شبكة ذي قار
عـاجـل










مفهوم محور الشر وأبعاده :
حدد المجرم الدولي الرئيس الأمريكي جورج بوش محور الشر كما أسماه بعدة دول، المعلن منها ثلاثة هي العراق وإيران وكوريا الشمالية، وأعتبرها داعمة للإرهاب، وتشكل تهديدا للأمن والسلم العالمي، ولم يستثنى غيرها ولكن بدرجة أقل، ولم تعلن أسماء غير تلك الدول، لأن أمريكا بحاجة لحشد أكبر عدد من الدول والأنظمة، في تنفيذ مشروعها المعلن، على الأقل في المرحلة الأولى من حربها، التي إستطاعت أن تجعلها حربا عالمية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، وفي الحقيقة الخفية هي حرب أمريكا الإرهابية للهيمنة على العالم.


نعم لقد فرض حجم التسلح التدميري النووي والهيدروجيني بين طرفي الصراع عدم القدرة على قيام حرب تقليدية، ورغم تفكك الأتحاد السوفيتي وحلف وارشو، فإن ذلك لا يعني إنتهاء النزاع ورضوخ روسيا الكلي للهيمنة الأمريكية، ولكنه فسح المجال على الأقل لعقود من فرض هيمنة أمريكا على العالم، وتحكمها بقواعد النظام العالمي، لكن هذا لن يوقف الصراع بين الخير والشر، الذي عمره عمر الخليقة، وهذا أمر قدره الله تعالى، ليبتلي الإنسان ويرى من هو أحسن عملا، هذا الصراع يخبو تارة ويشتد تارة، حسب الظروف الكونية والموضوعية والذاتية لطرفي الصراع، فعندما ترجح كفة الخير تخبو حدة الصراع، لأن أصحاب الخير وأتباعه لا يسعون للفتن والنزاعات والحروب، فقيمهم ومباديء منهجهم الحوار والسلام والتسامح، ويطمحون عند تصاعد قدراتهم إلى دعوة الأشرار للتوبة والرجوع الى صراط الحق والعدل والمحبة والسلام، ولكن عندما ترجح كفة الأشرار تزداد الحروب والصراعات، ويسعون للفساد والفتن فهذا منهجهم، والفتن والفساد والقتل والجريمة قاعدة فكرهم وأدواتهم، وقد كان العقد الآخير من القرن العشرين قد شهد تراجعا وإنكفاءا في جبهة قوى السلام، وإنحسرت قوة المواجهة لصالح قوى الشر والعدوان، فتفكك الإتحاد السوفيتي وإنهيار حلف وارشو، والتداعيات التي رافقت ذلك، وأثرها البالغ على مواقف وسياسات دول العالم عموما، فصار موقف تلك الدول محابيا لموقف الغول الأمريكي، الذي يتزعم معسكر قوى البغي والإرهاب، أو منطويا للدفاع عن النفس بوجه التغول الأمريكي الشرير، وإمتد ذلك الأثر إلى الحركات والأحزاب والمنظمات الشعبية والوطنية والإقليمية، وبرامجها النضالية وأساليبها الكفاحية لتحرير أوطانها، ولا أستثني من الحكومات إلا القلة، كالجزائر عربيا، وكوبا وفنزويلا عالميا، وإستغلت القوى الغاشمة الشريرة التي تعتمد الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل في بغيها ذلك التداعي، لتنفيذ منهجها الشرير الهادف للسيطرة على العالم، وإستباحة حقوق الأمم والشعوب، خصوصا التي تمتلك الثروات والموارد الكبيرة، فعدلت أمريكا إستراتيجياتها وفق الظرف الآني، فما كانت تعده من قوة لمواجهة الخطر السوفيتي وحلفائه حولته لتستخدمه ضد القوى والبلدان التي تراها وتصنفها أنها معادية لها، نعم وظفت تلك القوة الهائلة والإمكانات الكبيرة بكل قدراتها السوقية والإعلامية والعسكرية والإقتصادية لمواجهة الدول والشعوب المناهضة للمنهج الإمبريالي، والرافضة للإذعان والهيمنة الأمريكية، فكان التصنيف للدول وأنظمتها على ضوء ذلك، أي على ضوء موقف تلك الأنظمة من الخضوع والموافقة على التبعية والرضوخ للمنطق الأمريكي الباغي، فصنفت دولا بعينها على إنها محور الشر، وإعتبرتها أمريكا وحلفائها إنها داعمة للإرهاب، وتشكل خطرا وتهديدا للسلم والأمن الدولي.


لقد غيرت أمريكا أساليب وإستراتيجية الحرب، مستغلة الظرف الدولي الناتج عن تفردها، لكنها لم تغير مشروعها الإستراتيجي كما أسلفنا، فكان إستراتيجها الجديد، مبني على تجنيد جيوش محلية، قوامها تهيئة مليشيات وجماعات ودعمها سياسيا وإعلاميا، وتسليحها وتدريبها، تلك المليشيات تحمل جنسيات البلدان التي يراد أستهدافها، وتدميرها تدميرا شاملا إنسانا وبناءا، البلدان التي تصنفها أمريكا وقوى التطرف الغربي الإمبريالية وحليفتهما الصهيونية العالمية بأنها معادية، وتمثل تهديدا لمشروعها، المشروع الإمبريالي الصهيوني الباغي الرامي الى السيطرة على العالم، إما قيام حربا تقليدية على غرار الحربين الأولى والثانية فأني إستبعدها، كما يستبعد الكثيرون إمكانية قيامها، لمعرفتهم وتقديرهم لحجم القدرات التدميرية التي تمتلكها أمريكا وروسيا، وعدم حاجة أمريكا لإستخدام القنابل النووية والهيدروجينية لها في حربها الكونية الحالية، وإكتفت باليورانيوم المنضب والفسفور، كما أنها لا تريد أن تثير شكوك الدول الكبرى خصوصا الإتحاد الروسي والصين، ودول أخرى لها ثقلها البشري والإقتصادي والسياسي كالهند وغيرها، رغم تفوق أمريكا في هذا الوقت الحاضر، ومواقف تلك الدول كالإتحاد الروسي، التي لا زالت أمريكا تعتبرها دولا مناهضة لسياستها الدولية ومشروعها الذي لم يعد خافيا، خصوصا مع تصريحات أركان إداراتها، وكشفهم لبعض نوايا أمريكا، كما جاء في تصريحات وزيرة الخارجية السابقة كونديزا رايز بشأن خريطة الشرق الأوسط، وكشفها لخارطة الشرق الأوسط الجديد، وإن أحد سياسات أمريكا الجديدة هو نشر الفوضى الخلاقة، كما أطلقوا على نتائج نشرهم للفتن والجريمة، والتي تعني أمور مهمة في السياسة الدولية، ولا أتصور أن دولا كروسيا والصين والهند قبل الدول الأصغر لا تثيرها تلك التصريحات، وتتدارس غاياتها، هذه الإستراتيجية وقواعدها تطرقت لها تفصيلا في دراسة نشرت سابقا، بعنوان : دروس من العدوان على العراق .. أبرز قواعد الإستراتيجية الإمبريالية الصهيونية في حربها الكونية الثالثة على البشرية.


إن تفرد أمريكا وهيمنتها المطلقة على الغرب الإمبريالي كزعيمة له، لا تعني نهاية العالم، وإستسلامه للمخطط الأمريكي، وتحركها السريع والمتعجرف في تعاملها مع الدول والشعوب، وإستخدامها للقوة الغاشمة بشكل مفرط ، وإستباحتها لكل القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، سيكون حافزا كبيرا للدول الكبرى في إعادة النظر في مواقفها، والتصدي بأي شكل ممكن وفق قدراتها الكبيرة، والتلويح بعد سكوتها على الإستهتار الأمريكي، والتلويح بوجودها وإمكاناتها في حالة إستهداف مصالحها، خاصة وأمريما تعرف أمكانات روسيا مجال الردع وحجم أسلحتها النووية والتدميرية، فكل الأطراف المفترضة تمتلك قدرات تستطيع إنهاء الحياة البشرية، أما إن آخرين يفترضون أن أمريكا والغرب قد تكون طورت وصنعت أسلحة خلال فترة إنهيار الإتحاد السوفيتي، يُمَكِن أمريكا وحلفائها من تحديد قدرات الطرف الآخر، فهذا إفتراض وهمي وخيالي، لأن أمريكا أيضا تعاني من مشاكل إقتصادية ومالية كبيرة، لكن أمريكا وحلفائها أعادوا ترتيب إستراتيجيات حربهم على العالم، بعد أن تأكدوا أن زمن التفوق التسليحي قد إنتهى، وصارت الحرب التقليدية، أي حرب الجيوش والصدام المباشر بين القوى الكبرى غير ممكنة في الوقت الحاضر، خاصة مع الدول الهائلة القدرات التدميرية، فلهذا أمريكا تسعى بجد وجهد كبير لإستغلال هذا الظرف لتطويق الدول الكبرى، والعمل على إحتوائها، مع مراعات عدم إثارة حفيظتها وتنبيهها للخطر القادم، لحين التمكن من تطويقها، والسيطرة بشكل كامل على محرك الإقتصاد العالمي النفط والغاز، وتثبيت مواطيء قدم لها في مواقع إستراتيجية مؤثرة، لكي تساوم تلك الدول وتبدأ بالتغلغل والتدخل في شؤونها الداخلية، من خلال: الضغط الإقتصادي عبر النفط والغاز، والسياسي عبر ذات الشعارات: نشر الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وإسقاط أنظمة الحكم الشمولية، وإنهاء الدكتاتوريات بكل أشكالها، ورفع المستوى المعاشي، وقد أثبتت الوقائع أن أمريكا برغم الهالة الإعلامية وقدراتها العسكرية والسياسية الهائلة، عاجزة عن تدمير إرادة الشعوب، صحيح أنها قادرة على القتل وإرتكاب الجرائم البشعة والمجازر الوحشية وتدمير بنية البلدان، لكنها عاجزة تماما عن تدمير نفوس الوطنين المؤمنين بالقيم التي يعتبروها مقدسة، وخير مثال يمكن أن تراه الشعوب وقواه المناضلة المقاومة، فعل المقاومة العراقية بالجيوش الأمريكية ومرتزقتها، ونتيجة ما لقيته جيوشها من مقاومة بطلة في العراق، كلفتها خسائر كبيرة بالجنود والآليات والمعدات، وما تربت جراء الفعل البطولي للمقاومة الشعبية بقيادة طلائع البعث ومنتسبي جيش العراق البطل من خسائر بشرية وإقتصادية، ستظل تعاني منها أمريكا ودول أوربا الغربية التي ساهمت ودعمت العدوان، والذي قد يصل إلى إنهيار إقتصاد البعض منها، وتراجع وإنكماش النمو في الأخريات، هذا الفعل الإيماني النادر هو الذي جعل أمريكا وحلف الشر يعيدوا النظر بإستراتيجية الحرب العدوانية، وأدواتها وأساليبها، وتركيبة الجيوش فيها، وهو الذي عجل في تغير كثير من الدول والأحزاب والمنظمات لمواقفها، والعودة للصراط الصحيح، وهو مواجهة التفرد والتغول الأمريكي، والإعتراض على جرائمها، وهذا فضل للمقاومة العراقية على البشرية يجب أن لا ينسى، وهو درس عراقي جديد للبشرية في كيف يجب أن يواجه الشعب من يريد إذلاله وتركيعه ولو بالصدور العارية من السلاح والبطون الخاوية من الجوع، لكن تلك الصدور والنفوس عامرة بالإيمان بالله وبقدراتها، ومعتزة بنفسها، وواثقة بوعد الله ومصدقة له بأن ناصر المؤمنين.


نعم كان العدوان على العراق والذي بدأ في 17/1/1991بداية الحرب الكونية الثالثة، بإستراتيجية الإمبريالية الجديدة، والتي كتبت فيها تفصيلا في دراسة سابقة، نشرت في شبكة المنصور، بالعنوان المشارله سابقا، فوظف الإعلام من قبل القوى الإمبريالية والقوى المتطرفة والمتصهينة واللوبي الصهيوني المهيمن على القرار في دول الغرب، وبالأخص أمريكا بكل إمكاناتها الإعلامية وقدراتها في الحرب النفسية والمخابراتية لذلك، وتوجهت لتصفية حساباتها مع تلك الدول وشعوبها وأنظمتها، مستفيدة من فرصة إنفرادها بالعالم كقوة غاشمة وحيدة، ومرسلة رسالة لشعوب العالم أجمع، بأن تفكك الإتحاد السوفيتي، وانكفاء دول المنظومة الشيوعية الآخري كالصين والاتحاد اليوغسلافي (الذي فكك ودمر لاحقا بنفس الوسائل والفتن)، يعني إقرارا بكون القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا بإمتياز، وبدأت تتصرف وفق ذلك دون خشية من أي مواجهة عسكرية وصعوبات، ولكن مع كل هذا لابد من إيجاد مبرر لبدأ الحرب ضد تلك الدول، فوظف الإعلام لتشويه صورة العراق، من خلال فبركة الوقائع وتزوير الحقائق لأجل تحقيق الهدف المرحلي، وهو تدمير تلك العراق وتفكيك بنيته والقضاء على قوته ، سواءا العسكرية أوتفتيت مجتمعاتها ووحدتها الوطنية، وضعت إستراتيجيات إعلامية ومخابراتية جديدة، ووجهت مراكز بحوث ودراسات ذات خبرات كبيرة للإشراف على البرامج الإعلامية لوسائل الإعلام، وتوجيه برامجها من النواحي النفسية والفكرية والسياسية، بما يحقق أهداف وصيغ ونتائج فاعلة في الحرب النفسية والإعلامية، ووظفت أنظمة وحكومات وجماعات وكتاب وخبراء لتطوير العمل الإعلامي، وتركيز عمله وفق الرؤية الأمريكية، وتغذية العمل المخابراتي للغرض ذاته، وفي ظل الظروف الدولية المتردية والهالة الإعلامية العاصفة، التي تطبل على أن إنهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي، وما يعني ذلك، ركز الإعلام على أنه يعني سقوط المنهج التعددي في النظام العالمي، وعلى شعوب العالم وحركاته المناهضة للإمبريالية أن تستوعب الدرس وتقر بالحقيقة، بأن الفكر الرأسمالي والمنهج الأمريكي هو الصالح للبشرية جمعاء، أمام ذلك إنهارت قوى تعلن أنها معادية لآمريكا ومنهجها، فتخلى الزعيم الليبي الشهيد معمر القذافي رحمه الله عن فكرة العداء للغرب وأمريكا، وسعى للتصالح معها، وقدم تنازلات كبيرة حسبت عليه، وكانت سببا في أنحسار شعبيته كقائد وطني وقومي، رافض للهيمنة الغربية على بلده وأمته والعالم الثالث، وتواطئت إيران التي تعلن أنها إسلامية ومناهضة للمشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني، وشاركت بالعدوان الإمبريالي على العراق، وتعاونت في ذلك وسهلت صعوباته، وسيكشف المستقبل لكل من تواطأ أو هادن دكتاتورية الشر بزعامة أمريكا في عدوانها على العراق أنه كان مخطئا ومضللا، وسيندموا لأن الإمبريالية بزعامة أمريكا وحليفها الصهيونية العالمية لا تقبل بغير التبعية التامة والسيطرة الشاملة على ثروات وقرارات الأمم والشعوب ومقدراتها، ولكن ليست ساعة ندم، ولا يعيد الندم ما سيدمره البغاة.

 

 





الاثنين٢١ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة