شبكة ذي قار
عـاجـل










تنعقد وفق السياق الجديد قمة الأنظمة التي تحكم العرب في بغداد للعام الحالي، نعم أنا قاصد لما أكتب قمة الأنظمة، فهي حقا قمة الأنظمة، بل حتى دون ذلك، ومع هذا فالأنظمة لم تحترم نفسها فجعلتها إجتماع على مستويات مختلفة لممثلي تلك الأنظمة، فإنحدرت من قمة رؤوساء وملوك وأمراء، الى إجتماع وزاري في أحسن حالاته، وأقول الأنظمة التي تحكم العرب: لأن معظم تلك الأنظمة لا تمثل الشعب، وهذا ما لا يعارضه حتى الحكام أنفسهم، لأن معظم أولئك الحكام لا يتعدى وجودهم في الحكم دور الحراس لمصالح دول معادية للشعب والأمة، وهم موجودين بحكم حماية تلك الدول وإداراتها لهم، فهل يحق أن نسمي ذاك التجمع اللا متوافق قمة عربية؟ إنه لا يتعدى منبرا خطابيا لمن حضر لا يختلف عن أي مهرجان آخر. ورغم أني متأكد من حقيقة القمة ونتائجها، آليت على نفسي أن لا أكتب عنها قبل أنتهاء أعمالها وصدور بيانها الختامي، كل لا يقول قائل أنك حكمت على شيء مسبقا.


1. لها : لم أجد أن لها شيء غير أنها إجتماع دوري يؤكد أن هذه الكتلة البشرية واحدة ، ( الأمة العربية بكل مكوناتها بما فيها من تنوع عرقي متعايش ومتضامن مع العرب، ولكنه له خصوصياته القومية المحترمة والمصانة ) ، والساحة الجغرافية ( الوطن العربي ) مترابطة في تكوينها ووجودها ومصيرها، وهي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، برغم ما تواجهه من تكالب تآمري، داخلي متمثلا بوضع وطبيعة الأنظمة الحاكمة ومرجعياتها، والإستراتيجيات التي تقوم وتعمل وفقها، وخارجي متمثلا بالأطماع الإمبريالية الصهيونية، وتصاعد تآمرها على الأمة العربية وكيانها، ورغم وجود تهديدات إقليمية، توظف التناحر بين الأنظمة، والتداعي بمستوى العمل العربي، لخدمة مصالحها وأطماعها، بل تعمل على ترسيخ تلك التداعيات، وتنمية أسباب الوهن والفرقة والتناحر والتشتت، لأنها تخدم أجنداتها ومخططاتها. ورغم كل ما جرى من مشاريع تجزئة وتفتيت أبرزها معاهدة سايكس بيكو، وإنشاء كيان إستيطاني عنصري إرهابي يقوم على القتل والعدوان في فلسطين، لم تستطع كل تلك القوى ومشاريعها، من أن تقتل الحس القومي والروابط بين كل أبناء هذه، وتجعلها تنكفيء أو تستسلم وتكفر بتلك الروابط، فإن الطلائع الثورية المؤمنة والمدركة بقيت ثابتة على موقفها المبدئي النضالي لإعادة وحدة الأمة جغرافيا، حيث أن وحدتها الإجتماعية حقيقة راسخة، وقد كان جواب الجماهير العربية في الأستفتاء الإلكتروني الذي قامت به فضائية الجزيرة تأكيدا على ذلك، حيث أكد المشاركين في الإستفتاء أن نسبة المؤيدين لوحدة الأمة تجاوز 75% .


2. عليها : أما ما عليها فهو كثير :


أ‌- لا تتعدى لقاء بروتكولي لا طعم ولا رائحة لها ، غير رائحة النفاق والكذب واللا مسؤولية.


ب‌- أنها ليست قمة لا للأنظمة ولا للبلدان ولا لمواطنيها، حيث أنها تعقد بلا جدول أعمال حقيقي، مبني على دراسات علمية للمجتمع ونشاطاته السياسية والتنموية والإقتصادية والتعليمية والثقافية والعلمية، توضح تلك الدراسات المقدمة من خبراء وعلماء وأكاديمين متخصصين متطلبان النهوض في أي من الجوانب، وتسلط الضوء على النتائج والفوائد المترتبة عن تطبيقها، بشكل علمي وإصائي مبرر ومدروس، وما هي الموازنات المطلوبة لتنفيذها، وماهي الأخطار الداخلية والخارجية التي تعيق التنفيذ. وإنما تكتفي القمة بجدول أعمال يقترحة مجلس وزراء الخارجية العرب عبر توافقات سياسية ومجاملات ومساومات تطرحها الأنظمة المتباينة التوجهات والمشاريع. وهذا ينقلها من مؤتمرات قمة إلى لقاءات تعارف بين الوزراء المتبدلين وجلسات سمر ومجاملة بين مسافرين في طريق لا يتعدى فيه الزمن يوما أو يومين، وينطبق عليها وعلى جدول أعمالها وقراراتها المثل العراقي ( شاي وكذب ) .


ت‌- أنها قمة الكذب والخديعة، وإضفاء الشرعية على جريمة أمريكا والكيان الصهيوني ونظام إيران ضد الأمة العربية وشعب العراق، إستغلت إسم مكانها رغم أنه ليس بغداد بل هي قمة قصر الفاو، الذي طالما تبجح كثير من الحاضرين بأن صدام حسين يبني القصور والشعب محاصر، وقصر الفاو أحد تلك المعالم الثابتة لبناء العراقيين وتحديهم للحصار.


ث‌- لا تحضى بأي جدية ولا إحترام ولا صدقية حيث أن كثير من الأعضاء يحضر عنهم ممثلين بمستويات وظيفية لا يحق لهم إتخاذ قرار حقيقي ولا مناقشة مقترح، لأنهم أصلا غير مخولين بذلك، وبات حضور القمة من قبل الحكام أو من يمثلهم بحق يعتبر تكريم لحكومة البلد المعقودة فيه القمة، وتعبير عن مستوى العلاقة المتطورة بين النظامين المدعو والمضيف، ولم يعد الحضور بقوة وبأعلى المستويات تعبير عن إهتمام جدي بمصلحة الأمة، فالمفروض الحاكم الذي لديه ملاحظات على نظام آخر يحرص على الحضور بنفسه أو من يماثله في الصلاحيات ويطرح ملاحظاته يشكل واضح وصريح لأن مصلحة الأمة ومستقبلها فوق مصالح الحكام والأنظمة.


ج‌- ليس على من يطرح فيها في خطابه ومناقشاته للآخرين أي إلتزام حتى ولا إلتزام أخلاقي، لذلك فهي مهرجان خطابي أو شعري، يقول فيه المرء ما يجول بخواطره دون أي حرج وضابط ، وكما جاء في القرآن الكريم عن الشعراء، غير المؤمنين.


ح‌- إن الحضور لا يعنيهم أمر الأمة بشيء، ولا هم جادين في معالجته، وإنما الإجتماعات لا تتعدى كونها حفلات إستعراض للبذخ والإسراف بثروات الشعب العربي، لإظهار حجم الحفاوة الكاذب بالقادمين، وهنا ينطبق على الجميع المثل الشعبي ( كمن يبحث عن ثور خالته، إن لقيه يغني وإن ضاع يغني ) ، وإلا ما معنى أن يسمع ممثلي الأنظمة العربية الكذب المكشوف من قبل رئيس وفد الحكومة العراقية المالكي ولا يعترض أحد عليه؟ أليس هذا يعني أن حقيقة القمة في بحثها لشؤون ومصلحة الأمة كذبة هي الأخرى، فلم يقل له أحد عن أي مصالحة تتحدث يا كذاب؟ وعن أي ديمقراطية؟ وماهي تجربتك في بنائها؟ وعن أي دولة وتغير تتحدث وحكومتك تقبع في درك الفساد الأكثر عالميا؟ وعن أي خبرة في مكافحة الإرهاب؟ ألست أنت وحزبك أحد رموزه وممارسيه؟ وعن أي حرية وتحرير تقول وقولك الكذب وأنت رمزا للعمالة والدنائة والخيانة؟ و .. و...


خ‌- مع توسع الفجوة بين جماهير الأمة وحكامها، صارت القمة نقمة على الشعب، فلخوف الحكام من الجماهير، نتيجة عمالة الحكام وأستئثارهم بالثروات، بات توفير الأمن لهم وحماية وفودهم عبئا على الأجهزة الأمنية والدولة، وصار ينعكس على حياة المواطن، وأمسى سيفا يسلط على الجماهير ويعاقبها بلا ذنب في الجزء الذي تعقد فيه القمة، وهذا يزيد الهوة بين الشعب وجلاديه ولا أقول حكامه، وما الإجرءات التي أتخذت من قبل حكومة المالكي في العراق ولا أقول في بغداد وحدها شاهد صارخ على ذلك.


د‌- إن القمة العربية الحالية مثلت حقيقة الواقع العربي المزري، وكشفت بشكل جلي فشل العمل الرسمي العربي، كما أعلنت فشلها هي، بركاكة وهزالة ما تمخض عنها.


ذ‌- أما ما يدعيه بعض السياسين من أن القمة حققت عودة العرب للعراق وعودة العراق للأمة، فلا أدري هل من يطرحوه جهلا أم خبيثا؟ فلم يكن العراق هاجرا للأمة في يوم ما، ولن يكون، والإفتراق والخلافات كانت بين الحكومات، ولأسباب معروفة؟؟، ولم يفترق العرب عن العراق ولا العراق عن العرب في أحلك وأقسى الظروف، والتاريخ شاهد على ذلك، بدءا من الغزو الفارسي لبابل قبل الإسلام، والصليبي والتتري للشام وبغداد بعد الإسلام، والغزو الصهيوني لفلسطين والعدوان الثلاثي على مصر في التاريخ المعاصر، وتقاسم العراقيين لقوتهم مع إخوانهم في فلسطين خلال فترة الحصار المفروض على الشعبين العراقي والفلسطيني خير دليل، وموقف الشعب العربي من الغزو الأمبريالي الأمريكي الصهيوني للعراق وما تلاه من غزو وتآمر على الأمة شواهد لمن يجهل التاريخ.


ولكي تكون القمم عربية حقا وفاعلة جدا لابد من توافر البنود الأتية فيه :


1. عرض مهددات الأمن العربي الداخلية، التجزئة، التناحر، ضعف الإداء الحكومي وبيروقراطيته، ضعف التفاعل بين الدولة والمواطن وإنعكاسها على المواطنة والولاء، التعدديات العرقية والدينية والطائفية والمذهبية وآثارها وحجمها، وهل تشكل تهديدا؟ وهل نتيجة خطأ في القوانين والتشريعات أم في السلوك الحكومي أو المجنمعي؟ ووضع خطط وبرامج لتحديد عوامل القوة والوهن فيها، ووضع الحلول لزيادة قوتها ومنعتها، والخط لمواجهة نقاط الخلل لمعالجتها، وهذا لا يأتي عن أجتهادات وتخرصات لوزراء الخارجية أو غيرهم بل عبر مراكز دراسات ولجان بحث من مختصين وخبراء كل في مجاله، لا يشترط في أن يكونوا ممثلين للأنظمة والأقطار، وبالتالي تنتقل أمراض المحاصصة والفتنة القطرية والدينية والعرقية والمذهبية والفئوية الى مراكز البحوث، ومراكز تقديم المشورة لمعالجة وضع الأمة ومصيرها، وعلى وزراء الخارجية دراستها وتبويبها ضمن مناهج ومشاريع مؤتمرات القمة، ليطلع عليها القادة العرب، ويتم إتخاذ القرارات الناجعة والمبررة فيها.


2. عرض مهددات الأمن العربي الخارجية، ووضع برامج وخطط موحدة لمعالجتها. التهديدات العسكرية، التهديدات الأمنية، التهديدات الفكرية والثقافية، التهديدات الأقتصادية، وهكذا لكل أشكال التهديد المباشر وغير المباشر، وبنفس السياق كما ورد في واحد أعلاه.


3. أبرز نقاط القوة في الوطن، الموقع الجغرافي، الثروات الموجودة في باطن الأرض، رأس المال العربي والسبل الأمثل في إستثماره بما يعود بالخير والربح على المستثمر دولة أو مؤسسة أو فرد وعلى منطقة الأستثمار وبالتالي على المجتمع العربي، الأيدي العاملة، العمالة الماهرة، والكوادر المهنية وأصحاب الخبرة والإختصاص، وكيفية العمل على إستثمار ذلك لصالح قضايا الأمة ومشروعها،


4. أبرز نقاط الوهن في الوطن العربي، التجزئة، والجهل والأمية، وضعف المواطنة، والتشرذم بسبب الأمراض الإجتماعية، كالإقليمية والقبلية والتعصب الديني والعرقي والطائفي والمذهبي، وأساليب مواجهتها وتحصين أبناء الأمة ضدها وخاصة الشباب والنشىء الجديد، وكيف يجب أن نواجهها، بما يضمن إحترام خصوصيات الإنسان وعدم المساس بها، مع الحرص على بناء وحدة وطنية راسخة مبنية على قبول الإختلاف في الرأي والفكر والمذهب ولكن التوحد على الإنتماء للوطن والحرص على المصلحة العامة، التي هي مصلحة الجميع.


5. واحد من أبرز مشاكل الأمة والإنسان في المجتمع العربي الأمية والجهل وتدني الوعي الثقافي، لماذا لا تطرح القمم العربية برامج مشاريع لمعالجة الحالة على المستوى القطري والقومي؟ أليس هذه مسألة لها أنعكاس مباشر وغير مباشر على مجملجوانب الحياة؟ فلها تأثير مباشر على الوضع الإجتماعي والأمني والتنموي والإقتصادي.


6. تحديد أسباب التخلف التنموي في القطاع الصناعي والزراعي والإستثماري والعمراني والتجاري والخدمي في الوطن كرقعة جغرافية ثقافية وسياسية وإقتصادية واحدة، وكدول أو أقطار.


7. نظرا لسعة القضايا والمواضيع المطلوب الخوض فيها، لماذا لا تشكل مجالس بحثية متخصصة لتقديم دراسات ورؤى وأفكار لكل جانب؟ وتكون هذه المجالس الإستشارية أو البحثية دائمية، وتقدم مقترحات وتوصيات، كما تؤشر التجارب القطرية الناجحة والتي يمكن نقلها والإستفادة منها عند الآخرين، كعملية تبادل للخبرات والتجارب بين الدول العربية، وكل ذلك يمكن أن تتدارسه مجالس الوزراء العرب كل حسب إختصاصهم، كالخارجية بالنسبة للمسائل السياسية والدبلوماسية، والتربية والتعليم بالنسبة للقطاعات التعليم الأولي، والتعليم العالي بالنسبة للجامعات ووزارات التعليم العالي والبحث العلمي، وهكذا بالنسبة للتجارة واللإقتصاد والداخلية والثقافة والإعلام والرياضة والشباب والزراعة والصناعة وهلم جرى في كافة مجالات الحياة ونشاطات الدول والأشخاص ... وترفع بها توصيات لإجتماعات القمة لإقرارها وإعمامها والعمل بموجبها.


8. بعد كل ذلك، الواجب يحتم وضع برامج إجتماعية وسياسية وإقتصادية وقانونية ( تشريعية ) وإدارية تكفل تنفيذ ماتم الإتفاق عليه. وتكون ملزمة قانونيا وأدبيا للأعضاء ( أي القادة والحكومات ) .

 

 





الاربعاء١٢ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة