شبكة ذي قار
عـاجـل










"لا شيء حسب اعتقادي أتعس من رؤية أطفال ناعمين مكتنزين يذهبون لمشاهدة لعبة السلة في مدرستهم كل سبت، ويعتبرونها تمارينهم الأسبوعية". قال ذلك الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي. واليوم لا شيء، حسب اعتقادي أتعس من أن تساهم واشنطن في إشعال الحرائق في المنطقة العربية بدلاً من إيقاد شعلة الرياضة والنشاط واللعب والبهجة والسلام في نفوس مليار عربي ومسلم. وفيما يلي تحية رمضان من "أولمبياد لندن": سناء مير، كابتن فريق الكريكيت النسوي الباكستاني، أحالت كل الضجة حول الحجاب لغواً فارغاً. سألوها في " بي بي سي" عمّا إذا كانت تواجه مضايقات في باكستان كونها فتاة تمارس رياضة الكريكيت الذكورية، فأجابت كيف يمكن أن "تُضايَقَ في بلد مسلم، والإسلام يحث على متطلبات الرياضة من النشاط، والاستيقاظ المبكر، واللياقة البدنية والروحية"؟


ولاعبة الجودو السعودية وجدان علي شهرخاني "اشتبك معها الإعلام العالمي حالما انتهت من اشتباك الجودو" حسب صحيفة "الجارديان" التي نقلت شكواها من مضايقة ممثلي الإعلام لها وتخويفها. "كانت تلك أول مشاركة لي في مباراة كبيرة، ووقعتُ تحت ضغط كبير بسبب موضوع الحجاب". لقد زُجّ بالطفلة السعودية (16 عاماً) في مصارعة مستحيلة، وهي لم تَنَلْ بعدُ سوى الحزام الأزرق، أي درجتين تحت الحزام الأسود الذي قد يهيئها للمشاركة في مباريات دولية، خسرتها خلال 80 ثانية عندما قلبتها على ظهرها منافستها البورتوريكية. وهُرعت وجدان مبهوتة نحو أبيها، وهو مدرب مصارعة، قبل تنبيهها للانحناء لخصمها، حسب تقاليد الجودو. ومفارقات التاريخ العجيبة جعلت وجدان أول سعودية تشارك في الأولمبياد، و"لندن 2012" أول أولمبياد تشارك فيه نساء من جميع البلدان، وتقترب نسبتهن من المتسابقين الذكور.


والمهم في الأولمبياد، كما في الرياضة والحياة هو الجهاد الأعظم مع النفس، حيث "الروح تشتعل لكن الجسد ضعيف"، حسب قول المسيح عليه السلام. عدّاؤون ينهارون على الأرض، ولاعبو جمباز تلتوي كواحلهم، وملاكمون يترنحون مدوَّخين، وتختلط صرخات الفوز والخسارة، وتنبعج حزناً أو بهجة ملامح الخاسرين والفائزين، ويلطمون الهواء أو الماء أو أنفسهم. هذه الكائنات البشرية الفريدة التي تابع أداءها ملايين المشاهدين حول العالم، مأخوذين بتحطيم المتسابقين أرقاماً قياسية مستحيلة، وتحقيق الأعلى والأقوى والأسرع وثباً وشقلبة وسباحة وغوصاً وتجذيفاً ومصارعة وتهديفاً ومبارزة. حتى الملاكمة غير المحببة لكثيرين حبَّبها محمد علي كلاي حين قال "حلِّقْ كفراشة، والسَعْ كنحله".


السبّاحة الصينية "يه شوين" (16 عاماً) التي سجّلت رقماً قياسياً في سباحة 400 متر، لم تكن الأوساط الغربية في الأولمبياد قد توقفت عن إطلاق شائعات حول تناولها المنشطات، عندما بهرتهم بعد يومين فقط برقم قياسي جديد في سباحة 200 متر، قطعتها بأقل من 3 دقائق، وكان ترتبيها الثالثة في 50 متراً الأخيرة وشقت الماء خلال ثوان إلى المرتبة الأولى. وخلافاً للتقاليد المرعية، سارع جون ليونارد، مدرب الفريق الأميركي إلى التشكيك بتناولها المنشطات. واتهامات الأميركيين مصدرها الذعر، لأن السباحة ميدانهم الذي يضمن رصيدهم الأكبر من الميداليات، والفوز الصيني يعني نهاية الهيمنة الأميركية على السباحة والأولمبياد معاً. مدرب الفريق الصيني ذَكَّرَ الأميركيين بأنهم لم يشككوا قط عندما حصد السبّاح الأميركي مايكل فيلبس ثمان ميداليات ذهبية في "أولمبياد بكين"، وأيّده في موقفه المدرب الأميركي بوب باومن، وشهادة باومن موثوقة، فهو الذي حوّل فيلبس من صبي مريض لا يرجى شفاؤه إلى أسطورة في تاريخ الرياضة العالمية.


ويدخل "أولمبياد لندن" التاريخ لأن فيلبس حطّم فيه أطول رقم قياسي احتفظت به بطلة الجمباز السوفييتية لاريسا لاتينينا منذ بلغ رصيدها 18 ميدالية عام 1964. ودُهِشتْ لاتينينا (77 عاماً) عندما علمت بفوز فيلبس، وقالت إنها لم تكن تعلم باحتفاظها باللقب طوال هذا الوقت، وأخرجت أحمر الشفاه وأخذت تطلي شفتيها بخفة لاعبة جمباز! والآن وقد أصبح فيلبس "الأولمبي الأعظم" برصيد 22 ميدالية، منها 18 ذهبية، أعلن على الرغم من صغر سنه (27 عاماً) تقاعده. "استطعتُ أن أحقق كل ما أردت"، هكذا لخصّ سبب قراره، وأضاف: "قلت لنفسي إنني لن أسبح أبداً عندما أبلغ الثلاثين". وقد نفهم أو لا نفهم سبب قرار فيلبس إذا علمنا أنه يدين ببطولته الخارقة إلى عِلّة "التشتت الذهني وفرط النشاط". تظهر أعراض هذه العلة في مرحلة الطفولة المبكرة، وغالباً ما تسبب متاعب للمريض وأهله، وقد ينتهي بعضهم إلى سجن الأحداث. وكان حوض السباحة طوق النجاة له ولأمه التي انتبهت إلى أن الماء المكان الملائم لتصريف طاقة ابنها المفرطة وعدوانيته، فسلّمته إلى المدرب بوب باومن.


ويُفتقدُ المتسابقون العرب في أجمل حضور عربي في"أولمبياد" لندن؛ مباراة استعراض الخيول، التي تعتبر أقرب أنواع الرياضة إلى الرقص الزوجي. "سريعة ولا تتعب، جميلة، لكنها قاسية وقوية؛ ذكية، متوقدة وباسلة، مع ذلك طيّعة، رقيقة ومُحِبّة". هكذا تصف الباحثة البريطانية ليزلي سكيبر الفرس العربية في كتابها "خيول الاستعراض العربية". وتوضح سكيبر كيف تجتذب الخيول العربية كثيراً من محبي رياضة استعراض الخيول "بأناقتها، وأسلوبها الذي لا يُضاهى". وتنتقد سكيبر من يعتبر الخيول العربية "عجولة وطائشة، وصغيرة الحجم، ولا تحب التدريب، وغير قادرة على الترويض". هذه الآراء تصدر في تقديرها ممن "لم يملك قط خيولا عربية، وإذا كان يملكها فهو يفتقر غالباً إلى المهارة، أو فهم كيفية التعامل مع أفضل ما تقدمه فرس حساسة وساخنة الدم".


ومَنْ كالفرس العربية تستجيب للغة جسد فارسها، فتثبُ تبعاً لخلجات عضلاته، وتتمايل بأعطافها لرهزاته، وترفع قوائمها الأربع، راقصة طروبة بكهربائية موسيقى جسده؟.. والعرب يقولون "الفَرَسُ تعرف خيّالَها". ويحلو المعنى "الغرامي" المُضْمَر عندما "تعرف الفَرَسُ خيّالها" حتى إذا تجاوز عمره السبعين. عرفت ذلك فرس الياباني هيروشي هوكيتسو (71 عاماً) أسنُّ المتسابقين في "أولمبياد لندن". استقبله الجهور بالهمس، دون زعيق أو هتافات خشية أن تجفل فرسه الجميلة. وجاء ترتيبه 17 من بين 24، وعندما سُئل ما الذي حفزه على دخول المسابقة، قال: "لعل أقوى حافز لي هو الرغبة بالشعور أن أدائي يتحسن"، وأضاف: "أعتقد أنني سأتوقف إذا شعرت بأن أدائي يسوء". وفي الجواب على السؤال التقليدي حول ما إذا كان سيشارك في "أولمبياد ريو دي جانيرو" عام 2016 أطرق لحظة، ثم قال: "لا. أنا أرغب في المشاركة، لكن لا أعتقد أني أستطيع، فتقدم فرسي في العمر قد يحول دون ذلك"! وأعتقدُ أن الياباني مخطئ. وإذا كانت فرسه عربية أصيلة فليأخذها مهما بلغ عمرها إلى ريودي جانيرو، وأحكي عن تجربة، فقد كنتُ هناك.

 

 





الخميس ٢١ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أب / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد عارف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة