شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يكن لاعب الكرة الأسكتلندي المشهور وليم شانكلي يبالغ عندما قال: "كرة القدم ليست مسألة حياة أو موت؛ إنها أهم من ذلك بكثير". وما أهم من فضيحة رشوة رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بملايين الدولارات للتصويت حول استضافة نهائيات كأس العالم؟ الجواب على ذلك نجده في بريطانيا التي تملك 150 فرقة كرة قدم محترفة، أي ما يعادل مجموع الفرق الأوروبية، وأنفقت نحو 25 مليون دولار على حملة علاقات عامة فاشلة لتنظيم نهائيات كأس العالم. وذكر اللورد "شُكَرْ" الذي يُعدُّ من أشهر رجال المال والأعمال في بريطانيا إن ديون فرق الدوري الممتاز بلغت نحو خمسة مليارات دولار، وحذّر في لقاء مع تلفزيون " بي بي سي" من كوارث قادمة، ما لم تُخفض أجور ومرتبات لاعبي الكرة ومدرائها، وتُحرَر الفرق من سيطرة المضاربين.


وما أحلى أن تصبح ملاعب بريطانيا ساحات تحرير تطالب بتغيير النظام! آنذاك ستكتشف جماهير هذا البلد ما اكتشفته قبلها الجماهير العربية من أن النظام تغير منذ زمان، وللأسباب نفسها التي يقصر الخيال عن تصور حجمها البالغ عشرات التريليونات. وقد أدرك البغداديون ذلك منذ نصف قرن عندما كانوا يستمتعون بحكاية صاحب مقهى "إبراهيم عرب" كيف ركل الكرة ركلة ذهب بعدها لتناول الغداء، وأداء صلاة العصر، والمغرب، والعشاء، ولم تحطّ الكرة في أرض الملعب حتى وقت التراويح! ونبدأ الحكاية من "الفيفا".


ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية في "الفيفا"، والذي يمنح الشرعية لاتحادات كرة القدم في كل البلدان متهمون بالفساد. "جاك وورنز" من "ترينيداد" و"عيسى حياتو" من "الكاميرون"، و"جاك أنوما" من ساحل العاج؛ حصل كل منهم على 1.5 مليون دولار مقابل التصويت لصالح قطر التي فازت على الولايات المتحدة في منافسة تنظيم نهائيات كأس العالم. وفي شهادته أمام البرلمان ذكر اللورد تريسمان، مسؤول حملة فريق "إنجلترا"، أن "وورنز" نائب رئيس "الفيفا" طلب 3 ملايين دولار معونة لبناء مدرسة في هايتي، على أن يحول المبلغ على حسابه الشخصي، وأراد "وراوي ميكودي" الحصول على حقوق البث التلفزيوني لمباريات فريقي أنجلترا وتايلاند، واكتفى "نيكولاس ليوز"، وهو من الباراغواي، بأن تمنحه ملكة بريطانيا لقب "فارس"!


"كرة القدم، هذه اللعبة الجميلة"، كما يقول اللاعب البرازيلي "بيليه"، ماذا فعل بها النظام المالي العالمي الذي يقوم أمام أعيننا بعمليات انتحارية كبرى عبر الكرة الأرضية؟ في أسبوع افتضاح "الفيفا"، انفجرت فضيحة شهادات تأمين PPI التي "تؤمِّن حماية المرتبات"، وتكفل لملايين المواطنين سداد قروض منازلهم وبطاقاتهم المصرفية في حال عجزهم عن الدفع، بسبب المرض أو البطالة. ومع تفاقم البطالة اعترضت البنوك البريطانية في المحاكم بأن شهادات التأمين غير شرعية، ولعلها فعلاً من أنواع الاتجار غير المشروع، لكن لماذا قبلتها المصارف أصلاً؟ مصرف "لويدز" وهو الوحيد الذي لم يعترض، أعلن عن تخصيص نحو خمسة مليارات دولار لتغطية المتضررين. وفي اليوم التالي انخفضت أسهم "لويدز" الذي كانت الدولة قد اشترته عندما تعرض لخطر الإفلاس، أي أن دافعي الضرائب تحملوا النفقات في النهاية.


والقصة نفسها مع نواد اقترضت ملايين الدولارات لشراء نجوم كرة في سن العشرينيات، وعليها الآن سداد الديون. وكما يقول العراقيون "المال السايب يعلم الناس على السرقة". ولم يشهد التاريخ أموالاً سائبة كالقروض الوهمية التي انتهبها عتاة المضاربين. تلفزيون "بي بي سي" عرض لقطات لمضاربين قدموا من الولايات المتحدة، واشتروا النوادي بقروض مصرفية ترتهن النوادي الآن. والولايات المتحدة، منذ غزو العراق باخرة غارقة تقفز منها الفئران. في "خريف عام 2008 وقعت أسوأ أزمة مالية في التاريخ. كانت 12 مؤسسة مالية من بين أهم 13 في الولايات المتحدة مهددة بالانهيار خلال أسبوع أو أسبوعين". ذكر ذلك "بن شالوم بيرنينك" رئيس المصرف المركزي "الاحتياطي الفيدرالي"، والذي نال الدكتوراه في موضوع "الكساد العظيم" في عشرينيات القرن الماضي.


"لماذا لم يُسجن أي مسؤول عن الكارثة المالية"، تساءل تشارلس فيرغسن في حفل استلامه جائزة "الأوسكار" عن فيلم "حاميها حراميها" الذي صوّر كبار المسؤولين. هل السبب "عدم وجود قوانين في الولايات المتحدة تعاقب على الغباء ونقص المهارة"، حسب روجر لاونستن، المعلق في وكالة الأنباء المالية "بلومبرغ"؟ استنتاج مماثل نجده في "تقرير التحقيق في الأزمة المالية"، وهو تحقيق رسمي استغرقت استجواباته ثلاث سنوات، وكشفت أن "الأزمة من فعل أناس أو لتقاعسهم عن الفعل، وليس سببها انفلات الطبيعة أو الكومبيوتر". هل يمكن تجنب أزمات مقبلة بواسطة مراقبين ماليين أكفاء وغير متحيزين؟ يجيب بالإيجاب تقرير آخر عنوانه "إدارة الوول ستريت"، ويقترح حسب عنوانه الثانوي "معماراً مالياً عالمياً جديداً". يتضمن التقرير الذي يقع في 2300 صفحة لائحة قانون لعلاج أسباب وقوع الأزمة، كالتعامل مع المتطلبات المالية غير الملائمة، والإفراط في دفع تعويضات "الوول ستريت"، ووضع قيود على الديون الخطرة، والمتاجرة بضمانات قروض المضاربات كالمشتقات، والتي تتيح للمصرفيين الرهان بمبالغ هائلة لا يغطيها رأسمال كاف.


ويشكك بجدوى هذا القانون الكاتب الاقتصادي "جيف مادريك"، مؤلف الكتاب المشهور "عصر الطمع"، ويتوقع أن يشل الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون عمل "هيئة الحماية المالية للمستهلكين". ويشير "مادريك" إلى نظريات اقتصادية جديدة تطرح معالجات أكثر واقعية لطرق عمل "الوول ستريت" وتؤكد على ضرورة إدارته بشكل أكثر إحكاماً. "فالنظريات القديمة التي كانت تعتقد بعقلانية السوق تشكل أكبر الأخطاء في تاريخ الفكر".


والأخطاء التاريخية جرائم يحتج ضدها اليوم شباب "الميادين" العربية الذين فتحوا أعينهم على ما فعلته "عقلانية السوق" بالعراق، الذي وضعت المقاولات خطط غزوه، ونفذت شركات الأمن الخاصة جرائم احتلاله، ونُهبت ثرواته وفق قوانين الخصخصة. وشاهد الشباب كيف جاءت على متن دبابات الاحتلال بنوك مركزية مجهولة الأصل والهوية، لا تمر اليوم صفقة تجارية في البلد ما لم تصادق عليها. ووضع عصر الإنترنت في أيدي الشباب دراسات اقتصاديين أميركيين فضحوا إنفاق "الوول ستريت" ثلاثة مليارات دولار على أعمال الضغط، كدراسة "مادريك" حول "حوت الوول ستريت" الذي "يضغط بقوة مرة أخرى". ولن تفوت الشباب العرب معرفة كيف ابتدع كازينو قمار "الوول ستريت" المشتقات المالية Derivatives التي تقدر بأكثر من 681 تريليون دولار. والله وحده يعلم من أين اشتُقت هذه الأموال، إذا كان مجموع إجمالي المنتوج العالمي 66 تريليون دولار فقط!

 

 





الخميس١٦ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد عارف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة