شبكة ذي قار
عـاجـل










من حقه علينا أن نذكر باختصار شديد مساهماته الأساسية بعد انقلاب الزمرة الشباطية العسكرية على الحزب ، حيث اتخذ موقفاً صلباً و صادقاً و صريحاً في إدانة الانقلاب هو و رفاقهُ الأستاذ كريم شنتاف و سعاد أديب و وليد السامرائي و آخرين و كان في الحقيقة له دور مميز خاصةً في تشكيل نواة مكتب الاتصال القومي ضمَّ إلى جانبهِ الرفيق محمد سليمان ( السودان ) و الرفيق مسعود الشابي ( تونس ) و قد نسقنا معهم العديد من النشاطات و الاتصالات المثمرة بالتوافق طبعاً مع الأمين العام الدكتور منيف الرزاز .

و من جهة ثانية كان لموقفه و كتاباته و الشروحات التي نقلها إلى الرفاق في العراق أثراً بالغاً في تصليب مواقف الحزب بالعراق من هذا الانقلاب و العمل على إدانتهِ و قد كلَّفه هذا الموقف غالياً ؟! ولم يأبه إلى الصعاب و النتائج . و قد ساهم في التمهيد عبر الرفيق وليد السامرائي في مجيء الوفد الذي أرسلته القيادة القطرية في العراق في حينها ، بمجيء الرفيقان عبد الخالق السامرائي و خيري الراوي إلى دمشق و مقابلتهم الشهيرة مع قيادة الانقلاب و النقاش الحاد الذي جرى مع صلاح شديد حيث طلبوا منه مقابلة القيادة القومية في السجن للاطلاع على وجهة نظرهم بعد أن استمعوا إلى وجهة نظر الانقلابيين و على رأسهم صلاح شديد و لم يوافق ؟! لاشك بأن مساهمات و مواقف الأستاذ طارق عزيز كان لها الأثر البالغ في التقييم و الوصول إلى الحقيقة و فضح النفاق و التزوير و المزايدات اليسارية الطفولية التي أطلقتها الزمرة الشباطية العسكرية . لقد توفقنا في حينه و بالتنسيق معه لتأمين زيارة لأحد أفراد الوفد إلى السجن و الالتقاء بالقيادة القومية و الاستماع إلى وجهة نظرهم بدون علم قيادة الانقلاب . و كان لهذا اللقاء المباشر الأثر البالغ في نقل الحقائق كما هي إلى قيادة الحزب في العراق . ذاق الإنقلابيون ذرعاً من نشاطات الرفيق طارق و دوره فقد تم توقيفه هو و سعاد أديب و زكي الخوري ( فلسطين ) و مسعود الشابي و آخرين و أودِعوا في سجن القلعة بدمشق لينالهم غضب هؤلاء الزمرة و نقلهم فيما بعد إلى سجن تدمر الصحراوي المعروف ، و على أثر ذلك بدأت رحلة عذاب للعائلة خاصة والدته و زوجته أم زياد بعد دخوله السجن ذهبت زوجته أم زياد إلى بغداد لتقيم هناك مع والدته أم طارق ، و بالمناسبة كانت أم فاضلة و امرأة قديرة ، و قوية الأعصاب و قد صبرت مع زوجته أم زياد و ذاقوا الأمرَّين في زياراتهم للأستاذ طارق في السجن لان السفر و المجيء من بغداد إلى دمشق مرهقة و بعد العناء و طول السفر يبدأ الانتظار من اجل الحصول على إذن الزيارة من وزارة الداخلية و كان مدير مكتب السيد الوزير !! الذي يتلذذ في تعذيبهم بناءاً على توصية معلمه !!! يبقيهم خمسة عشر يوماً في الانتظار لإعطائهم الإذن حقاً كانت هذه العذابات بحد ذاتها تشكل مأساة يدفعها الأهل كما السجين حيث يعاني المناضلون الشرفاء الذين نذروا أنفسهم في سبيل الحق و الدفاع عن قضايا أمتهم .....

في حادثة طريفة كانت هناك لقاءات ما بين أمهات المعتقلين و خاصة في حال تواجد أم الأستاذ طارق حيث كانت امرأة مميزة بحق و كان معها أيضا أم رفيقنا سعاد أديب التي كانت لا تتقن اللغة العربية لأنها من أصول كردية و أمي و أم رفيقنا سمعان و حضر إلى بيتنا في حينه أيضا والد رفيقنا زكي الخوري من الأرض المحتلة فلسطين وهو رجل دين ، فقالت له أم طارق : " يا أبونا رايح جاي على الكنيسة ما تصلي للشباب حتى الله يفرجها عليهم " وقف الخوري لبرهة و أجابها :" والله يا أم طارق ادعي لهم ليل نهار و هم على لساني و لم يغيبوا عن خاطري لحظة واحدة ولكن ما من مجيب !!! ، معك حق تعتبي علي و لكن الله له حكمة في ذلك " .... فقالت الأمهات لأم طارق " الكاهن عليه الدعاء و الباقي على الله " فقالت أم طارق " إذا ما بدنا نفش خلقنا بالكاهن على مين نقدر أن نعتب و نعاتب أو نعترض "

بقي الرفاق في سجن تدمر حتى تم الإفراج عنهم في 10 حزيران 1967 إثر الهزيمة التي قادها نظام 23 شباط و التي تعتبر اكبر هزيمة في تاريخ العرب . جلس بعدها في دمشق فترة قصيرة و التحق بالأهل في بغداد و هناك بدأ مرحلة نضالية مع رفاقه حتى قيام ثورة 17 – 30 تموز1968. لقد كُتِبَ الكثير و يعرف العرب و العراقيين و العالم نشاطات و مواقف الأستاذ طارق خاصةً على المستوى الدبلوماسي كنجم لامع عرفته المحافل الدولية كما هي العربية . اثر الغزو و العدوان الثلاثي الأمريكي الصهيوني الفارسي على العراق و ما تعرض له العراق نتيجة ذلك ، عرفت من الأستاذ المرحوم منصور الأطرش و ما حدث مع الأستاذ طارق عزيز عند محاولاته اللجوء مجدداً في عام 2003 إلى سوريا و تم إرجاعه من الحدود السورية العراقية اعتقاداً منه بأن نظام الأسد يمكن أن يقبل بدخوله أو تسهيل عبوره إلى أي بلد آخر و محاولته هذه مشروعة لأنه يدرك حجم الحقد و روح الانتقام الذي ينتظره من حكام إيران و أدواتهم الذين جاؤوا مع الاحتلال . فكانت هذه إشارة واضحة للدور الذي لعبه النظام السوري تجاه القيادة الوطنية في العراق ..... إن المسائل التي يعرفها أبو زياد و المؤتمن عليها ذات أهمية بالغة للغاية . و ازعم بأنه كان صريحاً و دقيقاً و أميناً في نقل كل شاردة وواردة تخص اتصالاته للرئيس و يعرف جيداً لا بل متأكداً بأن الخيارات أمامهم شبه معدومة وفق السياسة المتبعة و التي يدافعون عنها أو على الخصوص تجاه القضية الفلسطينية كما هي بناء العراق القوي المقتدر و الحامي للأمن القومي العربي ، و الاستقلال السياسي الحقيقي ، مسائل يصعب و مستحيل التنازل عنها من قبل الرئيس صدام حسين و رفاقه طارق عزيز و حكماً القيادة الحزبية اختاروا ذلك وفاءاً لبلدهم العراق و لامتهم العربية .رجال بهذه المواصفات لا تغريهم لا الثروة أو الأبهة أو الجاه أو السلطة لأنهم نذروا أنفسهم لخدمة قضايا أمتهم . أدركوا منذ البداية بأن مصيرهم محتم إلا إذا حدثت أعجوبة و يعرفوا أيضا بأن هذا ليس زمن العجائب ، لم يصرح الرفيق طارق عزيز أمام أي إنسان ليس خوفاً أو تزلفاً أو أي قصداً آخر سوى انه قد اعتبر هذا قدرهم و قدر الذين يحملون الراية ، و هذا سر من أسرار صموده البطولي في وجه المحتلين و أذنابهم .

انه بحق خلاصة لحضارات مابين الرافدين و تفاعلها مع الحضارة العربية الإسلامية . خسرنا وجهاً عربياً عراقياً أصيلاً مزيجاً من الوطنية الصادقة و العروبة الإنسانية و الفكر التنويري المستند إلى خلاصات العصر . إنسان يتمتع بصفات يصعب أن تجتمع في شخص واحد ، فالدماثة و المحبة و التواضع و الفهم العميق و دقة التحليل و سعة الصدر و الأخلاق العالية ، رحم الله أبا زياد و اسكنه فسيح جناته

باريس في  ٢٦ / حـزيران / ٢٠١٥
ناصر سابا

 





السبت ١٠ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة