شبكة ذي قار
عـاجـل










 

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو )

صدق الله العظيم الحجرات 13

منهج ووسائل قوى المشروع القومي :

في ضوء كل ذلك كان منهج حزب البعث العربي الإشتراكي وإستراتيجية ثورته في القطر العراقي قائمة على ضرورة إحترام الإنسان، وتمكينه من الحصول على حقوقة، وتمكينه من التعبير عن ذاته وإبداعه، فيكون ذلك سببا وحافزا لتوحد الشعب، وقدرته على ممارسة حقوقه الفردية والجماعية، وتثوير عموم قطاعاته وفئاته، لتبدع وتؤدي بقدراتها الكاملة المبدعة، فتواجه الواقع المر الذي تعيشه الأمة في كل أقطارها، بالعمل الصالح وبحهد إستثنائي لتغير الواقع، هذا الواقع المزري الذي ولد ونشأ جراء عدوان إمبريالي سابق في بداية القرن العشرين، حيث تم تجزئه الوطن والشعب العربي الى شعوب ودويلات، عبر معاهدة سايكس بيكو الملعونة، المقررة سلفا بين دول التحالف الإمبريالي بريطانيا وفرنسا، والتي أتاحت للأجنبي أن يتحكم بمقدرات الأمة، فنصب عليها حكاما هم عملاء للعدو متحالفين معه، وموقعين على تنفيذ مخططه قبل الاحتلال، بعد أن تعهدوا لهم بأنهم سيعملوا بكل جهدهم على تكريس واقع التجزئة وتعميقه، والعمل بكل طاقتهم وأموالهم على زيادة التباعد والفرقة بين أبناء الأمة، وتيئيسهم من إمكانية التوحد، وزيادة في العدوانية والعمل على تكريس التجزئة قامت تلك القوى المعادية الباغية ( دول العدوان الإمبريالي بريطانيا وفرنسا زعيمتي الإمبريالية أنذاك ) بإنشاء كيان إرهابي عدواني شرير هو الكيان الصهيوني الإستيطاني العنصري في فلسطين، لتعمق الجراح وزيادة الوهن، كي يزيد تحقيق هدف الوحدة صعوبة.

 

وللخلاص من ذلك ناضل مجاهدوا البعث طيلة ما يقارب القرن، بكل صور الجهاد والكفاح لتوعية الشعب العربي بالخطر، ووضع الرفاق المؤسسون برنامج البعث القومي القائم على هذا الفكر الإيماني الوطني الإنساني، وحددوا أهداف نضالهم بتحقيق الوحدة والحرية والإشتراكية، وهذه الأهداف ليست أهداف لمنتسبي الحزب، بل أهداف كل جماهير الأمة، تبناها الحزب كونه يمثل إرادة الجماهير، والتي تكفل عند تحققها تلبية طموحات الأمة، وترتقي بها إنسانيا وتعيدها لدورها للمشاركة الإيجابية في التطور القيمي والحضاري الإنساني للبشرية. وعوم الشعب العربي هو الذي يحدد الصيغة الدستورية لتطبيق تلك الأهداف، وإن هذه الأهداف مترابطة جدليا فيما بينها، أي أن تحقيق أي منها مرتبط بتحقيق الأخريين.

 

فالمشروع القومي الإيماني الذي يعتمده حزب البعث العربي الإشتراكي يهدف لتوحيد الأمة العربية إجتماعيا وجغرافيا، وتحرير إنسانها وثرواتها، وإسثمار قدراتها البشرية والإقتصادية بشكل علمي فاعل، وتحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الأمة، وحل كل المشكلات الداخلية بشكل ودي وسلمي، قائم على أسس المواطنة المتساوية لجميع مواطني الوطن الكبير، لتشارك الأمة العربية عموم الأمم في العالم بتحقيق رقي البشرية، والدفاع عن قيمها وأمنها، لهذا قاد البعث المجاهد ثورتي شباط وآذار في القطرين العراقي والسوري عام 1963، ولنفس السبب قاد ثورة 17-30 تموز في العراق، ليبني قاعدة الثورة العربية الكبرى، ويهيء ساحة إنطلاقها ونموذجها، ليتحمل جميع أبناء الشعب بكل فئاتهم وإنتماءاتهم، دورهم المسؤول في التعبير عن المواطنة الواعية، والإنتماء الحي الفاعل لهذه الأمة، لذلك أول ما توجهت له ثورة العراقيين بقيادة البعث كان الإنسان وتحريره وإطلاق طاقاته، وهو الإستثمار الأرقى والأصح في الدنيا، فبناء الإنسان وتعزيز ثقته بنفسه يحقق بناء كل شيء، وهو السبب الرئيسي لعداء الإمبريالية للبعث وإستهدافه، والسبب الحقيقي وراء صدو قرار أو قانون إجتثاث البعث.

 

كانت ثورة 17-30 تموز ثورة القيم الصحيحة، والأنطلاق الواعي لمسيرة إيمانية ثورية حضارية، هدفها بعث الحيوية والنشاط في الأمة، وإستثمار قدراتها، فللعرب مقومات وقدرات أنعم عليهم الخالق بها، منها: العقيدة السامية، ورفض الذل والخنوع، وحب الخير لكل الناس، والتعامل مع الأمم الأخرى على اسس التعاون وتبادل المصلحة والمنافع وعدم العدوان، وإضافة لإمتلاك الأمة الثروة الدائمة ( المال والبترول والمعادن الأخرى التي تكتنزها أرضهم ) ، فلو أستثمرت هذه الإمكانات بشكل صحيح وعلمي لنهضت الأمة، وأحيت دورها التاريخي والريادي، لتشارك الأمم الأخرى في ترسيخ القيم الإنسانية وحماية حقوق الأمم والشعوب، من خلال مشروع الأمة الرسالي بأبعاده الإيمانية والإنسانية، عبر فهم إيماني عميق لرسالات السماء، وخاصة الاسلام دين الله الذي جاء مصدقا لما سبقه من الرسالات السماوية، فالدين ليس رسالة أحد الأنبياء والرسل، بل هو تراكم وتطور للشرائع والأحكام والفروض والحدود وتأكيد للثوابت الإيمانية، توحيد الله وعدم الشرك به وتصديق المرسلين والعمل الصالح والإيمان بيوم الحساب، وهو ما أكده ودعى إليه الأنبياء جميعا، وجاءت رسالة الإسلام لتزيد تفاصيل التشريع الديني، وتصحح ما حرفه البشر بغواية الشيطان وأتباعه، ولتخفف عن المؤمنين كثيرا من الفرائض رحمة من رب العالمين، لذا أنزل الله عز وجل في خاتمة آيات القرآن المجيد مخاطبا البشرية عموما: ( اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دين ) ، ليعوا الناس أن الدين واحدا، بدأ منذ خلق أبونا آدم وإكتمل برحيل خاتم الأنبياء عليه وعلى جميع إخوته أنبياء الله أفضل صلوات ربي وسلامه، ودليل آخر هو إن الله تعالى أكد على حفظه للقرآن من أي تحريف، لما يعلمه سبحانه وتأكدت البشرية منه، وهو تحريف آيات الله من قبل المحرفين والطامعين، ليشتروا بها رغباتهم في الدنيا، أولئك الذين لعنهم الله وغضب عليهم، لأنهم حرفوا آيات الله ليشتروا بها ثمنا قليلا، وهاهم اليوم يفعلوا ذات الشيء، ولكن عبر التفسير المحرف والإفتاء المغلوط المقصود، لأنهم يعلمون أن القرآن محفوظ من التحريف بمشيئة الله، أنا لا أدعي بأن مسيرة الثورة ومن ثم تطبيق مشروعها لم يرافقه أخطاء، ولكن يجب أولا أن نقارن بين حجم ما تحقق ونوعه وبين حجم الأخطاء، ثم علينا أن ننظر للفترة 1980-1990 بمجمل ما رافقتها من ظروف ضاغطة ومقيدة لمنهج الثورة ومشروعها، فالموضوعية تقتضي أن تقاس حصيلة ثورة تموز بفترة 1968-1980 التي تمثل مرحلة العطاء والوفاء بما جاء في برنامج الثورة، أما الفترة اللاحقة فبالرغم مما بذلته القيادة من جهود جبارة في إستمرار تنفيذ برنامج الثورة، إلا أن ظرف الحرب الطويلة ومتطلبات الدفاع عن البلد بوجه العدوان الخميني، قد كان له دخلا كبيرا في مستوى الإداء والنمو، وحتى في فرض تأجيل برامج تنموية لها الأولوية، لكونها ذات تأثير مباشر في حياة المواطن، وتقديم أخرى كانت في سلم متأخر ضمن حسابات برمجة الأولويات وترتيبها وفق الحسابات الإعتيادية للقيادة، لكونها تتعلق بحماية أن الوطن وحماية حدوده، والحفاظ على ما تم إنجازه، أما الفترة بين 1990-2003فقد كانت فترة تعبئة شاملة وحرب عالمية ضد العراق، إستطاع العراق وقيادته من مقارعة كل قوى الشر والإرهاب والعدوان في الكون ثلاث عشر عاما، كان الحصار اللاشرعي واللاإنساني واللاقانوني أفتكها على الشعب وقيادته، فقد نجح العراق في تخطي عدوان وحشيا إرهابيا كانت غايته إبادة الشعب وقتله جماعيا، والمراقب المنصف والمهني يدرك حقيقة ذلك، ومع كل تلك الظروف الصعبة لن تتخلى القيادة عن برنامج التنمية، فالمتابع المنصف يمكنه أن يؤشر إنجازات كبرى خلال الفترتين 1980-1991و 1991-2003 فقد أنجز في العراق مشاريع عملاقة فقد تم إنشاء سدي صدام ( الموصل ) والقادسية العملاقان على نهري دجلة والفرات، وتم بناء كثير من مصانع ومنشأت الصناعة والتصنيع العسكري وإكمال شركة النفط الوطنية بكل تفاصيل عملها، وإكمال مشاريع زراعية مهمة كان لها نتائج كبيرة على تطوير القطاع الزراعي، وتم تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ري الموصل العملاق ومشروع ري صدام في محافظات التأميم وديالى وصلاح الدين، واكتملت خلال الفترة بين 1980- 1985 مشاريع الطاقة الكهربائية وانشأت هيئة التصنيع العسكري ومصانعها ومعاملها، أما الفترة 1991-2003 فلم يوقف العدوان الثلاثيني تنمية العراق، برغم صعوبة الظرف الإقتصادي، ولكن إستمرت بالممكن المتوفر محليا، فكانت حملة إعادة الإعمار للخراب الكبير والدمار الشامل الذي نتج عن العدوان، والذي بدأ عقب توقف القتال مباشرة، وإنجز خلال عام واحد، ثم بدأت الحملة بإعادة إعمار المكائن والمعامل المتضررة من العدوان، وأنجزت مشاريع زراعية عملاقة، مثل نهر صدام لمكافحة الملوحة في الأراضي الزراعية، بجمع مجاري المبازل الرئيسية ونقله الة البحر عبر خور عبد الله، وإنشاء أنهار العز وتاج الأنهار في محافظة ميسان والقادسية في محافظتي المثنى وذي قار، والتي تخدم الإنتاج الزراعي بشكل كبير، وساهمت بتوسيع الرقعة الزراعية المضمونة الإرواء، كما أنجز في نفس الفترة القسم الأكبر من مشروع العمارة الكبير، وإستصلاح الأراضي في محافظات ذي قار وميسان والبصرة، وتجفيف مناطق كبيرة من المناطق المحيطة بالأهوار، في مشروع أجتماعي وإقتصادي وبيئي كبير لو إكتمل بالشكل المخطط له، تلك الأراضي المنخفضة نسبيا والتي تغمر بمياه الفيضان في مواسم الفيضان، فهو مشروع يخدم قطاعات تنموية هامة منها قطاع النفط والغاز، كما يخدم الصناعات الإستخراجية ( الزئبق ) ، وصناعة السكر والورق اللذان يعتمدان على نبات قصب السكر والقصب والبردي الطبيعيان التي تنموا بكثافة في تلك المناطق، ويخدم قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، حيث تمثل المناطق المحمية من الفيضان ( المجففة ) أراضي ممتازة الخصوبة لإنتاج المحاصيل كالحنطة والشعير، كما أنها تمثل بيئة مثالية لتطوير وتكثير تربية البقر والجاموس، وتمثل المناطق المنخفضة أحواضا طبيعية لنمو وتكاثر الأسماك، كأهوار الصحين والجكة والصليل والجبايش والهوير والشافي وغيرها، وبكلف زهيدة جدا، لتوفر المواد الغذائية الطبيعية فيها، فيما لو طورت تلك المنخفضات كما كان مخططا لها، لتكون مزارع عملاقة لتربية الأسماك النهرية، وتطوير منطقة الأهوار إجتماعيا وإقتصاديا وبيئيا، لكن الحصار والعدوان لم يتح إكمال كافة جوانب المشروع.

 

وسأواصل البحث في الفكر العربي الإيماني تفصيلا من خلال العودة الى مباديء حزب البعث العربي الإشتراكي والحركة القومية بشكل عام، ومن ضمنها الترابط الجدلي بين الأهداف، إنشاء الله.

 

 





الاربعاء٠٤ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة