيها يفهم المسلم والمؤمن قيم وأحكام الرسالة والدين، ويتلقى علوم القرآن وأحكامه وكذلك سنة المصطفى، بدل هذا نجد الأحزاب التي تتخذ الدين غطاءا وستارا لتغطية تطلعات سياسية لا علاقة لها بالدين والمنهج الديني الرباني، القائم على الأيمان والتوحيد والعمل الصالح، نجدها تستخدم المساجد للفتنة والغلو والتحزب وتحريف وتأويل معاني آيات الله سبحانه، بل زادت لتتخذ المساجد مشاجب للسلاح وتعليم المسلمين القتل بدل الحب، والبغضاء بدل السلام، إن بيوت الله يجب أن تظل تحتفظ بقدسية وسمو دورها الذي سنه لها المصطفى عليه آله الصلاة والسلام، بل والمؤسسات التي تولت واجبات المسجد كمؤسسات التربية والتعليم والقضاء ودوائر رعاية المحتاجين والمستشفيات يجب أن تبقى محتفظة بقدسية واجباتها ومهامها لأن واجباتها من ضمن قيم وواجبات المؤمن التي فرضها الله تعالى، لذا على المؤمن الحقيقي أن يتعامل مع هذه المؤسسات بنظرة ملؤها القدسية، لأن كلما عظم قدر الله عندك، عظم قدر بيوته في قلبك، وبالتالي فالمساجد والمدارس والمحاكم والمستشفيات ودوائر المعنية بالفقراء والمحتاجين أي المؤسسات الإجتماعية لا تستخدم وتسخر لغير واجباتها الشرعية. ولكن لو نظرنا إلى وضعها  الآن ينتابنا العجب والدهشة، أيعقل أن يكون التطاول على حرمات الله وصل الى هذا الحد؟ وهل هذا جاء عن إنحراف وفسق أم عن جهل؟ وفي الحالين الأمر يدمي القلب ويبكي العيون للمدركين للمأسات. فكلنا يعرف وظيفة المسجد في الإسلام، ويمكن تلخيصها ووفق ما تثبته كثير من مواقع المعلومات بالآتي:

 

1.  إداء المناسك وذكر الله تعالى، الصلاة مثلا. (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (التوبة: 36 – 37 – 38).

 

2.  المسجد مدرسة وجامعة علمية وأدبية وتربوية للمؤمن، ففيه كان يتلقى المسلمون في بداية الدعوة تعلم مباديء القراءة والكتابة، والدرس والتعلم وتدارس تفسير وتأويل القرآن ولغته المكرمة به، ففي المسجد يتعلم اللغة والفقه والبلاغة والمنطق والتفسير، ومن المساجد تخرج القادة العظام الذين سنوا لنا السنن العظيمة والقيم الراقية والتسامح والتعاون والحب للناس في الله.

 

3.  المسجد مدرسة عملية ووطنية نفسية وفكرية وبيئية وقضائية،يتعلم فيها المسلم النظافة والطهارة، والتنزهَ عن اللغو والفواحش وإجتناب المنكرات، ويتعلم فيها مكارم الأخلاق الصدق ونصرة الحق وإجتناب الزور والغش، وتعلم أحكام الدين والدنيا، والفرائضَ والسننَ، ولهذه الأهمية البالغة كان بناء المسجد سابق لبناء المسكن عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد هجرته.

 

4.     الوظيفة الصحية: فقد أتخذ المسجد في عهد الرسول كمكان لعلاج الجرحى ونصبت خيمة فيه لذلك.

5.     ضيافة الضيوف وإستقبال الوفود: كما كان في وفد نصارى نجران، ووفود القبائل.

6.  التعبئة الفكرية للمؤمنين لمواجهة الغزو والإحتلال: والتعبئة لمواجهة التهديد الخارجي، وعقد الألوية للمقاتلين ضد الغزو الخارجي والفتن الداخلية.

 

7.  الوظيفة الإجتماعية: فقد أتخذ رسولنا وحبيبنا محمد الصادق الأمين المسجد لإيواء أصحاب الصفة (وهم الفقراء من المسلمين المهاجرين)، كما أتخذ المسجد لإطعامهم ولتوزيع فيء المسلمين من الفتوحات.

 

8.     الوظيفة القضائية: كان المسجد دارا للقضاء والحكم بين المتخاصمين، وإصلاح ذات البين.

 

إن ما تفعله أحزاب الفتنة والبدعة من أستخدامات مساجدنا كمقرات لأعمالها الباطلة، هذا سيؤدي الى أن تكون المساجد وروادها مدعات للشك والريبة، بدل من كونها أمكنة للأمان والإيمان والهيبة، وستكون كدوائر تفتح أبوابها تحت رقابة وحراسة خشية من دخول المخربين والأسلحة لها تحت غطاء الصلاة والدرس والتعليم والذكر، وبدل من أن تكون المساجد مراكز لصلاح النفوس والسرائر وتطهير الذات والضمائر، يكون الفاسقون والمنحرفون قد حولوها الى أماكن للضلال وفخاخ لتخريب النفوس والناس ونشر الفتنة والغلو والتطرف وصراع المذاهب.

 

إن فعل وعمل السياسيون المتأسلمون خطير، قد لا يفقهون أبعاده على مستقبل الدين والمتدينون، فقد يؤدي الى أن تصل الأمور لحد التقاطع بين المساجد والناس، وبهذا يكونوا قد خدموا أعداء الله ورسوله والمسلمين والبشرية عموما، بغباء أو متقصدين، لإنهم أغوتهم الدنيا ونزغهم الشيطان، بحيث باعوا دينهم بسحت الدنيا وإغوائها، لأن إستمرار إستخدام المساجد للفتنة والقتل والعمل السياسي كما يجري الآن يؤدي إلى الوصول الى حالة الطلاق بين المساجد والمسلمين، وهذا غاية ما يتمنوا الكافرون وأعداء الإسلام، نتيجة خشية الناس مما يرون، ومحاولة إبتعادهم من الشر والفتنة، وبهذا فالمتأسلمون وأحزاب الفتنة الطائفية ممن تدعي أنها تمثل الإسلام السياسي جزء من قوى الحرب على الإسلام ومن حشد أعداء المسلمين، وعليهم التوبة مما إقترفوا والإستغفار عن ذنوبهم، والعودة للجماعة وعدم زج الدين في السياسة والعمل الدنيوي البحت، وإلا فليفتونا هؤلاء لماذا إعتكف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في بيته ولم يعتكف في مسجد الرسول، وهيبة مسجد الرسول وحرمته أكبر من بيت عثمان؟ وكذلك لماذا خرج سيدنا الحسين بن علي سبط الرسول صلى الله عليه وعلى آل بيته وسلم الى كربلاء من الكعبة وهي التي جعلها الله حرما آمنا للمؤمنين؟

 

أليس فعلهما رضي الله عنهما (وهما من أقرب الآل والصحابة) حفظا لحرمة بيوت الله واحتراما وللمساجد؟ ألا يعني ذلك سنة بعدم إستخدام المساجد في القتال والخلافات؟ فمن أين جاءت هذه البدعة؟ ألا يمكن النظر لها بأنها إيحاء من أعداء الإسلام، أو هي خرق لبعض المتأسلمين في أحزاب الفرق والفتن من قبل القوى المعادية والمحاربة لله ورسله وللمؤمنين للوصول الى ما كتبنا به؟ والأمر نفسه في تبديل يوم الجمعة التي تعتبر عيد المسلمين، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب, وهازم الأحزاب، أهزمهم وانصرنا عليهم (. ونقول اللهم آمين

 

 





السبت١١ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة