شبكة ذي قار
عـاجـل










في طريق عودته من زيارة دمشق وبيروت عرّج رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني على كربلاء زائراً مراقد الأئمة فيها. وهذا أمر طبيعي ولا يستوجب التوقف عند الزيارة، لو لم تتوج بإعلان دعا فيه إلى تنظيم مؤتمر دولي للإدارة والإشراف على المراقد الدينية في كربلاء.


هذا الإعلان الإيراني الصادر عن مرجع يتبوأ موقعاً أساسياً في مفاصل النظام الإيراني، لم يكن ليصدر عنه، لو لم يكن هناك تداول في الأوساط الرسمية الإيرانية حيال هذا الموضوع. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنه سبق وأعلن مسؤولون إيرانيون بأن الحرم المكي يجب أن يتم وضعه تحت إشراف دولي.


هذه الدعوة لتدويل الإشراف والإدارة للعتبات المقدسة في المملكة العربية السعودية قد يجد البعض لها تفسيراً بالاستناد إلى الخلفية السياسية للنظام الإيراني من الحكم في السعودية، لكن ما معنى أن تطلق هذه الدعوة حيال المراقد المقدسة في كربلاء والحكم في العراق غارق في التبعية للمرجعية الإيرانية من رأسه حتى أخمص قدميه؟


من يراقب دخول الإيرانيين وخروجهم من العراق، وخاصة في المناسبات ذات الرمزية الدينية، يرى أن ذلك يتم دون أية ضوابط، وأن حدود العراق مشرعة أمام الإيرانيين الذين يأتون بعشرات الألوف ويخرجون بأقل من هذا بكثير. لكن من خلال سياقها يتبين أن توقيتها ناتج عن كون الدور الإيراني في العراق هو اليوم في الحد الأعلى من فاعليته وهذا مرتبط بطبيعة الصراع الدائر في العراق وعليه. وان الشراكة الإيرانية في إدارة الشأن العراقي التي استمرت مموهة طيلة فترة الاحتلال الأميركي هي اليوم شراكة مكشوفة لا بل مشرعة في إطار تكامل الأدوار بين ما تنفذه أميركا وما ترمي إلى تحقيقه، وما يناط بالنظام الإيراني من دور ميداني لإيجاد أرضية تقف عليها ركائز الاستراتيجية الأميركية ومطامع الهيمنة الإيرانية.


فالدور العسكري الذي يقوم به النظام الإيراني، بات واقعاً حسياً، وهو لم يعد يقتصر على الانخراط المباشر بالعمليات العسكرية والتي حصدت حتى الآن العديد من الضباط الإيرانيين ذي الرتب العالية وأخرهم حميد تقوي، بل بات يشرف على التشكيلات الميلشياوية ذات التركيب البنيوي المذهبي وهو يتعامل معها وينظر إليها بأنها وحدات جيوش إيرانية موجودة في العراق وسوريا واليمن كما في لبنان. وانها في العراق تفوق أعدادها بكثير أعداد حزب الله وإمكاناته.


لقد بات واضحاً أن القوات الإيرانية الموجودة في العراق سواء كانت وحدات نظامية من الجيش الإيراني، أو تلك العراقية الاسم، الإيرانية الإشراف والتوجيه، إنما تدار من قبل قاسم سليماني وهذا تقر به الأوساط الإيرانية ولم يعد سراً خافياً على أحد.


وإذا كانت إيران في ظل نظامها الحالي، تملك هذا النفوذ والتأثير على العراق سواء تعلق الأمر بالجانب السياسي أو الأمني، فلماذا تريد تدويل الإشراف على العتبات المقدسة؟ ان الجواب على التساؤل يبقى ملتبساً، أن لم يتم الوقوف فعلاً على حقيقة الأهداف الإيرانية حيال العراق أولاً ومعرفة النظام الإيراني جيداً بحقيقة الواقع العراقي وخاصة مكنونات شعبه ومخزونه الوطني ثانياً.


إن النظام الإيراني يدرك جيداً، ان اللحظة الحالية التي يمر بها العراق حالياً والمنطقة العربية برمتها، هي لحظة لا يمكن أن تتكرر لجهة ما وفرت له من سلاسة وظروف تدخل مناسبة. وأن اندفاعته لتوفير كل مناخات التسهيل لنفاذ المشروع الأميركي الهادف إلى إسقاط مقومات الدولة الوطنية في العراق، وصياغة أوضاعه على أسس الفيدرالية التي تستبطن تقسيماً واقعياً وتطييف حياته السياسية، يحقق هدفه المركزي لجهة إفراغ العراق من محتوى مقوماته الوطنية وبالتالي تحويله، إلى أشلاء سياسية تدار بقوى طائفية وعرقية محكومة بعوامل التنافر والاحتراب.


إن النظام الإيراني الذي يعرف جيداً، مدى تجذر العروبة لدى العراقيين وشدة ولائهم الوطني وهو اختير ذلك في المنازلات الكبرى فيقديم الزمان وحديثه، يريد في لحظة فائق القوة التي يمتلكها حالياً، ان يفرض واقعاً جديداً يخدم أهدافه دونما حاجة مستقبلاً لاستحضار أشكال التدخل الحالية، وكما يعرف جيداً طبيعة الشعب العراقي، ولاء وطنياً وانتماء قومياً، وأن التشكيلات السياسية والأمنية التي أشرف على تشكيلها وأذرتها، لا تعكس حقيقة المزاج الشعبي العراقي، وانها لمجرد إنهاء دور مظلتها الحامية، سوف تنتهي وتضمحل، لأنها برزت وظهرت في عكس السياق الطبيعي لتوق الشعب في العراق وأهدافه الحقيقية.


إن النظام الإيراني يريد أن يضع المراقد الدينية في العراق تحت إشراف دولي شكلاً وتحت إشراف إيراني فعلاً، بغية وضع اليد على الحوزة العلمية في النجف الأشرف، والحاقها بمرجعية قم وهذا هدف يعمل عليه منذ استلمت المؤسسة الدينية مقاليد السلطة في إيران. وفي تدليل أبعد للهدف الإيراني، فإن النظام الحالي، يعمل للتوظيف معطى اللحظة الحالية لالغاء دور العرب في الإشراف وإدارة المراقد الدينية الموجودة في أرض العرب، وإذا ما تم له ذلك، فإن هذا سيشكل مدخلاً لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من وجهة نظر فارسية تعلق الأمر بحيثيات الوقائع التاريخية أو بالطقس الإيماني للمناسبات ذات الدلالات الرمزية.


من هنا، فإن دعوة لاريجاني، ليست صاعقة في سماء صافية، بل هي تأتي في سياق الإفصاح عن حقيقة ما يخططه النظام الإيراني ليس ضد العراق وحسب بل ضد الأمة العربية بكل موروثها التاريخي ومنظومتها القيمية ودورها في احتضان الدعوة الاسلامية ونشرها واستمرار دورها الرعائي.


فمع الدعوات التي يطلقها رموز النظام الايراني لاحتواء العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تأتي دعوة لاريجاني لتفصح عن البعد العقائدي للاندفاعة الإيرانية حيال العراق أولاً، والعمق العربي ثانيا.ً وهي رسالة للعراقيين كما للعرب. وخلاصتها أن إيران لا تثق بشعب العراق لأنها تعرف مدى تجذر انتمائه القومي وتمسكه بعروبته وأن هؤلاء الذين يدورون في فلكها، لا يعكسون ولا يمثلون حقيقة الشعب في العراق وطبيعته. ولهذا تريد وضع يدها مباشرة على المراقد الدينية، وبالتالي إدارتها بما يخدم مصالحها وهي إذا كانت تعمل للحؤول دون أن يستعيد العراق وحدته وتنخرط في حلف مباشر مع أميركا، فلأنها تعرف جيداً، أن هذا الشعب لن يقبل أن تفرض عليه وصاية، أو حماية، لأن عزته وكرامته واحتضانه لرموزه الدينية ومراقدهم المقدسة هي من مقومات شخصية الوطنية الضاربة جذورها في عمق التاريخ العربي، وبالتالي لن يسكت عن استمرار استلاب إرادته الوطنية وحقه في الإشراف على شؤونه العامة ومنها كل ما يعتبر من مكنوزه التاريخي القيمي وهذه الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع سواءً لما تنطوي عليه الشخصية الوطنية العراقية وما تسعى إيران لتنفيذه وآخرها دعوة لاريجاني.






الجمعة ١١ ربيع الاول ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / كانون الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة