شبكة ذي قار
عـاجـل










المتاجرة بالقيم النبيلة وبالأهداف السامية ليست وليدة هذه الساعة أو وليدة هذا اليوم  أو وليدة هذه الحقبة من الزمن أو وليدة هذا العصر أو وليدة حقبة أو عصر معيّن من حقب وعصور التاريخ الانساني , بل الاتّجار بالقيم النبيلة والفضيلة وليد كل ساعة ووليد كلّ يوم ووليد كلّ حقبة ووليد كل عصر ما دام هنالك "أبا جهل وأبا حكم" يولد كلّ ساعة ويولد كلّ يوم ويولد كلّ حقبة ويولد كلّ عصر ومادامت هنالك مغريات مادّيّة ودنيويّة تستهوي نفوس الجبابرة وترقّ لها النفوس الضعيفة أو النفوس المتعطّشة للمغريات بكافّة أشكالها وبكافّة أنواعها ..


 تاريخ الصراعات العقديّة الّتي تسبق كلّ تغيير والتي هي تاريخ للصراع  بين الفضيلة والانحراف وصراع ما بين الرذيلة والسموّ ملئ بمثل تلك الصراعات الّتي أنتجت جميع الحروب والمعارك والملاحم ـ أدبيّة فكريّة فنّيّة .. الخ ـ من الّتي تركت ولا تزال تترك آثاراً عميقة في الجغرافية السياسيّة وفي جغرافيا مساحات المفاهيم البشريّة.. كما وليست شرط أن تكون العقائد ذات أهداف نبيلة دائماً , بل منها ما تودي بمعتنقيها إلى ظلمات لا نهاية لها يتوقّف في أنفاقها العقل تماماً عن التفكير ويعجز عن التدبّر وتتبلّد الحواس لديه ويرتهن لدى اتّجاه واحد وينتعش الجهل , ومثال على ذلك التديّن المسيّس وأحزابه الساعية للسلطة والساعية في نفس الوقت لتوقيف مهامّ التديّن الأصليّة وتحديد مسارها عند حدود ذلك السعي , فيبتعد بمعتنقيه عن الجادّة الصحيحة الموصلة للتقوى فتنحرف العقيدة في النفوس مع مرور الزمن وتسير بساق واحدة بدل ساقيها "ثوابي الدنيا والآخرة" وتتحوّل العقيدة إلى عبء "ميكانيكي"  ثقيل ذو هدف ميتافيزيقي فقط أعرج لا علاقة له بالدنيا  ولا حتّى بالآخرة يسحب المجتمعات المعتنقة له إلى مؤخّرة طوابير القافلة البشريّة ..


 العقيدة الإسلاميّة هي إحدى أهمّ العقائد الناضجة ذات الأهداف الاجتماعيّة الإصلاحيّة ,  ومدركات نضوجه لا غبار عليها إذا ما تعمّقنا بتفاصيل مقوّمات ذلك النضوج ... ومن ذلك المنطلق , وعلى أساس جوهر منهج الإسلام الصحيح  فلا اعتراض لدينا أن تسود تحت ظلّ سقفه العدالة الاجتماعيّة مكفولةً لكافّة "الديانات" والمذاهب والطوائف ولجميع أصحاب المعتنقات ستكفل تحت ضلّ الإسلام حتّى في عقر دار المجتمعات أو التجمّعات ذات الأغلبيّة  "الإسلاميّة" , ليقيننا الثابت أنّ تلك جميعها ملتقيات مبادئ إنسانيّة في أصلها جاءت بما جاء به إسلام محمد , وأهدافها  بالتالي من صميم جوهر أهداف العقيدة الإسلاميّة ... ولأجل تلك الملتقيات الإنسانيّة التي كان تحقيقها أشبه بحلم يدور بمخيّلة المظلومون والمضطهدون الّذين يشكّلون دوماً النسب الأعظم من نسب المجتمعات العقديّة البشريّة  انبعث نبيّ الاسلام محمّد , كما انبعث من قبله من سبقه ,  يدعو إلى نشر قيم العدالة والمساواة بين سائر البشر من دون أدنى تمييز أو أدنى تفرقة يدعو إلى نشر الفضائل والأخلاق والقيم الإنسانيّة الرفيعة بمختلف تفاصيلها وتحت أيّ مسمّىً  منها .. ووفق تلك "الشفّافيّة" من دعوته اعترف نبيّ الإسلام اعترافاً صريحا ومباشراً بجميع الدعوات الإنسانيّة النبيلة أو العقائد أو الرسالات التي سبقت رسالته وخيّر بقاء المنتمين إليها ما دامت تصلح لنشر الفضيلة والدفع بالرذيلة ؛ ما دامت آليّات التنفيذ متوافرة فيها , واعترف بجميع من سبقه من رسل وأنبياء وأشاد بهم  وأقرّ بالرسالات وبالأنبياء وبالرسل وبجميع أصحاب قيم الإصلاح ومهما كان مصدرها وأنّها جميعاً إنّما تصدر من منبع واحد ... "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله" . البقرة.285  .. "لو كنت حاضراً "حلف الفضول" لأقرّيته" .. حديث شريف ..


لم نختر العقيدة الإسلاميّة كنموذج من طرحنا هذا سوى لأنّها "آخر الرسالات السماويّة"  ولأنّها سيّست أيضاً , وبأكثر من ذي قبل , وبشكل مكشوف , وتمّ التلاعب بهدفها الإنسانيّ النبيل وتحويل هذه الرسالة الإصلاحيّة الاجتماعيّة الشاملة العظيمة , لدى "الأتباع"  إلى رسالة "شعائر" وتعمير أبنية مساجد  وبناء أضرحة ومقامات تفرّق الأمّة وإلى ولائم "ثواب" وسقاية حجيج ورسوم تحصيل للزكاة وللصدقة وللخمس والمبالغة في تحويل بساطة المفاهيم القيميّة الفطريّة الرائعة للإسلام إلى حوزات ومُفتُون وأئمّة ومرجعيّات وشيوخ ودكاترة وأساتذة ومعلّمون ومدرّسون فقهيّون ومعاهد وكلّيّات ودراسات عليا فقهيّة شاملة وخاصّة وتحرص وتبالغ في دعواتها لدراسة  "علوم" الشعائر , يدري أو لا يدري أصحاب تلك الدعوات , أنّها تعزل بداهة الحقيقة الناصعة التي جاء بها الإسلام وتحجب نورها وراء جدران سميكة من جدل لا ينتهي من محاولات "الإقناع" والمبالغة فيه .. والمبالغة كما هو معروف طريق من طرق الشرك بالله كما في أدبيّات الرعيل الأوّل ولا نقول السلف الأوّل حتّى لا نساهم في نفش ريش أدعياء السلفيّة ! .. كما والحرص على ممارسة الشعائر الدينيّة فقط مقدّمات لميتافيزيقيا عائمة تبعد صاحب العقيدة عن ممارسة متطلّبات الدنيا فينساق دون ان يدري عبداً للأقوى دنيويّاً  ممّا سيوقعه في الشرك الأعظم فيصاب في صميم تلقائيّة بصيرته فيتوه معياره عائماً عن الطريق القويم الموصل إلى إرضاء "ألله" .. ألله الّذي عرفه فعلاً من كان في حاجته فعلاً , فغيّروا بفهمهم الصافي لمعنى التوحيد ,التأريخ , وجيّروه بأسمائهم , ومنهم من لازال تقويمنا المعرفي والزمني يؤرّخ بمولدهم الّذي هو تسجيل ورصد زمني لمولد الفطرة الإنسانيّة التلقائيّة النظيفة ..   


"أبو مجيد" .. إذا لم تخنّي الذاكرة ويكون اسمه كذلك , لأنّ التأكّد من اسمه بالكوكل من سابع المستحيلات ! ؛ كان لصّاً محترفاً من أخطر لصوص مدينة "السماوة" ستّينيّات القرن الماضي وكان من الخطورة ما لا يبالي من سرقة  أقاربه حتّى! .. كان خطراً للغاية وجريء شديد الجرأة في تنفيذ سرقاته .. كان يسرق ولا يبالي بسرقته أستكون في أيّ زاوية من زوايا المدينة أم في داخل بناية كـ "قائمقاميّة القضاء نفسه!" ؛ إلاّ "ثور الحسين" !!  الّذي يربّيه ثري من أثرياء مدينة السماوة المعدودين "عذراً نسيت اسمه أيضاً!" يطلقه في بستانه ؛ يشتريه صغيراً ليكبر في البستان يرعى حولاً كاملاً ليذبحه بعد ذلك صاحب البستان  ثواباً للحسين عند حلول عشرة عاشوراء ذكرى استشهاد الحسين .. مدينة السماوة جميعها مستهدفة للسرقة من قبل "أبو مجيد" .. وفقط ثور الحسين لا يسرقه منها ! مع أنّ الثور "العجل" طوال أيّام وأشهر كلّ سنة يبقى في متناول يده ! .. فـ"طفرة" سياج البستان الطيني نوع من "التمطّي" بالنسبة  لأبو مجيد! .. هو أبو مجيد قالها بنفسه "لا أسرق ثور الحسين حتّى  لومتّ جوعاً" ! مع أنّه كان لا يمارس أيّ شعيرة من شعائر عاشوراء ولا حتّى فرضاً واحداً من فرائض الإسلام نفسه!  , فلم يصلّي يوماً أو "يلطم" أو "يطبّر" طيلة حياته بل كان "عركجي!" بل وكان دائماً ما يردّد قائلاً : "هذوله اللي يلطمون ويقرون القرايات لن يقفوا مع الحسين لو بعث حيّاً وقاتل ولربّما سيقتلونه !" .. أنا عن نفسي وكلّما ذكر اسم أبو مجيد في مجلس يقلّبون به شخصيّته النافرة أزداد يقيناً بأنّ الرجل من نوعيّة الرجال الّذين لا يتخلّون عن الحسين وسيتوبون توبةً نصوحاً على يديه وسيقاتلون معه حتّى الموت .. صاحبنا هذا كان يلتقي أحياناً مع خالٍ لي "عطا الله" رحمه الله كان من أوائل المنتمين للحزب الشيوعي العراقي بداية ثلاثينيّات القرن الماضي وكان أشهر صيّادي الأسماك بـ"الفالة" في "الهور" ؛ يلتقي به ليتبادلا الهموم ساعة ما وجد صاحبنا فراغاً ..


بصعود الحزب الإسلامي المغربي وارتقائه سدّة حكم المملكة المغربيّة بعد "فوزه" بانتخاباتها اكتملت "السِبحة!" تقريباً , أعني سِبحة المشروع الغربي , الهادف منذ ثلاثينيّات القرن الماضي لجني  "المحصول" دون عناء من الغرب بتديين المنطقة العربيّة بأسرها بالتديّن المسيّس "الإقطاعيّ الشامل" انطلاقاً من مراكزه المسيّسة "المساجد" ! , هذا النوع من التديّن الموصد للعقول الموقف لنموّ التفكير الزاهد في الحياة والزاهد بثروات البلاد! .. ولم يبق من "المسِبحة" إلا "الشاهود" .."سوريّا" ! , وبدأت تتشكّل بشكل جليّ وواضح الملامح الرئيسيّة لشرق أوسط "جديد" مسلوب الإرادة والقرار السيادي تماماً , تقوده المتديّنة "إسرائيل" من منطقة الخليج "العربي" ! نعم من منطقة الخليج العربي .. فالعدو الغربي في حرب معنا ومن "حقّه" أن يموّه منطقة القيادة لديه ليخدع العدوّ "نحن" .. !  ..


المشروع هذا  طالما سعى الغرب الاستعماري محموماً لتحقيقه .. كان فيما مضى فقط ينظر إلى خارطته متحسّراً صابراً من خلف موجات العلمانيّة والشيوعيّة واليساريّة المتلاطمة فوق منطقتنا وفوق مناطق شاسعة من العالم المحمّلة بالأفكار المناقضة للفكر الرأسمالي ؛ فكر أبا لهب وأبا حكم كلّ حقبة وكلّ عصر ..

 

 





الاثنين٠٩ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة