شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل يوم واحد من "خفض" التمثيل الدبلوماسي و"تجميد" التعاون مع إسرائيل، نشرت أنقرة درع الناتو الصاروخي .. ليضمن، بين مهامه الرئيسية، "حماية" تل أبيب من الهجمات الصاروخية، وتأجل إعلان "النشر" لما بعد "الخفض". ومع الساعات الأولى لزيارة أردوغان للقاهرة، هددت خارجيته بإحتلال شمال العراق، مع تسريبات بـ"إحتمال" إقامة قواعد عسكرية فيه.


أغمض الكل عينيه عن نشر الدرع وعن التهديد بالإحتلال، وهلل كثيرون لخطوة "الخفض" التي اتت بعد أكثر من عام على مهاجمة لسفينة (مرمرة) وقتلها تسعة أتراك.
المهللون قارنوا بين موقف أردوغان وموقف حكام القاهرة الحاليين والمخلوعين.


****


كمصري، أُقر بأن أداء نظامنا المخلوع في ملف فلسطين، أهان كرامتنا الوطنية وهدد ثوابت أمننا "القُطري"، قبل العربي. وأنه مازال "مرتبك"، رغم مؤشرات ندية قادمة.
ولو توقف المُنبهرون بـ"التركي" عند المقارنة.. لبدا الأمر مفهوماً، لكن قطاع مؤثر من إعلامنا.. في قلبه الجزيرة، يُصر على تزكية أنقرة قائدة للعرب. قطاع يتجاهل أن علاقات القاهرة، من قبل ومن بعد، بـ"عدوها الدائم".. مؤقتة، وأن علاقات "عدوها" والمنظومة الغربية الخالقة له بتركيا مترسخة منذ الستينيات، في خندق التحالف الاستراتيجي.. ضدنا.


علاقة تاريخية، أرجعها أردوغان إلى اعتراف خصمه حزب "الشعب الجمهوري" بإسرائيل، معتمدا على تعتيم معلوماتي على طبيعة علاقة "تياره" بالغرب وأداته الصهيونية. هو هنا يستفيد، مصرياً، من حملة يقودها فهمي هويدي، توحي بأن إخوان تركيا أحدثوا، منذ سنوات، "انقلاباً تاريخياً" في العلاقة مع تل أبيب، بينما الوقائع تقول إن أول موقف "حاسم" من أنقرة ضد الصهاينة جاء رداً على قمع الانتفاضة في أبريل 2002، حينها استدعت حكومة بولند أجاويد اليسارية سفيرهم ووبخته، ورصدت وكالات الأنباء وقتها "نزول ألوف الأتراك إلى الشوارع، يتقدمهم زعماء عمال ومنظمات مدنية"، يهتفون: "إسرائيل قاتلة". لم يكن الإخوان بينهم.


في أزمة "مرمرة" كان أردوغان صريحاً لفضائية دريم: "لا أُعادي إسرائيل وعلاقاتي كانت جيدة مع حكومة أولمرت".. ( حارقة غزة بالرصاص المنصهر)، فـ"المشكلة هي حكومة نتنياهو". شاكياً استغلالها لـ "تجميد" التعاون لوقف إعادة سرب طائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع، استخدمتها أنقرة في قصف "المسلمين" الأكراد بالعراق، فلتركيا منصة خدمة طائرات "خاصة بها" في تل أبيب. وفي الأمم المتحدة.. بالتزامن مع طلب فلسطين عضوية كاملة، يشدد: "لا نعادي إسرائيل". مُفرقاً بين نتنياهو وبين شيمون بيريز.. الذي يُفضل التعامل معه.


****



يتسق أردوغان مع سياسة مُترسخة للأحزاب "ذات المرجعية الإسلامية". من تصويت حزبه لصالح "التصفيق" لرئيس إسرائيل.. خلافاً لأعراف البرلمان، إلى.. و..و: أعلن وزير الطاقة التركي تدشين "مشروع القرن، خط أنابيب يربط البحرين الأسود والأحمر". في خطوة، رآها "تعزز أمن طاقة إسرائيل ودور تركيا كمركز لها". موضحاً أنه "ينقل النفط والغاز والكهرباء والمياه والألياف الضوئية. ويمتد لعسقلان ليلتقي بخط آخر يؤدي لإيلات".. (رويترز، 15 ـ 12 ـ 2006.). ورغم أن مشروع القرن تلته مشاريع، "تعهد الطرفان بتعزيز علاقاتهما أكثر اقتصاديا ودفاعياً، باتفاقية أشمّل".. (الجزيرة نت، 24 ـ 11 ـ 2009). وعن "أصل الحياة".. الماء، هناك عرض دائم بتوصيل أنابيب ضخمة لتل أبيب، من خزين شبكة سدود عملاقة وبحيرات ضخمة أقيمت على روافد دجلة والفرات، لتأكل حصتي سوريا والعراق، والأخيرة انخفضت حصتها للنصف.. ثم لنصف النصف في 2013، ومرشحة لجفاف حصتها عام 2040، كما تقديرات منظمة المياه الأوروبية.


وقطاع الإعلام المروج لزعامة العثمانيين، يتجاهل تطبيق تركيا "الأمين" لحظر وصول الأسلحة لحزب الله، بإجبار ثلاث طائرات إيرانية على الهبوط لتفتيشها.. (الفرنسية، 20 ـ 9 ـ 2006)، وإحباط هجوم لحزب الله على أهداف صهيونية.. (يو بي آي، 9 ـ 12 ـ 2009). وشراء صواريخ روسية، تسعى إيران لشرائها، لتدريب صهاينة على تحييدها في قواعد تركية.. (القدس العربي، 8 ـ 10 ـ 2008)، ضمن اتفاقية "قديمة" شملت بناء إسرائيل 3 قواعد تنصت على حدود سوريا وإيران، وتدرب طياريها في قواعد تركية. وفي المقابل شارك خبراؤها في هجمات على شمال العراق.. (الخليج، 28 ـ 12 ـ 2007).


في ذات أسبوع قافلة مرمرة: تسلمت أنقرة 10 طائرات من دون طيار صنعتها شركة "هيرون" برأسمالها المشترك، مع تعهد بتصنيع 102 طائرة مماثلة يتقاسمها الطرفان.. (رويترز، 22 ـ 12 ـ 2009). وتوسيع رحلات طيرانهما لتضم خمس مطارات تركية وثلاث إسرائيلية.. (يو بي أي، 31 ـ 12 ـ 2009). وعبور طائرات عسكرية صهيونية مجالها الجوي إلى ومن المجر في 17 ـ 3 ـ 2010، وتكشف "راديكال" التركية الهدف: إعادة قتلة السوري بسام طراشي. وموافقتها على ضم إسرائيل لمنظمة "التنمية والتعاون الاقتصادي" متغاضية عن حق الفيتو (بي بي سي، 27 – 5- 2010).. تزامناً مع تهديدات "رسمية" صهيونية بمهاجمة مرمرة.


****


يُخبرنا د.مصطفى اللباد، خبير الملف التركي، أن "كل" تحالفات أنقرة مع الغرب وإسرائيل.. تقريباً، وقعتها حكومات "ذات مرجعية إسلامية". فمع أول وزارة لهم بقيادة "عدنان مندريس" حسمت حكومات تركيا المتعاقبة خندقها إلى جانب الغرب. ومع 2006.. عام الحسم العسكري/ انقلاب غزة، بدأنا نسمع "تصريحات" داعمة، ظلت مجرد تصريحات حتى تقرير "مرمرة".


وداود أوغلو "مخ" المنظومة الخارجية كما فصّلها كتابه (عُمقنا الاستراتيجي) عام 1992، هو مهندس أول تواصل رسمي مع حماس عام 2006، تطبيقاً لنظريته "الطريق لبروكسل يمر عبر مكة". وقائد التفاوض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل منذ عام 2005. وسنكتشف في أغسطس 2011 أنه مهندس "تمتين" علاقة إخوان القاهرة بواشنطن. ويتحدث (ألان شووي)، كبير مسؤولي استخبارات فرنسا الخارجية سابقاً، عن سيناريو مختلف لـ "الربيع العربي"، وعن صفقات يُديرها الغرب مع مؤسسات الإسلام السياسي (الأخبار اللبنانية 10 -10- 2011)


إنه التجلي الثاني لـ"العثماني الجديد"، تدشيناً لحلم استعادة هيمنة "طورانية" خضع خلالها العرب، 600 عام، لاستعمارهم لنا تحت راية الخلافة، ضمن مسلسل الصراع/ التنافس التاريخي بين القوميات الثلاث "الدائمة" بالمنطقة، يتقدم فيه الآن.. الأتراك.


تقدم ناعم مُتناغم، من فضائية بالعربية، إلى افتتاح أول مدرسة بالقاهرة نهاية 2009، ضمن منظومة الأب الروحي للعدالة والتنمية.. "فتح الله كولن" التعليمية، التي تضم أكثر من ألف مدرسة موزعة بين دول الحلم الطوراني. إلى عقد أول مؤتمر، أيضاً بالقاهرة، لمؤسسته الثقافية العابرة للحدود نوفمبر 2010، وبعد ثورة يناير يسعى لتأسيس تكتل إعلامي مقره القاهرة. ودائماً، منظومة خارجية "غامرة" للمنطقة، تخدم مصالحها "القومية" بكل الأدوات.. من الدين للإعلام. وهي، كما يؤكد "اللباد" في النهار اللبنانية، "ترسم سياستها بغطاء أمريكي".


***



يقول المهللون أن تحجيم أردوغان للجيش أطلق يديه ضد إسرائيل، بينما عسكر أنقرة، أصلاً، يعتبرون منظومة "كولن" ذاتها "اختراق أمريكي" لدولتهم. الأهم أن المهللين يتجاهلون أن التحالف الصهيوعثماني لم يكن عسكرياً فقط، وأن إسرائيل نفسها "كيان وظيفي" غربي.


لم ينفرد "اللباد" بربط حراك أنقرة الواسع بـ"المظلة الأمريكية"، فالكاتب محمد نور الدين له رأي مماثل، فصّله في مقال له عن "الإسلام الأمريكي من مندريس إلى أردوغان" (السفير، 21 ـ 7 ـ 2011)، منبهاً إلى "تحول تعاونهما لشراكة تستوعب الربيع العربي المتفجر"، ناقشتها هيلاري كلينتون منتصف يوليو 2011 مع أردوغان وأوغلو. وينسب للكاتب سامي كوهين في جريدة "ميللييت": "لم يعد هناك فرق بين أنقرة وواشنطن"، مذكراً بسعي تركيا لإقناع حماس بالاعتراف بإسرائيل، بعد قمة أردوغان وجورج بوش خريف 2007.


في ذات الخندق يقف السوري "صبحي حديدي"، ليقرأ، القدس العربي 2 ـ 9 ـ 2011، دراسة بعنوان: "ماذا وراء السياسة الخارجية الجديدة لأنقرة؟"، أعدتها سفارة أمريكا بأنقرة في 20 ـ 1 ـ 2010، فهي مثلت "نقلة لا في سياسة الحكومات السابقة فحسب، بل في سياسات العدالة والتنمية ما قبل أحداث غزة ودافوس، وقبل وصول أوغلو للخارجية". ومع إقرارها بأنها "أكثر تركيزاً على العالم الإسلامي" تُطمئن بأنها لا تشي، أبداً، بـ"تخليها عن تمحورها الغربي التقليدي، وحلف الأطلسي نواته.. مع حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي"، وأنها "أكثر ملاءمة بدرجة كبيرة لمصالح الغرب" من نهجها السابق، مُعددة قائمة مبادرات "مثيرة للإعجاب". هي "نيو عثمانية" كما كتب مازن السيد، السفير 13 ـ 9 ـ 2011، ناقلا عن وثيقة أمريكية تفاصيل لقاء بين أوغلو ويهود باراك، يناير 2010، أهم ما فيه تأكيد أوغلو أن "تعاظم ثقة العرب بأردوغان، ستمكنه من الفوز بصفقة سلام نهائية".


***


تعلق الجارديان البريطانية على زيارة أردوغان لدول الربيع العربي: "يسعى لاستعادة مجد الإمبراطورية العظمى".
هكذا توجه لواشنطن، كـ"مُتعهد للعرب"، ومعه ملفات "حساسة للغاية" وفق صحيفة "صباح" التركية، ضمنها فلسطين/ غزة، و"تطورات مصر"!!. وبعد لقاء أردوغان ـ أوباما، قالت نيويورك تايمز: تركيا قدمت نفسها كمفتاح للغز ثورات العرب.


وفي لقاء مُغلق مع كتاب ومثقفين أتراك، نشرت صحف انقرة ما تيسر منه 9 أكتوبر 2011، أرجع أوغلو زيادة نفوذهم لثلاثة أسباب: "ديموقراطية متنامية، اقتصاد صاعد، معارضة أخطاء إسرائيل". ملخصاً استفادة أنقرة من الربيع العربي بـ: "أخذنا مكاننا في الغرب بطريقة موضوعية".


لا أقلل من النموذج التركي"، بالعكس.. أنا منبهر بمن نجح، مقابل "تصريحات"، في رفع حجم تعاملاته معنا لـ 30 مليار دولار، أي 27% من صادراته. وسواء تجاوزت أنقرة وتل أبيب أزمة "الكرامة" المتبادلة، وسواء كانت العقوبات ضد تل أبيب غطاء لسيناريو أخطر ضد سوريا .. لا بشار. فعلينا ألا ننسى أن إسرائيل دائما أداة غربية.. وأن تركيا، بمظلتها الغربية، "عشيقة" تتمنع، أو.. تُغادر، فراش الصهيوني لتصبح حصان طروادة غربي وسط أمتنا.


توصيف علاقة أنقرة بتل أبيب بـ"عشيقة ترفض الزواج" نحته بيريز، الذي يُفضل أردوغان التعامل معه، ومنه تلقى الشكر هو وأوغلو على دوريهما في إطلاق جلعاد شاليط.. وفق "ميللييت".


دقق النظر : أردوغان .. بطلـ"هم". نموذج ناجح .. لدولته، وداخلها لعرقه .. ضد الأكراد، ولطائفته .. ضد العلويين. نموذج لحزب يُجيد اللعب مع الغرب لصالح أمته، و"نحن".. مجرد "أوراق للعبهم".



الأخبار اللبنانية

السبت 5 نوفمبر 2011
http://www.al-akhbar.com/node/25217


* من كتاب ( فقه التلوّن .. طِروادات الإخوان وآلـ سعود )، يصدر عن دار العين عقب عيد الأضحى المبارك.

 

 





السبت٠٩ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد طعيمة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة