شبكة ذي قار
عـاجـل










تخطط العولمة الأمريكية الصهيونية للتدخل العسكري وإعلان الحرب في أية بقعة من العالم، وتفكر بالخروج على سيطرتها وتحكمها، لأن العالم يراد له أن يقع تحت براثن الاستبداد الأمريكي والعادات والتقاليد الأمريكية والقوة العسكرية الأمريكية، وهو أمر يكشفه تقريران خطيران كانا سريين للغاية، ثم نُشِرا بعد ذلك، وهما تقريرا "جريميا وولفوفتيز"، ولاشك في أن نصيب العالم الإسلامي في أفغانستان، وفلسطين والعراق، قد كان كبيراً في ضوء تلك السياسة الأمريكية الظالمة، وفي ذلك يقول صموئيل هنتفتون في دراسته المسماة "المصالح الأمريكية ومتغيرات الأمن"، التي نشرتها مجلة الشؤون الخارجية في حزيران 1993م: "إِن الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة ماسة إلى عدو جديد يوحد دوله وشعوبه، وإن الحرب لن تتوقف، حتى لو سكت السلاح وأبرمت المعاهدات، ذلك أن حرباً حضارية قادمة ستستمر بين المعسكر الغربي الذي تتزعمه أمريكا وطرف آخر، قد يكون عالم الإسلام أو الصين".


يتبين من خلال دراسة موضوع العولمة وتأثيراتها من أن العروبة والإسلام هما الهدفان الرئيسان في مخطط الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية، الرامية إلى القضاء عليهما، أو الحد من نفوذهما وتأثيرهما على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم، إنهما يشكلان هاجس خوف ورعب وجدار منيع يحولان دون تحقيق المخططات الصهيونية والإمبريالية العالمية، لذا فلا نستغرب أن يلتقي شمعون بيريز وتوماس فريدمان في رؤية واحدة حول الإسلام، والذي أساسه العروبة وموقفهما منه، فإذا كان بيريز قد جعل شغله الشاغل معاداة الإسلام، ومحاولة النيل منه بنعته بالإرهاب والتخلف، ووصف العرب بالأوصاف نفسها. فإن فريدمان وهو بوق من أبواق الصهيونية العالمية العنصرية الكارهة لكرامة الشعوب العربية والإسلامية، وهو شخصية صحفية معروفة ومؤثرة، وتأثيرات فريدمان لا ترجع فقط إلى تأثيرات مقالاته السياسية والثقافية داخل أمريكا وخارجها بحكم اتصاله الوثيق بدوائر صناعة القرار الإسرائيلي، خصوصاً جناح ما يسميه بعض القادة العرب (بالحمائم)، وكذلك بخبرته الشرق أوسطية، وعلاقته بدوائر صنع القرار العربي، لقد كانت مهمة فريدمان الأخيرة إلى العالم العربي هي الترويج للعولمة المتوحشة التي يدافع عنها بحماس يلقى من أجل النقد داخل أمريكا نفسها ولكن حماسه لإسداء النصح والتحقير للعرب على المضي في السير بسرعة نحو العولمة عبر الخصخصة وفتح الأسواق العربية أمام الشركات الأجنبية وخاصة في صناعة تجميع السيارات التي ستحول اتفاقية الجات بعض المعنيين أو كلهم إلى مستوردين لعدم قدرتهم على المنافسة (حسب ما جاء على لسان عبد المنعم خليفة أحد المسؤولين الرئيسيين في هيئة التصنيع العربية) ومما أفصح عنه فريدمان وبكل وقاحة أثناء زيارته للقاهرة هو دعوته إلى أن تصبح مصر "تيوان" أخرى بعد انحسار دورها وانحسار رسالتها، ويضيف في مقاله الذي نشره في صحيفة النيويورك تايمز يوم 21/1/2000 تحت عنوان "دور مصر في الشرق الأوسط" أَن مصر قادت العرب في الحرب ضد إسرائيل، ثم قادتهم للسلام مع إسرائيل وقد انتهى دورها بعد تحقيق السلام فما الذي ينبغي أن تقوم به إذن".


ويضيف فريدمان في مقاله هذا بأن (مصر لم تعد قادرة، ولا تمتلك الإمكانات العصرية التي تكفل لها الاستمرار في دورها القيادي في ظل انفتاح إسرائيل على العرب والعرب على إسرائيل "الدولة العصرية" "ليكرس" وفي ظل ضياع النفوذ المصري السياسي والاقتصادي وانتهاءً بالتأثير الثقافي والإعلامي فإنه على مصر أن تعيش مجرد العيش وليس القيادة في العصر الجديد) وخلاصتها الالتحاق سريعاً بقطار العولمة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما أرادت أن تصبح تيوان المنطقة وضرورة اكتفائها بدور التابع، وحول محاولته الإساءة للإسلام والعروبة ومصر، يكشف عن حقيقة حقده على الثلاثي المذكور في مقال نشرته جريدة نيويورك تايمز أيضاً في 29/1/2000 تحت عنوان "الدفع بالعولمة في أرض المصاعد التي تحركها الصلوات" يقول: إِنه ذهب لزيارة وزير الاقتصاد المصري الأسبق يوسف بطرس غالي، ويصف زيارته قائلاً: ("وعندما وصلت إلى المصعد رأيت عامل المصعد وهو فلاح مصري ينتظرني أمام الباب، وقد فتحه بمفتاح... ولكنه قبل أن يستعمل المفتاح ليأخذني إلى مكتب الوزير بالطابق العلوي راح يتلو البسملة ("بسم الله الرحمن الرحيم") يتعجب هذا الصهيوني الفج كيف يمكن في مبنى عصري أن يتلو عامل البسملة المعروفة عند المسلمين أو كلاماً ديناً وهو ينقل الضيف إلى الطابق الفوقي: ويضيف قائلاً هذا هو التناقض، هذا هو وزير الاقتصاد على أرفع مستوى من الإبداع ودفع عملية العولمة في مصر، وهذا عامل المصعد ينطق بالبسملة قبل أن يقودني إلى مكتبه.


أما صموئيل هانتجتون فيصر على أَن الإسلام نفسه وليس المتطرفون الإسلاميون هم فقط الذين يشكلون خطراً على الحضارة الغربية، وتاريخ الإسلام خلال أربعة عشر قرناً ، يؤكد بأنه خطر على كل حضارة واجهها، خاصة المسيحية، وصحيح أن الهجوم على الغرب كثير وسط الأئمة والعلماء والإسلاميين المتطرفين، لكن حتى من يسمون مسلمين معتدلين يهاجمون الغرب، ويبرز هانتجتون تشنجه الشديد وعدم موضوعيته حين يستشهد بكتاب الإسلام والديمقراطية للكاتبة الجزائرية فاطمة مرتيسي: ويقول: هذه تعتبر كاتبة ليبرالية وقد هاجمها بعض المسلمين لأنها انتقدت بعض الممارسات الإسلامية ونتساءل: ماذا قالت عن الغرب؟ قالت إِنه "مادي" و "انحلالي" و "عنجهي" و "عنيف". ويضيف قائلاً ما دام الإسلام سيبقى إسلاماً وليس هناك أدنى شك في هذا، وما دام الغرب سيبقى غرباً، ولا يتوقع أحدٌ أن يصبح الغرب شرقاً، سيظل الصراع قائماً بينهما كما ظل لأربعة عشر قرناً
ويدعو هانتجتون إلى عدم الاكتفاء بمفهوم الصراع، بل لابد من تحول لهذا الصراع إلى مواجهة وذلك للأسباب الآتية:-


1-: الزيادة المستمرة والهائلة في عدد المسلمين في كل أقطار العالم.
2- : الصحوة الإسلامية والتمرد على السيطرة والثقافة القادمة من الغرب.
3-: زيادة النفوذ العسكري والثقافي للدول الغربية.
4- : سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الشيوعية.


والحقيقة أَننا نواجه واقعاً خطيراً، وأعني أنه في حال تحقيق نبوءات هينتجتون وغيره، وفي حال استمرار التخلف العربي في الوقت الذي يركض فيه الآخرون بخطى حثيثة وقفزات هائلة على مدارج النمو والتقدم وامتلاك التقنية التي لا يملكها العرب، ويعرفون أن الرجل الأبيض انتصر على الهندي الأحمر صاحب الأرض لأن الصراع كان بين التقنية المتقدمة وحضارة بدائية مكنت البيض من استئصال الهنود وتحويلهم إلى فتات شعب بائد معزول في مجتمعات منقرضة


لقد فشلت الحروب الأمريكية والإسرائيلية في كسر إرادة الشعب والأمة، وفشلت واشنطن وتل أبيب في إعادة صياغة عقل وروح وفكر الإنسان العربي والمسلم بالقضاء على الثقافة العربية والإسلامية، وأمركة المنطقة وصهينتها، وازدادت كراهية شعوب المنطقة وشعوب العالم أجمع لأمريكا وإسرائيل، فهل تتعظ إدارة أوباما من الحروب والويلات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي سببتها الإدارات الأمريكية السابقة. فالأرجح أن أمريكا لم ولن تتعظ من دروس الماضي، فأوباما يسير على خطى إستراتيجية سلفه بوش الابن في تغيير الأنظمة الوطنية القومية التي تدافع عن حقوق ومصالح شعبها وأمتها العربية.


فما بين التكتيك والإستراتيجية قاسم وحيد في هذه الشواهد، وهو أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً سوى ذاك الحاضن الدائم لإسرائيل، تستميت في الدفاع عنها وعن. عنصريتها وجرائم احتلالها، ورأس حربة صهيونية ضد كل حق عربي وفلسطيني، والترويج لمفهوم العولمة في الوطن العربي وصهينة الاقتصاديات العربية


فضلاً عن أن العولمة تحمل فكرة استبداد القوى الذي يسخر إرادة الشعوب الضعيفة لصالحه، وتكمن في فكرة سيطرة المهيمن على الاقتصاد العالمي، والقوة العسكرية والإدارة السياسية للشعوب الفقيرة، بل والسعي لإفقار ما هو ليس بفقير، وتكمن كذلك في فكرة الإذابة التي يقوى عليها من يمتلك أدوات الاتصال والتحكم بها، وبالمعلومات وخصوصياتها وإمكاناتها وبإنتاجها، وتدفقها دونما مراعاة لثقافات الشعوب وحاجاتها.

 

 





الخميس ٢ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. شاكر كريم القيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة