شبكة ذي قار
عـاجـل










إنه هو أول من احتضن صرختنا الأولى .. عاش مخاض ولادتنا جميعا.


تعلقت به عيوننا التي لم تتعود الرؤية بعد ، منحنا عطره .و فاض علينا بلونه فكنا نشبهه باللون والعطر والرائحة ...
بين يديه ترعرعنا وأترعنا من منهله ، كان يقول لنا كل شيء دون أن ينبس ببنت شفة . لا يخفي عنا ما في دواخله ، ولا يكتم عنا سرا ، روى لنا كل شيء مذ حمل الإسم الذي يحمله الآن حتى ساعة خلقنا ،كان صريحا حد الحب ، وموجعا حد الفجيعة .


منحنا ما يعجز الكل عن منحه ، كان هو مصدر الكرامة ، به ازدهت وارتقت نحو العلى فكان هو والكرامة صنوان متحدان لا يفترقان مهما جار الزمان او تجمعت حوله وحوشه ومستكلبيه .


ظـللنا بأشرف الشجر وسقانا عذبا فراتا ينهل منه الشاربون .


تمسك بالشمس و لوى أعنتها كي لا يخبو عنا دفؤها ولا ينحسر ضوؤها ، اختار الشرق كي يكون قريبا من مطلع الضوء والحياة ، زرع فينا أنبل القيم وقويم الخلق وقال : لا تفارقوا الشمس أنى ارتحلتم ، كونوا صنوها رفعة وعلو هام واجعلوها تدور في فلككم لا في فلك غيركم فانتم أحق بها .


وقال ... وقال ... وقال .. وكنا له من السامعين .


لم يُخلق مثلـُه لا في اللون ولا الهيئة ولا الشكل ولا الحجم ...و لا المهابة .
كان وما زال مهيبا سامقا ، أعلى قمم الجبال تتمنى أن تطال سفح قدميه .


كان وما زال جميلاً بهياً، كل أساطير الجمال والبهاء لا تستطيع أن تصف بعض بعضه فكيف إذن هو بكليته ؟
وكان وما زال ... وكان وما زال ... و...... .


أعجز عن أن أصف ذرة منه حتى لو أوتيت من القدرة ما لم يؤتها شاعر وفنان وساحر ، هو فوق الوصف والمعنى ، ذلك لانه هو ولا شيء سواه .


إنه العراق ............................ ، ولا شيء سواه.


من تربته اكتسبنا لون بشراتنا ، ومن شمسه التي لوحتنا بضيائها اكتسبنا بعض البريق ، ومن بعضه اكتسبنا صفاتنا، علمنا العشق والمحبة مثلما احتضن بحبه دجلة والفرات، أديم أرضه احتضنت طفولتنا وكانت لنا ملعبا حتى كنا لا نرى أحداً غيره.


وأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا


وماؤه الذي لا تشبهه مياه الأرض زلالاً ، عذبا ، فراتاً ، كأنه ماء الجنة انساب منها ليسقي نخل البصرة وليمون ديالى وعنبر الشامية ونرجس الموصل ... هل شممتم عطر النرجس ؟


كان قبل أن تتكون ذاكرة البشر ،ومنه تعلم الإنسان كيف يفكر ،وفيه انطلقت عبقريات الرياضيات والفلك وعلم المحبة ،وإليه حج طلاب العلم والمعرفة لينهلوا من فيض المعرفة وليغترفوا منها كما يغترفوا ماء البحر


لم يرض أن تكون حضارته من صخر صلد جلمود ، بل اختار الطين والتراب ،فكان كلما أزال السيل أو الهمجية إحدى حضاراته انطلق مجددا معيدا بناء حضارة أرقى وأروع وأشمل ، احسبوا معي كم حضارة تشرفت أن تنهض من أرضه ؟ وكم من اسم خلده التاريخ انطلق من بين ركام منجزه الخالد ؟


أشاع الدهشة بين رحالة الأزمان السالفة لتنوع ناسه وأرضه وشجره وسماه ، كانوا يقفون مندهشين ومشدوهين إزاء ما ترى أعينهم من جمال وبهاء وروعة ومحبة .


حتى قال أحدهم إن مدنه أمات الدنيا ودرة المدن وتاج الحضارة


شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلا


نعم عمتنا النخلة ليست ككل الأشجار، بل هي أقرب إلى البشر منها إلى النبات ، إنها تتكاثر كما البشر إلا بعد حب بين إثنين ، أيا أيها الشجر الذي يثمر بعد محبة كم أنت رائع وعظيم أيها المانح ظله للمتعبين.


ناسه يحملون طيبة جُبلوا عليها منذ أن رأت أعينهم ضجيج الدنيا ، ويحملون بذرة الخير بين أضالعهم ،ويشع الحب من بين جنوبهم وظهورهم وعلى شمائلهم حاملين الأماني للجميع ، محبةًً وسلاماً وحضارة، يحنون إليه ويحنو عليهم، يلفهم بين أضالعه كأنه أُمُ رؤوم .


هو في الشرق ، تجسد الشرق كله فيه، ومنه أشرق نحو الآخرين ، فكان والشرق توأمان لا تجد لأحدهما من الآخر فكاكاً يـُعـرّف كل منهما بالآخر .


فهل بعد هذا تسال عن العراق ؟ عراق الكرامة
وكلنا في العراق محبة وكرامة.

 


من كلمة لرئيس تحرير موقع عراق الكرامة

 





الاثنين ١١ شعبــان ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / حـزيران / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب رئيس تحرير موقع عراق الكرامة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة