شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل حوالي تسع سنوات ، وبينما كان العراق يحترق بنيران الحقد الطائفيّ ، وكانت حملات التهجير والإبادة والاعتقال والتعذيب تشمل الجميع، كان مسؤولو الإدارة الأمريكيّة وقتها يحتفلون بنصرهم السريع ويستعدّون لاستئناف حملتهم العسكريّة في اتّجاه الهدف التالي . في تلك الأثناء أطلق وزير الدفاع الأمريكيّ السابق دونالد رامسفيلد "الفوضى الخلاّقة" على المأساة التي عصفت بالعراق .. تلك الفوضى التي شهد الوطن العربيّ ميلادها في العراق على أيدي قابلة أمريكيّة لم يكن همّها سوى المباشرة بتنفيذ استراتيجيّة السيطرة الكاملة على أرضنا وبحرنا وسمائنا وثرواتنا، واستبدال أيّ نظام وطنيّ بآخر يكون قادرا على توفير الحماية الأفضل للمصالح الأمريكيّة.


سرعان ما انكشف الأمر، وبدا أنّ الولايات المتّحدة لم تكن تستهدف النظام العراقيّ وحده، وإنّما تسعى إلى الإطاحة بالدولة العراقيّة مؤسّسات وأجهزة وبنايات وقوانين ومصالح و ... وبعبارة أبسط ، فإنّها كانت تريد إعادة تشكيل المنطقة كلّها وفق تصوّراتها ورؤاها وأهدافها، واعتمادا على الأدوات التي تراها أنسب للقيام بالمهمّة بأقلّ نسبة من الخسائر.


كان الغزو الأمريكيّ للعراق مكلفا جدّا من الناحيتين الماليّة والعسكريّة .. ومؤلما جدّا من الناحية الأخلاقيّة . لهذا استعاضت واشنطن عن العمل العسكريّ المباشر، وشرعت في اعتماد أسلوب جديد يقدّمها للشعوب المقهورة على أنّها رسول سلام وحرّيّة من جهة ويجنّبها الدخول في مواجهات مباشرة مع قوى التحرّر والتقدّم الحقيقيّة من جهة أخرى.


حاولت الولايات المتّحدة ركوب قطار الثورات العربيّة الذي باغتها في توقيت انطلاقه وسرعته.. ونجحت في احتلال مقعد متقدّم في القاطرة الأماميّة، بل لا شكّ أنّها نجحت في المشاركة الفاعلة في توجيه سكّة القطار وتحديد سرعته عبر لعبة الإغراء والمساعدات الماليّة والضمانات الدوليّة .. مثلما نجحت كذلك في منع انطلاق نفس القطار والاكتفاء بإجراء بعض عمليات التجميل الخارجيّ ..
حدث هذا في قطر والبحرين والسعوديّة .. وكذلك في اليمن ..
وحدث ذاك في تونس ومصر .. وحدث ما هو أبشع في ليبيا ..
ويحدث اليوم ما هو أنكى في سوريا ..


اليوم تبدو الإدارة الأمريكيّة وكأنّها تعيش هاجس إفلات الثورات العربيّة من سيطرتها وانتفاضها لتمزيق البدلة التي فصّلتها لها واستبدالها بعباءة عربيّة تكون الخيمة الحقيقيّة التي تُظلّ هذه التحرّكات في اتّجاه الانعتاق والتحرّر والكرامة والوحدة . ويظهر هذا الهاجس كأشدّ ما يكون في مصر حيث صرّح مؤخّرا وزير الدفاع الأمريكيّ ليون بانيتا أن الولايات المتّحدة تقف أمام حالة من الغليان في منطقة الشرق الأوسط.
صرّح بانيتا بذلك في سياق إحصائه للتحدّيات التي تقف في وجه وزارة الدفاع الأمريكيّة ..


علينا أن نفهم جيّدا أنّ التحدّيات التي يشير إليها ليست مجرّد صعوبات ، وإنّما هي محاولات لشقّ عصا الطاعة في وجه السيّد الأمريكيّ ، أو هي مساع لاستعادة مقود قطار الثورة بما يخدم الأهداف الحقيقيّة التي قامت من أجلها كلّ الثورات العربيّة.


أضاف بانيتا : "إنّ كل الدول التي حدثت بها ثورات العام الماضي من شأنها الانفجار في وجه الولايات المتّحدة .. وأوّلها سوريا مرورا بمصر ثم اليمن وعدد من الدول الأخرى".


ولأنّ الأمريكيّين يعون جيّدا هذه الحقيقة .. حقيقة استعادة الثورات العربيّة لهويّتها وحرّيّة قرارها فإنّهم سيقاتلون بأسنانهم حتّى يمنعوا "الكارثة القادمة".. لكنّ ذلك لن يحدث حتّى يستنفدوا أدواتهم المحلّية ممثّلة في حكومة هنا.. ومجلس عسكريّ هناك .. ومنظّمات مجتمع مدنيّ في موقع آخر ..


ومن أجل تأمين مصالحهم في وطننا فإنّهم لن يتورّعوا عن جرّ أيّ قطر إلى الفوضى والاضطراب الأمنيّ والسياسيّ ، وتعريض أمنه الداخليّ لمخاطر شتّى، وتمزيق نسيجه الاجتماعيّ والثقافيّ .. بل تدمير الدولة ذاتها إن لزم الأمر ..


فالفوضى لا تكون خلاّقة حقّا ما لم يتمّ تفكيك الدول.. وإعادة بنائها على المقاس الأمريكيّ.

 

 





الاثنين٠٤ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة