شبكة ذي قار
عـاجـل










الفتوى .. هي في حقيقتها ، رأي يصعب التراجع عنه .
فإذا صدرت صحيحة في مسائل الدين .. تكون مقبولة بذرائعها ودواعيها.
والفتوى في مسائل السياسة .. مخاطرة .
والمخاطرة من هذا النوع .. قد تتحول إلى سابقة أخطر !!


مدخل :
أفتى " حمد بن خليفة آل ثاني " في مؤتمر باريس مساء 31/8/2011، بأن ( الاستنجاد بالناتو واجب شرعي) ويضيف ( بعد أن عجزت الجامعة العربية عن معالجة الموقف في ليبيا ) .
دعونا نفصل ما جاء في فحوى هذه الفتوى الصادرة عن أمير حاول أن يترشق مع إطلالة (الربيع العربي)، ويتخلص من سخرية "القذافي" في مؤتمر القمة العربي، والتي شكلت في أعماق نفسه المظلمة عقدة لم يعجز علم النفس عن اكتشاف بواطنها الخفية ودوافعها التي تتسم ب" سادية " قل توصيفها في علم النفس ونظرية "فرويد" في التحليل المرضي ، هذا أولاً .. ورئيس دولة عربية عضو في الجامعة العربية ، ويشتغل بالسياسة لا بالفتاوى التي تتناول الشرعية وفقهها الديني وأثره الدنيوي في علم الاجتماع والسياسة ثانياً .. ولما كان يشتغل في السياسة ، والسياسة لها فتاوى خاصة مغايرة، لا تعتمد على النصوص التي لا اجتهاد فيها ، فهو يضع نفسه في زاوية حرجة من شأنها أن تسفه ما قاله وتدينه أكثر مما يعتقد بأنه قد استطاع أن يفتي في مسألة عويصة وشائكة للأسباب الآتية :


أولاً - لا يجب عليه أن يفتي في مسائل الشرع والمشروعية، خاصة وإن مسائل السياسة، لها معاييرها ومقاساتها وأهدافها ووسائلها المعينة والمحددة فضلاً عن جملة من الفرضيات والنظريات، التي تعالج إشكالاتها ومعضلاتها .. إلخ .


ثانياً- ليس له الحق في أن يكون وصياً على العرب شعباً ونظم في جامعتهم أو في خارجها، وليس هو مخولاً منها أو منهم، لكي يتحدث باسمهم سواء كانوا صاحين أم نائمين، عاجزين أم قادرين، لأنه هو واحد بائس منهم !!


ثالثاً- الجامعة العربية لديها ميثاق ولديها ضوابط وسياقات عمل وتاريخ حافل بالمؤتمرات والاجتماعات الاعتيادية والطارئة ،فضلاً عن معاهداتها واتفاقياتها مع أعضائها وغيرهم ، فهي المعنية أولاً بحل الإشكالات العربية، التي تبرز على سطح الأحداث لأي سبب، وهي المعنية بإيجاد الحلول لها (داخل البيت العربي) لا في خارجه، وإن ميثاقها لا يجيز تدويل الأحداث والمواقف العربية إنما العمل على احتوائها وتذليل صعابها وإيجاد القواسم المشتركة للأطراف المعنية حتى تستطيع أن تجلس على طاولة المفاوضات في أروقتها لهذا الغرض . . أما أن يعطي ( حمد ) حكماً منفرداً ويتجاوز فيه الميثاق وبنوده وشروطه ويتسلق جدران الجامعة العربية ليطل على (الناتو) بالفتوى ، فهذا له دلالات خطيرة لا علاقة لها بعجز الجامعة العربية ولا بميثاقها ولا بأوضاعها العامة، لأن الأمر يتعلق بمستقبل الشعب العربي وليس بمستقبل النظم !!


رابعاً- فلو كان ( حمد ) ملتزم افتراضاً كعضو في الجامعة العربية لتوسط في حل المشكلة، كما كان قد شغل نفسه والدنيا ولم يقعدها في عدد من الوساطة في إشكاليات ومشكلات عربية كالمشكلة اللبنانية والفلسطينية، على سبيل المثال ، وكان يتبرع في أن يحشر أنفه الإستخباري في كل إشكالية عربية، لأنه وحسب التوصيف الذي يليق أشبه بالكلب المدرب على اكتشاف المخدرات ، فهو مدرب على اكتشاف خبايا وأسرار المشكلات التي تحدث على أرض العرب لصالح سيده الممسك بطوق رقبته الجلدي ليعطيه النتائج بأسلوب أكثر فائدة من أي جهد إستخباري أجنبي يحتاج إلى وقت وإلى أموال ... هذا الكلب هو الذي يقدم الخدمات والأموال !!.. أقول لو كان (حمد) ملتزماً كعضو في الجامعة العربية لمنع بالتشاور مع غيره من الأعضاء تفاقم الأوضاع في ليبيا وغيرها، ولكن الأمر وفي هذه المرحلة يختلف تماماً ، لأن في كل مرحلة من مراحل العمل السياسي- الإستراتيجي سيناريوهات خاصة .. فهو الآن في مقدمة ، يحضر اجتماعات (الناتو) مع جاسم بن جبر آل ثاني معتمد علاقات الفجور السياسي بين واشنطن وتل أبيب و (الناتو) .. ويعتقد بأنه لا يخشى شيئاً والغرب الإمبريالي قاهر الشعوب مسرور بتبرعاته السخية على (ثوار الناتو) في ليبيا وسوريا، وتبرعاته الواسعة حين تصرخ خزائن أمريكا وتئن من عجزها الذي بلغ أكثر من (400) تريليون دولار، وحين يعلن الناتو أنه غير قادر على تمويل (ثواره) ، وإن مخزونه من الصواريخ التي تقتل المدنيين في ليبيا أوشك على النفاد .


بيد أن الأمر هذا يثير عدداً من التساؤلات :
أولاً- الكل يعلم أن النظام العربي الرسمي عاجز وفاسد وقامع للشعب العربي في كل ساحة عربية ، وإن قطر جزء من هذا النظام العربي الرسمي، فهي إذن بالمحصلة لا تستطيع أن تستثني نفسها من هذا الجذام المستشري ، الذي أصاب الواقع العربي جراء الأنظمة الفاسدة والعاجزة والمتجبرة على شعوبها .. فلماذا هذا الإدعاء وكأنها ( دولة إقليمية عظمى) تتصرف بطريقة تتجاوز فيها سياقات ومعايير وقيم وتاريخ وحضارة أمة العرب ؟!


ثانياً- الواقع الراهن بكل توصيفاته المؤشرة، هل يعطي لأي عضو من أعضائه أن يستعين أو يستقوي بالأجنبي (لإنقاذ) شعب معين من الشعب العربي في المنطقة ، أم أن الشعب المعني كفيل بإسقاط أي نظام سياسي دون تدخل خارجي مهما غلت التضحيات ، والنظام السياسي الأميري في قطر أحد هذه الأنظمة العائلية الفاسدة .


ثالثاً- وهل هناك بند في ميثاق الجامعة العربية يسوغ الاستجارة بقوات أجنبية لتصب جحيم نيرانها على أبناء الشعب بدعوى تحريره أو حمايته ؟!
رابعاً- لماذا لا تعمل قطر وأميرها المهووس بالناتو على تحرير شعب العراق من الاحتلال الأمريكي والفارسي ، وتقديم الدعم له في محنته التي فاقت كل محن التاريخ ؟!


خامساً- ثم لماذا قطر تحضر اجتماعات (الناتو) العلنية والتي تعقد خلف الأبواب المغلقة .. ألم تكن تلك الاجتماعات سرية لا أحد يستطيع أياً كان حضورها ، أو أن يسترق السمع وهي تحظِر لمخططات سيطبقها (الناتو) في المستقبل ؟!


سادساً- ولما كان (حمد) قد أفتى بـ(لوجوب الشرعي) في حالة الأمة وليبيا على وجه الخصوص، وهو جزء من النظام العربي الرسمي، كما أسلفنا، وأحد أعضاء الجامعة العربية ، فلماذا يسكت أعضاء الجامعة العربية ورئيسها حيال هذه الفتوى .. وهم يعلمون بأن مثل هذه الفتوى تتقاطع وتتناقض مع مبادئ ميثاق الجامعة العربية، ومع اتفاقية الدفاع العربي المشترك، التي تؤكد القدرة العربية على الحشد للدفاع عن الأخطار المحدقة بأي بلد عربي ؟!


وهل خلا أي بلد عربي من صوت رسمي أو شعبي يقول أن هذه الفتوى غير صحيحة وتجلب الويل والثبور وستتحول إلى سابقة لن تنجو منها أي ساحة عربية، وربما تتسع لتشمل ساحات خارج الوطن العربي ؟!


سابعاً- ثم ماذا بشأن الشعب العربي في قطر، هل هو راضٍ على تصرفات أميره المنحرف عن خط العرب والمسلمين ، المبذر لثرواته التي ستنضب في يوم ما ليس ببعيد على الملاعب والصفقات السوداء وعلى عملاء (الناتو) ووكلاء واشنطن وتل أبيب .. وهل يسكت وأميرها قد وضع قطر وشعب قطر في دائرة الخيانة العربية والقذارة الإسرائيلية والأمريكية في الوقت الذي يعتز فيه شعب قطر بانتمائه القومي العربي وبدينه الإسلامي الحنيف .. أين هو من كل هذا الذي يحدث ؟ ، هل هو راضٍ على ما يجري وساكت على ما تسوق له فضائية الجزيرة من أفكار وموبقات وصور لا تتطابق مع حقائق الواقع ، وهل هناك أحداث وحوادث وصور حجبتها فضائية الجزيرة تتناول الساحة القطرية ؟!


ثامنا- لقد باتت اللعبة وقواعدها مكشوفة، والمسرح المقرف قد سطعت عليه أضواء الحقيقة، وبات اللاعبون الإقليميون ( حمد ، وجبر ، وخنفر ، وليفي ، وبيريز، وخامنئي ) مكشوفون ولا حاجة لتعريتهم ، فأن أفعالهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم وتحركاتهم المريبة كشفتهم تماماً .. أما اللاعبون الدوليون ، فهم أيضاً لا أحد منهم يستطيع أن يحجب حقيقة مخططاتهم بغربال ( أمريكا ، وفرنسا ، وبريطانيا ، وإيطاليا ، وتركيا ، وحلف الناتو ) .


وأخيراً وليس آخراً .. إذا كان حمد بن خليفة آل ثاني ( عاقاً )، وهو كذلك إزاء والده ، فكيف له أن يكون ( باراً ) لشعبه وأمته العربية ؟!

 

 





الاحد٠٦ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة