شبكة ذي قار
عـاجـل










معروف للمهتمين بالشأن الاستراتيجي، للصراع العربي الصهيوني،وموازنات الأمن الإقليمي في المنطقة العربية ،أن قيام ثورة 17 تموز1968جاء في جانب منه، ردا تاريخيا على هزيمة حزيران عام 1967،في حين كان من جانب آخر، بداية النهوض العربي المعاصر. لذلك فقد واجهت الثورة عبر مسيرتها العملية الظافرة، في بناء التجربة النموذج، للأمة العربية في العراق،ومنذ اللحظات الأولى لتفجيرها، حتى الاحتلال عام2003، تحديات خارجية وداخلية غير مألوفة،لأنها كانت ثورة من نمط غير مطروق،بحيث استحقت أن يطلق عيها بجدارة،ثورة الطريق الخاص.فكانت حقا الثورة غير المسموح بها،كما كان يصفها الإعلام المضاد،ذلك لأنها تجاوزت كل الخطوط الحمر، التي حددتها الإستراتيجية الأمريكية للثورات في العالم الثالث.

 

ومع ذلك فقد استطاعت أن تتعامل مع تلك التحديات بحكمة عالية،ليس بالقفز من فوقها بطفولية متهورة، وإنما بإبداع صيغ عمل جديدة، وتطوير إستراتيجيتها العملية، وتجربتها النضالية،كلما أمكنها ذلك.. بما يستجيب للتطورات الحاصلة، في الواقع العراقي، والمحلي، والإقليمي، دون أن تتجاهل ما يجري في العالم من تطورات دراماتيكية، وتحولات سياسية، واجتماعية، وعلمية، وخاصة بعد الثورة التكنولوجية، وعالم ما بعد الحداثة، وما فرضه الواقع الجديد على الثورة، من ضرورات التجديد، والانفتاح، والانخراط الإيجابي في سياقات تلك التطورات المتسارعة في فضاء معولم مفتوح، من دونما تخلي عن الثوابت الوطنية والقومية، في بناء مجتمع عراقي حر، تقدمي متنور، وعقلاني،‏يكون قاعدة انطلاق مشروع النهوض القومي التحرري الوحدوي. فنهضت بالصناعة، والزراعة ،والنقل والاتصالات، والتعليم العالي والبحث العلمي، ومحت الأمية بشقيها الحضاري والتعليمي، وأنشأت جيشا من العلماء في الصناعة، والتصنيع العسكري،والتعليم العالي والبحث العلمي، وأنجزت مهمات التحرر الاقتصادي والسياسي، بتحرير الإرادة الوطنية،بعد أن أممت الثروة النفطية والمعدنية، من هيمنة الاحتكارات الأجنبية، وأرست تجربة الحكم الذاتي، في سابقة تقدمت على كل الأطروحات السائدة، لمعالجة القضية الكردية، ومشكلة الأقليات في منهج إنساني منصف.


وعندما تجاوزت الثورة الخطوط المسموح بها،، كان لابد أن تضرب وتسحق،لأنها أصبحت عقبة في طريق مشروع إعادة صياغة المنطقة بالعولمة،لاسيما بعد انفلات القطب الأمريكي بالأحادية القطبية،بعد انهيار قطب الاتحاد السوفيتي,


ولأن واقع الأمة العربية كان فاسدا، ويعاني من وضع منهك، وتجزئة مقرفة، وتبعية مهينة للسياسة الأمريكية، بحيث كان النظام السياسي العربي، ومؤسسات الجامعة العربية، كأنها أقسام تعمل في وزارة الخارجية الأمريكية، فكان الوضع العربي بما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية، عاجزا قيادات وقوى سياسية ومدنية،أن يكون على قدر المسؤولية التاريخية، بالمواجهة الواعية المسئولة، للتعامل مع ما يجري على الساحة، ولم يستطع أن يمنع ما كان يدبر للعراق من مصير، بل إن بعض الأقطار العربية، كان أداة رخوة في التنفيذ، فلم يكن بإمكان العرب احتواء ما يجري واستيعابه، ضمن ضمن إستراتيجية قومية، تزج القدرات العربية بالكامل في مواجهة التحديات، وتصد التآمر على العراق وتمنع تجربته الناهضة.


ووقع عبء المواجهة والدفاع عن الذات والأمة بالكامل على العراق بمفرده، في ذات الوقت الذي بدأ فيه العراق يتصدى، لمشوار الإصلاح والتجديد، حيث طرح مشروع التعددية الحزبية في سابقة لم تكن مألوفة، وباشر الاستعداد للحوار والانفتاح، على جميع القوى السياسية، وقبول التحدي الديمقراطي، ومبدأ التداول السلمي السلطة،والانتقال من المشروعية الثورية إلى المشروعية الشعبية، بالاحتكام إلى الجماهير،من خلال اللجوء إلى صناديق الاقتراع، لتكون الطريق الوحيد إلى قيادة المجتمع والدولة في القطر،لو أتيح له أن يستكمل مشروع التغيير والإصلاح الشامل.


لكن المؤامرة كانت فصولها تحاك بسرعة،وتستعجل الدهاليز الامبريالية،إحكام الطوق على الثورة في العراق، فجاء الحصار الظالم لينهك الحال، فدمر الزرع والضرع. ثم تمت فبركة كذبة أسلحة التدمير الشامل، وأخيرا كان الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق بقرار منفرد من الإدارة الأمريكية،وتم وأد الثورة وتقويض تجربتها العملاقة،التي لا تزال شواخصها قائمة، وحاضرة في الحياة العراقية،والذاكرة العربية، رغم كل محاولات الطمس والاجتثاث.


والسؤال الآن.. ماذا خسر العرب باحتلال العراق، وسحق ثورته المجيدة؟والجواب ببساطة، لقد خسر العرب فرصة التاريخ،عندما سكتوا على هذه الجريمة البشعة جريمة العصر، وسمحوا بتمريرها.إذ بمجرد أن احتلت بغداد، وسكت النظام العربي على هذه الجريمة، وتواطؤ البعض منهم بذرائع مختلفة، خيمت على ساحتهم المذلة، و غشيتهم الهيمنة الأجنبية، وانتشرت بينهم الفوضى الخلاقة، التي تعصف بالكيان العربي، مما برر التدخل الأجنبي، في الشأن الداخلي العربي بشكل مقرف، بحيث أن المواطن العربي، بدء يتخبطه الشعور يالياس، ويتملكه القنوط والإحباط،لأنه فقد العراق المقتدر الذي كان يرى فيه ، دريئة الوطن العربي، وحارس البوابة الشرقية، وملاذ العرب وحاضنتهم.ولن تنسى الذاكرة العربية،تجسيده الحس الوحدوي يوم استوعب العمالة العربية، وساواها بالامتيازات مع العمالة العراقية، منطلقا من مبدأ أن الوطن العربي لجميع العرب، وان نفط وموارد العرب للعرب.

 

ولو حافظ العرب على العراق وثورته الباسلة، لما تمادى الكيان الصهيوني بعدوانياته المتوالية على الفلسطينيين، وجنوب لبنان، ولما تجرأ النظامان الإيراني والتركي، على قصف أبناء شعبنا العراقي في كردستان العراق، التي كانت شامخة بالعز في عراق ثورة تموز 1968.لقد فقد العرب بإخراج العراق من معادلة الأمن الإقليمي،حامي حماهم،فحل بهم ما حل.

 

 





الاحد٢٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هداج جبر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة