شبكة ذي قار
عـاجـل










لو صرخنا اليوم بعلو صوتنا أن تركيا الصاعدة اقتصاديا وسياسيا , وأحد اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط , والمناكفة لإسرائيل منذ فترة قريبة " هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل , وعلاقتها بها بدأت منذ العام 1949 وتطورت حتى العام 2009 في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية " لصدقنا القليلون , ولكنها الحقيقة المثبتة والظاهرة للعيان ولكل من ينظر في تاريخ العلاقة بين البلدين , لذا نحن أمام سؤال كبير ومهم وهو لماذا التحول التركي , وما هي أسبابه وأهدافه ؟!.


فبتاريخ 2003.4.9 احتلت قوات التحالف الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العراق شعارهم في هذا الهجوم الهمجي " نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب " في وقت صمتت مصر عن هذا الهجوم والاحتلال للعراق , وخسرت بذلك آخر خيط يبقيها رائدة للعالم العربي , فانكفأت على ذاتها وحاولت أن تتبنى شعار نشر الديمقراطية في مصر , ولكنها فشلت لسبب بسيط كونها لم تكن جادة في مسعاها , ولأن شعبها أدرك بحسه الوطني عدم أهلية النظام الرسمي للعب هذا الدور , وبذلك غاب أهم لاعبين في العالم العربي وهما العراق باحتلاله , ومصر بانهيارها من الداخل .


في ظل هذا الغياب لدولتين فاعلتين في العالم العربي . تكالبت إيران وتركيا على ملء الفراغ الإقليمي , فإيران عاثت فسادا في العراق وتدخلت في دول الخليج , ولعبت بالورقة الفلسطينية واللبنانية وحاولت إحراج مصر لتسلبها دورها الريادي وبدل أن تتحفز مصر بقوة أكبر ظلت تتراجع في سياساتها الضعيفة سواء فيما يخص العرب أو ما يخص سيادتها وأمنها الحيوي .


ومع استشعار تركيا لطموحات إيران , وتأكدها أنها تسير في مشروعها النووي دون ضغط حقيقي عليها لتبقى " فزاعة العرب " , وليقينها أن الولايات المتحدة بعد تورطها في احتلال أفغانستان والعراق وتحالفها مع إسرائيل أصبحت أكثر ضعفا , وأكثر ميلا لإبقاء يدها نظيفة في حين تستغل الآخرين بخبث ليوسخوا أيديهم , ولأن طموحات تركيا بدخول الاتحاد الأوروبي لايزال قائما, دخلت بقوة على خط العالم العربي ولعلاقتها القوية بإسرائيل , رأت بداية أن تكون وسيطا للسلام وحاولت منذ العام 2005 تقريب وجهات النظر بين دول إسلامية وإسرائيل .


ولتلعب دورا يليق بالمكانة الإقليمية التي تسعى لها , تحولت في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية كمدخل للإقليمية , فالتاريخ يثبت أن الدول لا تظهر قوتها وتأثيرها إلا بحجم تدخلها في الصراع العربي – الإسرائيلي في نفس الوقت سارت باتجاه منفتح على العالم العربي , وأحرزت تقدم داخلي عمل على نمو اقتصادها , وأبقت علاقتها مع إسرائيل فملفات تلك العلاقة كبيرة ومتعددة , وظل موقفها لفترة يتأرجح ما بين تبنيها للمسار العربي وموقفه من التسوية , ومراعاة وجودها في حلف الأطلسي , وبالتالي تحالفها مع الولايات المتحدة وعلاقتها بإسرائيل , وهذا التأرجح جعل من أنقرة وسيطا مقبولا لدى كل الأطراف .


ولإدراك تركيا أن الدور الإقليمي الذي ستناله سيكون عنصر جاذب للاتحاد الأوروبي لتقبلها خصوصا أنه رغم كل الإصلاحات التي طالب بها الاتحاد الأوروبي كشرط لقبولها فيه تم الالتزام بأغلبها إلا أنها لا زالت غير مرغوب فيها , سعت بكل قوة لتطوير علاقاتها مع سوريا كمدخل للعالم العربي بكل أطيافه , وبهذه العلاقة أمسكت بالطرفين المتصارعين في سياسة الشرق الأوسط .


ولم تقف عند هذا الحد بل فتحت علاقاتها مع إيران على قاعدة ( قرب أصدقاءك أما أعداءك فقربهم أكثر ) طارحة نفسها وسيطا بين إيران والغرب , ودخلت كوسيط في ملف المصالحة الفلسطينية وبذلك أكملت مسك كل الخيوط .


ولتكسب أكثر تعاطف العالم العربي سعت للوقوف إلى جانب حصار قطاع غزة , وأرسلت المساعدات لأهالي القطاع وهذا ما لم يعجب إسرائيل رغم علاقتها القوية بتركيا , وسببه نظرة إسرائيل بتوجس لأي دور إقليمي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي اعتقادا انه قد يكون بديلا محتملا لدورها في المنطقة .


وتفجرت العلاقة بينهما في مؤتمر دافوس في 29/1/2009 اثر انسحاب رئيس الوزراء رجب طيب أوردوغان لعدم موافقته على طريقة شمعون بيرس في الحديث عن الحرب على غزة وبذلك سجلت تركيا نقاط اكبر في قلب الشعب العربي ، ولكن تركيا لم تقطع علاقتها بإسرائيل بل أبقت عليها فالتعاون الأمني والاقتصادي لازال مطلوبا والمعدات العسكرية وأجهزة رصد المتمردين الأكراد في تركيا لا تزال مطلوبة من إسرائيل المتعاونة في هذا الشأن تاريخيا مع تركيا .


وحتى يناير . 2010 زار أيهود براك وزير الدفاع الاسرائيلى تركيا وصرح أن 60 معاهدة لا تزال سارية المفعول بينهما ، ولعدم وضعها في خطر اتفق الجانبان على الاستمرار في تفعيلها ، وجاءت حادثة سفينة فك الحصار على غزة " مرمرة " في 31 / 5/ 2010 لتدهور العلاقات أكثر بين تركيا وإسرائيل إلا أن باب العلاقة بينهما لم يقفل تماما وظل مواربا بانتظار اعتذار إسرائيل وتعويضها المادي عن الخسارة في الأرواح والممتلكات ، حيث فضلت تركيا الوقوف مع شعبها , في حين إسرائيل لم تعتذر .


لكن رغم كل التناقضات السابق ذكرها , ومع بدء الثورات العربية بما حملته من معاني سامية للتغيير , ولإسقاط أنظمة حاكمة مستبدة , إلا أنها أيضا كشفت حجم التآمر الدولي على العالم العربي بحيث صارت جزء من الصراع الدولي بين أوروبا وأمريكا وروسيا والصين وغيرهما من الدول وكشفت القناع عن العديد من المناصرين للعرب ليظهروا وجههم الحقيقي .


فالخليج العربي قرر الوقوف في وجه إيران وتدخلاته في الخليج بعد إدراكه أن أمريكا أدارت ظهرها للعرب , وقد أقحمت إيران باكستان في الموضوع كمتحيز للخليج ضد إيران وبذلك ظهر الصراع سني – شيعي ( فارسي ) قد يكون الهدف منه تقوية جبهتها الداخلية مما يساعدها على تجاوز تأثيرات الثورات العربية بتهويل الخط الخارجي .


في حين أن تركيا ساندت الثورات منذ البداية وحاولت التململ في الموضوع الليبي , إلا أنها سرعان ما تبنت وجهة النظر الأوروبية ، وفي الموضوع السوري ارتبك الأداء الرسمي التركي ما بين سعيها مع دمشق لتحقيق التهدئة الداخلية وبين محاولة تفاهمها مع الولايات المتحدة وبعض الأطراف الأوروبية الغربية في حالة ما ازدادت الأمور تفاقما في سوريا .


وقد فسر البعض هذا الارتباك لإدراك تركيا أن تأثيرها في المنطقة بالأساس اعتمد على البوابة السورية , وأن علاقات التعاون معها فتحت للإستراتيجية الخارجية التركية آفاق أرحب وأوسع وساعدتها في تنامي دورها الإقليمي , وفي نفس الوقت فسر آخرون الارتباك التركي في موضوع سوريا بالتخوف من تصعيد الأكراد المتمردين في الجنوب التركي وانتقال الثورة لتركيا بالعدوى أو بتساقط حجارة الدومينو , وانتهاز المعارضة لديها الفرصة للقيام بتعبئة سياسية قد تسبب الفوضى والاضطراب , وهذا ما تنتظره المؤسسة العسكرية التركية التي كانت على الدوام صاحبة القرار الأعلى فيما يتعلق بسياسة الدولة ومع وجود أرضية تفاهم مشتركة أمريكية – تركية على الحفاظ على مصالح تركيا الحيوية في المستقبل تغولت السياسة التركية وانقلبت على سوريا وأصبحت تقوم بالمهمة القذرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا .


بالمحصلة نجد أن التغول التركي تحت شعار مناصرة الثورات سواء بموافقتها على ضرب ليبيا أو تهديدها النظام السوري , لم يكن سوى سد للفراغ العربي الصامت والمراقب بعجز , وتمشي مع السياسة الأوروبية الأمريكية تجاه التغييرات في الشرق الأوسط , وما تبني إسرائيل لسياسة إستراتيجية تجاه الثورات توصف " بالسلبية " أي لا تدخل أو تشويش بل الصمت إلا توافقا مع كل ما يجري طالما أنه لا يصب في خانة العداء لإسرائيل , وإسرائيل التي كانت تقف موقفا تطالب فيه عدم التصعيد في سوريا , أصبحت أكثر رغبة في أن تظل المظاهرات مشتعلة فيها وتطالب الأمريكان بعدم إطفاء جذوتها بل دعمها حتى يزداد حزب الله ضعفا .


إذا تلاقي الاستراتيجيات والمصالح الأوروبية الأمريكية , ولعب تركيا دورا في الصراع الشرق أوسطي يجعلنا نجزم أننا لم نكن سوى جسرا مر عليه كل الطامعين في العالم العربي , ووسخنا نحن أيدينا وبقيت أيديهم طاهرة , وسيحصدون بالنتيجة ما زرعناه نحن بفرقتنا وتشتتنا وضعفنا .



jamal-67-lash@hotmail.com

 

 





السبت٢٣ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جمال ابو لاشين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة