ما من شك أن نواة الثورة التونسية , كانت الشاب بوعزيزي عندما أحرق نفسه , احتجاجا على الاهانة التي تعرض لها ـ كما قيل ـ من قبل شرطية في الشارع , كما أن غالبية الذين قتلوا في الانتفاضات العربية كانوا من الشباب ايضا .
كان الاعتقاد السائد أن الشباب مالوا نحو الانحراف , بسبب وسائل الاتصال الحديثة ,
وخاصة الانترنت , وشبكات التواصل الاجتماعي المتعددة , نظرا لما تبثه من موضوعات
تفسد الاخلاق , وتثير العواطف والمشاعر الحسية والجنسية بوجه خاص .ولكن هذا
الاعتقاد تبدد أثناء الثورات والانتفاضات في الاقطار العربية , التي أودت بزوال
ثلاثة زعماء حتى الان . تأكد أن الشباب لديهم طاقات خلاقة , وهم روح الامة , ومقياس
حيويتها , وقدرتها على تحقيق الامال . وبمقدار ما يكون الشباب منظما مدربا واعيا ,
يمكن أن يحكم على تلك الامة , بأنها أمة متوثبة قادرة على النهوض وبناء المجتمع
الثوري .
عندما نعتبر الشباب مقياس حيوية الامة , فلانهم يعيشون الحياة بكل معانيها المتجددة
, وهم القادرون على التعبير عن متطلبات الواقع المعاش , وهم الاقدر على بذل التضحية
والعطاء .فالشباب هم روح الثورات في معناها العميق , حياة شابة متجددة دائما ,
صائبة متوثبة كسن الشباب والحركة الثورية ,ومعيار ثوريتها هو اقبال الشباب عليها ,
وبفضل عطاء الشباب وتضحياتهم , حفزوا الشيوخ للاشتراك في الثورات ,وزادتهم اندفاعا
, وأعادت لهم حيويتهم من جديد . ولذلك شاهدنا الشباب والشيوخ , الصغار والكبار ,
النساء والرجال يسيرون جنبا الى جنب , في مظاهرات صاخبة في عواصم ومدن الاقطار
العربية , مطالبين بسقوط الانظمة الفاسدة , واسقاط الزعماء المتسلطين , الذين سرقوا
اموال الشعب , ووضعوها في حساباتهم الخاصة في البنوك الاجنبية .
ان الاعتماد على الشباب لتجديد حيوية الامة , لا يكون بمعزل عن مجمل حركة الامة
والمجتمع عموما , لان الشباب جزء من هذه الامة , يتفاعلون معها ويتأثرون سلبا
وايجابا بالمتغيرات والرواسب الموجودة في المجتمع . وقد أنجز الشباب جزءا كبيرا من
مهمة الثورة في تونس ومصر ,ولا يجوز بأي حال من الاحوال اهمال الشباب في عملية
البناء الجديدة , أي في قيادة البلاد , بروحية شابة متوثبة , فيها النقاء والصفاء ,
وهذا لا يعني احتكار الشباب للسلطة بعد الانتصار , بل المشاركة الفاعلة في السلطة .
لان الشباب أقدر على تجاوز ترسبات الماضي وعقده , وهم بحاجة الى خبرة الشيوخ ايضا .
عندما نقول أن الشباب يرتبطون بالامة وبقضاياها المصيرية , فانهم مقياس حيوية الامة
, في التوثب والانتصار لهذه القضايا . وهذا ما شهدناه لدى شباب مصر اثر حادث سيناء
, واثر الاعتداء الصهيوني على القوات المصرية , وقتل عدد منهم , اذ تحرك الشباب
منتفضين ضد السفارة الاسرائيلية في القاهرة , وانزلوا العلم الاسرائيلي ورفعوا
العلم المصري , وطالبوا بطرد السفير الاسرائيلي من مصر نهائيا , والغاء اتفاقية (
كامب ديفد ) .
ان هذا التحرك الشبابي , حرك معه جماهير مصر من الشيوخ , بكل انتماءاتهم الساسية ,
وأعاد تحركهم ذكريات الماضي , وأشعر الاعداء أن عصرا جديدا قد بزغ في الحياة
العربية .وأن قضية فلسطين , لم تعد قضية قطرية خاصة بالفلسطينيين وحدهم , بل هي
قضية عربية تهم الجميع , وهذا ما تجلى في موقف لجنة المتابعة العربية , في اجتماعها
الاخير في الدوحة , وقرارها التوجه الى الامم المتحدة لمطالبتها الاعتراف بقيام
دولة فلسطينية مستقلة , بحدود عام 1967 , وعاصمتها القدس الشرقية .
لقد أرادت الانظمة القطرية عزل الشباب عن قضايا الامة العربية المصيرية , وحصرهم
بالقضايا المحلية , ولكن هذه التربية القطرية انهارت عند الاختبار الجدي .وثبت أن
القضايا العربية راسخة في ضمير الشباب ووجدانهم . ولديهم الاستعداد للتضحية من أجل
تحرير الارض المحتلة , وطرد الغزاة المحتلين من ديار العرب . لان صراعنا مع
الاستعمار والصهيونية هو صراع حضاري انساني , بقدر ما هو صراع عسكري واقتصادي
وسياسي . وعندما ننادي بوحدة النضال العربي , كتعبير عن وجود وحيوية امتنا وعروبتنا
, فان هذه المناداة لا تعني سوى تأشير الطابع الانساني لهذه الامة .