شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الراصد لواقع التغيرات الجارية في المنطقة العربية وما اصطلح على تسميته بالربيع العربي وكان للأمريكان وحلفائها الأوربيين بطبيعة الحال أصابع مخفية في سطوع شمس معظم الأحزاب الدينية، تنتابه الحيرة من هذا الربيع المزعوم! ولا يعرف على وجه اليقين ماذا تبغي الولايات المتحدة المتحدة وحلفائها الغربيون من إسقاط الأنظمة العلمانية وإحلال أحزاب دينية متشددة محلها؟ في الوقت الذي يشنوا فيه حملة ظالمة شعواء ضد الإسلام ومحاولات حثيثه لا تكل ولا تَمل لربطه بالعنف والإرهاب.

 

فعلا تساقطت أوراق خريف أنظمة ذات سمة دكتاتورية او غير ديمقراطية على الأقل بالمفهوم الامريكي. وبدلا من ان نشهد بعدها ربيع صافي وازهار متفتحة وسعادة ومتعة كصفات ربيعية، شهدنا شتاءا قارصا يضرب في العظم، وغيوم داكنة سوداء تنبيء بشر مرتقب ورعود تبعث الخوف في أوصالنا، وأشواك توخز أقدامنا زرعت في كل مكان نقصده، ومراسم عزاء ونوح من المحيط الى الخليج، والقادم أشد زمهريرا.

 

في عام 1979 دعمت الدول الأوربية الخميني وهو زعيم ديني متشدد ومتطرف من اخمص قدمية لحد عمامته وأوصلته برعاية فرنسية أبوية إلى مطار طهران ليتسلم دفة الحكم. وفرنسا نفسها تحتضن منظمة مجاهدي خلق المعارضة لنظام الملالي الحالي! وهي المنظمة التي كان لها مع حزب تودة واحزاب معارضة أخرى دول فاعل لإسقاط الشاه لكن طمس دورها وابرز دور الخميني فقط لأنه ربيب الغرب.

وفي الغزو الامريكي لأفغانستان قَلبت الولايات المتحدة وجه العملة الأفغانية فقط! حيث أنهت نظام طلبان المتشدد وأحلت محله مفقسا للأحزاب ضم ( 120 ) حزبا! معظمها بطابع ديني متطرف لاتقل تشددا عن طالبان، فكأنك يا أبو زيد ما غزيت!

 

وفي العراق تم إسقاط نظام وطني وقومي وعلماني، وسلمت القيادة الى أحزاب دينية متشددة كالحزب الاسلامي وحزب الدعوة وحزب الله والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية والتيار الصدري وغيرها. والبلد لايزال يغلي كالبركان الثائر في الداخل ويقذف حممه الحمراء إلى الخارج، ومن الصعب التكهن بموعد خموده. والموعد يقاس بعدد العقود وليس بعدد السنين، وهذه حقيقة يعرفها كل عراقي.

 

في تونس الخضراء تمخض الربيع عن تزعم حركة النهضة الحكم وهو تيار ديني بزعامة راشد الغنوشي، الذي سمح بدوره لرئيس حزب جبهة الإصلاح السلفية المتشدد ( محمد خوجة ) بممارسة حزبه نشاطه السياسي! والمستقبل مجهول الملامح لحد الساعة.

 

في مصر المحروسة قلب كرسي مبارك من إعيد لمكانه ورتب لجلوس ( د. محمد مرسي ) زعيم حزب الأخوان المسلمين بعد عسر ولادة زاد عن عن نصف قرن! وهو حزب متشدد يحظى بدعم امريكي منذ تأسيسه لغاية تسلم مرسي الحكم. ومن الصعب التوقع بمنجزات الأخوان في ظل صراع ديني بين المسلمين والأقباط، علاوة على حزب يعاني من عقد الماضي وأزمات الحاضر.

 

في ليبيا لا يزال غبار المعركة السياسية مخيما على الأجواء الليبية فلا يعرف على وجه التحديد متى يصفو الجو وتعلن النتيجة سلبا أو إيجابا. وفي بقية الدول العربية والاسلامية تنشط الأحزاب الدينية نشاطا بوتائر متصاعدة تثير الشكوك! لأنها ليست وليدة صحوة إيمانية كما يحاول البعض أن يصورها لنا ويقنعنا بها، أو يدافع عنها.

 

اننا لم نسبغ صفة إسلامية على الاحزاب المذكورة في أعلاه ونعتناها بصفة احزاب دينية متشددة لأن الإسلام هو دين العفو والتسامح وليس دين التشدد والتطرف، ولايمكن جمع النقيضان. فالاحزاب الدينية في المنطقة هي أحزاب سياسية بحتة تتاجر بالإسلام للوصول الى الحكم وما أن تصله حتى تكشف عن وجهها الشيطاني. ولكم في ايران والعراق وافغانستان ولبنان عبرة يا أولي الألباب والعقول. سؤال مهم نناقشه مع الذات أولا. ومع الغير ثانية وهو: لماذا تدعم الولايات المتحدة وذيولها من دول الغرب الاحزاب الدينية في الوطن العربي؟

 

هذا السؤال سيسحبنا الى سؤال آخر: هل العلمانية والعولمة والديمقراطية بمفهومها الامريكي-الغربي لا تتعارض مع مناهج التشدد والتطرف للأحزاب الدينية على الساحة؟ بمعنى هل هناك تعارض أم توافق بين الإثنين؟

 

هذا أيضا يجرنا الى سؤال آخر: كيف يسمح من يدعي محاربة التشدد والتطرف الإسلامي بصعود وتسلم احزاب متشددة ومتطرفة دفة الحكم في بلدانها؟ فالمقدمة لا تتوافق مع الخاتمة بتاتا.

وهذا سيفتح لنا بابا آخرا: لو لم تكن الاحزاب الدينية تحقق مصلحة الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين! فهل كانت ستقدم الدعم الكامل لهذه الأحزاب وتمهد لها الطريق لتسلم الحكم؟ هناك اسئلة أخرى يمكن للقاريء الكريم أن يضيفها.

 

بطبيعة الحال إن الاحزاب الدينية المتطرفة - بغض النظر عن قواعدها المذهبية- هي نماذج مناقضة للإسلام وتسيء إليه إساءة بالغة. لذا فإن التفسير المنطقي لدعمها من قبل الولايات المتحدة والغرب: هو لتقديم نماذج سيئة لإنظمة حكم إسلامية، وهي تعرف مقدما إنها احزاب فاشلة ولا تصلح لأدارة زريبة خنازير وليس دولة! من ثم تَعرض تلك النماذج الفاشلة على الرأي العام ليشهد بشاعتها وتخلفها! ولأن تلك الأنظمة تدعي بأنها تستمد عقيدتها وايدلوجيتها من الشريعة الإسلامية، فهذا يعني إن الفساد هو في الشريعة وليس في الأشخاص.

 

ودليلهم على ذلك إنه مع إختلاف تجارب الحكم في عدة دول ولشعوب مختلفة ومذاهب إسلامية متباينة و وثقافات وايديولوجيات متعددة، وحكام مختلفون، فإن النتيجة واحدة وهي الفشل. مما يؤكد بأن الفشل يكمن في الدين نفسه وليس في بقية الخصائص المشار إليها! إذن المراد من دعم هذه الأحزاب هو توجيه ضربة قاضية للإسلام بيد أبنائه الفاشلين! ولا ملامة على الغرب عندما يطعن بالإسلام ويحط من قيمة المسلمين! خطط خبيثة جدا لكنها مقرونة بذكاء مذهل ناجم عن معرفة تامة بالعقلية العربية والإسلامية.

 

الأمر الآخر هو تشوية الدين من خلال تشويه سمعة الإسلام عن طريق مسخ عقلية العلماء والمراجع الدينية الاسلامية وغالبا ما يتم ذلك بوسائل الترغيب ( تجنيد ) ، أو الترهيب ( ملفات الفضائح ) إذا صعب الحال. لذلك فقد تشوهت صورة العلماء المسلمين بشكل عام سواء في نظر الغرب أو المسلمين أنفسهم إللهم إلا ما ندر منهم، وهؤلاء القلة غير قادرين على الوقوف أمام عاصفة الأكثرية فأنحنوا لها خوفا أو تعففا! ولأن الغرب يفهم جيدا قوة تأثير رجال الدين في المجتمعات المتخلفة التي لا تفهم جوهر الدين، لذلك عملوا على إستقطاب رجال الدين لجانبهم فأصبحوا يد الشيطان الغربي في البلدان الإسلامية.

 

وسياسة الغرب بلبوس الإسلام لتحقيق مآربهم ليست وليدة الساعة، فقد مارسها سلفهم نابليون عندما فتح مصر ولف على رأسه عمامة كبيرة تسع لإخفاء كل شياطينه، والتقى برجال الدين ليناقشهم شئون المسلمين بل بعض الفتاوى! ووصل الأمر به في الضحك على ذقون علمائنا الأشاوس بأن علق منشورات تشير إلى انه اخضع بابا الفاتيكان لسلطانه بسبب حبه العميق للإسلام والمسلمين!

 

كما إستخدم الغرب علماء الدين المسلمين كدرع ضد إنتشار الشيوعية في البلاد الإسلامية، ففي العراق سخروا الشيخ محمد الخالصي لهذا الغرض بعد عودته من منفاه في إيران إلى العراق بتوصية من البريطانيين للساهمة في الحملة العالمية ضد الشيوعية، التي انتشرت كالنار في الهشيم بين صفوف الشيعة بما فيهم أبناء المراجع الدينية أنفسهم مما حدا بالمجتهديين ( عبد الكريم الزنجاني ) و ( محمد  الحسين كاشف الغطاء ) إلى المطالبة بإتخاذ إجراءات حاسمة لوقف المَد الشيوعي سيما في الجنوب وكربلاء والنجف. وفعلا لم يقصر المراجع في خدمة البريطانيين بذريعة حماية ديار المسلمين من شرور الملحدين. ووصل الأمر ذروته عام 1960 حينما أصدر المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم فتوى هاجم فيها الشيوعية واعتبرها كفر وفكر معادي للإسلام. وكانت فتواه آنذاك نكبة حقيقية للشيوعيين العراقيين، سددوا فواتيرها منذ صدور تلك الفتوى ولعقود خلت مع فوائد باهظة.

 

ووصل الحال بشيخ الأزهر محمد متولي شعراوي بأن يؤدي صلاة الشكر لهزيمة بلاده في حرب عام 1967 مع الكيان الصهيوني، معتبرا أن الله عز وجل بهزيمة مصر قد هزم الاشتراكيين والشيوعيين الناصريين. ومؤسس حركة حماس الشيخ احمد ياسين قد أقسم باليمين بعد ضبط اسلحة وذخيرة في بيته بأن الغرض من وجود الاسلحة هو محاربة الشيوعيين وليس محاربة اليهود. ( المصدر/حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين لعبد القادر ياسين ) . هكذا إذن يفكر كبار علمائنا فما بالك  بالأميين والجهلة؟

 

وفي الثمانينيات من القرن الماضي طويت صفحة الغزو الروسي في أفغانستان علي يد المجاهدين الاسلاميين الذين دعمتهم الولايات المتحدة والغرب بكل الإمكانات لمواصلة القتال ضد الكفار الشيوعيين حسب زعمها. وقد اعتبر الرئيس رونالد ريغان في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي جميع المجاهدين الذي يقاتلون الغزاة الروس في أفغانستان" مقاتلون من أجل الحرية"! وقد تلى الغزو الشيوعي لإفغانستان غزو ليبرالي بقيادة امريكية بهدف مكافأة المقاتلين من أجل الحرية على وقوفهم الى جانب الولايات المتحدة ضد المد الشيوعي!

 

العراق هو أفضل نموذج لشراء ذمم رجال الدين، فقد توالت الفضائح عن عمالتهم لقوات الغزو الأمريكي ولم تعد جباههم المختومة بالترب الحسينية تنضح عرقا بل عارا. فهذا المرجع الأعلى قد فضحه بريمر ورامسفيلد ومؤخرا الجنرال البريطاني ريتشارد دانات ومن المؤكد أن هناك المزيد من الفضائح! والغريب إنه لا المرجع نفسه ولا ذيوله الوكلاء تجرأوا على نفي ما جاء في مذكرات الثلاثة أو مجرد التطرق إليها! في الوقت الذي يفتحون فيه أبواب جهنم على من يتعرض بالإساءة للصنم الأعلى؟ وعلى الجانب الآخر يقف رئيس الوقف السني عبد الغفور السامرائي وهو مستعد ان يوجه قبلته الى محراب العم سام إذا إقتضى الحال للحفاظ على إمتيازاته المهولة. نماذج بشرية وسخة تتاجر بشريعة الله ونبيه.

 

أما العلماء والمراجع الوطنيون فإنهم على الضفة النائية من الذاكرة العراقية! فالآيات النجباء العرب كالصرخي والمؤيد والخالصي وغيرهم الذين يعارضون الغزو الامريكي – الايراني البربري وسياساته ومخلفاته من حكومات إحتلال كسيحة، لا يلتف حولهم سوى القلة من العراقيين. في حين يحظى المراجع الفرس وبقية الجنسيات ممن باعوا شرفهم وضمائرهم لقوات الغزو بشعبية واسعة تدعو للدهشة والخجل!

 

النماذج الإسلامية التي قدمتها الإدارة الامريكية على المسرح العراقي تدعو الى الإشمئزاز فعبد العزيز الحكيم وهمام حمودي ومقتدى الصدر وحسين الصدر وإبراهيم الجعفري وموفق الربيعي وحسن شبر وعبد الغفور القيسي وطارق الهاشمي ومحمود المشهداني وأياد السامرائي  ونوري المالكي ومن لف لفهم، هم عار على الدين والوطن والمذهب، شراذم بشرية دمرت البلاد وفتكت بالعباد بإسم الإسلام. هذه الشراذم المارقة عن الدين هم صنيعة امريكية- إيرانية قدمت لغرض تشويه الإسلام فأدت دورها على أكمل وجه. فقد جعلوا العراقيين يكفرون بالقيم والمذاهب التي سيدت هؤلاء الأوباش عليهم. وهذا ما يريده الامريكان والغرب في معركتهم ضد الإسلام، أن يتذمر الناس من دينهم بسبب حكامهم المسلمين.

 

هنا تصدق مقولة صموئيل زويمر" توجد ميزتان لحركة التبشير اولهما: الهدم. بمعنى نزع المسلم عن دينه وجعله يكفر به. وثانيهما: البناء. أي تنصير المسلم وجذبه للحضارة الغربية وجعله مقاتل ضد قومه".

 

أخيرا! أليس هذا ما يحصل للمسلمين في ظل حكم الأحزاب الدينية في المنطقة؟

 

 





الجمعة ١٦ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الكاش نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة