شبكة ذي قار
عـاجـل










في الوقت الذي اندفعت فيه أوروبا بكل قوتها نحو المنطقة العربية , ونجاحها لحد ما بفرض أجندتها على مسار الثورات العربية صعودا ونزولا مع الحالة الثورية , وبمباركة و رضي الولايات المتحدة الأمريكية عن هذا الدور سواء لخبرة ( بريطانيا وفرنسا ) تحديدا الاستعمارية للوطن العربي , أو بحكم تجربتها الديمقراطية ووقوفها على مسافة تؤكد عدم تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل كما هي أمريكا , نجد أن روسيا تقف من الأحداث موقفا تحليليا وإعلاميا بعيدا عن التدخل الواضح والمباشر في ميلها لجهة بعينها , أو دعمها لفئة ضد الأخرى وتجد روسيا مبررا لذلك الموقف من منطلق رؤيتها لما يجري في الوطن العربي .


فروسيا ترى أن ما يحدث ليس ثورات بقدر ما هي صراعات بين النخب السياسية , وتميل بقوة لحفظ مصالحها في المنطقة العربية بعدم تدخلها فيما يجري دفاعا عن مصالحها , حيث تؤكد على الدوام توجهاتها قياسا بمصالحها , لذلك نراها تتعاطى مع الأحداث بردات تبدو بطيئة لكل مراقب إلا أنها تصفها بالحيادية , وهي لا تفضل أن يحسب عليها ميلها لطرف دون الآخر فنجدها تلجأ لسياسة توفيقية تدعو فيها الأطراف المتصارعة للحوار , وكلما وضحت لديها الرؤية ازدادت ميلا لأن تبدو أكثر مرونة مع الجانب المتقدم ,متخذة من مواقف جامعة الدول العربية غطاء لها بين الحين والآخر مبينة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بأنها غير مجبرة على الاندفاع في حين يقف العرب مترددين .


ولفهم هذا السلوك السياسي أكثر سنعود قليلا للوراء حتى نتمكن من تفسيره فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي سابقا اثر العملية التي أطلقها الرئيس غورياتشوف تحت اسم ( إعادة البناء ) أو البريسترويكا , وما تبعه من انهيار لبنية النظام و تقلص دوره الدولي بعد انحسار نفوذه ، وفقدانه الجمهوريات المتحدة معه بالإضافة لدول أوروبا الشرقية الاشتراكية وانتهاء حلف وارسو المناوئ لحلف الأطلسي ( الناتو ) , وجد الروس أنفسهم في موقف يتطلب النهوض , وهذا تطلب سياسة جديدة ركزوا فيها على عاملين أولهما العامل القومي و التهديدات المحيطة وإبعاد أي أخطار محتملة من الجوار الروسي , وثانيهما التقدم اقتصاديا وإخراج روسيا من حالة الضعف الاقتصادي الذي لحقها جراء سباق التسلح وانفصال الجمهوريات المتحدة معه .


فعملت على المزيد من النمو الاقتصادي ورتبت بيتها ومحيطها الجغرافي المجاور وأصبح منهجها كما صرح به رئيس الوزراء سيرجى ايفا نوف يتركز في " أن روسيا لم تعد تصدر الأيديولوجيا بل تصدر الأعمال " , وهذا تطلب منها التماهي مع السياسة الأوروبية و الأمريكية إلى أكبر حد ,و إهمال القضايا السياسية العربية خصوصا وأن منظمة التحرير الفلسطينية قد دخلت العملية السلمية , بذلك استطاعت النهوض اقتصاديا , واتبعت مبدأ " المناكفة السياسية " من وقت لآخر كنوع من استعراض القوة والنفوذ فرضه الواقع في المنطقة العربية لكل دولة تحاول أن تظهر قوتها , شجعها على ذلك اختلال التوازن الدولي , بحيث تتدخل من آن لآخر دون أي انعكاس حقيقي على الواقع السياسي خصوصا فيما يخص القضية الفلسطينية .


وبعد احتلال العراق وأفغانستان ازدادت صراعات المصالح بين الروس والأمريكان , فتقدم أمريكا نحو الجنوب الآسيوي , وتدخلها في شئون دول القوقاز فرض على الروس تقاربا سياسيا واقتصاديا مع الصين إضافة إلى خوضها حرب الشيشان وبعدها جورجيا التي دارت شبهات حول دور أمريكي إسرائيلي في إثارتها , وقد اقتربت من حركة حماس ومن السلطة الفلسطينية بسياسة اللعب على التناقضات فقربت حركة حماس لتهدأ دول الجوار المسلمة خصوصا بعد الذي حدث في الشيشان ولتهدئة وضعها الداخلي حيث يعيش 20 مليون مسلم في روسيا , وبالمثل تعاملت مع السلطة الفلسطينية في محاولة منها للعب دورها في الرباعية لتوازن سياساتها ، والتي تقصد بها إنذار الولايات المتحدة فيما يخص مصالح الروس القومية في نفس الوقت وحسب تصريح للرئيس بوتين أنه " مهتم للعلاقة مع إسرائيل التي يوجد بها أكثر من مليون يهودي روسي يمثلون 22% من سكان إسرائيل " هذا إضافة إلى حجم تبادل تجاري وصل العام 2010 إلى 1,15 مليار وارتفاع متزايد للسياح القادمين من روسيا لإسرائيل .


بالمحصلة نصل لنتيجة مفادها أن روسيا تتحرك حتى اللحظة بدافع مصلحي بحت تحاول خلاله الظهور كقوة دولية لا تزال لها مخالب , مع تأكيدها المتواصل على تحسين صورتها لدى العرب والمسلمين , لذا لم يحظ أي تحرك لهم برضى أمريكا ولم يكن لتحركاتها المحدودة والموسمية أن ترقى لدرجة الفعل لأنها ارتضت الحرب الخفية بديلا عن التأثير المباشر .


فحلف الناتو واقترابه منها هو الهاجس الأكثر قلقا بالنسبة لها , لذلك تحاول استثمار أي صراع موجود في المنطقة العربية بإغراقه بالسلاح الروسي كبديل جاهز للسلاح الأمريكي , ولا تنسى قدرة دول الخليج المادية وإمكانيات جذب رؤوس الأموال للاستثمار فيها .


إن روسيا وهي تمر حاليا بمرحلة تتصارع فيها مع الولايات المتحدة و أوروبا على مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي , غير مسلمة بمبدأ التفرد الأمريكي أو أحادية القطب ، وإنما تجد في الاقتصاديات الكبرى بديلا للصراعات التناحرية ولأن الجميع يلتقي عند المصالح نجد أن الثورات العربية أصبحت جزءا من الصراع الدولي فحين تلتقي مصالح البعض وتتنافر مصالح أخرى تزداد الثورات عنفا ودموية , وتفقد أهدافها إذا مالت إلى جانب من الجوانب المؤثرة في التغيير , وسيبقى الوفاء للأمة والوطن هو مقياس صدق أي ثورة وإلا ... فتقسيم المقسم من الوطن العربي هو المصير القادم الذي لا نتمناه 00 والأوطان لاتبنى بإراقة دماء الإخوة .



jamal-67-lash@hotmail.com

 

 





الخميس١٤ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جمال ابو لاشين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة