شبكة ذي قار
عـاجـل










ما من معلومة على الارض الا وكانت لها بدايات بسيطة شكلت الاساس الرائع لبناء صرح أفضل من خلال مساهمة الجهد الانساني عبر الاجيال كي يصل الى مانحن عليه الان في تراكم فكري يشمل كل الميادين من فلسفة وأدب وفكر واكتشافات علمية. انها صراع الافكار الايجابي, وطرح النقيض لاية فكرة لايتم في غياب فكرة مسبقة تتحاور مع الجديد بحركية ناضجة.


والسؤال المطروح يتعلق بماهية الشخصية والاداء الانساني الذي يقودنا لفهم سر الحياة وجوهرها, أخال هذه الشخصية محبة للعلم والتطور, ولديها الاستعداد العالي للتضحية ونكران الذات, غير منغلقة على نفسها, هاجسها حب الناس, لايعرف الحقد منفذا فيها, انتمائها لوطنها وتربتها, تحمل أبعاد انسانية ولكن جذورها راسخة في أرضها, لاتبحث عن أمجاد شخصية وكل ماتقدمه برغبة منها يقدم خالصا الى أبناء جلدتها, انها تعرف أن حقها لن يسلب من الاخرين بأية ذريعة كانت, انها لاتستجل الطريق كي يقال في أنها هي السباقة لانها تعرف أن المجتمع ومؤسساته لن ينكرا أو تسرقا جهدها ولن يلغى هذا الجهد بغضبة منفعل فهي تؤمن بالصبر الفاعل لتحقيق الهدف.


شخصية لاتعرف التذبذب بالمواقف كما هو حالنا, نستعجل في منح الحب وننقلب بسرعة كي نصب جام غضبنا ونحن في كلتا الحالتين مخطئون.


ولكي تنمو هذه الشخصية يتطلب الامر حاضنة ناضجة ومؤسسات تعنى بحفظ التراث تقديسا واحتراما لانه ثروة المجتمع الحقيقية, فلا غرابة عندما كان أول اجراء قام به الالمان وهم على أعتاب الحرب العالمية الثانية التي خسروها أن يقوموا بجمع ماتبقى من تراثهم الثقافي والعلمي والفلسفي بما تحتويه مكتباتهم من ذلك.


ان العالم يسير بتعجيل وبسرعة هائلة لاجل التطور, ولذا فكل يوم يمر تتسع الهوة بيننا وبين العالم المتحضر, ولا أدعي هنا بأن تخلفنا مرده العوامل الذاتية السلبية فينا حصرا فهناك في عالمنا صراع دائم على المصالح والتخطيط يواجه بتخطيط مضاد تستخدم فيه اساليب شتى قد تصل حد القذارة وبلا أية قيمة انسانية حيث أن السياسة لاتعرف العواطف وهي ليست حب أو كره دائم بل علاقات ومصالح متغيرة.


وعودة الى صلب الموضوع كي اتسائل عن الدافع الذي يحدونا في كل مرة أن نلغي كل ماسبق كي نبدأ من الصفر أو مادون الصفر في أحيان كثيرة كما هو حالنا الان في العراق.


منذ الاطاحة بالحكم الملكي في العراق عام 1958 وأنا من جيل عاش السنين الاخيرة منه ولغاية يومنا هذا تتكرر الحلقة المفرغة والمأساة التي تدفعنا لنقد واستهجان كل ماسبق بالكامل وطرح بدائل تجريبية غير موثوق من صحتها بمزاجية وغرور قاتلين, والمأساة في أننا نعود الى أفكار تجاوزها الزمن وسخر منها.


ففي ماسميناه ثمرة تموز عام 1958 وهي ثورة حقا ولكنها لم تختط الطريق والوسائل الصحيحة, في تلك الثورة الغينا كل قيم ومفاهيم العهد الملكي واتهمناها بالرجعية والعمالة والتبعية للاستعمار بشكل مطلق, الغينا هيكلية كاملة قبل الاستعداد لطرح البدائل الصحيحة فكانت الكارثة في فوضى عارمة لانعرف من يحكم فيها ومن هو صاحب القرار, ساد حكم الشارع الجاهل المتخلف وغاب دور المؤسسات, لقد كان فيها الغاء الاخر الى حد تصفيته جسديا وبابادة جماعية أحيانا.


حصل ماسمى بالصراع الشيوعي القومي المقيت وكان اللاعب المؤثر لايرى, كان اللاعب قوتين تتصارعان على ساحتنا على مصالح كبرى في هذا العالم وكنا وقودها الذي يحترق دون ادراك منا.


ليس الذنب ذنب المتصارعان بطبيعة الحال فهذا هو حال الدنيا وعلينا ان نعترف بأننا الجهلة الذين سقطنا في هذا المستنقع باختيارنا.
المأساة في أننا لانعرف الاستفادة من تجارب الماضي وواصلنا اللعبة وبنفس الطريقة فيالنا من جهلة نصر على جهلنا لاننا لم نعرف من نحن وماذا نريد, وكيف السبيل للتعامل مع هذا العالم المتلاطم الامواج وأننا مجرد وسائل تستغل لتحقيق أهداف التماسيح الكبيرة.


لذا كانت ردة فعل التيار القومي عاطفية خلطت عشوائيا مابين المواقف المبدئية و نزعة الثائر البدوي وغاب التصرف المركزي المنظم وعاد ابن الشارع منظرا ومقررا لما يجب أن يحدث, وتأججت صراعات ثانوية أطاحت بالتجربة في نهاية المطاف وتكررت الحلقة بنفس النمط على يد القادمين الجدد.


تتابعت الثورات والانقلابات لنستمر بالخسران الذي أوصلنا الى مالعراق عليه الان, ومن المؤكد أن هناك أسباب أخرى اضافة الى الجانب الذي أتناوله في مقالتي هذه ولكن يبقى لموضوع البحث أثره الرئيسي في مجرى الاحداث.


هذا الذي حصل في نهاية المطاف, انفلات أمني واحتلال أمريكي فارسي وانتماءات لما وراء الحدود ومد طائفي جوبه بمد مقابل, ذبح وقتل وسرقات ليس لها حد, وكل يغني على سمفونيته المستوردة دون أن يدري, ومدير مسرح الدمى يتفرج ويدير المشهد كيفما يشاء, تصريحات من هذا وذاك وكلها ردود أفعال ولا وجود لنية صادقة , ازدواجية في المعايير حسب الحاجة, قتل العلم والعلماء والاستمرار في موضة الاجتثاث رغبة بالاستفراد. نطرح النقائض وندعي مايفوق قدرتنا, نستورد أفكار الاخرين لانا لم نبن أرضيتنا الخاصة بنا وكأننا بلا هوية ولا عمق تاريخي ولا تراث خاص بنا .


المواطن مغلوب على أمره مسلوب الارادة وهاجس الخوف من الاقدام على التمرد لما تمليه عليه مرجعيته مغروس في داخله كي لا يشعر بأنه ابتعد عن دينه أو مذهبه والثروات تنهب.


وماوراء الحدود بالا استثناء طامعون وشامتون وحاقدون التقت رؤياهم في ابقاء العراق والعراقيين في الدرك الاسفل من التخلف ونحن لانرغب في أن نعي ذلك.
أيعقل أن ندعو الى النهج الديمقراطي ونمجد عبادة الفرد كائن من كان. هل تنسجم دعوتنا في حصر ولائنا المطلق دون نقاش الى مرجعية لها القول الفصل ولا أقصد هنا التشكيك ولكن موقف كهذا غير منسجم مع نفسه, هل هيئت شروط تحقيق ديمقراطية ناجحة وهل تخلصنا من نزعة الانا والفردية في داخلنا.


هل اتفقنا على العيش معا أم نخفي نيات أخرى, وهل اتفقنا على نمط الحكم الذي يصلح لنا وهل تم تعريف مصطلحات كثيرة كالفيدرالية واللامركزية وهل حسمنا رأينا في العلاقة مابين الدين والسلطة في مجتمع متعدد الاديان والطوائف والمذاهب المستخدمة خارجيا وعبر التاريخ لاغراض الفرقة والتفتيت, أم أن لدينا الاستعداد للتجزئة والسودان خير مثل على ذلك حيث كان الكيان الصهيوني أول المباركين والمعترفين بالدولة المنفصلة والمهللين لها, أرأيتم سذاجة الذين رفعوا العلم الاسرائيلي الى جنب الدولة الصنيعة فرحين بانجازهم هذا, ومن أوصلنا الى هذا الحال , اليس لسلوكنا الخاطئ دور في ما نحن عليه.


يدعو مسؤؤل الى عدم تغييب وتهميش الاخر, والاخر يقتل بيد مجهول, ومؤسسات الدولة مهيمن عليها من قبل طائفة دون أخرى وأتحدى من يثبت العكس فاليأت بأحصائياته التي تثبت ادعائه حيث المراكز الحساسة المهمة مهيمن عليها بنفس النمط, اليس هذا السلوك  اجترارا لانماط سرنا عليها وحصدنا ما حصدنا, أين عراقيتنا اذا, انها في تصريحاتنا ولا أبعد من ذلك.


رئيس الدولة يشيد بدور ايران والمدفعية الايرانية تقصف المناطق الشمالية, اخوتنا الاكراد يدعون السلطة المركزية لأخذ دورها ويرفضون أن يكون لها دور في مواقف أخرى.


وزير التعليم العالي عازم على تطوير التعليم العالي في خطوته الاولى من خلال استخدام صيغة المسائلة والعدالة لاجتثاث الاخر فيالها من عدالة مابعدها عدالة في ظل دولة (القانون).


هل يحق لنا أن نستغرب تكرار المأسي السابقة أم نحن الذين نشجع عليها بتجاهلنا لمنطق الاشياء.
نحن لانتصرف من منطلق الانتماء للوطن وانما على نمط أتعس من سلوك دويلات بني الاندلس الذي أطاح في النهاية بالجميع فهل نتعض أتمنى أن نكون كذلك.

 

 





الاثنين١٧ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو سرمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة