شبكة ذي قار
عـاجـل










مما لا خلاف حوله، ان الولايات المتحدة الأميركية، قادت تحالفاً دولياً، لشن حرب على العراق سنة 2003، أسفر عن وقوع العراق تحت الاحتلال المباشر، استمر من 9/4/2003 إلى 30/12/2011.

وأميركا عندما شنت هذه الحرب مع المنضوين تحت لوائها، شنتها بمعزل عن أي تفويض من مجلس الأمن الدولي، الذي لم يقتنع غالبية أعضائه بالمبررات التي طرحتها أميركا لشن الحرب، وهي ثلاثة: امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، والعلاقة مع القاعدة، وانتهاك حقوق الإنسان.

 

ولما لم تستطع أن تنزع قراراً من مجلس الأمن الدولي، بادرت إلى إطلاق آلتها العسكرية في 19/3/2003، ضد بلد عضو في الأمم المتحدة، وبما شكل انتهاكاً صارخاً لأحكام المواثيق والاتفاقيات الدولية التي ترعى علاقة الدول بعضها بالبعض الآخر.

 

بعد وقوع العراق تحت الاحتلال، حاولت أميركا ومن تحالف معها، انتزع قرار دولي لتشريع العدوان بمفعول رجعي، لكنها لم تستطع ذلك، بل أصدرت الأمم المتحدة عبر مجلس أمنها، قراراً اعتبر فيه أميركا دولة احتلال، وعليها تقع مسؤوليات باعتبارها أصبح تمارس دورها في العراق كسلطة احتلال.

 

وإذا كانت أميركا، قد اعترفت لاحقاً، بأن المبررات التي اعتمدتها، لم تكن تستند إلى أية أسانيد صحيحة، بل كانت مستندة إلى تقارير كاذبة وملفقة، فإن هذا لم يغير من الوقائع المادية، بل إضاف حجة جديدة، للحجج التي كان يدلي بها العراق، وهو أنه لا يحوز أسلحة دمار شامل، ولا علاقة له مع القاعدة، وقضية حقوق الإنسان هي قضية داخلية وطنية. وهذا الإقرار الأميركي اللاحق، اضاف أدلة جديدة، إلى ما كان قائماً، وهي أن أميركا شنت الحرب لأسباب سياسية واقتصادية خاصة بها وبحلفائها وخاصة الكيان الصهيوني، وأن الهدف هو تدمير العراق، وضرب مرتكزات بنيانه الوطني، وإسقاط نظامه السياسي.

 

إن الحرب التي دارت بين العراق وأميركا، انقسمت إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: هي التي امتدت من بدء العمليات العسكرية في صبيحة يوم 19 آذار 2003 أو انتهت يوم التاسع من نيسان من العام نفسه يوم دخلت القوات الأميركية بغداد، كقوة غازية، أدرجت تحت التوصيف السياسي القانوني، بأنها قوة احتلال.

 

أما المرحلة الثانية: فهي التي امتدت منذ صبيحة اليوم التالي للتاسع من نيسان وحتى الثلاثين من كانون الأول 2011، يوم أعلنت أميركا إنهاء تواجدها العسكري المباشر في العراق كقوة احتلال، وانها لم تعد مسؤولة عن إدارة الشؤون العسكرية والأمنية والسياسية.

 

واذا كانت المرحلة من المواجهة قد تمحورت بشكل اساسي، بين جيوش نظامية، فإن المرحلة الثانية قد تمحورت بين جيش نظامي أميركي مع ملحقاته الدولية والداخلية، ومقاومة عراقية لم تخف هويتها السياسية، ولا شعاراتها التي رفعتها، وهي أنها تخوض مقاومة لتحرير البلاد من الاحتلال الأميركي.

 

خلال المواجهة التي حصلت خلال المرحلتين، وقع كثير من القادة السياسيين والعسكريين العراقيين في أيدي العدو، بعضهم أثناء العمليات العسكرية الكبرى، وبعض آخر، خلال فترة المقاومة.

إن عدد الذين وضعوا في قبضة سلطة الاحتلال على مدى المرحلتين كان بالألوف ومن مختلف المواقع السياسية والعسكرية. وكان منهم رئيس العراق صدام حسين، وعشرات المسؤولين السياسيين والمقاومة العسكريين والاف من المقاومين أو المتعاطفين مع المقاومة، وكل من كل شكل حاضنة سياسية وشعبية للفعل المقاوم.

 

أثناء وجود أميركا في العراق، كسلطة احتلال رعت محاكمات صورية، وقف العالم كله عن هزالها، لأنها كانت مفتقرة لأسانيدها الدستورية والقانونية والشرعية، ومع هذا صدرت أحكام عن هذه المحاكم، التي كانت بمثابة محاكم عرفية، ونفذت أحكام عنها بالإعدام كانت تصفية جسدية أكثر منها تنفيذاً لأحكام قضائية والشواهد على ذلك كثيرة، وابرزها، مشهدية تصفية الرئيس صدام حسين، صبيحة يوم الثلاثين من كانون الأول 2006، والذي صادف ايضاً أول أيام الأضحى المبارك، ثم كرت أحكام التصفية، بحق آخرين وهي اليوم تستمر بحق مناضلين شغلوا مواقع سياسية في إدارة الدولة، وحزبية في الحزب الذي كان يقود الدولة، وقادة عسكريين، شغلوا مواقع في الجيش العراقي فضلاً عن آخرين اعتقلوا بحجة مقاومة الاحتلال ومن عمل معه وتحت أمرته.

 

بعد الانسحاب الأميركي من العراق، أقدمت أميركا، بما هي سلطة احتلال على تسليم ملف الوضع السياسي والأمني إلى السلطة القائمة في العراق. وأنه من ضمن الملفات التي نقلتها أميركا إلى السلطة العراقية التي شرعت وضعها تحت مسمى العملية السياسية، ملف الأسرى والمعتقلين، الذين أسرتهم القوات الأميركية أثناء عملياتها الحربية والمعتقلين الذين اعتقلتهم .أما لأنهم كانوا يشغلون مواقع سياسية وحزبية وإدارية وعسكرية، وأما لأنهم كانوا منخرطين في أعمال المقاومة بأشكالها المختلفة.

 

وإن من بين الأسرى والمعتقلين الذين أسروا واعتقلوا على أيدي القوات الأميركية نائب رئيس الوزراء طارق عزيز، وعضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق عبد الغني عبد الغفور، وهما أبرز مسؤولين ما زالا قيد الاعتقال، لأن الآخرين مما كانوا يشغلون مواقع أساسية في هرمية السلطة والحزب قد تمت تصفيتهم جسدياً ، كما حصل مع الرئيس الشهيد صدام حسين، وسائر الشهداء طه ياسين رمضان، وعواد البندر وبرازن التكريتي وعبد حمود وغيرهم. علماً أن أحكاماً قضائية قد صدرت أيضاً بحق طارق عزيز.

 

إن ملف الأسرى والمعتقلين في معسكرات الاحتلال الأميركي، كان حافلاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وبما شكل إضافة جريمة جديدة إلى ملف الجرائم التي ارتكبتها أميركا بحق العراق وشعبه، واليوم، يستمر هذا الملف حافلاً أيضاً بالانتهاكات لحقوق الإنسان، والتي يشكل ما يتعرض له طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور مثالاً حسياً على ما يتعرض له سائر المعتقلين من تعذيب مادي ونفسي وحرمان من التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية.

 

هذا الذي يتعرض له اليوم الأسرى والمعتقلون في العراق أين يقع من أحكام القانون الدولي الإنساني، الذي رعت أحكامه أوضاع الذين يشابهون بوضعهم وضع المعتقلين في السجون والمعتقلات العراقية، سواء لجهة أحكام اتفاقيات جنيف لأربع العام سنة 1949، أما لجهة أحكام البروتوكولان الإضافيان الملحقان بها لسنة 1977.

 

إن إعادة تسليط الضوء على أوضاع الأسرى والمعتقلين في العراق بات مسألة ملحة في ضوء الاخبار التي تتواتر والتي تفيد بأن حياتهم عرضة للخطر الشديد من جراء الأساليب التي تستعمل معهم والتي لا تستقيم وأدنى الحقوق والشروط التي توفرها الاتفاقيات الدولية ضمانة لحقوقهم.

 

وحتى لا يبقى اللبس والغموض يلف وضع الأسرى والمعتقلين، يتطلب الأمر تحديد المركز القانوني الذي ينطبق عليهم، حتى يتم بالاستناد إلى ذلك تحديد الحقوق والضمانات التي يجب توفيرها لم، سواء تعلق الأمر بمركزهم القانوني في ظل سلطة الاحتلال، أم في ظل السلطة التي انتقلت إليها صلاحية استلام هذا الملف والتعاطي معه.

 

مما لا خلاف حوله، ان غالبية الأسرى والمعقلين لا بل الغالبية العظمى من الأسرى والمعتقلين في السجون والمعتقلات العراقية، الذين أسروا أو اعتقلوا أثناء العمليات العسكرية وطيلة مدة الاحتلال المباشر وبعده، ليسوا مطلوبين بقضايا جنائية عادية، بل تم أسرهم واعتقالهم لأسباب سياسية تتعلق بدورهم ومواقعهم قبل الاحتلال ودورهم في المقاومة.

 

ومن خلال الاطلالة على المركز القانوني لطارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور في ظل وضعهما الحالي تتم الاطلالة على مركز سائر الأسرى والمعتقلين

 

فمن هو اسير الحرب ؟؟

 

أولاً: في تحديد أسبر الحرب

نصت الفقرة "الف" من المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة 1949 بشأن أسرى الحرب في البندين 1 و2 من هذه الفقرة على ما يلي:

- أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى أحد الفئات الثالثة ويقعون في قبعة العدو.

 

1- أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.

2- أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الاقليم محتلاً و تتوفر الشروط التالية:

 

أ- ان يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسين.

ب- أن تكون لها شارة مميزة يمكن تحديدها من بُعد.

ج- أن تحمل الأسلحة جهراً.

د- ان تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.

 

كما نصت الفقرة "باء" بندها الأول على ما يلي:

يعامل الأشخاص المذكورون فيما يلي بالمثل كأسرى حرب بمقتضى هذه الاتفاقية:

1- الأشخاص الذين يتبعون أو كانوا تابعين للقوات المسلحة للبلد المحتل إذا رأت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذا الانتماء حتى لو كانت تركتهم أحراراً في بادئ الأمر أثناء سير الأعمال الحربية خارج الأراضي التي تحتلها وعلى الأخص في حال قيام هؤلاء الأشخاص بمحاولة فاشلة للانضمام إلى القوات المسلحة التي يتبعونها والمشتركة في القتال أو في حال عدم امتثالهم لانذار بوجه إليهم بقصد الاعتقال.

 

وفي تحديد الوضع القانوني للمقاتل وأسير الحرب، استحضرت المادة (43) من البروتوكول الأول الاضافي / 1977، نص المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة فقرة (أ).

من الرجوع إلى وضع طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور يتبين ما يلي:

 

1- أنهما كانا يشغلان مواقع في هرمية الدولة.

2- انهما كانا ينتميان إلى حزب يقود السلطة، وانخرطا بشكل صريح وعلني في مقاومة القوات المعادية قبل الاحتلال وبعده.

3- انهما استناداً إلى وضعهما فانهما كانا ينتميان لأحد أطراف النزاع وهي الدولة العراقية قبل الاحتلال، والمقاومة بعده.

4- انهما كانا ممن وجهت إليهما انذارات بقصد الاعتقال، من خلال اللائحة الاسمية التي وزعتها سلطة الاحتلال وبلغ عدد أفرادها 54 عضواً مسؤولاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً وحزبياً.

 

وقد نصت الفقرة (1) من المادة (44) من البروتوكول الاضافي الأول على أنه يعد كل مقاتل ممن وصفتهم المادة (43) أسير الحرب إذا ما وقع في قبضة الخصم.

وبما أن طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور، وقعا في قبضة العدو وتنطبق عليهما أحكام المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة (43) من البروتوكول الإضافي الأول، فانهما يعتبران أسيراً حرب وفق ما نصت عليه المادة (44) بند (1) من البروتوكول الإضافي الأول.

 

إذاً المركز القانوني لطارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور هو المركز الذي يتمتع به أسير الحرب.

هذا المركز القانوني لأسير الحرب، يرتب على الجهة الحاجزة أو المعتقلة واجبات يجب التقيد بها، وهذه الواجبات المترتبة على الدولة الحاجزة أو المعتقلة هي حقوق للمعتقل والمحتجز الذي ينطبق عليه وصف أسير حرب.

من بين الحقوق التي يجب احترامها وحمايتها لمن يقع في الأسر، وينطبق عليه وصف أسير الحرب، ما نصت عليه المادة (12) من اتفاقية جنيف الثالثة: يقع أسرى الحرب تحت سلطة الدولة المعادية، لا تمت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم، وبخلاف المسؤولية الفردية التي قد توجد، وتكون الدولة الحاجزة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الأسرى.

 

استناداً إلى نص هذه المادة، فإن الأسرى يقعون تحت سلطة الدولة المعادية. وفي حال العراق، فإن سلطة الدولة المعادية هي أميركا.

ولما كان المركز القانوني لطارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور هو وضع أسير الحرب، فإن الدولة المسؤولة عنهما هي أميركا، باعتبارها سلطة الاحتلال.

وبما أن الأسر هو حالة مؤقتة وتنتهي بانتهاء لاحتلال أو الأعمال العدائية فإن أطراف النزاع ملزمة بأن تطلق سراح الأسرى وتعيدهم إلى أوطانهم وخاصة المصابين بأمراض خطيرة أو جراح خطيرة بصرف النظر عن العدد أو المرتبة. وهذا ما أكدته المادة (109) من اتفاقية جنيف الثالثة، وهذا ما عادت وأكدت عليه أيضاً المادة (118) من الاتفاقية المذكورة عندما نصت:

 

يفرج عن أسرى الحرب ويعادون إلى أوطانهم دون إبطاء بعد انتهاء العمليات العدائية الفعلية.

 

إذاً، كان على أميركا باعتبارها سلطة احتلال، ان تبادر فوراً إلى إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين الذين أسرتهم واعتقلتهم أثناء الحرب وبعدها نظراً لكون الأسرى والمعتقلين وقعوا في الأسر واعتقلوا في سياق حالة النزاع التي كانت قائمة بين أميركا والعراق التي كانت تقودها سلطة شرعية، وطارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور من أركانها، ومن ثم انتماءهما إلى تنظيم قاد مقاومة، أسبغت على أفرادها الحماية بحسب أحكام القانون الدولي الإنساني الذي يستند في مصادرة الأساسية إلى اتفاقيات جنيف 1949 والبروتوكولان الاضافيان 1977.

 

من هنا، فإن تسليم أميركا للأسرى والمعتقلين الى السلطة، التي جرى تشكيلها في ظل الاحتلال، هو تصرف مخالف لأحكام القانون الدولي الإنساني. لأن السلطة التي تشكل في ظل الاحتلال، تستمد سلطتها من سلطة الاحتلال، وعندما يزول هذا الاحتلال، تزول معه كل الإفرازات السياسية الناتجة عنه .والا اعتبر كل تصرف غير هذا، مفتقراً للشرعية. لأن الاحتلال الذي يمارس سلطة امر واقع هو سلطة غير شرعية، ومن كان غير شرعي لا يمكنه أن يمنح شرعية لسلطة منبثقة عنه.

 

على هذا الأساس، فإنه كان أميركا، وفور إعلان انسحابها الكامل من العراق، ان تطلق سراح كافة الأسرى والمعقلين. أما وانها قد سلمت الملف بكامله إلى سلطة حلت محلها وهي محكومة بخصومة سياسية وفكرية مع الأسرى والمعتقلين فإنها بذلك تكون قد خالفت أحكام القانون الدولي الإنساني، الواجب التطبيق على أوضاع الأسرى والمعتقلين.

 

إن استلام السلطة القائمة في العراق حالياً ملف الأسرى والمعتقلين، يجرم هؤلاء المركز القانوني الذي ينطبق على وضعهم كأسرى الحرب وبالتالي يحرمهم من الاستفادة من أحكام اتفاقيات جنيف الثالثة، والبروتوكول الاضافي الأول، ويجعلهم سجناء جنائيين يخضعون لإجراءات السلطة الحالية والتي لا تقيم اعتباراً لحقوق الإنسان وتدخل إدارة ملف الأسرى والمعتقلين في إطار الصراع الداخلي.

 

إن أميركا التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في العراق، لم تلتزم طيلة احتلالها للعراق بأحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي ترعى وضع أسرى الحرب، فهي لم تلتزم بأحكام المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة التي توجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. وحيث لا يجوز تعريض الأسير لتشويه وتوفير الحماية له ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد الأسباب وفضول الجماهير وتحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب.

 

كما نصت المادة (14) فقرة أولى:

لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال أما المادة (15) فنصت على أنه تتكفل الدولة التي تحتجز أسرى الحرب باعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجاناً.

كما نصت المادة (30) فقرتها الثانية:" أسرى الحرب المصابون بأمراض خطيرة أو الذين تقتضي حالتهم علاجاً خاصاً أو عملية جراحية أو رعاية بالمستشفى يجب معاملتهم معاملة خاصة ويجب منح تسهيلات خاصة لرعاية العجزة."

 

أما وأن الأسرى إبان الاحتلال وبعده لم يحظوا بالرعاية والعناية المطلوبة، لجهة المعالجة الطبية وخاصة الذين يعانون ظروفاً صحية صعبة كحالتي طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور، فإن الاحتلال ومن انتقل إليه ملف الأسرى،و قد انتهكت بشكل صريح أحكام الاتفاقيات الدولية التي ترعى وضع أسرى الحرب فإن المسؤولية تقع على دولة على الولايات المتحدة الأميركية، كونها دولة الاحتلال التي لم تلتزم بتنفيذ أحكام اتفاقية جنيف الثالثة حول الإفراج عن الأسرى عند انسحابها من العراق.

 

هذا من جهة الأسرى، أما لجهة المعتقلين، فإن ما ينطبق على الأسرى ينطبق عليهم أيضاً وقد نصت المادة (132) من اتفاقية جنيف الرابعة، على أن الدولة الحاجزة تفرج عن أي شخص معتقل بمجرد زوال الأسباب التي اقتضت اعتقاله .. وقد أكدت المادة (133) من الاتفاقية المذكورة على أن الاعتقال ينتهي بأسرع ما يمكن بعد انتهاء الأعمال العدائية وأن المادة (134) الزمت أطراف النزاع بأن تعمل عند انتهاء الأعمال العدائية أو الاحتلال على تأمين عودة المعتقلين إلى آخر محل إقامة لهم أو تسهيل عودتهم أوطانهم.

 

من كل ما تقدم تبين، ان الاتفاقيات الدولية المتعلقة بوضع الأسرى والمعتقلين، أثناء سير العمليات العدائية أو أثناء الاحتلال، قد اسبغت الحماية على كل من ينطبق عليه وضع أسير الحرب أو المعتقل، وان هذه الاتفاقية، لم تكتف بتحديد الحقوق الواجب حمايتها للأسير أو المعتقل، بل حددت أيضاً لإجراءات والأعمال التي يمنع على الدول الحاجزة والمحتلة القيام بها. فقدت نصت المادة (3) من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة الأسرى.

إن الأعمال التي تبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

 

أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والتعذيب، والمعاملة القاسية والتعذيب.

ب- أخذ الرهائن.

ج- الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهنية والخاصة بالكرامة.

د- إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمات سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

 

ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، ان تعرض خدماتها على أطراف النزاع، وعلى هذه الأطراف أن تعمل فوق ذلك عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.

 

وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.

 

إن هذا المنع قد جاء بصيغة التحذير، ويستفيد منه أيضاً من وقع في قبضة العدو وكان هناك شك بانتمائه في حال قيامه بعمل حربي من صنفتهم المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة، بحيث اعتبرت هذه المادة ان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها هذه الاتفاقية لحين البت في وضعهم بواسطة محكمة مختصة مشكلة قانوناً.

 

إن كل هذا يبين، ان كافة الذين وقعوا في قبضة الاحتلال، أسراً أو اعتقالاً، أو من كان هناك شك بانتمائه إلى إحدى الفئات التي حددتها المادة (4) هم مشمولون بالاتفاقيات والمواثيق التي ترعى وضعهم كأسرى حرب أو معتقلين أو شكوك بوضعهم.

 

ولهذا فإن عدم تمكين هؤلاء الأسرى والمعتقلين والمشكوك بانتمائهم لأي من الفئات المشار إليها في المادة (4) من الحماية التي أسبغت عليهم بموجب أحكام اتفاقية جنيف الثالثة 1949 أو البروتوكول الإضافي الأول 1977، يشكل انتهاكاً لحقوقهم وبالتالي يضع الجهة المسؤولة عن توفير الحماية لهم، تحت المساءلة القضائية الدولية في حدود أحكام القانون الدولي الإنساني. وبما أن أميركا كانت في حالة حرب مع العراق، وأفرز احتلالها هذا الواقع المتعلق بوضع الأسر والمعتقلين، فإن مساءلتها تتم تحت وصف قانوني ينطبق عليه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ونظراً للجرائم التي ارتكبت بحق العراق وشعبه ونظراً للمعاملات اللانسانية التي تعرض بها الأسرى.

 

ولهذا يفهم، لماذا لم تنضم أميركا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمعرفة منها، بأن سجلها حافل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وحيث ان ما ارتكبته بحق العراق ليس الا عينة من ذلك.

أما لجهة مسؤولية السلطة التي تتولى إدارة العراق حالياً والتي انتقل إليها ملف الأسرى والمعتقلين، فإن مسؤوليتها قائمة على قاعدة ارتباط التابع بالمتبوع. وبالتالي تقع عليها مسؤولية ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بما يتعلق بوضع الأسرى والمعتقلين وفي الطليعة منهم طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور.

 

وأن تسليط الضوء على واقع الأسرى والمعتقلين على مشارف نهاية السنة الأولى للانسحاب الأميركي، وإنهاء أميركا كدورها كسلطة احتلال، مبرره أن الأسرى يواجهون ظروفاً صعبة وحرجة وخاصة في جانبها الانساني والصحي، وان المطلوب إعادة هذا الملف إلى دائرة الضوء، وحتى يكتشف الرأي العام عراقياً أو عربياً ودولياً، الخطورة الكبرى التي تهدد حياة الأسرى والمعتقلين لعدم تمكنهم من الاستفادة من نظام الحماية القانوني التي تسبغها على وضعهم الاتفاقيات الدولية، ولإبقاء السلوك الاحتلالي الأميركي حاضراً في دائرة الضوء، وحتى تبقى هذه القضية، قضية حية وحاضرة دائماً في الوجدان الشعبي ولتوفير كل المعطيات المادية والموثقة والأسانيد القانونية، التي تمهد لمحاكمات جنائية ضد أميركا ومن اشترك معها في ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في العراق، خاصة وأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تخضع لمبدأ التقادم. وان هذه مهمة الهيئات الدولية والاقليمية والقومية ذات الصلة بملاحقة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية وايضاً كل المنظمات القومية ذات الصلة بحقوق الانسان.وحتى تتحول هذه القضية الى قضية رأي عام .

 

هامش : مؤتمر بغداد للتضامن مع الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية

 

عاهرة تحاضر بالعفة !!!

 

من غريب المفارقات، انه بالوقت الذي يتعرض فيه الاسرى والمعتقلون من عراقيين وعرب بمن فيهم الفلسطنيون الذين يقيمون في العراق لابشع انواع التعذيب وسوء المعاملة، عقد في بغداد مؤتمر للتضامن مع الاسرى والمعتقلين الفلسطنيين في الاراضي المحتلة .

 

هذا المؤتمر الذي عارضته وقاطعته غالبية الفصائل الفلسطنية المنضوية في اطار منظمة التحرير، لا يمكن في اي حال من الاحوال ان يعطي شهادة حسن سلوك في الوطنية للسلطة في بغداد، نظراً لأن قضية حقوق الانسان قضية لا تتجزأ لانها قضية عامة ذات ابعاد وطنية وقومية وانسانية، ومن يكون مع حقوق الاسرى والمعتقلين الفلسطنيين وهذا واجب كل عربي،عليه ان يكون بالاحرى مع حقوق هؤلاء الذين يعتقلون في السجون والمعسكرات العراقية ، ومع الحقوق السياسية والمدنية للفلسطنيين الذين تعرضوا لابشع انواع التنكيل اثناء فترة الاحتلال، وبعده وقذف بهم الى خارج الحدود حيث بقوا يواجهون ظروف معيشية صعبة في الصحراء على الحدود العراقية-الاردنية .

 

ان عقد هذا المؤتمر في بغداد، لا يمكنه ان يغطي الجرائم التي ترتكب بحق الاسرى والمعتقلين وحال الذين دعوا لعقد هذا المؤتمر ، كحال العاهرة التي تحاضر بالعفة .

 

 





الخميس ٢٩ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة