شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم علم الولايات المتحدة الأمريكية بهشاشة العديد من الأنظمة العربية ، وسعيها سابقا لإطلاق مزيد من الحريات الديمقراطية في العالم العربي ، وتحديدا مصر لما تمثله من موقع في العالمين العربي والإسلامي ، ولتماسها مع إسرائيل المرتبطة معها باتفاقيات سلام ، ومطالبتها هذه جاءت في سياق قناعتها أن ذلك من شأنه تقوية النظام ، وتقليص العداء المتزايد للأمريكان في العالم العربي ،إلا انه رغم محاولات تلك الأنظمة المتعثرة للسير بنهج ديمقراطي كانت ردة الفعل الشعبية العربية مزيدا من الكراهية لأمريكا التي سكتت ولم تعد تطالب بأي إصلاحات ، وهذا ناتج بالتأكيد لصورة أمريكا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل و المعادية للعرب في الوعي الجماعي العربي ،ولمعاناة الفلسطينيين والعرب نتيجة الغطرسة الصهيونية وإرهاب الدولة المنظم ،بالإضافة لاحتلال أمريكا للعراق وأفغانستان وتشجيعها لإسرائيل ومساندتها في كل حرب ضد العرب .


لذلك وجدت أوروبا نفسها منذ بدء الربيع العربي ، الأكثر تفهما وتواصلا مع الثورات العربية ، ودعمت بشكل واضح سياسيا وإعلاميا المطالب الشعبية ، وارتقت لحظة بلحظة مع كل تصعيد للمطالب الثورية ،هذا في حين ترددت الولايات المتحدة إرضاء لحلفائها من الأنظمة العربية فجاءت مواقفها متأخرة كما حدث في تونس ومن ثم مصر ، وغامرت في النهاية بإسقاط رأس النظام المتمثل في مبارك لتبقى بالمقابل على النظام وهذا يريحها أكثر مع إبقاء الأبواب مفتوحة بعلاقتها مع الجيش المصري.


هذا التردد الأمريكي وضع أوروبا في مكانة أفضل وأكثر قبولا لدى الثوار فكان لها تقدم فاعل وملحوظ على مسرح الأحداث السياسية وهذا ليس تغيرا في موازين القوى بقدر ما هو توزيع للأدوار أملته الحاجة فأمريكا إلى جانب ما ذكر تحتاج الإمبراطوريتين الاستعماريتين القديمتين (بريطانيا وفرنسا) تحديدا لخبراتها السابقة في العالم العربي شعوبا وأنظمة ولإمكانية الاعتماد عليهما في وقت تنهار فيه أنظمة متواطئة مع أمريكا ،التي تعي جيدا رغم عدم طرح شعارات معادية لها من قبل الثوار بأنها غير مقبولة في وضع لم تستقر فيه الحالة الثورية فوجدت في السياسة الأوروبية الناعمة ، والإرث التاريخي الاستعماري الأوروبي سابقا للعالم العربي ، وعدم تصدر أوروبا كداعم استراتيجي لإسرائيل خير عون لها في انجاز مهمة تيقنت أنها لا تناسبها حاليا.


هذا في وقت تحظى فيه أوروبا بتحسين صورتها أكثر في العالم العربي وانعكاس ذلك بالتأكيد على مستقبل العلاقة العربية الأوروبية بما يشمله هذا المستقبل من عقود تجارية واستثمارات في الوطن العربي وإفريقيا الأمر الذى من شانه فتح سوق منافس للنمور الآسيوية ممثلة بالصين والهند وماليزيا وغيرها من الدول الصاعدة اقتصاديا ودفعها بعيدا عن اقتصاديات تلك البلدان بالتعاون مع الولايات المتحدة.


والتجربة الليبية خير دليل على تصدى فرنسا وبريطانيا لعملية التغيير وظهور ذلك في عمل حلف الأطلسي وتحت قيادته لا القيادة الأمريكية في حصار ليبيا وضربها بتمويل أوروبي – عربي ، وظهور فرنسا بمظهر المتسرع على حسم الأمور في ليبيا سواء بالاعتراف بالحكومة الانتقالية أو قصف مواقع وجيش القذافي وكان للتجربة الليبية والثورية تأثيره على وقف امتداد الثورات لباقي المغرب العربي (كنموذج مدمر) عكسته الثورة المستعينة بالخارج ،فصار نموذجا لا تتمناه أي ثورة بيضاء في العالم العربي ، وما جرى من تدمير لمقدرات البلد ،وتهجير وقتل لسكانها ترك سؤالا مفتوحا هل الأسباب التي دعت لها الثورة وهي حتى اللحظة غير واضحة بحجم القتل والدمار الحاصل في هذا البلد؟


لذلك كان الموقف في ليبيا معطلا للمد الثوري ، تبعه السكوت عما يجري في الخليج العربي وترك الأمور بعيدا عن الصخب الإعلامي , في حين أن الموقف من اليمن تأرجح ب ( لعم) مترددة انتهت بالمطالبة بإبقاء النظام مع رحيل رأسه كما الحال في مصر ،في الوقت الذي تتصاعد التصريحات حول سوريا لحظة بلحظة مع تطورات الوضع فيها ، وقد وقفت أوروبا في كل هذا إلى جانب الثورات وبشكل واضح تتقدم معهم خطوة بخطوة ،تاركين للولايات المتحدة تقييم الموقف بحرية وبدون ضجة إعلامية فالحلفاء تقاسموا الأدوار والمصالح ، ولن يضير الآمر الأمريكان إذا ما تقدمت أوروبا مرحليا ، طالما هي الضامن دائما لوحدة أوروبا .


وأخيرا تأتى المبادرة الفرنسية لحل النزاع العربي الاسرائيلى استكمالا للأدوار الموزعة ، ولتلك المبادرة أسباب عدة أولها تخفيف عزلة إسرائيل الدولية خصوصا بعد حرب الرصاص المصبوب على غزة ، وثانيها البدء في حراك سياسي لحل الصراع يمكن بالمقابل أمريكا من الخطو بشكل أكبر وأوضح في التحولات الجارية بالعالم العربي دون إحراج إسرائيل المتواصل للأمريكان بالتسخين الدائم لجبهة الصراع .


ويأتي ثالثا الالتفاف على استحقاق سبتمبر والذي بالتأكيد سينحاز فيه الأمريكان رغم توقيته لإسرائيل وهذا مالا تريده أمريكا ورابعا عدم حسم الأمور حتى تاريخه في ليبيا وحاجة القادة السياسيين في أوروبا تحديدا للتهرب من اى ضغط سياسي داخلي محتمل في وقت يتم التخطيط فيه لحسم المشكلة الليبية بجيوش برية .


و مع الدور االاوروبى الامريكى المتناغم في الالتفاف على الثورات العربية ومحاولة سرقة انجازاتها بتعاون من الداخل ، والنموذج الليبي المدمر ، والحياد في غيرها كالبحرين والى حد ما اليمن تتوجت الأدوار بالمبادرة الفرنسية لحل الصراع ، ووجد الفلسطينيون أنفسهم بين خياري الرفض أو القبول ، بين الذهاب لاستحقاق سبتمبر أو إعادة بدء التفاوض في فرنسا على أساس حدود عام 1967 .


فوافقنا أن نسير في ظل موازين القوى الحالية لفرنسا وعيننا على استحقاق سبتمبر ، ليقيننا أننا سنذهب لاستحقاق الدولة تأكيدا لحقنا السياسي والوطني وعيننا على تطبيقه أمرا واقعا بالتفاوض فهل من بدائل فلسطينية أو عربية بعيدا عن الشعارات الجوفاء .

 

 





السبت٠٩ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جمال ابو لاشين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة