شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد ستة أشهر على الانهيارات السياسية والعسكرية التي أصابت البنية السياسية – الأمنية التي أفرزها الاحتلال الأميركي، ما يزال المشهد السياسي – العسكري على حاله رغم التبديلات التي طالت التركيب السلطوي. ولم تغير صورة هذه المشهدية إقدام العبادي على إجراء حركة مناقلات وتغييرات في المواقع العسكرية، ولا إعلان أميركا عن زيادة عدد مستشاريها العسكريين إلى ثلاثة الاف. فالعمليات العسكرية تغطي مساحة العراق وخاصة مناطقه الساخنة، والعملية السياسية التي قيل أنها شكلت نقلة نوعية في مقاربة الصراع المتفجر ما تزال تدور حول نفسها وهذا يعود إلى سببين :


أولها، أن أطراف العملية السياسية الذين تسلموا مقاليد السلطة بعد انهيار سلطة المالكي، تبدلت أسماءهم ولم يتبدل الأساس الذي بنيت عليه العملية السياسية التي افرزها الاحتلال الأميركي، وبالتالي بقي المعطى الداخلي للأزمة البنيوية قائماً مع التركيب السلطوي الجديد.


ثانيها :ان قوى الاحتلال والهيمنة وركائزهما المحلية لا تريد أن تعترف بوجود قوى وطنية ذات تأثير جدي ومشروعية شعبية وسياسية،استطاعت ان تجعل الصراع متحوراً حول مشروعين: مشروع تثبيت نتائج الاحتلال مع ما يعنيه ذلك من إسقاط لوحدة العراق وعروبته وتطييف حياته السياسية، ومشروع إسقاط نتائج الاحتلال الظاهر ومن الباطن وإعادة العراق واحداً موحداً حراً عربياً.


هذا الصراع بين المشروعين، لم يخبُ أواره بل ما يزال يشعل ساحة العراق، لأن قوى الاحتلال كما وقعت سابقاً في خطأ التقدير قبل غزو العراق عام 2003، فإنها اليوم تقع في الخطأ نفسه في غزوتها الجديدة تحت عنوان مواجهة الإرهاب، وخطأ التقدير يستند أولاً إلى استمرار تجاهلها وجود قوى المشروع الوطني التي قادت العمل المقاوم، والتي قادت الحراك الشعبي وضبطت خطابه السياسي تحت عناوين المسألة الوطنية، كما يستند ثانياً، إلى استمرار مراهنتها على التركيب السلطوي الجديد لحسم الصراع لمصلحة مشروع العملية السياسية مع إسناد عسكري من الحو وطغيان إعلامي حاجب للرؤيا عن حقيقة الواقع القائم.


لكن ما هو مختلف عليه عن السابق في معطى الخطأ، هو أن قوى الاحتلال والهيمنة التي انتظرت سنوات لتعترف بخطأ تقديرها لطبيعة الصراع في العراق، لم تنتظر اليوم كثيراً لتقف على الحقيقة المرة، وهي أن التركيبة السلطوية الجديدة وما وفر لها من دعم سياسي وغطاء دولي وإقليمي هي أعجز من احتواء الوضع بكل تداعياته العسكرية والأمنية والسياسية.

 

وعليه بدأت هذه القوى تعيد النظر في طريق تعاملها مع الواقع العراقي بدءاً برفع وتيرة التدخل العسكري عبر زيادة عدد المستشارين العسكريين، ومن ثم المساعدة على فتح قنوات اتصال سياسي للسلطة الجديدة مع الخارج العربي والإقليمي والدولي.


هذا الاتجاه الذي بدأت تسيره أميركا باعتبارها القائدة الفعلية للمشروع السياسي الذي افرزه احتلالها بداية، يذكر بالمقدمات التي بدأت فيه أميركا تدخلها في كوريا من خمسينيات القرن الماضي وفيتنام في ستينياته بحيث تطور التدخل عبر المستشارين لدعم القوى الداخلية المرتبطة بها إلى إرسال مئات الوف الجنود، ولم تنسحب من كوريا إلا بعد تقسيمها، ومن فيتنام إلا بعد هزيمتها، والتذكير بهاتين الحالتين، إنما للتدليل بأن أميركا التي وصل عدد جنودها في العراق قبل الانسحاب إلى مئتي ألف عسكري ولم تستطع احتواء الوضع وإخماد جذوة المقاومة، لا تستطيع عبر مستشاريها أن تحسم الوضع ولو بلغوا الالاف. ولهذا فإن إصرارها على التصرف مع القضية العراقية على قاعدة تعويم العملية السياسية التي أفرزها احتلالها والاستمرار بعدم الإقرار والاعتراف بقوى سياسية معترضة على مشروعها وهي تقاومه، سيدفعها إلى رفع منسوب تدخلها وبالتالي زج المزيد من قواتها وستجد نفسها في لحظة ما، أمام دفع عشرات الالوف من جنودها مجدداً إلى العراق لإنقاذ مشروعها السياسي. وأنه في ضوء قراءة التجارب، وأحدثها التجربة الأميركية في العراق قبل انسحابها عام 2011، فإن مصير هذا الاحتلال الجديد لن يكون بنتائجه على أميركا وحلفائها أفضل من سابقه لأن المقاومة التي استطاعت تحرير العراق من الاحتلال سابقاً، باتت اليوم أصلب عوداً، وأكثرة خبرة في التعامل مع الواقع الجديد، وان المعطى السياسي والشعبي الذي أفرزته سياقات الأحداث بعد تهاوي سلطة المالكي بكل دعمه الدولي وإسناده الإيراني، بات يوفر حاضنة شعبية للفعل المقاوم الذي سيبقى منشداً إلى صلب مضمون مشروعه الوطني رغم كل الالتباسات التي تحيط بوضعه تحت تأثير الضخ الإعلامي المشوش.

 

من هنا، فإن الحملة العسكرية التي تقودها أميركا على العراق، سيكون مصيرها الفشل كما سابقتها، وكل ما في الأمر، أنها ستزيد تكلفة هذا الصراع على الصعد الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، وأن نتائج هذا الصراع ستكون لمصلحة توحيد العراق على قاعدة المشروع المقاوم الذي كما وضع العملية السياسية الذي أفرزها الاحتلال على حافة الانهيار، فإنه في هذه المرة سيدفع بها إلى الانهيار الكامل.


من هنا فإن على أميركا- التي لم تتعظ من التجارب التي مرت بها، وهذه مسؤوليتها.إذا كانت حريصة على تجنب الغرق مجدداً في المستنقع العراقي، أن تعيد النظر باستراتيجيتها حيال العراق، وتعترف بأن قوى المشروع الوطني التي قاومت الاحتلال وانتصرت عليه، ونقاوم اليوم الهجمة الجديدة، هي قوى فاعلة واوزنة على الصعد السياسية والشعبية والعسكرية، ولا يمكن تجاوزها في أي حل سياسي للصراع المتفجر. وان المشروع الوطني، الذي تلخصه النقاط الست، هو مشروع يحاكي الطموح الوطني ويحفظ حق الجميع في الانتظام في دورة حياة سياسية طبيعية على قاعدة المساواة في المواطنة وضمن مظلة الوحدة الوطنية العراقية. فإن رغبت أميركا بأحداث تغيير نوعي في استراتيجيتها وأسقطت من حسابها ترتيب الوضع السياسي على قاعدة "مشروع بايدن" فإنها بذلك تكون قد بدأت عقلنه خطابها السياسي وفتحت كوة في جدار الانسداد السياسي ووفرت على نفسها وعلى غيرها المزيد من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية .

 

أما إذا استمرت تتصرف، كما هو قائم حالياً، وهذا الأرجح فإنها ستكون كمن يلحس المبرد، ولن تنفع معها زيادة التحشد العسكري وإعادة تعويم الدور الإيراني علناً. فالعراق الذي واجه العدوان وقاوم حصاراً ظالماً، وتصدى شعبه لاحتلالين أميركي وإيراني وقدم مئات الوف الشهداء لن يقبل باقل من تحرير بلاده وإعادة توحيدها على الأسس الوطنية والديموقراطية وحماية هويته القومية من التشويه .

 

وما قدمه على الأرض ليس صياغات نظرية بل واقعاً معاشاً وأول من اختبر تأثيراته أميركا أولاً وإيران ثانياً وعليهما أن تتعظا.







الاثنين ٢٤ محرم ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة