شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ استقلال الأقطار العربية منتصف القرن الماضي ، برزت مشكلة الأقليات – عرقية و طائفية - في أرجاء الوطن العربي ، وشكلت مصدر قلق للأنظمة والأوطان ، وأصبحت بمثابة بركان يتهدد بالانفجار كلما سنحت له الفرصة ، ونقطة ضعف سهلة الاختراق من قبل أعداء الأمة ، الذين قاموا باستخدام هذه الورقة في سائر الأقطار بغية اضعافها وشرذمتها .


يعزو البعض هذه المشكلة الى غياب العدالة الاجتماعية ، وهو أمر صحيح من الناحية النظرية الى حد ما ، ولكن الواقع يشير الى أن الأغلبية ليست بحال أفضل ، بمعنى أن العدالة الاجتماعية غائبة عن الكل ، والكفة ليست لصالح طرف دون الآخر ، فالجميع مهضومو الحقوق مسلوبو الحريات ، وقوت الأمة محتكر من قبل طبقة معينة مرتبطة بالحاكم ( وغالبا ماتمثل الأقلية ) .


البعض الآخر يحمل التيارات الفكرية المسؤولية ، فقد ضعنا مابين سلفي يلغي طوائف لا تتفق معه فقهيا أو عقائديا ، وبين قومي يقصي أعراقا لاتشترك معه في وحدة الدم ، وفقهاء لم يؤسسوا لفقه دولة عصري ، وقراء لم يستقرؤا التاريخ ويعطونا امثلة عن طريقة تعامل الأجداد مع هذا الموضوع.


الدكتاتوريات – شماعة الخنوعين – يعتبرها قطاعات كبيرة من الناس السبب الرئيسي ، غير أن التاريخ القريب يثبت أن قمع الأقليات اجتماعيا سبق وصول الدكتاتوريات الى الحكم ، أي ان الاقصاء كان موجودا قبل الأنظمة العسكرية الدكتاتورية ، وإن أخذ الشكل الاجتماعي والاقتصادي دون الاضطهاد الفكري والقمع الأمني .


ويمكن اضافة أزمة الهوية الى قائمة الأسباب المحتملة لنشوء او تفاقم هذه المعضلة ، فالهوية تتصارع عليها أطراف تتجاذبها لليمين واليسار حتى بتنا نخاف عليها من التمزق من حدة الشد والجذب .


الشواهد كثيرة على خطورة القضية ، فمثلا أكراد العراق منحوا حكما ذاتيا في سبعينيات القرن الماضي ، ومع ذلك كانت النتيجة أن شكل شمال العراق مرتعا للتآمر والعدوان على المركز . أقباط مصر شاركوا في الثورة واصطفوا مع المسلمين في ميدان التحرير في مشهد قل نظيره في الأقطار العربية ، وبعد انتهاء الصفحة الأولى من الثورة اعتصمت فئة من الأقباط أما مبنى الاذاعة والتلفزيون مرددة شعارات وهتافات يندى لها الجبين .


طبعا جلال طالباني لا يمثل جميع الأكراد ، ومن طلب الحماية من أمريكا لا يمثل جميع الأقباط ، ولكن علينا الاعتراف بأن هذه النماذج موجودة ولها ثقلها بين هذه الأقليات ، وعندما تتعاون مع العدو ، يصبح تأثيرها فاعلا ومؤثرا .


المتتبع والمدقق في الأحداث على مدى الستة عقود الماضية ، يدرك بأن هناك علاقة عكسية بين حجم الدولة وحجم المشكلة ، فكلما صغرت الدولة – من الناحية الجغرافية والسكانية – تفاقم الاختلاف ، والعكس صحيح ، فالاحتقان الطائفي في لبنان يفوق مايحدث في مصر بمراحل ، وأزمة شيعة البحرين لا يمكن أن تحدث في السعودية بنفس المقدار.


يقودنا هذا التحليل الى الحل الأمثل والأنجع ، وهو السعي لتحقيق الوحدة العربية ، خذ أي أقلية في الوطن العربي مثالا وقس حجمها الى ال 300 مليون عربي ، حتما ستذوب هذه الاقليات في بوتقة الأمة ، مع عدم اغفال الحرية ، فدكتاتورية الأغلبية ليست أفضل حالا من دكتاتورية الأقلية ، وبالعدالة الاجتماعية القائمة على الضمانات ومنع الاحتكار والفساد نحقق المجتمع الاشتراكي ونسد الثغرات التي يستغلها العدو .


قد يقال أن شعار الوحدة العربية حلم جميل ، ولكنه صعب المنال ، فنقول أن الشعب الذي أسقطت فئة خيرة منه حاكما طغى 30 عاما خلال أقل من 30 يوما يستطيع فعل المعجزات إن تسلح بالايمان والوعي ، ويحق لنا بعد انهيار حاجز الخوف وبزوغ الفجر الجديد أن نبدأ بترجمة أحلامنا الى خطوات تبعث الأمة من جديد وتحقق الوحدة والحرية والاشتراكية .

 

 





الثلاثاء٢١ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عمر العكيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة