شبكة ذي قار
عـاجـل










كل عمل فردي أو جماعي كي يكون مثمرا لابد له من أهداف واضحة وقواعد راسخة (ثوابت)، ولو لاحظنا الحراك الشعبي في الوطن العربي خلال عام 2011 الذي بدأ بالحراك الشعبي في تونس ومصر، وعم ليكون عملا ثوريا شعبيا كبيرا، وكأنه نزالا بين الشعب العربي والأنظمة التي كبلته وخانته وتواطئت على حريته وقضاياه المصيرية وإستهترت بحقوقه في كل جانب، وخانته وتواطئت بل شاركت في إحتلاله ونهب ثرواته كما حدث في فلسطين والعراق، وتعاملت معه وكأنه خلق ليستعبد من قبل جماعات وأسر بعينها، ولكي يستمر الزخم الثوري للإنتفاضة الشعبية القومية وتكون فعلا صحوة كبرى لأجل التصحيح والتغيير لابد من التمسك بالثوابت التي توجهها ، وتؤكد صحة توجهها، ودقة أهدافها، وتحميها من كل أشكال الإختراق والتوظيف المعادي، وبهذا لا يكون هذا الفعل البطولي مجرد رد فعل إنفعالي غوغائي، يخدم أجندات اعداء الأمة ورسالتها العظيمة المبنية على الأيمان بالله ورسله، حيث إن هذه الأمة خلقت وأختيرت بمشيئة الله لتكون أمة الرسالات المقدسة العظيمة، وكي لا يتحول هذا الحراك العظيم الى نقمة نتائجها الفوضى والضياع والتشتت والفرقة والنزاع على مصالح فئوية وطائفية ومناطقية، ولكي لا يتحول بفعل إغواء الأعداء والقوى المؤثرة والمالكة للقدرات لتسخير كل شيء وأمر لخدمة مصالحها كالسلاح والثروة والإعلام لابد من تحديد ثوابت الثورة وهي في تصوري المتواضع:

 

1.  إن هذه الأمة مكلفة بحمل رسالات السماء لعموم البشرية، ولو تمعنا مليا في الرسالات الكبرى التي تبعتها البشرية وهي رسالات أنبياء الله إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم لوجدنا أنها جميعا أنزلت في هذا الجزء من العالم وعلى رجال من هذه الأمة، فالثابت الأول للثورة العربية الكبرى يجب أن يكون الإيمان بالله تعالى، وأن يكون ذلك الأيمان مبنيا على فهم دقيق لمعنى الأيمان والعمل بما جاء به الوحي حقا، لا كما يشاء بعض المفسرين جعله على أنه مجرد إداء لمناسك معينة وعبادات محددة، فالإيمان شيء من الرقي الروحي والعملي وسمو بالإنسان وقيمه الإنسانية أكبر من أن تختزل بالفروض الواجبة لتطهير النفس لا لحاجة الرب جل وعلا لها، بل إن كل رسالات السماء تدعو للسلام والمحبة والتعاون والعمل الصالح والتسامح والتعايش وإحترام رأي الآخر وإن كان مخالفا، وتؤكد أن لا إكراه في الدين، والى نبذ العنف والعدوان والغلو والتطرف والتمييز بكل أشكاله، وتدعو كل رسالات السماء الى حفظ حقوق الإنسان وإحترام حياته وخصوصيته، وأن تكون مسؤولية الدولة والحاكم الحفاظ على حقوق المواطنين والعمل على حماية أرواحهم وممتلكاتهم، والتعامل معهم على أساس العدل والمساواة التامة لمواطنتهم، وعدم التميز بينهم على أساس الدين أو اللون أو المعتقد أو العرق، فهذا قول خاتم النبيين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومصدق رسالات الأنبياء جميعا ومكمل دين الله للبشرية يقول: (الدين المعاملة)، ويقول في حديث شريف أخر: (الدين النصيحة). فمن لا يؤمن بالله ويعمل صالحا ليس بثائر ومصلح في أمة العرب، ومن لا يعتبر العمل الصالح لخدمة الأمة (العمل الصالح هو العمل لخدمة الناس عموما وفق ما أمر به الله وجاء به الرسل والأنبياء، وليس المعني بالعمل الصالح إداء الفرائض الدينية كالصلاة والصوم) ثابتا أساسيا من ثوابته لا يمكن أن يكون ثائرا حقيقيا في أمة مثل أمتنا قال الله تعالى لها: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) أيا كان معتقده الديني ومنهجه السياسي، وعلى المؤمنين بكل دياناتهم والعلمانيين العرب أن يفهموا العلمانية كما جاءت في كتب السماء، وليس كما يحاول أن يغوينا أتباع الشيطان بأن العلمانية ترك الدين والإيمان.

 

2.  وحدة الأمة : لم يكن إستهداف وحدة الأمة العربية في جميع جوانبها الإجتماعية والجغرافية والسياسية والإقتصادية والعسكرية منهجا تكيكيا ولا خطوة منفعلة قامت بها الدول الإستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى، بل هو إستيعاب دقيق لخطورة بقاء الأمة موحدة وإقتناع تام مدروس بعمق، بأن الوحدة أكبر وأعلى وأهم مقومات القوة في الأمة، لذا خططت دول الإستعمار لتجزأة الأمة والوطن وضعت معاهدة سايكس – بيكو ونفذت بدقة متناهية، ودعمت وحميت أنظمة ونصبت أسر لتكون حكومات في وطننا العربي، بعد أن تطوعت تلك الأسر لتكون حراسا وجنود خدمة لمصالح ومناهج دول الغرب، تلك الأسر صارت ملكيات حاكمة لاحقا وقدمت التزامات مضمونة أن تعمل وفق المنهج والمخطط الموضوع بأن تكون خادمة وراعية لمخطط الغرب الإمبريالي في المنطقة، وقدمت ضمانات في العمل على مواجهة الشعب العربي عموما وفي مقدمة ذلك محاربة وحدة الأمة والوطن بكل جهودها، فالدول الإمبريالية تدرك أن قوة الأمة وخلاصها الحقيقي في وحدتها، فلم تكتفي بما حصل في بداية القرن الماضي، بل أنهم يسعون اليوم وبكل الأساليب ومنها العدوان والإستعمار المباشر وتجنيد ناس محليين لزيادة التمزيق وتقسيم المقسم وشرذمة العرب عبر أساليب وفتن عديدة طائفية ودينية وعرقية ومناطقية وطائفية، لذا فإن واحدة من الثوابت الرئيسية لضمان كون الحراك والنهوض الشعبي في عموم الوطن الكبير أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وعملا ثوريا حقيقيا، وقصاصا جماهيريا من الحكام البغاة المتسلطين على الأمة، الحاكمين بإرادة المستعمر، والخائنين لتطلعات الشعب في كل أجزاء الوطن الكبير، هو أن تكون الوحدة العربية الشاملة بأي شكل يحقق صورة عليا للتعبير عن ذلك هو أن يؤمن الثوار أيمانا مطلقا بالعمل لأجل تحقيق الوحدة العربية أو على الأقل التعاون الكبير والتكامل الإقتصادي والعسكري بين أجزاء الأمة. فالوحدة العربية ليس شعارا سياسيا وهدفا تطالب به محموعة سياسية أو حزبية معينة بل هو ضرورة يتطلبها حماية وجود الأمة وهدفا شعبيا ليس عاطفيا بل هو هدف ستراتيجي لضمان تحرر الأمة ونهوضها والحفاظ على وجودها وقدرتها على مواجهة الموجة العدوانية المعلنة ضدها في كل جوانب حياتها. فمن لا يعتبر وحدة الأمة هدفا رئيسيا في عمله الجهادي والنضالي إيا كان توجهه الفكري ومنهجه السياسي دينيا أو علمانيا فهو لا يمكن أن يكون ثائرا ومصلحا حقيقيا من أجل تحرير المواطن العربي والأرض العربية.

 

3.  الكيان الصهيوني وشرعية وجوده: إن قرار دول الأحتلال الإمبريالي خاصة بريطانيا وفرنسا بالعمل على أنشاء الكيان الصهيوني، وإقامة كيان إستيطاني عدواني عنصري في وطننا بتمويل وتسهيل هجرات اليهود الصهاينة من كل بقاع الأرض ودول العالم الى فلسطين، وتمويل وتدريب وتسليح العصابات الصهيونية الفاشية في بدايات القرن الماضي، بل مشاركة جيوش الإحتلال الإستعماري خصوصا البريطاني في ذلك، لم يكن عملا إنسانيا أو حلا لمشكلة اليهود كما يروجون، بل هو جزء مهم من مخطط الدول الإمبريالية في العدوان على الأمة، تمزيقها وتدمير وحدتها، وقيام ما يسمى دولة إسرائيل عمل عدواني ضد الأمة كوجود ومصالح، وضد الوطن كأرض وثروات، وهو إستهداف للأمة كوجود وللعرب والمسلمين كتطلعات ومقدسات، وهو عملا عدوانيا ضد الإنسان العربي وحقوقة الدينية والوطنية وعلى الأمة جمعاء، فكل من لا يعتبر الكيان الصهيوني عدوا له، ولا يعتبر الكيان الصهيوني كيانا لا شرعيا وأن بقائه يمثل عدوانا على عموم العرب والمسلمين، بل هو عدوانا على البشرية وقوانينها وإنسانيتها فهو ليس ثائرا ولا مجاهدا بل مناهض للحق والحقيقة ومناويء للآمة والإنسان العربي، ولا يسعى لمصلحة الشعب العربي وتحرر الأمة جمعا وأفرادا.

 

4.  الفهم العميق للمنهج القومي الإيماني: الأيمان المطلق بأن الوطن لكل أبناء الشعب، وأن المواطنة هي الرابط الأول والأكثر قدسية بين أبناء الشعب، والوقوف بشكل حدي وبجدية ضد أي نزعة أو توجه خاطيء، كالنزعات الطائفية والدينية والقبلية والعرقية والمذهبية والقطرية، ورفض وكشف مروجيها والداعين لها، والتعامل مع كل المواطنين على أساس الدور والجهد والحرص الذي يبذله لأجل خدمة الأمة عموما بإمكانيات الفرد المواطن أو الجماعات أحزابا كانت أو كتلا سياسية منظمة، وأن يكون كل المواطنين في الوطن العربي وفي أجزائه متساوُن في الحقوق والواجبات ضمن إمكاناتهم ومؤهلاتهم، وأن الكل متساوُن أمام القانون دون تمييز من أي نوع. وعلى العرب أن يفهموا المعنى العميق لفكر القومي فهو ليس تعصبا ولا شوفينية، ولا ترجيح لكفة أو حق المواطن على أساس عرقي أو عصبية للمواطنين العرب على المواطنين الذين عاشوا وساهموا في بناء الوطن والدفاع عنه وقدموا للأمة ما لا يقل عما قدمه العرب، فالعروبة والعربية ليست إنتماءا عرقيا ولا تعصبا عنصريا وأنما هي كما قال سيدنا ورسولنا ومعلمنا محمد العظيم هي اللسان أي الثقافة والمعرفة، (العروبة ليست أباَ وأماَ بل لغة وايمانا)، ودستور حزب البعث العربي الإشتراكي الذي يعتبر الحزب الأكثر تمثيلا للمنهج القومي والفكر العربي ينص في المادة العاشرة على أن العربي هو كل من عاش في الوطن العربي وآمن بحق هذه الأمة في الوحدة والتحرر والحياة الكريمة وتكلم لغتها :- العربي هو من كانت لغته العربية، وعاش في الارض العربية او تطلع الى الحياة فيها، وآمن بانتسابه الى الامة العربية.

  

5.  علاقة العرب مع الأمم الأخرى: بما أن هذه الأمة قد كلفت بمشيئة ربانية بحمل رسالات السماء عبر العصور والأجيال، فإنها قد جبلت وألهمت العمل الصالح والمودة والمحبة، ولم يأذن الله بفرض الدين فرضا قسريا بقوة السلاح بل أمر سبحانه المؤمنين بأن يدعوا الناس بالحكمة الموعظة الحسنة (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)النحل الأية125، وأكد عز وجل على أن لا إكراه في الدين، ولا مسؤولية على الأنبياء وليس المؤمنين الآخرين في حالة رفض الآخرين الأيمان والدخول في دين الله، بل على اتلمؤمن إقناع البشر الآخرين من خلال سلوكه المطابق لما جاء في أخلاق المؤمنين التي وردت في الكتب المقدسة وهدي أنبياء الله ، ومن ثم الحوار فلا يوجد نص غير هذا في القرآن الكريم الذي جاء مهيمنا على الكتب الآخرى (أي يضم كل ماجاء فيها وزيادة عنها رحمة لعباد الله) ومصدقا لها، وعلى كل التنظيمات العربية عموما أن يكون رائدها تعميق مشاعر المحبة والتسامح والخلق القويم والألفة والمحبة بين أعضائها والعمل على تطوير النزعة الإنسانية في النفوس وإشاعة روح التعاون والعمل الصالح وحب الخير في نفوس الجميع، هذه المنة الربانية على العرب ترادفت مع معانات هذه الأمة من ويلات الأستهداف العدواني لقوى الشر الإستعمارية والإمبريالية يفترض أن تزيد عمق الإيمان لدى الأمة عموما والأفراد العرب إنسانية وحبا للخير، وتطلعا لمواجهة ومجابهة كل أنواع البغي والعدوان على كل الأمم والشعوب الأخرى، حيث أن هذه الأمة المؤمنة تلتزم بما جاء في كتب السماء المقدسة وهدي أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام الداعين للخير والمحبة والسلام بين البشر، فلا أيمان لحاقد، ولا إيمان لظالم، ولا إيمان لطامع، ولا إيمان لباغي، ولا إيمان لفاجر، ولا إيمان لقاتل، ولا إيمان لمضل، ولا إيمان لشاهد زور، ولا إيمان لساع لفتنة، ولا إيمان لمحرف، ولا إيمان لكاذب وغشاش، ولا إيمان لمغالي، ولا إيمان لمتكبر، ولا إيمان لمتجبر، ولا إيمان لمنافق، ولا إيمان لخائن، ولا إيمان لفاسد أو مفسد، فعلى كل الثوار العرب أن يكون واحدا من ثوابتهم وثوابت ثوراتهم الإيمان بحق كل الأمم والشعوب التحرر والحياة الكريمة، وأن تكون الأمة العربية داعمة ومساندة لكل حركات التحرر في العالم، وهي في طليعة الشعوب والقوى الرافضة لكل أشكال الإستعمار والبغي والعدوان، والمتضامنة معها في كل الإمكانات المادية والسياسية والإعلامية وفي كل المحافل الدولية.

 

6.  التمسك بالمقاومة كخيار وطني وواجب شرعي، وتعميق ثقافة المقاومة وإعداد كل الشعب العربي نفسيا وجسديا لذلك، وإيلاء تدريب الشباب بل عموم الشعب على فنون القتال والدفاع عن النفس والمقدسات أولوية كلبرة وأهمية إستثنائية، كونه واجب شرعي ورد في واجبات المؤمن، وهو فرض عين على المؤمنين، فكيف والواقع يزيد الفرض وجوبا حيث أن الأمة تتعرض لهجمة شرسة على وجودها ومقدساتها؟ فهل الأمة وطلائعها غافلة عن أسباب سعي الدول الإمبريالية وزعيمة البغي والعدوان أمريكا ممثلة بإداراتها التي شنت العدوان على العراق لتدمير القوة العربية الرادعة (جيش العراق البطل) والذي وصل لذروته بعد غزو وإحتلال العراق عبر قرار حل الجيش العراقي وتدمير كل أسلجته ومعداته وإلغاء قانون الخدمة الإلزامية للمواطن في العراق؟ أليس هذا تآمر على الأمة وعدوان على وجودها عبر تجريدها من حقها في الدفاع عن نفسها ومقدساتها؟ فيجب أن يكون ذلك واحدا من الثوابت الغير قابلة للمساومة والتسويف في منهج وبرنامج الثورات الشعبية العربية في كل الأقطار كون الله سبحانه وتعالى فرض القتال غلى المؤمنين في خمس حالات، هي القتال في سبيل الله دفاعا عن الدين والأرض والعرض والمال والنفس، ووعد من يقتلوا في تلك الحالات بحسن العاقبة والخلود في جنات النعيم.

 

7.  الحفاظ على المال العام وعدم الإفساد في الأرض وعدم قتل النفس البريئة، والعفو والصفح عن المسيئين، والتمسك بما أنجزه الشغب عبر تضحياته الطويلة والممتدة لقرن كامل من بنى تحتية وتحرير للثروات وتطور في مجالات التعليم والزراعة والصناعة، فليس ثائرا ولا ثوار من يعيدوا الجهل والأمية ويدمروا العلم ويقتلوا ويهجروا العلماء ويدمروا ركائز البنية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والعلمية كما فعل الخونة المأجورين بالعراق.   

 

الإلتزام بهذه الثوابت هو صمام الأمان للحراك الشعبي العربي، وهو الكفيل بأن يكون ذلك العمل البطولي إنتفاضة ضد الظلم والقهر والبغي، ويجعل الحراك الشعبي إنتفاضة حقيقية وثورة أنتظرها الشعب العربي منذ أكثر من قرن، ويكون إداءا لواجب شرعي ووطني في نفس الوقت، بفرح الكؤمنين ويغيض الكافرين.    

 

 





الاحد١٢ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة