شبكة ذي قار
عـاجـل










فوق ما يتحمله العراق من هدر بأمواله الطائلة على أيدي لصوص المال العام المحترفين، ووسطاء العقود والصفقات الوهمية ونصف الحقيقية، والمرتشين والمرابين الجدد ومبيضي الأموال العراقية العابرة للحدود والقارات، وفوق ما يخسره العراق من ضياع لكل فرصه في التطور والنمو والبناء الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، وإعادة بنية الدولة العراقية إلى أيام عزها ومجدها، فوق ذلك كله، فإن سمعة العراق هي التي تتردى وتهبط إلى الحضيض في الاحصائيات والأرقام التي تصدرها الجهات الدولية المستقلة والمتخصصة بقياس درجة النزاهة والنظافة في مختلف بلدان العالم، ويحافظ الجناة على سمعة زائفة ووجاهة فارغة.


فالعراق كبلد، لا يرتشي ولا يسرق، بل كان على الدوام رمزا للعطاء والتضحية والبذل والتسامح مع من خذله ساعة العسرة، ليس مع أبناء شعبه فقط، بل مع شعوب العالم أجمع، دون تمييز بين دين وعرق ولون وقارة، وعلى الرغم من ذلك فإن نتائج السطو المنظم على المال العام والتلاعب بمقدرات المواطنين وأرزاقهم وتخصيصات تعليم أبنائهم، سرعان ما تسجل باسم العراق وحده ويلصق عارها بسمعته بين الدول المتحضرة، وتبقى أسماء الجناة بعيدة عن التداول، ويتحركون بكل حريتهم ولا يتحرجون مما ارتكبوه من جنايات، والغيارى من العراقيين لا يستطيعون رفع رؤوسهم مع ما يسقط على سمعة وطنهم من مطارق الخزي الذي يصنعه الجناة الكبار ويلقون بزبده على وجه العراق النقي، أولئك الذين ارتكبوا أكبر الجرائم المخلة بالشرف، بحق العراق ويتطلعون إلى اليوم الذي يوظفون سرقاتهم في إقامة مافيات كبيرة تسعى لالتهام المزيد من أموال العراق هم وحدهم الذين يتحملون إدراج العراق سنويا على لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، وكلما ظننا أن الرقم يمكن أن يتراجع قليلا إلى الوراء إذا به يتكرس في قوائم جديدة تعلنها منظمات معنية بهذا الشأن.


فمن المسؤول عن استمرار لعبة تلويث سمعة العراق في المجتمع الدولي المتحضر؟
هل هم اللصوص المنفذون لجرائم السطو على المال العام وحدهم من يتحمل وزر ما يلحق بالعراق من تشويه لسمعته وإساءة لتاريخه وإلى أبنائه؟
أم يتحمل المسؤولية كل من يتستر عليهم ويوفر لهم قوارب الافلات من عقوبة القانون والمجتمع والتاريخ؟


لا نظن أن هناك عدالة في توجيه تهمة بالفساد إلى وطن بكامله لأن حفنة من المحسوبين عليه فقدوا متانتهم الأخلاقية وارتضوا لأنفسهم أن يخوضوا هذه المخاضة الشائنة، ولا نظن أن من العدالة أن يوصم بلد بكامله بهذه التهم على الرغم من أن عدد المتلبسين فيها لا يزيد في كل الأحوال على بضع مئات من الساقطين سياسيا ووطنيا وأخلاقيا.


إن التهمة يجب أن تحول إلى الحكومة بشكل مباشر وحصري وليس إلى الوطن، فالوطن قيمة معنوية كبرى، والحكومة شخص قانوني عليه أن يحمي سمعة البلد الذي ينتمي إليه، ومن أجل أن تعمل الحكومة على الأقل، على دفع التهمة عن نفسها، وبحكم مسؤوليتها الأخلاقية، عليها أن تتحمل مسؤولية ما يقع حفاظا على سمعة العراق إن كان ذلك الأمر يعنيها ويهمها، إما بالعمل الجاد لكشف ملفات الفساد دون توظيف سياسي يتشدد مع الخصوم ويتستر على المتحزبين والأعوان، فالمطلوب تفعيل دور القانون في ملاحقة الفاسدين وتقديمهم للقضاء العادل لينالوا جزاءهم عما ارتكبوه من جرائم مخلة بالشرف، ولقطع الطريق على كل من استسهل أكل السحت الحرام، وأساء إلى سمعة العراق متعمدا غير عابئ بما تركته جريمته من انعكاسات مدمرة على مكانة العراق الدولية، وإما بالاعتراف بالفشل وإخلاء الساحة لحكومة أخرى أقدر منها على تفعيل سلطة القانون على أسس من المهنية شكلا ومضمونا وليس مجرد شعارات للاستهلاك المحلي.


ولكن المراقب لا بد أن تصبه الصدمة عندما يلاحظ أن الاتجاه المعتمد من قبل الحكومة يسير على خلاف ما يريده المواطن العراقي وعلى خلاف التعهدات المعلنة من جانب الحكومة بملاحقة الفساد في مضانه، إذ لا يستوي سلوكها وما تتخذه من تدابير لحماية المرتشين أو لاستبعاد الموظفين الذين يتمتعون بالنزاهة والمصداقية على قلتهم، مع الحرص المطلوب منها على حماية أموال العراق وسمعته مما لحق به من اساءات تراكمت مع الوقت.


إننا حينما نتحدث عن هذه الاحصائيات التي تخص مكانة العراق بين الدول الأكثر فسادا في العالم، فقطعا نشعر بكثير من المرارة والألم الذي يعتصر قلوبنا وضمائرنا ويخدش عيوننا وآذاننا ويمزق أضلاعنا، لما وصل إليه العراق بفعل أوغاد تلاعبوا بكل شيء من أجل جمع الثروة الحرام، عبر أساليب لا تشرف أحدا عنده أدنى قيمة لكرامته وسمعته، ولا شك أبدا أن الذين يتجاهلون هذه الحقيقة، إنما يسهمون بمزيد من الإساءة للعراق، وأنهم لن يفلتوا من عقاب الشعب والقانون طال الزمن أم قصر.


إن مما يفاقم من وقع هذه المحنة أن أطرافا تزعم أنها تنتمي لتيارات دينية هي التي تقف وراءها وتجني من صفقاتها الأموال التي حرم الله، أو تغطي على الجناة وتحمي ظهورهم وتبرر أفعالهم، وعلى ذلك فإن الواجب الديني والأخلاقي والوطني والقانوني، يلزم الجميع بالتصدي لهذه الآفة المستشرية في العراق والتي أحرقت سمعته على المستوى الدولي، بفعل نفر ضال لا تهمه إلا مصالحه الضيقة حتى لو أحرق بلدا بمكانة العراق.


فليس مما يشرف العراقي أيا كان انتماؤه أن يشهد بلده ينحدر بهذه السرعة الكبيرة نحو حفرة عميقة لن يكون بوسعه الخروج منها إلى بمعجزة كبيرة.

 

 





الجمعة٠٩ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة