شبكة ذي قار
عـاجـل










عبرت قوات درع الجزيرة جسر الملك فهد، فتبخر الحلم الايراني في اقامة (جمهورية البحرين الاسلامية)، بعد ان استغلوا تظاهرات شعبية وطنية خرجت للاصلاح ورفض الفساد، وحرفوا اتجاهاتها خدمة لاهدافهم، فاضروا بالحاكم والمحكوم، والمعارضة والموالاة، فحصل الشرخ. كان انتقال تلك القوات الى البحرين هو توسيع لحدود الخريطة السياسية السعودية بالقوة، كما انه ابتلاع لتلك الجزيرة التي تعتبرها ايران احدى محافظاتها، وبذلك فقد صد الدرع الخليجي الخنجر الايراني عن الخاصرة السعودية، فكانت الضربة الاولى. اما الضربة الثانية فكانت في التاسع من ايار/ مايو الجاري، حيث عقدت القمة التشاورية الثالثة عشرة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض. كانت الرهبة مما حصل في البحرين تعلو سقف قاعة الاجتماع، فكان الاعلان الصادر عن المؤتمر بتوسيع عضويته لتشمل الاردن والمغرب، هو توسيع للمصدات الامنية ضد المطالبات الشعبية بالتغيير، الذي قد يحصل داخل منظومته، كما انه ايضا خطة استباقية استراتيجية امنية وعسكرية واقتصادية، لمنع الاستغلال الايراني لتلك المطالبات في حالة حصولها. هكذا فهمت ايران تلك الخطوتين بانهما موجهتان ضدها، ووفقا لعنجهية القيادة الايرانية فانها لا يمكن ان تتحمل كلفهما السياسية بدون ان تجعل الطرف الاخر يدفع كلفا سياسية ايضا، ربما ضعف ما تحملته هي من جراء تلك الخطوة، فهم يراهنون على الزمن دائما. حصل هذا في العراق عندما انتصر عليهم في حرب الثماني سنوات فتجرعوا السم، لكنهم لم ينسوا ذلك، حتى سنحت لهم فرصة الغزو في العام 2003 فانتقموا. فهل سيدفع العراق ثمن انكفاء مشروعهم (جمهورية البحرين الاسلامية) ايضا؟


لقد انتصرت ايران في العراق بما يوازي النصر الامريكي او قد يفوقه بعض الشيء. خسر الامريكان ما يقارب 5000 عنصر كما هو معلن، و800 بليون دولار. كانت ارباحهم اخراجه من حلبة الصراع العربي ـ الاسرائيلي وضمان امن اسرائيل، ومصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية. لكن الربح الايراني كان بلا خسارة. مصالح اقتصادية وصلت الى اكثر من 10 مليارات دولار، وايجاد فرص عمل لمئات الاف من العاطلين في المصانع التي انشئت في المناطق الحدودية، خصيصا لتلبية حاجة السوق العراقية من اردأ البضائع. مصالح اجتماعية بعمليات التجنيس السياسي بحجة المهجرين سابقا والزيجات المختلطة. مصالح سياسية من خلال وصول الاحزاب والشخصيات المرتبطة بايران الى مراكز القرار السيادي، ومصالح امنية استراتيجية من خلال الاف الواجهات المخابراتية باغطية ثقافية وانسانية ومنظمات مجتمع مدني واحزاب. وحتى عندما ترغب ايران في مشاغلة الامريكان واستفزازهم لتحقيق هدف سياسي، من خلال اللعب بالوضع الامني، فان حطب نارها هو اجساد العراقيين لا اجساد مواطنيها. اذن عندما يكون التغلغل الايراني في العراق بهذه الصورة، وعندما تتحقق المصالح الايرانية دفعة واحدة فيه كما هو اليوم، فما الذي يمنع من اندفاعة ايرانية اكبر يصبح فيه العراق كله او جزء منه، جزءا من الدولة الايرانية بصيغة اتحاد كونفدرالي او بصيغة اخرى؟ فتتقدم الحدود الايرانية السياسية والجغرافية الى الحدود السعودية، ويبدأ التأثير الايراني من خلال اللعب بالورقة الطائفية في المنطقة الشرقية. ألم يبعث الايرانيون رسالة الى الكويتيين يبلغونهم فيها انهم اصبحوا جارهم الجديد عندما احتلوا جزيرة الفاو في العام 1986، ومعروف ماذا كانوا يقصدون من تلك الرسالة؟


لقد شرعت ايران ومنذ احتلالها للعراق اثناء الغزو الامريكي الى دفع اطرافها السياسية لانشاء اقليم الجنوب، وربطه لاحقا باتحاد وفق صيغة ما معها، لكن تحطم المشروع على صخرة العروبة الراسخة في نفوس عراقيي الجنوب، دفعها مجددا لاخراجه بصيغة جديدة، وفي هذا الوقت بالذات، من خلال دفع اطراف اخرى ليست محسوبة عليها طائفيا للمطالبة بانشاء اقاليم في محافظات الوسط ذات صبغة طائفية، مما سيجعل اقليم الجنوب واقعا فعليا على الارض، بعد ان ينفصل الاخرون في اقاليم خاصة بهم، عندها ستتوفر الامكانية اللازمة لاندماجه مع ايران، وبذلك سيكون الداء قد حصل ليس بفعل المحسوبين عليها سياسيا، بل من الاخرين الذين كانوا يعيبون على حلفائها طرح مشروع الاقاليم، وهي قادرة على تحقيق ذلك باسلوبين، اولهما دفع مجاميع مسلحة للقيام بتفجيرات دامية في تلك المحافظات، وبما ان الحكومة عاجزة عن فرض الامن، فان السؤال الذي سيبرز في اذهان الكثيرين هو لماذا نحن موجودون في دولة لا تحمي مواطنيها؟ وبما ان (الدستور) يسمح لكل من هب ودب ان يقيم اقليما له، فلماذا لا نفعل ذلك ونحكم انفسنا؟ وهذا الذي حصل في الانبار وصلاح الدين مؤخرا، حيث التأم شمل وفد رفيع المستوى يمثل الاخيرة بمسعود برزاني، لتلقي الدعم منه لتحويل المحافظة الى اقليم، الذي بارك لهم هذه الخطوة داعيا الى ايجاد عدة اقاليم في العراق. اما الاسلوب الاخر فهو قدرتها على الوصول الى من ليسوا محسوبين عليها ومحاورتهم ودعمهم لتنفيذ مشاريعهم، وقد اثبتت مقدرة فائقة في هذا الجانب، كونها لم تضع اي فيتو على اية شخصية سياسية او عشائرية عراقية، مما جعل الكثير ممن يدعون انهم ضد توجهاتها، يتحاورون معها بواسطة دبلوماسييها الناشطين في العراق، الذين يقدمون الاموال السخية، او من خلال ارسال مبعوثين عنهم الى سفاراتها في دول الجوار العربي وتركيا ولندن، حرصا على عدم انكشاف اكاذيبهم.


قد يفهم البعض هذا الكلام على انه يأتي متوافقا مع الدعوات المعلنة والسرية لتمديد بقاء القوات الامريكية في العراق، وعملية ترويع من النفوذ الايراني الذي سيبتلع العراق حال رحيل الامريكان. انه على النقيض من ذلك تماما، حيث ان الوجود الامريكي في العراق جنبا الى جنب مع الوجود الايراني العلني والمعروف من قبل الادارة الامريكية وقواتها، انما كان نتيجة تفاهم تام استمر منذ ان فتحت ايران اجواءها امام الطيران الحربي الامريكي القادم من قاعدة انجرلك التركية لمدة شهرين، عند غزو افغانستان، ثم استمر هذا الحوار وتطور بعد غزو العراق حينما قدمت ايران خدمات اخرى، تمثلت في دفع ميليشيات تابعة لها (بدر) وغيرها الى حماية ظهر القوات الامريكية الغازية، التي كانت تسقط المدن وتتقدم الى بغداد. عندها اقتنعت الولايات المتحدة بان الدور الايراني ليس منافسا لطموحاتها الاستراتيجية، بل هو دور قادر على خدمة اهدافها وتقليل كلفها العسكرية احيانا، كما انه وسيلة فاعلة لترويع الاخرين وابتزازهم، لعقد صفقات تسليحية ولزيادة ارتمائهم بظلها، وان جل طموحاتهم هو استجداء دور لهم في المنطقة، يجعلهم يعيشون حلم الغطرسة القديمة، لكن تحت الرعاية الامريكية. لذلك فان الاستظلال بالوجود الامريكي خوفا من الوجود الايراني، انما هو وهم كبير، لان التوأمة هي الحالة السارية بين الطرفين في العراق، وان نتائج هذه التوأمة على الواقع ستخلف مزيدا من التشرذم والكوارث السياسية والامنية، في خضم لعبة تحقيق المصالح بين الطرفين الامريكي والايراني.


ان الوجود الخارجي لا يصنع امنا في اية دولة من دول العالم، لان هذا الوجود مرتبط بمصالح، لذلك لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق أمن لا في العراق ولا في غيره، وان الآلية الداخلية التي تحتكم للارادة الوطنية، هي وحدها من يصنع الامن.

 

 





الثلاثاء٢١ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة