شبكة ذي قار
عـاجـل










رسالة مفتوحة الى فخامة جلال الطالباني المحترم

 

سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات

تحية طيبة وبعد ،

 

 (( الاعتــــــــراف سيــــــــد الادلـــــــــة ))

 

فخامة الرئيس :

نص وقاعدة فقهية قانونية قديمة قدم التاريخ، منذ ادم وخطيئته، قابيل وجريمة قتله لأخيه هابيل، داوود ومزاميره وزبوره، سليمان ومُلكِه، موسى ومَلئِه وتوراته، عيسى وانجيله وحوارييه، محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابته وقرآنه، في ( ديانة ) بوذا، وتعاليم كونفوشيوس، وسيخية غوروناناك، وهندوسية المهاتما غاندي، وحتى في مسلة حمورابي. نص قديم قدم التاريخ، وحديث حداثة محاكمات التفتيش الاحتلالية لرجال من النظام السابق والمستمرة لغيرهم.

 

صَرحٌ عدلي، قانوني، قضائي، يفرض نفسه وتأثيره و ( بحق ) في كافة مدونات القوانين الوضعية والشرائع السماوية، تعتمده وتستند عليه جل الاحكام القانونية والقضائية فيصلاً حاسماً لتبرئة البريء وإدانة المتهم. ولا أظن أن موسوعةً قضائية او عدلية لأي قضاء في العالم يخلو من هذا النص أو لا يشير الى هذه العبارة، قصيرة الصياغة اللغوية جبارة وواسعة في تأثيرها القانوني والقضائي. ولو نسِخت كافة مدونات القوانين الوضعية من على وجه الأرض وبقي هذا النص القانوني وحيدا لوفى وحقق العدالة القصوى التي تصل في دقة وصحة أحكامها الى مصافِ الأحكام الإلهية. عدالة تفتقر اليها العديد من سوح القضاء والمحاكم في شتى أرجاء العالم. صَرحٌ شامخ من أعمدة النصوص العدلية والقضائية التي تهز ولا تهتز، تَحكمُ ولا تحاكَم.

 

وفي مدونة قانونية للعلامة والفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري ( أحد أعمدة وركائز بناء الصرح القانوني المدني العراقي إبّان الخمسينات من القرن الماضي ) يذكر التالي:

 

 (( هذا النص القانوني رغم صغر حجمه وبساطة لغته ( فهو يتكون من ثلاث كلمات فقط ) بَيدَ أنه هائل القوة والتأثير القانوني، إذ بإمكانه ( إذا ما فُعّل ) أن يختزل محاكمة عدلية قد تطول خمس سنوات الى خمس دقائق، وأن يوفق في تحقيق الاحكام القضائية بالحق والعدل والانصاف تصل الى حد التخوم النهائية والكمال المتناهي للعدالة والحق. ))

 

فخامة الرئيس:

أواخر عام 1987 وبداية عام 1988 كنتم فخامتكم عَرابَ قضية أُطلق عليها عراقيا ودوليا ( القضية الكردية ) وقد بقيت تتراوح بين التعقيد والحل والقبول والرفض لحلول وطنية ودولية، وانتهت لأن تبقى شائكة دون حل فيما الدم العراقي للعرب والاكراد يروي أديم التراب العراقي في الشمال. كنتم فخامتكم في ذلك التاريخ في واشنطن على رأس وفد من المواطنين الاكراد لاجتماع مع الكونغرس الأمريكي للترويج لهذه القضية ( القضية الكردية ) . وبعد انتهاء الاجتماع ( دون الحاجة للدخول في حيثياته وتفاصيله ) التقيتم والوفد المرافق لكم بالصحافة والإعلام للرد على أسئلة الصحفيين واستفساراتهم. كنت أنا ( مدون هذه السطور ) أدرسُ هناك وكنت حاضرا ضمن الجمهور الذي حضر اللقاء. وكان من ضمن جمهور الحاضرين أيضا مراسل صحفي عربي ( سوري الجنسية ) اسمه سليم البرازي ( أغلب الظن انه كان مراسلا لصحيفة أو مجلة الوطن العربي. )

 

سأل ــ هذا الصحفي ــ فخامتكم السؤال التالي بالنص: (( أستاذ جلال ــ لماذا وبلدك العراق يخوض حربا ضروسا لدرء خطر عدو شرس، فيما تصطف أنت وفصيلك الكردي مع هذا العدو ضد بلدك العراق ؟؟؟ ))

 

أجبتم فخامتكم بكل ثقة وبرود (( أنا لست عراقيا !! ))

 

تناقلت وكالات الانباء هذا الخبر وطيرت نصه الى كل مكاتبها ووكالاتها المرئية والمسموعة والمقروءة. ومن الجهات التي وصلها الخبر الحكومة العراقية، وصلها في وقت كانت تعد فيه مشروع قرار يصدر عن مجلس قيادة الثورة، يُعفى بموجبه كافة الأكراد الهاربين من الخدمة العسكرية، فضلا عن إطلاق سراح الموقوفين منهم وأولئك الملتحقين بالحركة الكردية المسلحة التي كانت تحمل السلاح وتقاتل ضد الحكومة والنظام. وحتى عندما وصل الخبر المذكور الحكومة العراقية، لم يتوقف مجلس قيادة الثورة عن إصداره القرار المذكور، بل تم إصداره وبالصيغة المعدة له مع إضافة فقرة أخيرة جاء في نصها التالي:

 

(( يستثنى من أحكام هذا القرار المدعو جلال طالباني )) . وقد نوقش سبب إضافة هذه الفقرة للقرار الصادر وتم الاتفاق على أنها أضيفت تلبية لرغبة واعتراف السيد جلال طالباني بأنه (( ليس عراقياً )) والقرار المذكور يشمل الأكراد (( العراقيين )) حصرا، وبذلك تكون ــ عندها ــ قد أصبحت غير عراقي ( فخامة الرئيس ) بناءً على طلبك واعترافك بأنك (( لست عراقيا )) .

مع كل ذلك ــ وبعد فترة ليست بالطويلة ــ عاد مجلس قيادة الثورة ( وعسى أن تعرف برأي مَن ) وأصدر قرارا بشمولك بذلك القرار لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الان. وبذلك يكون مجلس قيادة الثورة قد أعاد اليك (( عراقيتك )) التي لولاها لما كنت الان رئيسا لجمهورية العراق. إذ أن كافة الدساتير العراقية منذ استقلال عام 1921 حتى الان، ومن ضمنها الدستور الحالي ( على علاته ) نصت واشترطت على أن يكون رئيس الجمهورية ــ عراقي بالولادة ومن أبوين عراقيين.  كما أن سلطات الاحتلال التي أناطت بها القوانين والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف الخاصة بحقوق الانسان تمشية وإدارة أمور وشؤون البلد المحتل ــ طبقا لنصوص تلك الاتفاقيات ــ حجبت عنها صلاحية سلب أو تجريد أي مواطن في البلد المحتل هويته الوطنية ( جنسيته ) أو أن تعيد لمواطن نُزعت عنه هويته الوطنية ( جنسيته ) في وقت ما قبل الاحتلال. ويتضمن النص أيضا أن هذه الصلاحية ( منحا أو سلبا ) منوطة بحكومة ونظام سلطة ( وطنية ) للبلد المحتل بعد زوال الاحتلال.

 

فخامة الرئيس:

دون شك أن فخامتكم تتذكرون حدثا جَللاً جرى في العهد الملكي عام 1941، حدث اهتز له ضمير العالم الإنساني والأمة والشعب العراقي، عندما أقدم حاكم النظام آنذاك على إعدام اربعه ضباط عراقيين ذوي رتب عسكرية عالية ( في حينها ) رجال وأبطال في الجيش العراقي الوطني. لم يُعدَموا لإدانتهم بعدم تنفيذ الأوامر مثلا، أو لخيانتهم، أو إنهم نكصوا أو جبنوا في موقف ما أو لسوء تصرفهم في مجال معين. أبدا فخامه الرئيس ــ أُعدموا لـ (( وطنيتهم )) ، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني محليا ودوليا. هذه الجريمة الكبرى التي اهتز لها ضمير العالم الإنساني وثار جرائها الشعب العراقي بمظاهرات عارمة تندد بالجريمة وتدين منفذها وتطالب بالثأر ( وليس أقل من ذلك ) . وكان لها ما أرادت عندما أصبح الحاكم في قبضة الشعب وانتهى الى أن سُحِل في الشوارع وعُلقت جثته بذات الموقع الذي عُلقت فيه جثث الضباط الشهداء ــ أمام بوابة وزراء الدفاع الحالية في الباب المعظم. كان هذا الثأر المادي الذي أقدم الشعب على الأخذ به وحققه ( بحق ) . أما الثأر الاعتباري فقد بقي التاريخ والشعب يرجم الحاكم ( وسيبقى ) و ( بحق ) أيضا بلعنته الأبدية ووصمه بالخيانة هو وأولاده وأحفاده.

هذا هو موقف ومنطق التاريخ إزاء مثل هذه الأحداث فخامة الرئيس.

 

فخامة الرئيس:

يكاد هذا الحدث الجلل ان يتكرر في وقتنا هذا، إذ سرت ( همهمة ) في أروقة دار ( مستشارية ) رئاسة مجلس الوزراء بأن مثل هذا الحدث ــ سيقع قبيل الانتخابات العامة الموعودة. وسرعان ما أخذت هذه ( الهمهمة ) طريقها الى الشارع من أن العزم معقود على إعدام مجموعة من كبار ضباط الجيش العراقي الوطني ( الذي حله المحتل ) بعد أن تمت محاكمتهم وبذات التهمه التي أُعدم من أجلها الضباط العراقيين الأحرار في العهد الملكي تهمة (( الوطنية )) وكثيرا ما جسدت أو تجسد السلطة الحاكمة الحالية مثل هذه (( الهمهمات )) على سفهها وبطلانها وإدانتها الى واقع مادي على الأرض بالتنفيذ.

 

قُدمت هذه المجموعة من الضباط العراقيين الأبطال للمحاكمة بتهمة (( الوطنية )) أيضا، لأنهم تصدوا للاحتلال والجيوش الغازية دفاعا عن وطنهم الذي تعرض لغزوٍ واحتلالٍ بربري همجي من قبل ( 30 ) دوله بقيادة الولايات المتحدة. قدموا للمحاكمة من قبل سلطات عراقية جاء بها الاحتلال في وقت أطلق فيه رئيس دوله الاحتلال جورج بوش الابن تصريحا داويا عندما قال (( أنا لو كان بلدي قد تعرض للغزو والاحتلال لقاومت المحتل ودافعت عن بلدي. )) هذا التصريح ــ فخامة الرئيس ــ يتقاطع جملة وتفصيلاً مع إجراءات السلطات العراقية التي أبت إلا أن تثبت للمحتل والعالم أنهم (( ملكيين أكثر من الملك )) .

 

هؤلاء الضباط ــ فخامة الرئيس ــ يستحقون التكريم لا التجريم، ويستحقون أن يُحتفى بهم ويُكرموا بدلا عن السوق الى سوح القضاء لمحاكمتهم وإدانتهم زورا وسفها.

 

ثم أيّ قضاء ــ فخامة الرئيس ــ هذا الذي قدم هؤلاء الرجال الأبطال ليقفوا أمامه، قضاء جاء به بريمر وحواريه، قضاء ولد من رحم الاحتلال بعد ولادة متعسرة، قضاته منهم من وُلِد خديج الثقافة القانونية والقضائية، مُصاب بجلطة عدم النزاهة وموت الضمير، قضاء مُسيّس فيه المرتشي ومن عبدة الوثنية الطائفية وخيانة الأمانة الإلهية ( وإذا حكمتم أن تحكموا بالعدل ) . لست أنا الذي أقول ذلك ــ فخامة الرئيس ــ زملاؤك من كبار رموز وسدنة إرث العملية السياسية بمختلف أطيافهم السياسية والأثنية والعرقية وباختلاف مللهم ونِحَلهم دون تحديد أو تشخيص، كرروا ولمرات عديدة وصف القضاء العراقي الحالي بهذه الصفات المهينة والمدانة. هذا القضاء فضلا عن إدانته من قبل المؤسسات الدستورية الأمينة ( على شحة وجودها ) ومنظمات المجتمع المدني العراقي الشريفة ( على ندرتها ) والصفوة القليلة الباقية من قضاة النزاهة والضمير الوطني ــ فقد أدانته المؤسسات القضائية والقانونية والعدلية الدولية وفي مقدمتهم محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة. ففي الذكرى العاشرة للاحتلال البغيض وبالتحديد في 1432013 اعد المركز الدولي للعدالة ــ في جنيف GNEVA INTERNATIONAL CENTER FOR JUSTICE )) ــ مؤتمرا بعنوان (( العدالة للعراق والمسائلة والمقاضاة للسلطة والمحتل )) وبمشاركة أكثر من (( 300 )) ثلاثمائة منظمة من منظمات المجتمع المدني ( NGO's ) والقانوني القضائي والمدني الدولية الى جانب صفوة علماء القانون الدولي والقضائي والعدلي ومنظمات حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ( لا يتسع المجال هنا لإدراج أسمائهم وصفاتهم الرسمية والقانونية والاجتماعية ) .

 

لم يخلو – قاطبة – أي بحث او ورقة او مداخلة قدمها او تَداخَلَ بها أي من المشاركين في المؤتمر من ادانة شديدة وقاسية و ( بحق ) للقضاء والمؤسسات القضائية والعدلية والسلطات العراقية. وقد اتفق المؤتمرون في ختام مؤتمرهم على ضرورة تعيين مقرر خاص لتقصي الحقائق وخروقات القضاء العراقي ( المدانة ) لحقوق الانسان في العراق.

 

وشبه بعض المؤتمرين ما حصل ويحصل في العراق انه أفظع من المجازر والمذابح التي حصلت خلال الحرب الاهلية بين قبائل الهوتو والتتسى في دولة روندا الافريقية.  ولعل من غريب الصدف والمفارقات-ما يوجب التدوين هنا-التشابه الغريب بين الحالتين، رغم تباعد الزمان والمكان. ففيما كانت شوارع العاصمة ( كيغالي ) في رواندا تزخر بالدماء وتعج بجثث القتلى نتيجة قتال دموي قبلي ضحيته الأولى والأخيرة المواطنين المدنيين الأبرياء العزل، يقبع امراء ورؤساء تلك القبائل تجار الحروب وعوائلهم ( War Mongers ) في منتجعات باريس ومصايف سان تروبيز ولندن وسويسرا متنعمين برغد ورهف العيش وأمن الحياة هناك. ذات المشهد في تطابقه الغريب – يحصل في العراق – ففيما جثث الضحايا والقتلى ودماءهم من الأبرياء العزل تعم الشوارع وعلى المزابل في أحيان كثيرة يتمتع تجار حروب هذه المآسي ورؤساء ميلشياتها برفاه ورغد عيش وأمن ( المنطقة الخضراء ) ، ومنهم وعوائلهم في منتجعات مشاتي ومصايف باريس ولندن وروما، والغالبية منهم في مصايف ومنتجعات شمال العراق.

 

 فرق واحد فقط بين الحالتين، أن الحرب الاهلية في رواندا-البلد الافريقي الموغل في الوثنية والهمجية والتخلف – بدأت في 12/10/1990 وانتهت في 4/9/1993، فيما بدأت مجازر الحرب الأهلية الطائفية في العراق في 9/4/2003 وماتزال مستمرة في بلد أقدم حضارة إنسانية في التاريخ – العراق المسلم !!!.

 

فيما أجمع كافة المؤتمرين – وفي البيان الختامي للمؤتمر – على أن ما يحصل في العراق – وبالذات في سوح القضاء والعدل والقانون من خروقات مدانة وعسف ووأد للحق إنما هي لا تمثل فقط (( جريمة دولية )) International Crime، بل هي (( جريمة دولية كبرى بامتياز )) (( Super International Crime )) . ( والكلام للمؤتمِرين )

 

لا أعتقد – فخامة الرئيس – أن هذه المؤسسات الدستورية، القانونية، العدلية، والقضائية الدولية الرصينة ومن يمثلها من صفوة علماء وفقهاء القانون والقضاء الدوليين تطبق (( أجندات خارجية أو انها من ازلام النظام السابق )) مثلما يحلو لكبار رموز سدنة وورثة العملية السياسية – عندما يخفقوا في معالجة قضية أو حالة ما مهما كانت بسيطة أو معقدة أن يعلقوا هذا الإخفاق ( وهو متواصل ) على شماعة الأجندات الخارجية وأزلام النظام السابق!

 

فخامة الرئيس:

ليس أمام منصات مثل هذا القضاء المدان يقف هؤلاء الرجال الأبطال ( رغم عدم وجود أي مسوغ قانوني أو عرفي او أخلاقي في الأساس قط ) لأن يقفوا أمام منصته للمحاكمة ( عدا تهمة الوطنية ) . أكرر – فخامة الرئيس – ليس أمام مثل هذا القضاء يقف هؤلاء الرجال والابطال، بل – وربما سيتبادر لذهن فخامتكم انني سأقترح لان يقفوا أمام محاكم العدل الدولية النزيهة التابعة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي وامام قضاء دولي نزيه لمحكمة تشكلها الأمم المتحدة او غيرها من منظمات المجتمع الدولي , ابداً – فخامة الرئيس – لن اقترح مثل هذا الاقتراح بل سأقترح أن تدفعوا بهم ( ان كان هناك مسوغ قانوني أو قضائي أو عدلي لذلك عدا تهمة الوطنية ) ليقفوا أمام منصة قضاء لقاضٍ عراقي ( كردي ) أسمه رزكار محمد أمين، ادفعوا بهم ليقفوا أمام منصة هذا القاضي لينظر في أمرهم وليحاكمهم  وسيقبلون والشعب بل – سيوقعون بالقبول لأي حكم يصدره هذا القاضي العراقي الكردي – حتى لو كان حكما بالإعدام.

 

فخامة الرئيس:

أتدري فخامتكم بمن دفعتم للمحاكمة والحكم عليهم من قبل قضاء مدان ومطعون بأحكامه. دفعتم برجال هم أبناء وحفدة قائد عسكري عراقي عظيم أسمه صلاح الدين الأيوبي. هؤلاء أحفاد وأبناء هذا القائد العظيم الذي حرر القدس من براثن الصهاينة. أبناءه وحفدته أرضعهم منذ ذلك التاريخ (( وهؤلاء الرجال منهم )) قيم الشرف، وغذاهم حليب الإيمان بالعقيدة العسكرية الوطنية الشريفة والشجاعة، النجدة والنخوة، والمروءة والوطنية. وبسبب من هذه الصفات الكريمة التي تميز بها الجيش العراقي الوطني عمد المحتل الى حله وتفتيت صرحه العظيم.

 

إنكم بإهانتهم وسوقهم لسوح قضاء مطعون بأهليته ونزاهته وشرفه إنما تهينون ذلك القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، وهذا أمر يرفضه ويدينه العرب قبل الأكراد.

 

لن أتوسع في توصيف مواقف لتلك الصفات الكريمة والشريفة والأمينة للجيش العراقي – الذي كان هؤلاء الرجال جزءاً منه وقت الحدث، بل سأتطرق الى مأثرة واحدة من مآثره العديدة:

 

في مايو/ آيار 1994 اندلعت في المنطقة الشمالية من العراق ( الاقليم الان ) حربا أهلية ضروس بكل معنى الكلمة بين فصليين كرديين رئيسيين من الفصائل الكردية المسلحة، فصيل فخامتكم آنذاك و فصيل السيد مسعود برزاني ( رئيس الإقليم حاليا ) .كادت تلك الحرب الأهلية أن تعصف وتمزق المنطقة الكردية كلية، عندها انتخى السيد مسعود البرزاني بالجيش العراقي لمساعدته في صد و رد هجمات وقتال فصيل فخامتكم آنذاك المسنود و المدعوم عسكريا من قبل نظام ( الجارة ) إيران ( بحسب ما أورده السيد مسعود عندما طلب وانتخى بالجيش العراقي للمساعدة ) . دون تردد هب الجيش العراقي الوطني ( آنذاك ) والذي حل من قبل سلطات الاحتلال، وسارع لدعم واسناد إيقاف تلك الحرب الاهلية الدائرة بين فصائلكم المسلحة وفصائل السيد مسعود برزاني والفصائل الكردية الأخرى. وقد تمكن الجيش العراقي من إيقاف نريف الدم الذي كان يخضب ارض المنطقة الشمالية ( الكردية ) من العراق. ولولا تلك الهبة الوطنية الشجاعة بتلبية النداء وإنهاء تلك الحرب لكانت المنطقة الشمالية ( الإقليم الان ) قد تقطعت أوصالا جغرافية وبشرية وانتهت الى ان تصبح من ( المناطق المتنازع عليها ) بين المجاميع الكردية المسلحة , وليتمترس كلٌ خلف رباياه ويتخندق كل فصيل في خنادقه وخلف متاريسه في قتال فوضوي جماعي وليحترق الأخضر باليابس في المنطقة الشمالية من العراق منتهية في المحصلة النهائية الى صيرورة ( اللبننة ) مثلما انتهى اليه أمر الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 ولتلبننت تلك المنطقة برمتها ووصل الامر فيها الى ان كل فصيل مسلح وهو متمترس خلف متاريسه ومتخندق بخنادقه صار يطلب هدنة مؤقته – من الفصيل الأخر – ليتمكن أبناء قائد هذا الفصيل أو ذاك من الذهاب الى مدارسهم التي تقع عند الطرف المقابل من منطقة القتال أو عندما يسعى مريض لمراجعة مستشفى معين لا تقع في منطقته لغرض العلاج والتداوي . على سبيل المثال لا الحصر.

 

فخامة الرئيس:

لولا سرعة استجابة الجيش العراقي الوطنية للنداء لكان حصل ما حصل ن قتل وتدمير ولإحترق الأخضر باليابس، ولكان وقود هذه المحرقة أبناء شعبنا الكردي بغض النظر عن كونهم من هذا الطرف او ذاك، طرفا برزانيا أو طالبانيا او هيزات أخرى. وأخشى ما اخشاه -فخامة الرئيس – أن تكون نخوة الجيش العراقي الوطني لهذا الحدث واستجابته لهذا النداء كانت أحد الدوافع الخفية لوجود هؤلاء الرجال الابطال امام منصة القضاء.

 

تأكد – فخامة الرئيس – أن الجيش العراقي آنذاك قد أنتخى لقضية عراقية ( كردية ) وبتجرد. وأنتم فخامتكم لو كنتم قد استبقتم السيد مسعود البرزاني في نخوة الجيش العراقي وطلبتم مساعدته لبادر وبذات السرعة في تلبية النداء انتخاءً لدعمكم وإسنادكم، فهو في الأساس قد انطلق من عقيدة وهدف إنهاء حرب أهلية ضارية تدور بين الفصائل الكردية العراقية المتقاتلة ولم ينطلق من هدف أو غاية تغليب أو نصرة فصيل ضد آخر أبدا. لقد انتخى لقضية عراقية ( كردية ) أيا كان الفصيل الذي طلب نجدته أو مساعدته. وقد نجح في ذلك والحمد لله.

 

فخامة الرئيس:

آمل ألا يتبادر الى ذهن فخامتكم – عندما تكون المنطقة الشمالية – قد تشطرت وتفتتت وانتهت الى اللبننة – آمل ان لا يتبادر الى ذهن فخامتكم من أن الاحتلال كان سيبادر – بعد احتلال العراق – الى إعادة لم الشمل! وإعادة وحدة المنطقة الشمالية الكردية من العراق، ابدا فخامة الرئيس – لم يكن ليفكر بذلك ولن يفكر بذلك اطلاقا، فحالة التجزئة والتشطير والتفتيت تتماهى وتلتقي نظريا وعمليا بكل مسبباتها ونتائجها مع استراتيجيته في تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ. ولأبقى المنطقة مجزأة ومقطعة الاوصال يؤلب هذا الجزء منها على ذاك وذاك على هذا تطمينا لمصالحه وأهدافه الاستراتيجية في إقامة شرق اوسطي جديد. مثلما يمارس الان دور تأليب الإقليم على المركز تارة والمركز على الإقليم تارة أخرى لإبقاء حالة عدم الاتفاق والتوافق بين الأطراف العراقية خدمة لتثبيت وتطمين مصالحة في المدى الاستراتيجي. (( وقديما قالوا فرق تسد )) .

 

أنظر – فخامة الرئيس-الى العراق الان، بلد مقسم ومجزأ نظريا وعمليا ( بحجة الأمن والديمقراطية ) . أليست بغداد – وهي عاصمة العراق – مشطرة ومجزأة جغرافيا ومناطقيا وبدت الان – ويبدو أنها ستبقى – مشطرة الى كانتونات بشرية تحكمت وتتحكم بشؤونها سلطة مليشيات تحجز وتقطع كل منطقة عن الأخرى بدعامات فصل وتجزئة مناطقية وعائلية وحتى للأفراد في مناطق بغداد العراقية. هذا ما خلفه المحتل ودأبت السلطة الحالية الاستمرار فيه.

 

لقد أنهى الجيش العراقي الوطني قتال الحرب الاهلية ساد السلام في المنطقة. وهذه مأثرة واحدة من مآثر هذا الجيش الوطني ( وهي كثيرة ) ، فهل على مثل هذه الوطنية والنخوة يُحاكم هؤلاء الرجال وتصدر بحقهم ( بما ليس فيه حق ) أحكام قضاء معوق الفكر القانوني والقضائي، مدان وطنيا ودوليا!

 

هؤلاء الرجال -فخامة الرئيس – وقفوا أمام منصة مثل هذا القضاء واعترفوا بكافة (( الجرائم والتهم والذنوب )) التي وُجهت إليهم. اعترفوا (( والاعتراف سيد الأدلة )) علنا ووجاهة امام محاكم تفتيش الاحتلال بكافة (( التهم الموجهة إليهم ))

 

نعم – فخامة الرئيس-اعترفوا (( بجريمة )) مقارعتهم الاحتلال والغزو، اعترفوا (( بتهمة عراقيتهم )) واعترفوا بفداحة ذنب (( تمسكهم بوطنيتهم )) ، اعترفوا بهول تهمة (( نخوتهم )) والتمسك بشرفهم العسكري وأمانتهم لوطنهم العراق. وإزاء كل تلك الاعترافات العلنية أصدرت محاكم سلطة الاحتلال أحكامها عليهم. تلك الاحكام التي ما ان صدرت ووقعت رئاسة الجمهورية عليها حتى ضجت المؤسسات العدلية والقضائية والقانونية ( الدولية والوطنية ) ( وبحق ) بالإدانة والطعن والتسفيه.

 

فخامة الرئيس:

لقد بدأ القضاء العراقي الحالي بأن وُلِدَ من رحم الاحتلال مدانا مطعونا بنزاهته وأحكامه، وانتهى الى ان ترفض منظمة الانتربول الدولية (( International Police )) الاخذ بقراراته واحكامه المناطة بها لمتابعتها وانجازها دوليا مسببه ذلك بـ ( فقدان الثقة كاملة بالقضاء العراقي الحالي ) ، لأن أغلب الاحكام ( اذ لم تكن كل الاحكام ) الصادرة عنه في قضايا اتهام لديه لا تستند الى أدله وشواهد وثوابت عدلية تحقيقية نزيهة وأمينة. بل أن جل ( اعترافات ) المتهمين والمدانين قد انتُزِعت منهم بالإكراه ومن خلال التعذيب والقوة القسرية والتزوير، وبالتالي تكون كافة الاحكم التعسفية الصادرة بحق ( المتهمين ) باطلة ومدانة ( والحديث لمنظمة الانتربول ) . فضلا عن أن الجميع وعلى راسهم صاحب الاحتلال قد اعترف علنا ان غزو العراق واحتلاله كان خطأً فادحا لم يتم تداركه. وبذات المفهوم والسياق تحدث السيد كوفي عنان ــ أمين عام الأمم المتحدة ــ وأخرين ــ أخرهم ( وليس اخيرهم ) الحاكم المدني بول بريمر. كل هذه الاعترافات تعزز تفعيل القاعدة القانونية الفقهية، التي تأخذ بها وتطبقها كافة المؤسسات القانونية والقضائية الدولية والمحلية الرصينة والنزيهة وعلى رأسها محكمة العدل الدولية ــ قاعدة (( كل ما بُني على خطأ فهو خطأ )) ، واستنادا الى هذا النص القانوني الذي لا اجتهاد فيه تكون محاكمة هؤلاء الرجال خطأ في الأساس، خطأ يجب تداركه، فضلا عن عدم وجود تهمٍ (( عدا وطنيتهم )) ليحاكموا من أجلها أمام محاكم جاءت بخطأ وبُنيت على خطأ.

 

فخامة الرئيس:

حلبجة، المدينة العراقية ( الكردية ) الوادعة التي تحتضنها وتحميها جبال شمالنا الحبيب، وسكانها الاكراد الطيبين بشيبهم وشبابهم، ونسائهم وأطفالهم، تعرضت هذه المدينة – مثلما تعرض العديد من المدن العراقية-الى غزو بربري واحتلال همجي من قوات ( الجارة ) الشرقية إيران خلال الحرب العراقية – الإيرانية. خرقت القوات الغازية الحدود العراقية وهي عمياء البصر والبصيرة. عمياء البصر لأنها دخلت في متاهة جبلية وعره لا تعرف فيها طريقا يوصلها الى هدفها المرصود وهو احتلال مدينة حلبجة ودون إحداثيات عسكرية لوجستية يعرفون من خلالها أين هم والى أين هم متجهون. وعمياء البصيرة لأنها كانت على اعتقاد خاطئ من أن الطريق ستكون سالكة أمامها لتتوغل داخل العراق شمالا، عمياء البصيرة لخضوعها لوهم وإيهام أن الجيش العراقي الوطني لن يكون لها بالمرصاد ويردها على أعقابها، فصار لزاما عليها أن تعتمد على إحداثيات ( حادٍ ودليل ) ليُجلي أمامها الرؤية بصرا وبصيرة. وكان لها ما أرادت – فقد مدت يد الارشاد والتوجيه ممن أسمتهم صحيفة الواشنطن بوست الامريكية في وقتها ( بالأدلاء أو المرشدين ) ( Path Finders ) فصيل كردي معروف ( مع الأسف ) مهد لهم الطريق سالكةً ( رغم وعورة وخطورة التكوينات الجبلية التي تشكل متاهة لا يمكن لاحد أن يخرج منها إطلاقا. اوصلهم هذا الفصيل الى مدينة حلبجة لاحتلالها وليجعلوا من مواطنيها دروعا بشرية يواجهون بها الجيش العراقي الذي سارع – بعد قتال عنيف – الى ردهم على أعقابهم واخراجهم من المدينة ولتكون الضحية الأولى والأخيرة في هذه المعركة المواطنين الأكراد المدنيين الطيبين.

 

وبغض النظر – فخامة الرئيس – عن السلاح الذي تم استخدامه خلال تلك المعركة – رغم ان دوائر الاستخبارات الأمريكية تؤكد ( كما هو موثق في ملفاتها السرية والعلنية ومكتبة الكونغرس الامريكية ) أن من استخدم السلاح الكيمياوي في تلك المعركة هم (( الإيرانيون )) وبالتحديد ( غاز السارين ) في وقت لم يكن العراق قد صنّع هذا الغاز بل امتلك غاز الخردل، وهذا ثابت أيضا.

 

كما إنه وفي آذار 1988 خرج المتحدث باسم البيت الأبيض ( Lary Speakes ) زمن الرئيس رونالد ريغن – ليعلن في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أن الايرانيين استخدموا السلاح الكيمياوي خلال معركة مدينة حلبجة. عموما – فخامة الرئيس – وكما ذكرت آنفا – بغض النظر عن نوعية السلاح المستخدم في تلك المعركة من كلا الطرفين فهناك سؤال واستفهام منطقي، هل كان على الجيش العراقي الوطني ــ وهو يرى عدوا غازيا يخرق الحدود ليحتل إحدى مدن العراق – ضمن مجريات حرب ضروس كانت ستنتهي بالعراق أن يكون أو لا يكون – هل كان عليه ان يستقبل العدو الغازي فاتحا ذراعيه بالأحضان والقبل؟؟؟ أم كان واجبا وطنيا إنسانيا عقائديا أن يرد العدو على أعقابه، الجواب بديهي – دون شك أن يصد العدوان ويرده على أعقابه وهذا ما حصل.

 

فخامة الرئيس:

ولتبعات ونتائج المعركة التي طرد بعدها الجيش العراقي الوطني ودحر العدو في مدينة حلبجة هناك عدة أسئلة جوهرية تثور وتطرح نفسها وبإلحاح ليتعرف الشعب العراقي – وعلى وجه الخصوص شعبنا الكردي في الشمال أسباب وبواعث تلك المعركة وأسباب نتائجها أيضا.

 

1 – هل أن من مهد الطريق سالكة ( لوجستيا ) لقوات العدو في متاهات المنطقة الجبلية الوعرة لم يكن يعرف أن قوات الجيش العراقي الوطني ستكون بالمرصاد والانتظار لوصول قوات العدو الغازي؟ الجواب بديهي أيضا. كان ( الأدلاء ) يعرفون وبجلاء وقناعة هذه الحقيقة وان القوات العراقية ستكون بالمرصاد، فالعراق كان يخوض حربا ضروسا على طول الحدود الشرقية من زاخو حتى الفاو. وتواجد القوات العراقية مهما كان شكلها ونوعها أمر لا يختلف فيه شخصان.

 

2 – مع ثبوت هذه البديهية، لماذا لم يبادر قادة ( الادلاء ) و الممهدين لقوات العدو بالتوغل لوجستيا داخل العراق وحصرا داخل مدينة حلبجة – لمَ لم يبادروا الى تنبيه سكان هذه المدينة أبناء جلدتهم من المدنيين المسالمين ــ قبل دخولها من قبل قوات العدو – بالجلاء عنها أو الاختباء أو في أقل تقدير أخذ الحيطة والحذر مما كان سيحصل عند وصول قوات العدو، وهو يدركون تماما أن هذه الحرب تدور رحالها في زمن القرن العشرين وليست من زمن الحروب الغابرة ( عندما كان السيف والرمح سيدا المواقف ) ، حرب يمكن أن تستخدم فيها اشد الأسلحة فتكا وتطورا من سلاح تقليدي أو حتى الغازات السامة مثلما استخدمت أمريكا في حربها ضد فيتنام ولمدة ( 13 ) سنة، وكان نصف سلاحها التي استخدمته في تلك الحرب و طوال تلك المدة مختلف الأسلحة الكيمياوية و الغازات السامة وأسلحة الدمار الشامل. ( المصادر دوائر الاستخبارات العسكرية ومنظمات حقوق الانسان الدولية والعسكريين الأمريكان الذين هربوا من تلك الحرب ولجأ اغلبهم الى السويد ) هم ( الادلاء ) يدركون ويَعُون – دون شك – كل هذه الحقائق وعليه لماذا لم ينبهوا أو يطلبوا ( أو يأمروا ) أبناء جلدتهم بالجلاء عن المدينة أو الاختباء أو اخذ الحيطة والحذر – في الأقل – من معركة ستدور رحالها في هذه المدينة وهم يدركون تماما أيضا أن العدو الغازي سيجعل من سكان هذه المدينة المسالمة – أو أي مدينة أخرى قد يحتلها – دروعا بشرية لصد قوات الجيش العراقي العازمة على رد العدو على أعقابه وطرده من الأراضي العراقية. لمَ لم يقم هؤلاء ( الادلاء الوطنيون ) بحماية إخوانهم من المواطنين المدنيين المسالمين من خلال التنبيه أو التحذير أو أي إجراء اخر؟؟

 

فخامة الرئيس:

ومهما تكن الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها – وفي ضوء تلك الحقائق والشواهد – فهي دون شك ستولد أسئلة منطقية وموضوعية أخرى وبحق – أولها من الذي يجب أن يحاكم أو يقف امام منصات القضاء؟ ابطال رجال الجيش العراقي الوطني الذي رد العدوان وطرد العدو من المدينة؟  أم من مهدوا لوجستيا الطريق سالكة لقوات العدو لتحتل المدينة وتجعل من سكانها المدنيين المسالمين دروعا بشرية تصد قوات الجيش العراقي؟

 

فخامة الرئيس:

تُصَنَف ديون التاريخ والشعوب على حكامها – طبقا للشرائع السماوية ولمعايير القوانين الوضعية – بأنها (( ديون ممتازة )) لا تسقط بالتقادم حسابيا أم عقابيا. كما أنها سواء كانت مادية أم اعتبارية فهي توَرَث قانونيا او عرفاً اجتماعيا من الآباء الى الأبناء والاحفاد. ولو استقرأت التاريخ البشري منذ نشأته لوجدت أن هذه الحقيقة المقولة طُبقَت وتُطبق منذ التاريخ وستستمر. فهناك عديد وعديد من الحكام لعنهم التاريخ والشعوب وما زالوا يلعنونهم ويستمروا لأنهم ( الحكام ) لم يفوا بالتزاماتهم او يسددوا ديونهم للتاريخ والشعوب. الى جانب هؤلاء هناك عديد وعديد من الحكام رحمهم التاريخ والشعوب، فالتاريخ – فخامة الرئيس – يرحم من يرحم ويبطش بمن لا يرحم ويرجمه بلعنته الأبدية هم وورثتهم من الأبناء والأحفاد. والأمثلة لا حصر لها في كلا الحالتين. لو بدأت في تعدادها لما انتهيت منها أبدا. مثل واحد فقط لئلا اطيل على فخامتكم – حكام من سموا بحكام العهد الملكي، ما أن تٌذكر جريمة إعدام الضباط الأربعة ( لوطنيتهم ) ( أو حتى عندما لا تذكر ) حتى ينهال التاريخ والشعب عليهم ( الحكام ) باللعنة والرجم اجتماعيا ودينيا وتربويا. ولعلكم تتذكرون – فخامة الرئيس – كما يتذكر الجميع أن المرحوم الملا مصطفى البارزاني ( رحمة الله عليه ) – قائد الحركة الكردية المسلحة في شمال العراق إبان الستينات والسبعينات – عندما توفاه الله ووري جثمانه التراب في شمال العراق عمد نفر من الأشخاص المجهولين ومن الاكراد تحديدا وليس العرب بنبش قبره والتمثيل بجثته ( وهم يعلمون جيدا أن التمثيل والضرب بالميت حرام ) شرعا.

 

حصل ذلك – لأسباب لا نعرفها لحد الان – ولكنه حصل كردِ فعل إزاء ( زعيم ) أو مسؤول ــ ولا يمكن القول إن ذلك حصل من باب العبث المحض دون أسباب قاهرة ( قد ) تبرر هذه الفعلة.

 

فخامة الرئيس:

ظلم أن نورث أبنائنا وأحفادنا ديونا ليست لهم فيها ناقة ولا جمل، ظلم ان نحملهم أوزارا وأعباءً ندين نحن بها للتاريخ ونفرض على الورثة من الأولاد والأحفاد أدائها وتسديدها وهم في حال – لفداحتها وثقلها – لن يكونوا قادرين على ردها وتسديدها. وسيبقى التاريخ يطارد بلعنته أولئك الورثة بعد أن حملهم آبائهم أوزارَ تلك الديون غير المستوفاة. ومن الأمور الجوهرية والمهمة جدا ما يسأل رب العالمين ( سبحانه وتعالى ) عبده يوم الحساب هو (( الدَين )) . هل عليك دَين مادي أم اعتباري يا عبدي؟ وتكون الإجابة سلبا أو إيجابا هي المورد للعبد الى جنة الله أو جحيمه. وقد لا يسأل الله عز وجل عبده عن كثير من الذنوب ويتوب عليه، عدا الدين فلا عفوا ولا مغفرة عن ذلك إطلاقا، ولا يُعذر أو يُستثنى من ذلك حتى الأنبياء رغم عصمتهم. فقط هم الشهداء من يغفر لهم الرحمن عدم تسدين ديونهم.

 

فخامة الرئيس:

لقد أصبح العراق – بعد الاحتلال – مكبا لنفايات الصراعات السياسية داخليا وإقليميا ودوليا. داخليا – وفخامتكم في خضم تلك الصراعات – تدور رحى صراعات سياسية وأمنية، خفية وعلنية بين أقطاب أو فرقاء ومليشيات العملية السياسية. كل ( يجاهد ) ( ويجالد ) في سبيل تدمير وتسقيط وتهميش وتهجير الطرف المقابل كخصم وعدو سياسي وطائفي، ويُدفَع ثمن هذه الصراعات والجهاد بالدم العراقي على أرض العراق.

 

إقليميا تحسم وتنهي الأطراف الإقليمية المتصارعة صراعاتها ( إن انتهت أو حُسِمت ) على حلبة أرض العراق والثمن الدم العراقي. الولايات المتحدة تقاتل سياسيا وعسكريا لحسم خلافاتها وصراعاتها مع إيران ــ وهي صراعات لم تنتهي ولن تنتهي – على أديم الأرض والدم العراقيين. تركيا تتقاطع مصالحها مع إيران أو سوريا تسعى وتجهَد لعلاج هذا التقاطع على الأرض العراقية والثمن الدم العراقي. قطر تدخل في صراع مع سوريا، شطرٌ من الحل على أديم الارض العراقية والدم العراقي ثمن مدفوع. الكويت إبان ازمة ميناء مبارك تهدد على لسان أحد مسؤوليها انها تتمكن من اجتياح العراق!! السعودية بعد صواريخ ( البطاط ) تقول إنها قد تحرك قطعات درع الجزيرة باتجاه الحدود العراقية. الولايات المتحدة تتقاطع مصالحها ( غير المشروعة ) مع روسيا حول الازمة السورية، فض الاشتباكات ( سياسيا أو عسكريا ) على الأرض العراقية والدم العراقي. داعش والنصرة وغيرها حزب الله اللبناني كلها تنقل صراعاتها وتفجيرات لبنان ( الضاحية الجنوبية ) وغيرها ( للوصول الى حل او استمرار الصراع ) يتم على الأرض العراقية والدم العراقي. الإقليم تتقاطع مصالحه ( حقا أو باطلا ) مع المركز يهدد بقطع مياه دجلة عن شاربيها من الشمال الى الجنوب فضلا عن التهديد العلني بعسكرة الخلاف واللجوء الى السلاح عندما صرح السيد البارزاني ان (( الإقليم اقوى اقتصاديا وعسكريا من المركز )) . ولو بقيتُ أورد الحقائق والأمثلة والشواهد على صحة مقولة ان العراق أصبح مكبا لنفايات الصراعات السياسية داخليا وإقليميا ودوليا، لمن انتهيت بعد وقت طويل جدا.

 

وقد تفرض الضرورة نفسها – فخامة الرئيس-بذكر وإدراج ما حالَ اليه حالُ العراق الان و ردود فعل المنظمات الدولية ذات الاختصاص إزاء ذلك كمنظمة الشفافية الدولية، حقوق الانسان، النزاهة، و غيرها من المنظمات التي فرضَ عليها العراق أن يكون أول دولة في قائمة الدول الهادرة لحقوق الانسان، و أكثرها إيغالا في تنفيذ عمليات الإعدام جراء احكام قضائية جائرة و مدانة ومزورة، و أولها في ما يتعلق بالفساد الإداري و المالي و العدلي و نهب المال العام، و أولها في نسبة الدم المسفوك ( هدرا ) و الذي اصبح يغسل الشوارع والازقة بدلا عن ماء امانة العاصمة، فيما لا يزال 25 – 30  % من الشعب يرزح تحت خط الفقر دون الحاجة الى إضافة او ذكر نسبة من هم على خط الفقر أصلا . وهذه الحال المأساوية الشاملة ليست بجديدة على العراق أو وليدة اليوم، فهذا حاله منذ الغزو والاحتلال، فهو ومنذ ذلك الحين أصبح يتخبط في (( التيه )) كأصحاب موسى عندما تاهوا أربعين سنة في أرض سيناء مع فارق واحد أن هؤلاء تاهوا في سيناء جغرافيا ومناطقيا، والعراق في تيهٍ مضطرب متعدد الاشكال والاطياف، تيه سياسي، تيه أمنى، تيه اقتصادي، تيه عسكري، تيه اجتماعي، تيه ديني، تيه ثقافي، تيه صحي، فقد من خلالها بَوصلة التوجيه الى نهايةٍ محددةٍ مهما كانت في أي من هذه المتاهات. ويبدو أنه ( العراق ) وهو يَدبُ على هذا السياق سينتظر إكمال أربعين سنة ( كأصحاب موسى ) كي يرى نورا في اخر النفق!

 

فخامة الرئيس:

كل ما جاء آنفا من حقائق وادلة وشواهد وثوابت موثق إعلامياً وقانونيا وقضائيا وعدليا وأخيرا وبشكل تام في مكتبة الكونغرس الأمريكي. وهذه الرسالة المفتوحة – لفخامتكم – ليست مني أنا ( فخامة الرئيس ) إنها رسالة (( من التاريخ )) إليكم – أقوم أنا بدور ( المُدَوِن ) فقط. جاءت هذه الرسالة المفتوحة لفخامتكم على شكل مدونة لائحة قانونية تمييزية يترافع بها التاريخ أمامكم ليدحض ويسفهَ أحكاما جائرة مدانة مطعون بقانونيتها وبنزاهتها، حُكِمَ بموجبها عسفا وسفها على مجموعة من رجال الجيش العراقي الوطني الابطال. وهذه الحقائق والثوابت – كلا أو جزءا – بقوتها ورصانة أدلتها وشواهدها تُسفِه كل ما جاء في مجريات محاكمة هؤلاء الرجال سواء في الحيثيات أو الاحكام النهائية لمحاكمتهم.

 

قلها ــ فخامة الرئيس ــ ولا تتردد، قلها وصية مكتوبة ( بعد عمر طويل ) أو شفاها ووجاهة الان أن هؤلاء الرجال يستحقون، ومن حق الله وحق التاريخ لهم أن يكونوا مع عوائلهم – في أقل تقدير – ولا يستحقون أحكاما مدانة ومزورة غيبتهم في زنازين الاعتقال وغياهب السجون.

 

دعنا – فخامة الرئيس – نغادر هذه الدنيا ( بعد عمر طويل ) بفخامةٍ لا بملامةٍ، دعنا نلقى وجه ربنا بنفس راضية مطمئنة وضمير مستريح لا يشعر بالذنب وندخل في عباده وندخل في جنته. دعنا نلقى وجه ربنا ونحن نُوصَفُ ونُكنّى باسم من أسماء الله الحسنى – الرحيم، العادل، الكريم، الأمين، .... الخ. لا باسم من أسماء الشيطان الرجيم، الملعون، الظالم. دعنا نورث أولادنا وأحفادنا تلك الصفات والكِنى بدلا عن هذه الرجيمة الملعونة. دعنا نوَرثَهم رحمة التاريخ لا لعنته.

 

فخامة الرئيس:

كلمة أمينة صادقة – مثلها مثل كل ما جاء في ديباجة ومضمون هذه الرسالة. أنا -مدون سطور هذه الرسالة – لا أعرف أحدا من هؤلاء الرجال وليست لي أي صلة من بعيد أو قريب بأي منهم اطلاقا. ولم يحدث أن صادف أن تحدثتُ الى أحد منهم أو التقيت بأحد منهم صدفة أو قصدا. عرفتهم فقط من خلال محاكمتهم ( الممنتجة والمجتزئة ) تلفزيونيا أمام محاكم تفتيش الاحتلال. كما أنني لست حزبيا، ولم انتمى الى أي حزب من الأحزاب التقليدية المعروفة أو المغمورة ( أحزاب الصدفة حديثة الولادة، على الساحة العراقية قبل الاحتلال أو بعده والتي أصبحت ( بعد التشطير والانشقاق والنفاق ومساوئ الاخلاق ) وبحجة الديمقراطية ( ديمقراطية الكواتم وتكميم الأفواه ) التي أوجَزَ وصفها وشكلها الشاعر العراقي المرحوم بدر شاكر السياب وببيتين من الشعر:

 

ما زال يملأ مسمع الأحقابِ  هذا الهدير من الدم المنسابِ

إن هَمّ بالإفصاح قالوا مجرمٌ خَطِر العقيدة ( أبيضَ ) الجلبابِ

 

فضلا عن أن المنظمات المعنية بحقوق الانسان والمؤسسات الدستورية والمواثيق الدولية الراعية لمبادئ حرية الرأي واحترام حقوق الانسان في التعبير قد أعلنت مراراً وتكراراً أن عدد الصحفيين والإعلاميين وضحايا الضمير من المفكرين في العراق الذين راحوا ضحية المحتل وأعوانه وقربنا لـ ( ديمقراطية الكواتم وتكميم الافواه ) قد تعدى ال ( 300 ) شخصا في العراق منذ الاحتلال حتى الان وهي أعلى نسبة في تاريخ العالم لبلد واحد وخلال فترة محددة يتم فيها اغتيال وتصفية مثل هذا العدد الخرافي من الصحفيين والإعلاميين.أنا أنتمي الى حزب واحد اسمه ( العراق ) بعيدا عن تلك الأحزاب التي أشرت اليها آنفاً والتي أخذت دوائر السياسة الدولية والإقليمية والمنظمات الدولية تسخر من عددها وممارساتها.

 

فخامة الرئيس:

وجدتُها – لا بل فرضت نفسها عليَّ ضميرياً كقضية حقٍ أو كلمة حقٍ يجب ان تُقال ( بحق ) هؤلاء الرجال ـــ كلمة حقٍ لهم وعليهم ولكم وعليكم.

 

فخامة الرئيس:

لقد وصفتم النظام السابق بأوصافٍ عدةٍ، القليل – لابل في الكثير منها – جاءت مجانبةً للحق والحقيقة. وبالرغم من ذلك قبلنا وكنا نأمل أن تأتوا لنا بحاكم أمين، وقاض نزيه، وسياسي وطني، لا بل حتى بـ (( إمام عادل )) لينسخ كل تلك الاوصاف التي ذكرتموها و (( ليملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً!! )) بحسب توصيفكم. لم يتحقق أي من هذه الآمال وحقوق الله والشعب الواجبة التحقيق من قبل الحاكم. فلا حاكم أمين، ولا قاضٍ نزيه، ولا سياسي وطني، وبدلا عن (( إمام عادل )) جئتم لنا بـ (( عادل إمام )) .

 

فخامة الرئيس:

لقد حالَ حالُ العراق الى أن يصبح مثل ذلك الطبيب الجراح الذي دخل صالة العلميات لإجراء عملية معقدة. بعد إجرائها خرج وهو يجفف حبات العرق المتجمعة على جبهته وهو يردد مهللا (( الحمد والشكر لله.... الحمد والشكر لله ... لقد نجحت العملية .... لكن المريض مات! )) .

 

نعم فخامة الرئيس هكذا أصبح حال العراق اليوم فقد نجح الاحتلال في احتلال العراق وتبديل النظام فيه بصعوبة ....... ولكن العراق مات.

 

فخامة الرئيس:

معذرة، واعترف (( والاعتراف سيد الأدلة )) أن هذه الرسالة طويلة، وربما طويلة جدا. غير أنه التاريخ ــ فخامة الرئيس ــ عندما يترافع تمييزا لقضيةِ حقٍ فهو يستجلب ويستحضر كافة الحقائق والمعطيات الثابتة والأدلة القاطعة من خزين وجدانه وضميره الصادق الأمين دون (( منتجة )) أو اختزال أو تزييف للوقائع – وبعد أن أنطقه الحق وأخرس عُتاتَهُ – لنقف جميعا أمام جبروت صدقه وأمانة نواياه صمٌ، بكمٌ، عميٌ، وليس لنا إلا أن ننحني احتراما وتقديرا واكراما وإجلالا منصاعين لحكمه وقراره.

 

فخامة الرئيس:

اعتادت العوائل العراقية عموما من الشمال الى الجنوب أن تؤدي طقسا متعارف عليه، لا بل ربما أصبح عرفا اجتماعيا نادرا ما تتأخر عائلة عن أدائه عندما تحين المناسبة. عادة وطقس اجتماعي أطلق عليه تسمية (( تجران دم )) . تتمثل هذه التسمية تطبيقا بذبح خروف أو شاة كأضحية لوجه الله تعالى عندما يَبُلُ أحد أفراد الاسرة من مرض عضال أو يخرج من محنة أو ضائقة مالية أو اجتماعية او أن ينجيه الله عز وجل من حادث كان ممكن أن يؤدي به الى فقدان الحياة وغيرها من الأمور والاحداث المهمة التي تستدعي القيام بهذا الطقس أو العادة فرحا وسرورا.

 

منذ فترة قصيرة صرّح الطبيب الخاص بفخامتكم انكم قد تماثلتم للشفاء بشكل كامل تقريبا، وبقي أمر عودتكم للعراق موضع نقاش لتحديد تاريخ لذلك ( وسنأخذ هذا التصريح على محمل الصحة ) . هذا خبر ( وبأمانة ) مفرح نحمد الله عليه، ولمناسبة ابلال فخامتكم من مرضه وتماشيا مع الطقس والعرف السائد لمثل هذه المناسبات السعيدة وهي عادة وطقس (( تجران الدم )) فهل سيكون تحقيق هذا العرف والعادة الاجتماعية بـ ( إطلاق سراح هؤلاء الرجال الابطال من قادة الجيش العراقي الوطني ) تحقيقا للعدالة وتيمنا بهذه المناسبة السعيدة، أم أن العزم معقود على أن يمكثوا رهن زنازين الاعتقال وغياهب السجون...... إذا لم تترنح رؤوسهم بعُرى الحبال انصياعا وتلبية لرغبة حاقدة ومحمومة لجهة معروفة، ولينطبق عليهم قول الكاتب الايرلندي صامويل بكت (( من ظلمات رحم زنازين الاعتقال وغياهب السجون الى رحم ظلمات القبور )) .

 

في الختام سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات

 

 مواطن عراقي







الاحد ٢٠ جمادي الثانية ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / نيســان / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مواطن عراقي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة