شبكة ذي قار
عـاجـل










الوطنيه كمصطلح , هي وطنية الهويه ووطنية السياسيه .
الهويه الوطنيه هي الهويه الجامعه لكل المواطنين, العابره للعنصر والدين .


"السياسه" الوطنيه هي السياسات المبنيه على الثوابت الوطنيه التي تسعى الى تقويه كيان الدوله وتعزيز الامن القومي, منطلقه من "الهويه" الثقافيه اللغويه, فكرا وذوقا وهوى, تلك الهويه المتدفقه من عمق التاريخ والراسخه في حدود الجغرافيه.


هي ليست سياسه ارتجاليه, انما هي علم فيه الكثير من الثوابت المبنيه على المعاني الوطنيه العاليه,الساعيه الى حماية وتعزيز تلك المعاني, وتعمل للمستقل وتستشرف احداثه ومخاطره. وهي ايضا تبين الشخصيه الوطنيه ومفهوم الامن الذي بدوره سيبين اهداف الطامعين الخارجيين بالسيطره والهيمنه على البلاد. وفي اوقات السلم والبناء يمكن ان تتعدد الافكار الوطنيه التى لاتنحاز عن ثوابت الامن الوطني, اما عندما يتعرض كيان البلاد لخطرٍ ويُهدد الامن القومي فيكون للوطنيه وجهٌ واحد ولايكون لتعدد الاراء اي معنى.


اما "الطائفيه" فهي الانتماء الى "جزء" من الشعب, سواء كانت مجموعه عرقيه, دينيه, مذهبيه, قبليه, او مناطقيه, اي هويه ثانويه اختياريه لاتمثل جميع المواطنين ولا يستطيع جميع المواطنين الانتماء اليها. وهو امر طبيعي له امثلته الكثيره في جميع بلدان العالم. لكن الغير طبيعي ان يتم تحويل الطائفه من مذهب فكري يقتصر على النخب, الى "طائفيه سياسيه," ثم تحويلها الى طائفيه اجتماعيه, والطائفيه السياسيه بدورها تحول الولاء والانتماء من الوطن الى الطائفه. وهذا بعيد تماما عن مفاهيم الحكم الشعبي "الديمقراطيه" ودولة المواطنه الحديثه التي تعتمد على اسس المواطنه والانتماء الوطني السليم, وهو ايضا لاينسجم وتراثنا وتاريخنا العربي الاسلامي.



الطائفيه هي عكس الوطنيه "هوية" و"سياسية". الافكار الطائفيه تسعى الى تفتيت الهويه الوطنيه, وتسعى الى تقسيم الدوله. وهي دعوه مباشره وصريحه للدول الخارجيه لاستخدامهم كادوات, الاحزاب الطائفيه لا ترى في الاعداء الخارجيين للبلاد اعدائا لان كل صراعها هو صراعٌ داخلي ذو مستوى ادراك منخفض ونظره قصيره جدا, وان عدو الطائفيين هو الطوائف الاخرى, وهي عادة لا تتحرج من ان تكون اداة بيد القوى الطامعه الخارجيه طالما ان العدو الخارجي يضمن نوع من الامتيازات السلطويه على حساب الطوائف الاخرى, وليس حقوق.


"الطائفيه السياسيه" باعتبارها قد اختارت الهويه الطائفيه, وهي هويه متدنيه في مستواها الانتمائي, تستعدي الطوائف الاخرى بعناوينها وكياناتها, وياعتبارها هويه اختياريه فهي قد اختارت سلفا بعدم تمثيل العراقيين الاخرين الذين لا ينتمون الى الطائفه التي تدعي تمثيلها, مع العلم ان الطوائف الاخرى تشترك معها بالهويه الوطنيه, ثقافيا, لغويا, عنصريا, عشائريا, وحتى عقائديا. وهي تظهر هذا العداء الشديد للطوائف الاخرى من دون ان تظهر اي مشاعر عداء تجاه الاعداء الحقيقيين للوطن.


وهذا يذكرنا بما حصل لليهود في العالم في القرون الوسطى الذين فضَلت بعض زعاماتهم الرابطه الطائفيه الدينيه على الانتماء الوطني, وكيف انهم لم يهتموا الى معاناة الشعب الذي ينتمون اليه ويتكلمون لغته, لتحقيق مكاسب ماديه وامتيازات جهويه وان كان هذا يعني التعامل مع اعداء الوطن الداخليين او الخارجيين, وتحطيم كل انجازات شعبهم الطامح للحريه والحياة كريمه قي الحاضر والمستقبل. فنظر اليهم بقية الشعب كطائفه لا تقدس ما هو مقدس وليس لها انتماء وطني, وانما انتماءهم كان لطائفتهم وان كان هذا سيؤدي الى جر البلاد الى مصائب لفتره طويله من الزمن. وهو امر خطير جدا لم يخدم الناس البسطاء من ابناء الطائفه او الطائفه بصوره عامه التي اصبحت منبوذه بسبب تبعية ابناء الطائفه الساذجه لزعاماتهم الطائفيه, وكان المستفيد الوحيد هو تلك الزعامات التي حققت المكتسبات الماديه والجهويه على حساب اي شي وكل شي يمت الى القيم الانسانيه النبيله بصله.


وهو ايضا ما حصل في العراق, وجميعنا راى كيف ان جميع الاحزاب الطائفيه التى اتى بها الاحتلال لم تتعرض لقوات الاحتلال على الاطلاق, وانما كان عداءهم مستشري فيما بينهم, ولا يجتمعون على شئ الا عندما يامر الاسياد الخارجيين, او يكون كيان "النظام" الطائفي في خطر.


بالنظر الى الطائفيه من وجة نظر "اجتماعيه," نرى كيف تنعدم حرية الفرد وحرية الراي لصالح زعيم تلك الطائفه, فلا راي الا راي الزعيم, وقد يواجه المختلفين بالراي اسوء انواع التعامل والاتهامات, ويحاط ملك الطائفه بهالة مقدسه, وتفسر موقف الزعيم السياسيه بتفسيرات دينيه, ويفسر الدين بتفسيرات سياسيه, ومن كان له اي رأي مخالف عن راي الزعيم خرج عن الدين.


في الطائفيه يعرف الافراد باسم الطائفه, ولا مجال للتميز والابداع, وان كان هنالك اي من هذا, يصادر باسم الطائفه.


ان نظام الطوائف الحالي هو نظام من الملكيات المطلقه التي كانت سائده في القرون الوسطى, التي يسودها الاستبداد والفساد, وهي ايضا كانت تستمد شرعيتها من احقيه الهيه. ولا نعلم مبرر لوجود الكثير من زعاماتها, وان سبب وجود تلك الزعامات على حد وصفهم هو العلم الديني الغزير, او البراعه السياسيه, وهما سببان لا يتمثلان في تلك الزعامات الدينيه! لماذا توجد هذه الزعامات؟ ايورث العلم؟ اتورث الخبرات السياسيه؟ ام انهما علم مكتسب؟


ام هي ملكيات مطلقه وراثيه؟!
اهذا بديل "الاستبداد"؟ المزيد من الاستبداد والمستبدين؟!


اجتماعيا, ان نظام الطوائف الذي نشاء برعاية الاحتلال هو نسخه مطابقه الى النظام الاجتماعي الذي كان سائدا قبل الاسلام والذي سُمي "بالجاهليه." حيث لم يكن هنالك مواطنه مبنيه على اسس الانتماء الوطني او مبدئ الحقوق والواجبات, وكانت الهويه القبليه هي اعلى سقف يُعرف به انتماء الافراد الذين يذوبون في قبائلهم, فلا حريه فكريه ولا ابداع, وضياع لجهود الامه في حروب قبليه تهدر المال والنفس والجهد والوقت, يستقوون بالاعداء الخارجيين على بعضهم, عداءهم على انفسهم, نظام يسوده الطبقيه والفساد والامتيازات, وان مرحلة ما بعد الاسلام كانت مرحلة الحضاره حيث فرص الابداع والاستقرار وتوحيد الجهود وتوحيد الكلمه والانتماء الوطني الذي كان فوق الانتماء القبلي.


ما اشبه عصر الجاهلية بعصرنا؟!


ان الطائفيه في العراق يتم صنعها صناعه, حيث ان الاصل في الطائفيه هي المذهبيه الفكريه المقتصره على النخب الفكريه ( في العصور القديمه ) صاحبة العلم, التي تتعمق في ذلك العلم, وافكارها عرضه الى التهذيب والمناقشه. لقد تم استغلال تلك المذاهب الفكريه سياسيا لتحويلها الى مذهبيه اجتماعيه وشعبيه, وان كانت قد تسربت الى هذا المستوى فهي تبقى في عداد المذهبيه الفكريه التي هي من شان رجال العلم الذين قضوا حياتهم في التبحر في هذا العلم, تُناقَش وتُقَييم افكارها وفق المعايير "الدينيه" وهي ليست بديلاً عن المواطنه والانتماء الوطني. وهي ليست سياسه بطبيعتها.


ان زعماء هذه المذاهب لا يهتمون كثيرا بعلم هذا "الدين او التدين", وان جل جهود هذه الزعامات منصبه على تحقيق مكاسب "سياسيه" باسم الطائفه, والكثير منهم غير متدينين, او يتظاهر التدين في مناسبات معينه لتاكيد شرعية تلك الزعامه وخداع ابناء الطائفه.


وتستخدم المظاهر الطائفيه لارسال رسائل سياسيه باي شكل ممكن, وكما هو معلوم ان السياسه والدوله والوطن مبنيه على الانتماء الثقافي المبني على الافكار والاستعداد والشخصيه, وينعكس على المظاهر كالزي والمصطلحات والفن وكل ما من شأنه ان يعبر عن تلك الثقافه القوميه, ونرى ان زعماء تلك الطوائف يتبنون مظاهر من نوع خاص لارسال رسائل سياسيه لتاكيد الطائفيه السياسيه وخلق كيان "متخيل" داخل الشعب الواحد لتفتيت الكيان الوطني الواحد واستحداث "مناصب" زعامه "متعدده."


وهذا حتما يتطلب اختلاق ازمات بين الطوائف, بين الحين والاخر, مبنيه على الثارات والاستعداء والحقد ضد الطوائف الاخرى, وتسعى في هذا الى تبرير السياسه الطائفيه المستعديه للاخرين, وخلق حال من الخوف داخل تلك الطوائف, لتحقيق مكاسب سياسيه لزعماء الطائفه, وليس لابناء الطائفه. ونراهم يستحضرون اي حادثه او راي من شائنه ان يثير الفرقه والاستعداء, فلو كان هنالك عشرة اراء في قضية معينه, تسعٌ منها موضوعيه وواحدة متطرفه, لاختاروا الراي المتطرف وتفننوا في التعبير عنه!


ان وقوف الدول ضد الاحزاب الطائفيه هو ليس عداءاً "للطائفه" التي يدعي الحزب الطائفي تمثيلها, بل هو موقف حازم تجاه كل من يسعى الى تمزيق الوحده الوطنيه, باعتبار ان النخب الوطنيه "مؤتمنه" على حماية الوحده الوطنيه.
عداء الطائفيه ليس طائفيه.


لايمكن لحزب طائفي ان يدعوا الى الوحده الوطنيه لانه لايؤمن بها اصلا, وان مجرد "وجود" مثل تلك الاحزاب هو خطر يهدد الوحده الوطنيه ويفتت الهويه القوميه, وهذا وصفها حسب القوانين والتعاريف السياسيه العلميه, وهي حاله ضد الدوله الحديثه وضد المواطنه.


وان دعواة الاحزاب الطائفيه للوحده الوطنيه هي في حقيقتها دعوه الى فرض تسلط طائفه على جميع البلاد باسم الوحده الوطنيه ودوله المؤسسات ( التي هي مفقوده تماما ), بمعنى تحققيق المزيد من الامتيازات خارج نطاق الطائفه التي "تدعي" تمثيلها.


ان الطائفيه دخيله على العراق خاصة على المستوى الاجتماعي, والاحزاب الطائفيه هي حاله شاذه, وان الطائفيين السياسيين حسب التعاريف الاجتماعيه والممارسه الواقعيه اناس انتهازيون يسعون لتحقيق المكاسب الشخصيه ولاغراض ودوافع ذاتيه, وان النظام الطائفي قد حول العراق الى تابع لحكومات خارجيه افقد العراق موقعه كقطر اساسي وجزء من امته لغتا وثقافة, ودوره كقطر له بعدٌ ثقافي عميق يوفر لمحيطه بعدا ثقافيا وامنيا. وهي ليست كارثه سياسيه فحسب, بل هي كارثة انتماء وهويه.


الاحزاب ذات الهويه الوطنيه يمكن ان تمثل جميع ابناء الشعب على اختلاف انتماءاتهم الطائفيه والمذهبيه والمناطقيه والعرقيه, وكل ابناء الشعب يمكنهم ان ينتمون اليها, وهي وحدها التي يمكنها ان تعمل على تحقيق المصالح الوطنيه العليا.


لايمكن للمحاصصه ان تنشئ دوله وطنيه موحده, ولايمكن للمليشيات ان تنشئ جيش وطني.


وان شعب العراق ليس شعب مكونات, وشعوب جميع بلدان العالم ليست شعوب "مكونات." بل هو شعب مواطنين عندما يكون المواطن هو الاغلبيه في انتماءه الوطني في دوله تمثل جميع المواطنين مبنيه على الهويه الوطنيه الجامعه.






السبت ٣٠ محرم ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مروان عقراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة