شبكة ذي قار
عـاجـل










عجّباً. ألا يخجل أصحاب السمو والفخامة رؤساء وزعماء وأمراء جمهورياتنا وممالكنا، وهم يرون شعبهم يحمل صور غيرهم من زعماء دول الاقليم، أعــــتزازا بمواقفــهم التي أتخذوها تجاه قضايانا وهي ليست قضاياهم؟ عجّباً والف عجب، الا تصيبهم الغيرة وهم يسمعون أسماء (رجب، وطيب) تطلق على المواليد الجدد من أبناء شعبهم، تيمنا بشخصية ليست عربــــية، وليس لها أي أنتماء الى أرض العروبة؟ الا تتصببُ جباهم عرقاً وخجلاً من مأساة أهلهم الذين يقتلون بالجملة ويغتصبون في العراق ويموتون جوعا في الصومال وفي غيرها، بينما يحط رئيس وزراء تركيا ورجــاله رحالهم في مقاديشو، كي ينظروا بعيونهم عن قرب ماذا يحتاج الشعب هناك كي يقدموه له؟


أين ذهبت نخوة العربي عن (طويلي العمر)، الذي يهب لنجدة أبن قبيلته أذا ما أصابته مصيبة حتى لو كان لايملك شيئا، ويأنف أن يغيثه أحد من القبائل الاخرى ويعتبره عار عليه؟ الا يشعروا با لحرج وهم يشاهدون الضغط الدبلوماسي التركي على أسرائيل، كي تقدم الاعتذار والتعويض عن جريمة مقتل الاتراك في الباخرة التي كانت متوجهة لخرق الحصار عن أهلنا في غزة، بينما هم اليوم يشاركون في حصار أخوانهم المقاومين في العراق وفلسطين، وقبلها لمدة ثلاثة عشر عاما على أهلهم العراقيين، وتقتُلُ أسرائيل من أهلنا العشرات والمئات في كل حادث، بينما هم يمدّون أيديهم لمصافحتها علنا وسرا؟ أين من يطلقون على أنفسهم حماة المقدسات الاسلامية وحماة العروبة، بينما تُنتهك حُرمات العرب والمسلمين يوميا وهم مشغولون في رحلات الصيد في البراري والقفار مع صقورهم التي تلقى الرعاية والعناية أكثر مما قدموا الى شعبهم؟ وأذا ما قدموا شيئا فهو ليس أكثر من بيانات شجب وأستنكار وتحفظ، ثم يشربون أنخاب الذل مع أعدائنا.


أننا كمواطنين عرب لا نريد أن نمارس عملية جلد الذات بسبب ما نحن فيه، لكن يحزننا حقا أن نرى صور أردوغان وغيره تُرفع في ساحاتنا العربية، والراية التركية تُرفرفُ فوق رؤوس جماهيرنا في شوارعنا التي نتظاهر فيها، بينما لدينا أثنان وعشرون زعيم وأكثر من هذا العدد بعشرات المرات من الامراء العرب، ولدينا من الامكانات والموارد البشرية والطبيعية ما يكفي كي يصبح لنا أكثر من مائة أردوغان عربي بالفعل المقتدر والرد الحازم على كل التحديات التي تواجه الامة، لاننا نفهم جيدا أن مدارات الحركة السياسية الخارجية للدول المجاورة لوطننا العربي وكذلك لغيرها من الدول الاخرى، لايمكن بأي حال من الاحوال أن تَمنحَ طاقة فعلية لشعبنا، وحتى لو الهمتنا هذه التحركات السياسية قوة لادراك واقعنا، وأستنهضت فينا العزيمة نتيجة مناصرتها لقضايانا، فأنها تبقى محسوبة النتائج لصالحهم وليس لصالحنا، لان العلاقات الدولية لامكان فيها للعواطف والقيم الانسانية المتداولة بيننا كأشخاص أو كأمة واحدة. وأن حركة هذا وذاك من الزعماء الاخرين لاتصب الا في مصالح شعوبهم ودولهم، لأن قانون السياسة الدولية والاقليمية المتبعة في عالم اليوم يقبل بحقيقة الحدود السياسية للدول، لكن المجالات الحيوية لتحركات الاخرين تبقى مطاطية بين الدول، فهي كطبلة أذن الانسان تتحرك بذبذبات الاصوات المنبعثة من الاشياء أو اللآخرين، فنسمع أصواتهم التي تجعلنا ندرك ما حولنا، لكن أن لم تكن لدينا عقول نفكر بها وأذرع نصنع بها قدرنا، فسوف نصبح متأثرين لا مؤثرين، كما أن قانون التأثيرات القادمة من مناطق الضغط العالي لا يمكن تجنبها أطلاقا للقاطنين في مناطق الضغط الواطيء، فتتحقق مصالح الاخرين دون مصالح تذكر لنا.


أننا لا نستطيع أن نُعيب على أحد التحرك في ساحاتنا وأستثمار قضايانا لبناء أمجادهم وزعامتهم، لان أستغلال الفُرص الممكنة والمتاحة في السياسة الدولية لا تحتاج الحصول على أذن من أحد، لكن أعتراضنا وأستنكارنا ينصب على حكامنا، الذين مازالوا يُوفرون الفرص للغير للاستثمار السياسي في بلادنا، من خلال تقاعسهم عن النهوض بواجباتهم الملزمين بالنهوض بها. بل أن التطور الخطير الذي باتوا يسلكونه اليوم، هو هذا التسارع اللامعقول في منح القوى الاجنبية مواطيء قدم لها في هذا القطر العربي أو ذاك، حتى باتوا يعملون بصفة وسطاء لدى القوى الدولية الكبرى لنقل السلاح الى المنتفضين في بلادنا، وكُتّاب عدل يمنحونهم صكوكا سياسية من الجامعة العربية، تشرّعن التدخل بحجة الحماية الانسانية التي تدمر كل البنى المدنية والعسكرية، تمهيدا لتوقيع عقود البناء وأعادة الاعمار ونهب الثروات والاموال. وبعدها يجد الشعب الثائر نفسه كيف تم أستبدال الاستبداد السياسي السابق الذي كان يعانيه، بأستعمار أقتصادي ينهب ثرواته ويبقيه محكوما بالشركات الاحتكارية الى مالا نهاية. كما أن هذا الاستثمار السياسي الاقليمي والدولي في بلادنا سوف يُنشيء في واقعنا ثقافة مجتمعية لسنا مؤهلين لها بعد، كما أنه ينقلنا الى أواصر وروابط أبعد من حدودنا الوطنية والقومية، خاصة وأن أقطارنا لم تتشكل فيها لحد الآن هوية وطنية حقيقية يمكن الارتكاز عليها في البناء الذاتي بسبب طبيعية وسلوكيات الحاكم.


أن القاعدة التاريخية الثابتة في العلاقات الدولية هي توازن القوى والصراع من أجل الاستحواذ على مناطق النفوذ، وأن ألانحسار النسبي في أستخدام القوة العارية للوصول الى تحقيق هذا الهدف لا يلغي هذا الطموح أطلاقا، فالقوة الناعمة هي البديل الفعلي الذي يمكن أن يكون في متناول الجميع. ومن الواضح جدا أن الدول الاخرى التي تجاورنا في الاقليم باتت قادرة تماما على أستخدام هذا الشكل من القوة في التعامل معنا. فالدولة التركية تستند على قوة التمثيل الشعبي وديمقراطيتها الحقيقية وفرت عنصر الاستقرار الرافع لكل نهضة أقتصادية، مما عجل في التطور النوعي والكمي في عجلة أقتصادها، مضافا اليها هذا الفضاء الثقافي التركي الذي يغطي مساحة جغرافية واسعة جدا، تشمل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الاسلامية والوطن العربي. هذه العوامل وغيرها جعلت من تركيا لافتة جذابة لجموع المقهورين والمحرومين والمسلوبة أرادتهم في بلادنا، يستطيع أردوغان أوغيره من السياسيين الاتراك أن يستثمرها لنفسه وشعبه لتعزيز موقع دولته في الاقليم والعالم، ويفرض من خلالها شروطه السياسية والاقتصادية والعسكرية علينا وعلى غيرنا.


أن النزعة الصدامية التي أبدتها الزعامة التركية في التعامل مع الكيان الصهيوني، ومع المصالح الدولية في منطقتنا العربية التي هي مصالح حلفاء لهم ليست لسواد عيوننا أطلاقا، ولو كانت كذلك لما تعاملت تركيا بمسألة المياه معنا بكل ندية. بل هي تعمل كي تنهض تركيا وتملأ الفراغ الذي تركه الحاكم العربي في وطننا منذ عقود من الزمن نهبا للاسرائيلين والايرانيين والغرب، وهذا الذي يجب أن يُحفز وعينا على التساؤل عن السبب الذي يمنع الحاكم العربي من التصرف بنفس الكيفية أو بأكثر منها للنهوض بالمجتمع، خاصة وأن القضية قضية شعبه وأهله ومستقبل أجياله ووطنه، وأن المؤثرات الاستراتيجية التي يملكها للتأثير على مغتصبي أرضه وحقوقه اكبر بكثير مما لدى الاتراك، عندها سنجد الجواب واضحا جدا من أن هؤلاء الحكام لايستحقون حتى التواجد في مزبلة التاريخ، لانهم ليسوا أكثر من حُرّاس مصالح لهذه الطرف أو غيره، ولاخير في شجرة لا تظلل الدار التي هي فيها. وكما هو حق للآخرين أن يصفقوا لقادتهم وينشدوا لهم القصائد، فمن حقنا نحن أيضا أن نصنع قادتنا ونصفق لهم وحدهم، شرط أن يكونوا قادة حقيقيين من وسط الشعب، لم يتلوثوا بشبهات الناتو أو فيلق القدس الايراني .

 

 

صحيفة القدس العربي اللندنية

 

 





الثلاثاء٢٢ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة