شبكة ذي قار
عـاجـل










صار لزاما أن نعيد ولو للمرة الألف كيف دخلت إيران الصفوية الفارسية إلى وسط وجنوب العراق بصيغة التوطن تحت غطاء زيارة المزارات والمراقد المقدسة. فغالبية العجم الذين استوطنوا العراق قد دخلوا تسحقهم الفاقة والفقر ومارسوا الشحاتة والعمل كخدم وعبيد عند التجار وملاك الأراضي والفلاحين ووجهاء القوم ولم يحصل أن سجل التاريخ لفارسي أن جاء العراق سيدا كريما يملك أية سلطة. واستغل الكثير من هؤلاء عطف ورحمة العراقيين وضيافتهم وشيمهم الإنسانية الراقية للحصول على الجنسية العراقية التي وصفت رسميا بجنسية التبعية الإيرانية لتمييزها عن العراقيين الاصلاء.

 

ومع هذه الهيئة الرثة للعجم القادمين إلى البصرة والنجف وكربلاء وبابل وبغداد والقادسية فان بوسع أي عراقي من مناطقنا أن يقف على حقيقة ثابتة وهي إن هؤلاء الوافدين الفرس كانوا يمارسون تثقيفا يتستر بالمذهب غير انه يؤسس لطلاق حقيقي مع المذهب ومع الدين الحنيف. فالكثير من هؤلاء يتحول بعد فترة قصيرة من استيطانه إلى تاجر دين ويرتقي المنابر يبكي الحسين وآل البيت ومظلوميتهم بحيث صار الدين والمذهب في لغة هؤلاء ومَن يتلقى خطابهم هو واقعة كربلاء ومظلومية أهل البيت لا أكثر ولا اقل وهذا السلوك والممارسة هي اهانة للإسلام الحنيف وخروج عن أصوله، وهي بذلك خروج عن فقه وتفسير واجتهاد وعلم الإمام المؤسس للمذهب الجعفري الصادق عليه السلام.

 

وهكذا عبر سنين طويلة صارت زيارة المراقد والمزارات وممارسة جلد الذات وإدماء الوجوه والرؤوس والصدور والظهور هي التعبير الأرقى عن الانتماء للإسلام!!. وصارت مواسم (الدين) موزعة على النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء حتى يخيل لأي مراقب واع ومعايش إن وراء هذه المواسم ما وراءها من أهداف لا صلة لها بدين ولا بمذهب.

 

ومع كل التحفظات والوعي بمكامن الخطر المستقرة خلف هذه المواسم فان الدولة العراقية وعموم شعبنا قد تعامل معها على أساس سطحية وعفوية دلالاتها وحاول قدر المستطاع تجاهل البعد السياسي الخطر المستتر خلفها وبالنظر إليها على أنها ( عقائد للعامة يتوجب احترامها وتوفير مستلزمات الأمان والانسيابية لها )، فاحتواها واحتضنها واحترمها حتى بعد أن حظرتها العمامة الفارسية وطردتها من شوارع طهران.

 

ومع ممارسة التجارة بكل أنواعها من قبل الفرس في مدن العراق المقدسة خلال مواسم الدين والمذهب التي كرسوها لإغراضهم النفعية كان الدعاة الفرس يلقنون الجهلة والمساكين في عمق الريف العراقي المتخلف الفقير وفي دهاليز الظلام مفردات سب وشتم الخلفاء الراشدين والصحابة وأمهات المؤمنين على اعتبارها جزء من ضرورات التقرب إلى أهل البيت والتعبير عن ممارسة دينية، ويزرعون البغضاء بين من رحل من سادة العرب المسلمين وأبطالهم ورموزهم التاريخية من جهة، ويشكلون أحزابا في قم ومشهد وطهران تحمل هوية عراقية مزورة وحقيقتها أنها أحزاب إيرانية مهمتها استثمار حملات التثقيف الصفوي التي اشرنا إلى جوانب منها أعلاه وتحولها إلى عقائد متطرفة تخفي وراءها أهداف التوسع والهيمنة وتحقيق المصالح الإيرانية الصرفة العابرة لحدود إيران والمخترقة لمشروعية وسيادة العراق ودول الخليج، من جهة أخرى.

 

تمكنت خلايا العجم من توظيف وتهيئة أرضيات اجتماعية وسياسية لأهدافها البعيدة في العراق وفي السعودية والكويت والبحرين ولبنان وسورية بالوسائل إياها وباستثمار ظاهر ومبطن وخبيث لقمة هرم التشكيل الطائفي السياسي المتمثل بالحوزة والمراجع ووصولا إلى العامة المخدوعة وبواسطة الأدوات المركزية في النفوذ وهي مزارات ومراقد آل البيت عليهم السلام والمظلومية المزعومة التي حشدت تحت عباءتها التعاطف مع إيران على أساس أنها حامية حمى الشيعة والتي تحمل أعظم مظاهر التقديس لمراقد آل البيت والقادرة على ضمان حمايتها وتوفير متطلبات خدماتها المختلفة.

 

وإذا كان الدخول الفارسي المبرمج إلى العراق قد اخذ ونهج أساليبه الممنهجة بعد استقلال العراق في عشرينات القرن الماضي فان من غير الممكن أن نعزل هذا الدخول عن أروقة المخابرات البريطانية أولا وأميركا والماسونية ثانيا. إن اليقين بعينه إن طائفية إيران الشاهنشاهية غير المعممة هي نفسها التي تصاعدت تحت عمامة الولي الفقيه وأميركا وبريطانيا والصهيونية وكيانها المغتصب لفلسطين تتفاعل بطرائق مختلفة مع بعضها البعض ومن المستحيل أن تتحرك المخالب الفارسية بالوسائل البسيطة التي ذكرناها وتستخدم البساطة لتحقيق ما هو مركب ومعقد وتقني من النتائج بدون أن تتداخل معها مخالب المثلث البريطاني – الأمريكي- الصهيوني.

 

نحن لم نتهم إيران بشئ إلى اللحظة، بل ننقل وقائع قامت بها إيران يحق لنا أن نسميها حقائق سلوك التفريس لجزء حيوي من مواطني العراق ومناطق أخرى من الوطن العربي، والفرق الوحيد بين العراق واليمن مثلا هو البعد الجغرافي ليس إلا. وصار لزاما الآن على السياسيين والمثقفين والمتعلمين من شعب العراق وأمة العراق العربية أن يفكروا بالكيمياء العكسية لتهديم البناء الفارسي الهش في وسط وجنوب العراق والمقصود بالكيمياء العكسية هنا هو أن يلتقط العراقيون جميعا أدوات النفوذ الإيراني على ديننا ومذاهبنا وسحب البساط من تحت أقدامهم، وارى أن نتذكر هنا السلوك الراقي والعميق لحكم البعث وقيادته في حينها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

 

1- المراقد والمزارات عراقية عربية وليست فارسية ونحن أولى وأحق، بل واجبنا أن نحميها.

 

2- الزيارة وإحياء ما يظن العامة بأنه جزء من الدين والمذهب ممارسة تقع في إطار تنوع طيف العراق، ولا ضير فيها شريطة أن نعزلها عن الأهداف السياسية أيّ كان منبعها أو مصدرها ومنحها الاستقلالية الشخصية وضمن اطر حق الأفراد في ممارسة ما يرونه مناسبا لدنياهم ولآخرتهم ولن نسمح لأي كان أن يحمي هذه الممارسات من خارج حدود العراق ولا من داخلها غير دولة العراق الوطنية ونترك للتطور الطبيعي للحياة أن يكرس أو ينهي هذه الممارسات . ولعل من المفيد أن نذكر هنا بان بعض مواكب العزاء التي كانت تجوب شوارع المدن العراقية المقدسة كانت مواكب للحزب الشيوعي وأحزاب أخرى الأمر الذي يؤكد سياسية وتجارية ونفعية هذه المناسبات عند البعض.

 

3- الرئيس الشهيد صدام حسين كان يزور المراقد والمزارات كلها وكذلك قيادة الحزب والدولة وكان الشهداء أولاد الرئيس الشهيد يدعمون الزيارة والزوار بالإطعام والنقل المجاني، والدولة والحزب تحمي الزوار وتقدم لهم الحماية وكل الخدمات.

 

4- الرئيس الشهيد صدام حسين اهتم باكساء المراقد بالذهب العراقي وتأثيثها بأفخم الأثاث وأجمله. واهتم بتطوير المدن العراقية المقدسة بحيث صارت أجمل مدن العراق.

 

5- قامت خلايا إيران المجرمة بمحاولة اغتيال لنائب رئيس مجلس قيادة الثورة الرفيق عزة إبراهيم وهو يهم بدخول الباب الرئيسي لمرقد الإمام الحسين عليه السلام لأداء مراسم الزيارة وقد جرح الرفيق عزة ونزفت دماءه في نفس البقعة التي سالت بها دماء الإمام الحسين عليه السلام. ويذكر إن الرفيق عزة إبراهيم جاء ممثلا لرئيس الجمهورية في احتفال كربلاء بمولد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .

 

ولعل من المفيد أن نذكر بان دولة البعث الوطنية والقومية لم تمنع أي من ممارسات الزيارة وما يرافقها ماعدا ممارسة التطبير التي تعبر عن سادية وإيذاء للنفس وبشاعة في التعبير الظلامي عن وسائل جلد الذات والجهل والتخلف وصورة من صور الابتعاد التام عن الدين الحنيف. ولم تتصدى أجهزة الدولة إلا لمن حاول استثمار هذه المناسبات ليفجرها أو يحولها من مجرد ممارسات للعامة إلى فعل سياسي يخدم النهج الفارسي المتدخل في شؤون العراق.

 

إن إيران الطائفية تعمل على طمس هذه الحقائق وغيرها الكثير لتعطي لنفسها ولعبيدها صورة مزيفة على حساب الحق والحقائق. والهدف هو توفير الأرضيات الشعبية والسياسية لأحزابها وميليشياتها العاملة تحت صور التداخل بالمجتمع العراقي التي اشرنا إليها. وجزء مهم من منهج إيران الصفوية هو منح قدسية لسياسيين فرس وعراقيين متفرسين تحت غطاء المذهب وعلى أساس أنهم أهل دين وتقوى في حين أن حقيقتهم هي غير ذلك: أنهم سياسيون فحسب. إن احتواء هذه الممارسات لا يعني بأي حال من الأحوال إلقاء السلاح المقاوم لطرد الفرس من بلادنا بل هو وسيلة احتواء اجتماعي وديني لعزل أهلنا البسطاء عن عجلة التعبئة الفارسية المجرمة.

 

يتبع بعون الله

 

 

 





الاربعاء ١٥ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة