شبكة ذي قار
عـاجـل










نتكلم في هذا الجزء السابع والأخير المد الإيراني الصفوي في العراق بدايته ومخططاته وأهدافه وهيمنته على العراق منذ الغزو سياسيا وعسكريا ووأقتصاديا وأجتماعيا ودينا ..


يُعدّ المد الإيراني الحالي في العراق من أبرز العناصر التي لها مفاعيل استراتيجية على العراق و على مستقبل القوّة التي تتمتع بها إيران حاليا في محيطها الإقليمي. و يعتبر هذا النفوذ احد العوامل الرئيسية التي يتم التعويل عليها للارتقاء في المجال الحيوي الجيو-استراتيجي الذي تطمح إيران تاريخيا إلى التمدد عبره باتجاه باقي دول الخليج العربية فيما تشكل أفغانستان البوابة الأخرى للتمدد في الاتجاه المقابل في وسط آسيا.


لقد ساهم التركيز الإعلامي على الدور و النفوذ الأمريكي في العراق خلال التسع سنوات الماضية من احتلاله إضافة إلى الاختراق الإسرائيلي في التغطية على حقيقة الدور الإيراني و مدى خطورته و تداعياته و ذلك إمّا لعدم إشغال الناس عن المحتل المباشر في العراق و هو أمريكا، و إمّا لإظهار حسن النيّة تجاه الموقف الإيراني.


بعد تسع سنوات من احتلال العراق، نلاحظ أنّ النفوذ الإيراني في العراق بلغ مداه الأوسع على الإطلاق، و هو يهدد بابتلاع الدولة بطريقة غير مباشرة. و إذا ما رصدنا مختلف القطاعات العراقية فإننا سنرى أنّ إيران اليوم تتمتع إيران بنفوذ هائل في العراق على جميع المستويات:


أولا : العسكرية


و ذلك عبر فيلق القدس و الميليشيات الشيعية المسلّحة إلى جانب الميليشيات المنخرطة في الحكم تحت مسمى الحكومة و خاصة فيما يتعلق بحزب الدعوة و فيلق بدر. و لكل من هذه الأذرع وظيفة محددة في ما يتعلق بالنفوذ و الدور الإيراني. بالنسبة لإيران تشكّل هذه الجماعات المسلّحة أدوات ممتازة للمناورة.


فالجماعات الموالية للحكومة انخرطت في العديد من المهام التي كانت تصبّ في إطار محاصرة المقاومة العراقية الحقيقية للاحتلال، ذلك أنّ انتصار هذه المقاومة يعني الإطاحة بمكتسبات الطبقة السياسية التي أتت على ظهر الدبابة الأمريكية و الموالية بطبيعة الحال لإيران، و سقوطها يمثّل خسارة كبيرة للنفوذ الإيراني المتمثّل بها.


أمّا بالنسبة لفيلق القدس و الميليشيات الخاصة، فقد انحصرت مهام الأول في تدريب و تأهيل الفئة الثانية على الأعمال العسكرية ( مثل حزب الله العراق و جماعات موالية للصدر و جيش المهدي ) على أن يكون الهدف خلق ما يمكن تسميته "فوضى منظّمة" أو "فوضى مدارة" عبر افتعال مذابح مذهبية و طائفية تهدف إلى عدم تمكين العراق من تحقيق الأمن و الاستقرار الذي يعدّ هدفا أمريكا لإعلان النصر، و هو ما يعني بالتالي تصعيب المهمة على الأمريكيين بدرجات مضبوطة من أجل التفاوض معهم و مقايضتهم المساعدة في العراق على ملفات و مطالب إيران المحليّة و الإقليمية.


كما تورطت شبكة الاستخبارات الإيرانية في العراق بعمليات تصفية و اغتيال الكادر العسكري العراقي العالي التقينة، و مئات الضباط العراقيين خاصة الذين كانوا يعملون في سلاح الجو والقوة الصاروخية و العلماء وخبراء التصنيع العسكري العراقيين.


و يقدّر مسؤول ملف الخارجية رئيس العلاقات الخارجية بمنظمة مجاهدي خلق على سبيل المثال بأن لإيران أكثر من 32000 ألف عنصر استخباراتي إيراني في داخل العراق حيث يشرفون على فتح مكاتب للمخابرات الإيرانية استقطبت أكثر من 70 ألف شاب من الجنوب، يدفع لكل فرد ينضم إليهم راتب شهري قدره (1000) دولار و(2000) دولار مقدماً. كما أنها تدفع رواتب (11740) عضوا في مليشيات بدر العراقية التي يقودها هادي العامري.


ثانيا : الدينية


هناك علاقة قوية تربط إيران بشريحة واسعة من العراقيين تحت مسمى "التشيع". و قد استطاعت إيران بطريقة مباشرة و غير مباشرة استغلال هذا الجانب و تسخيره في خدمة أغراضها في العديد من المناسبات تارة عبر إثارة الغرائز المذهبية و الطائفية و طورا عبر تنصيب نفسها محاميا عبر ترويج لمصطلح "المظلومية" و ما يتبعه، إلى جانب الدعم الغير محدود الذي ناله حلفاؤها في الداخل العراقي لا لشيء إلاّ لأنهم يحققون مصلحتها عبر بوابة "التشيع"، حتى أن الأمر وصل بشريحة من هؤلاء الشيعة إلى التعبير عن سخطهم من استغلال إيران للشق الديني و المذهبي في تحقيق أغراضها و أهدافها السياسية، فوقّع على ما نقلت وسائل الإعلام في تشرين ثاني 2007 حوالي 300 ألف من أهالي المحافظات الجنوبية الشيعية بيانيا يدين "الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني في العراق خلال السنوات الأربعالأخيرة" مضيفاً: "إن أكثر الطعنات إيلاماً وأكثر الخناجر تسميماً التي غرزهاالنظام الصفوي في خاصرتنا نحن الشيعةفيالعراق؛ هو استغلال المذهب ببشكل مخجل لتحقيق نيّاته الشريرة وأغراضه المشبوهة".


و تشير بعض التقارير إلى أنّ إيران أدخلت أكثر من ألفي رجل دين في منظمة الحوزة في محاولة منها للتأثير على قرارها و استحواذه كليّا، و لا يفوتنا هنا أن نذكّر بخدمات المرجع الأعلى في العراق الصفوي الفارسي علي السيستاني حتى الساعة و دوره في دعم الاحتلال الأمريكي للعراق و الذي امتدحه "بول بريمر" في كتابه إضافة إلى شرعنة الطبقة الحاكمة الموالية لإيران في العراق.


ثالثا : الاقتصادية


انبثق بعد احتلال العراق نفوذ اقتصادي هائل لإيران خاصّة في المناطق الجنوبية و لاسيما في البصرة التي تعدّ المكان الوحيد في العالم الذي يتم تداول العملة الإيرانية فيه خارج إيران و ذلك لشراء البضائع و الحاجيات!! و تشير بعض الأرقام غير الرسمية إلى أنّ إيران تحوّلت إلى الشريك التجاري الأوّل للعراق و ذلك مع صادرات إيرانية تعدّت قيمتها الـ 1.8 مليار دولار في العام 2006


و من المعلوم مدى تأثير النفوذ الاقتصادي لإيران في الاستحواذ على ولاء شريحة واسعة من الناس كما في أفغانستان و لبنان و مناطق أخرى من العالم العربي. على سبيل المثال اقترحت الحكومة الإيرانية إعطاء العراق 100 مليون دولار بشرط أن يصرف أغلب المبلغ على البنية التحتيةفيالنجف وكربلاء، وفي كانون أول 2006 وقّعت إيران اتفاقية تتضمّـن دفع مبلغ مليار دولار للعراق، يصرف جزء منها لدعم ميزانية الحكومة العراقية، لكن الجزء الأكبر يُـصرف على قطاعات متعدّدة، تشمل تدريب بموظفين عراقيين في إيران في مختلف المجالات. و معلوم بطبيعة الحال ماذا يفعل المتدربون في إيران.
العراق اليوم يعد بمثابة سوق إيراني و قد بلغ درجة من السخرية انه أصبح يستورد الكهرباء و القمح و حتى بعض المشتقات النفطية من وقود و غاز من إيران.


رابعا : الاجتماعية


على الصعيد الاجتماعي تعمد إيران إلى استغلال ما يسمى بالسياحة الدينية من أجل محاولة العبث بالتركيبة الديمغرافية و القومية. إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ حوالي 3 آلاف زائر إيراني يدخلون العراق يوميا، مما يعني حوالي مليون و 80 ألف إيراني سنويا جزء كبير يستقر منهم بطريقة غير شرعية في العراق إلى جانب الذي يدخلون بطريقة غير شرعية و لا يتم إحسابهم في العدد و هو أضعاف ذلك.


نتيجة لذلك، اللغة الفارسية ذاتها لم تعد مستغربة في العراق وهي تتداول مثلما العملة الإيرانية ( التومان والريال ) في أسواق بغداد والنجف وكربلاء والبصرة، و البعض أصبح مضطرا لأن يتعلم الفارسية كي يستطيع التفاهم مع الكم الكبير من الوافدين الإيرانيين الذي يأتون على أنّهم سياح ثم ما يلبثون أن يستقرون بصورة غير شرعية تؤدي إلى تغيير الهوية على المدى البعيد. و لعل هذا الهدف واضح من خلال الاقتراح الذي تمّ طرحه من قبل التابعين لإيران عندما كان يتم صياغة الدستور الجديد باقتراح أن تعتبر القومية الفارسية باعتبارها القومية الرابعة في العراق، بعد العربية والكردية والتركمانية!!


و قد اثّر النفوذ الإيراني اجتماعيا في خلق بعد العادات التي لم تكن موجودة من قبل كانتشار تجارة المخدرات و الحشيش و الهروين و معظم المتداولين فيها إيرانيين، كما أدت إلى انتشار "زواج المتعة" الذي لم يكن محبّذا في المناطق الشيعية العربية داخل العراق.


و قد تمّ بالفعل تجنيس عدد ضخم جدا من الإيرانيين وفق بعض التقارير خاصّة في عهد حكومة الجعفري التي تعهدت بإقرار خطة توطين ما يقرب من مليوني شيعي إيراني في الأراضي العراقية ينتمون إلى ثلاث فئات ( من لهم فروع لعائلات وقبائل عراقية وجدوا في العراق قبل نزوح أبناؤهم باتجاه الأراضي الإيرانية، الجيل الجديد من العراقيين ،العراقيات الشيعيات المتزوجات من إيرانيين ).
 

أماّ فيما يتعلق بالناحية الثقافية فإن الزائر للعراق لا يمكنه أن يمر في مدينة أو قرية عراقية من غير أن يجد فيها مراكز ثقافية ومكتبات ممولة من قبل إيران، وهذه المراكز والمكتبات وضعت ومولت إيرانيا لأهداف إستراتيجية ولتحقيق أهداف سياسية محددة، و قد وصل الأمر أن قامت وزارة التربية وبإصرار من قبل وزير التربية العراقي بمنح عقود طباعة الكتب المدرسية للمطابع الإيرانية.


معالم الدور الإيراني :


المتابع لطبيعة و أهداف الدور الإيراني خلال التسع سنوات الماضية في العراق بعد احتلاله يلاحظ أنّ هذا الدور يختلف باختلاف معطيات المرحلة على أن يخدم هذا الدور المتحرك الأهداف النهائية الثابتة.


1- ففي مرحلة احتلال العراق من قبل الولايات المتّحدة، و على الرغم من الحياد المعلن من قبل إيران، إلاّ أنّ دورها كان ينحصر تحديدا في مساعدة "الشيطان الأكبر" باحتلال العراق لتجنب سخط الأمريكيين و الخوف من أن تكون إيران التالية على اللائحة، و قد أثمر هذا التعاون مقترحا إيرانيا عرف باسم "الصفقة الكبرى" رفضته إدارة جورج بوش. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد استمر الدعم الإيراني لجهود الاحتلال و تحقيق "الاستقرار المؤقت" من اجل أن يساعد ذلك على إيصال حلفاء إيران إلى السلطة السياسية و العسكرية و الاقتصادية في البلد. و هذا ما حصل لاحقا، فكانت إيران أول دولة في العالم تعترف بمجلس الحكم العراقي المعيّن من قبل الاحتلال حتى قبل صدور أية تعليقات من دول أجنبية كبريطانيا أو أمريكا، و هي أول دولة تعلن مباركتها للحكومة العراقية حتى قبل أن يعترف العرب بها!!


2- في المرحلة التي تلت وصول حلفاء إيران إلى السلطة، عمدت إيران إلى فرض نفسها ندّا للولايات المتّحدة الأمريكية في العراق، فالمغانم و المكاسب يجب أن تكون متساوية على الأقل، لكنّ أمريكا التي لا ترضى باقتسام الكعكة حاولت التخفيف من النفوذ الإيراني عبر اقتراح سياسة تدعو إلى إشراك المزيد من السنّة العرب في السلطة و ذلك لتخفيف الضغط الإيراني من جهة و محاولة استيعاب المقاومة.


عندما حصل ذلك, شعرت إيران أن أمريكا تريد سحب البساط من تحتها، فتحركت بسرعة و تمثّل الدور الإيراني هنا في دعم ميليشيات جيش المهدي و فرق الموت و تسليحها و تمويلها لتقوم بخلخلة الوضع الأمني و تفجير الحرب الطائفية على أمل أن يؤدي ذلك إلى استنجاد الأمريكيين بالإيرانيين، و هذا ما حصل بالفعل و تمخّضت عنه جلسات حوار مباشرة و علنية بين أمريكيين و إيرانيين للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة الإيرانية الخبيثه عام 79.


3- أمّا دور إيران في المرحلة الحالية، فيتمثل بـ "إدارة فوضى منظّمة" تعتبر خليطا من الاستقرار المؤقّت طالما أن ذلك يعزز من موقع و دور التابعين لها في التركيبة العراقية، و من الفوضى المضبوطة طالما أنّ ذلك يؤدي إلى ازدياد الضغط على الأمريكيين و استدراجهم إلى مفاوضات تلبي الشروط الإيرانية لإعادة الاستقرار و التعاون.


أهداف الدور الإيراني :


تسعى إيران بطبيعة الحال إلى ترجمة هذا النفوذ التي تحظى به على كل المستويات إلى نتائج ملموسة تتعلق أساسا في الدور التي يتم تسخير هذا النفوذ فيه من اجل تحقيقه. و يمكن القول إنّ الأهداف الإيرانية الأساسية في هذا المجال تتمثّل بـ:


1- تعزيز المنظومة الأمنية الوقائية للنظام الإيراني و التي تتمثل بإنشاء خطوط دفاع متعدد خارج الدولة الإيرانية و وتتجسد بدول و حركات موالية لها و يمكن استخدامها كوسائل ردع أو كروت تفاوض أو كرافعة إستراتيجية لأي صفقة ممكنة.


2- تحقيق التمدد الإقليمي الجيو-استراتجي للنفوذ الإيراني الذي يمثّل "الهلال الشيعي- الإيراني" لبّه و الذي يعتبر ركيزة أساسية في الفكر السياسي و السياسة الخارجية الإيرانية و الذي يعتبر هدفا إيرانيا تاريخيا لا يتغير بتغير الأنظمة هناك، و إنما تتغير و تتبدّل الوسائل التي يتم تحقيقها به فقط.


3- المساومة ليس على دور إيران في العراق أو نفوذها به و إنما على العراق في سبيل ملفات أخرى دون أن يعني ذلك التنازل عنه. بمعنى آخر، استخدامه رهينة للتفاوض عليه و اكتساب المغانم.


4- منع عودة أو قيام عراق عربي قوي ومستقر ومستقل لان ذلك يعدّ أكبر عدو للإستراتيجية الإيراني و للنظام الإيراني و للنفوذ الإيراني في المنطقة.


وحسبنا الله ونعم الوكيل،،
وهاقد أتمينا اليوم الجزء الأخير الذي أستعرضنا خلاله قبسات من تاريخ بغدادنا الحبيبة منذ احتلال المغول لها الي يومنا هذا.
لكن صبراا بغداد ستشرق الشمس من جديد
وسننفض عنكي كل الأنجاس


والله أكبر عاش العراق العظيم
وعاش ديننا الحنيف وأمتنا المجيدة
وليخسأ الخاسئون

 

 





الاربعاء٠٩ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو بعث العتيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة