شبكة ذي قار
عـاجـل










في العشرين من نيسان - أفريل من كلّ عام، يستذكر العرب الأحرار النّجباء فاجعة احتلال الأحواز العربيّة من الفرس منذ واحد وتسعين عاما بالتّمام والكمال حيث سلّمت بريطانيا الاستعماريّة الأحواز العربيّة للفرس عام 1925 وهي الطّريقة نفسها التي وهبت بها فلسطين السّليبة للعصابات الصّهيونيّة.

كانت صفقة تسليم الأحواز العربيّة للفرس من طرف بريطانيا وبقيّة القوى الاستعماريّة الأخرى مكافأة للفرس على الخدمات الجليلة التي قدّموها لها حيث عاونوا بإسهام متقدّم في تسهيل انقضاض تلك القوى على العرب على مرّ الزّمان.

ومنذ ذلك التّاريخ، لم يدّخر الفرس الصّفوّيون جهدا في التّنكيل بالأحواز العربيّة شعبا وأرضا وتاريخا وحضارة، بل إنّهم مارسوا بحقّها جرائم غير مسبوقة في تاريخ البشريّة كلّها، ولم تعرف له مثيلا إلاّ حديثا من خلال جرائم الصّهيونيّة والامبرياليّة الأمريكيّة في السّاحتين الفلسطينيّة والعراقيّة.

تتواصل إذن مأساة الأحواز العربيّة على امتداد 91 عاما، وسط خذلان دوليّ وتهاون عربيّ رسميّ محيّرين، وكذلك في ظلّ ما يمكن تسميته بالجهل الشّعبيّ لظروف عديدة أهمّها التّعتيم الإعلاميّ الكلّيّ من طرف الفرس على قضيّة الأحواز العربيّة وتشعّباتها وتاريخها من جهة ولانشغال الجماهير العربيّة في همومها الدّاخليّة التي لا تقلّ جسامة ولا كارثيّة عمّا تعانيه جماهيرنا في الأحواز حتّى وإن بدت مظاهره أكثر نعومة وأقلّ أثرا من جهة أخرى.. وقد لا نجانب الصّواب إن زعمنا أنّ الطّرف الوحيد الذي أسند الأحواز وأهلها ضدّ الجرائم الإرهابيّة الإيرانيّة الفارسيّة العنصريّة الحاقدة هو النّظام الوطنيّ في العراق بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الذي آوى المجاهدين والمناضلين الأحوازيّين وأطيافهم السّياسيّة ومدّ لهم شتّى أنواع الإسناد لتعزيز صمودهم بوجه المحتلّ الغاشم البغيض.

إنه وبالعودة لتفاصيل النّكبة المسكوت عنها، وهي احتلال الأحواز العربيّة من الفرس، وبتتبّع سلسلة الفظائع والأهوال التي ترزح تحتها جماهير شعبنا الأحوازيّ، يمكن ملامسة واكتشاف الوجه العنصريّ الطّائفيّ والإرهابيّ القبيح للاحتلال الفارسيّ الصّفويّ الغاشم.

لقد خصّ الفرس الأحوازيّين بكلّ سبل تنغيص الحياة، وارتكبوا ضدّهم إحدى أكبر عمليّات التّزييف والتّزوير في التّاريخ.

وبنى الفرس تبريرهم لما يحدث في الأحواز على إنكار أنّها تتعرّض للاحتلال العسكريّ بالادّعاء زورا أنّ الأحواز تابعة تاريخيّا لإيران أو ما كانت تعرف ببلاد فارس لحدود العام 1921، وبالتّالي فإنّ من حقّهم بسط نفوذهم على أحد مجالاتهم الطّبيعيّة ما قد يشكّل غطاء قانونيّا لجريمتهم المتواصلة بحقّ الأحواز شعبا وأرضا وتاريخا وحضارة. وإن كان دحض هذه الأكاذيب أمرا يسيرا وفق المعطيات والحقائق التّاريخيّة وحتّى الجغرافيّة، فإنّ الفرس نجحوا بفضل تنفّلهم بانشغال العرب والرّأي العامّ الدّوليّ في قضايا قدّرت أكثر أهمّية وأعلى محوريّة كفلسطين والعراق وغيرهما، واستطاعوا بتحالفاتهم الاستراتيجيّة الموثّقة مع الدّوائر الامبرياليّة الاستعماريّة والصّهيونيّة ناهيك عن قدراتهم الإعلاميّة المعتبرة، أن يعطّلوا نفاذ الأحرار لحقيقة المسألة الأحوازيّة وبالتّالي نجحوا في الإفلات من الضّغط الدّوليّ شعبيّا ورسميّا وتبعاته على اعتبارهم قوّة احتلال فاشيّ عنصريّ وشعوبيّ حاقد.

إنّ محاولات فرسنة الأحواز وطمس عروبتها أعلى ما ينتهجه الفرس من سياسات عدوانيّة ضدّ قٌطرنا العربيّ المغتصب، وتتجلّى تلك السّياسات العنصريّة أساسا في تغيير أسماء المدن والقرى الأحوازيّة العربيّة واستبدالها بأخرى فارسيّة هجينة ودخيلة، كما يمنع الفرس الأحوازيّين من تسمية أبنائهم بأسماء عربيّة وفق انتمائهم الحضاريّ والتّاريخيّ المؤكّد، ويفرضون اللّغة الفارسيّة فرضا بقوّة السّلاح والقوانين الجائرة في المعاملات الرّسميّة والإداريّة بل إنّهم يمنعون الأحوازيّين من التّعلّم باللغة العربيّة إلاّ من تمكّن منهم من دخول المدارس الخاصّة على ندرتها رغم ما تكلّفه من رسومات ماليّة يعجز عن سدادها أغلب شعبنا العربيّ في الأحواز بسبب سياسات التّفقير المٌمنهجة والمفروضة غصبا، حيث - وهذا ما لا يعلمه السّواد الأعظم من الخائضين في المسألة الأحوازيّة خصوصا والفارسيّة عموما – أنّ الأحواز تشكّل الخزّان الاستراتيجيّ المصنّع لمجمل الثّروة في إيران حيث توفّر 90 بالمائة من إجماليّ ثرواتها الطّبيعيّة من غاز ونفط وزراعات وغير ذلك، إلاّ أنّه في مقابل ذلك، لا ينال الأحوازيّون من عائدات أرضهم شيئا يذكر.

فالأحواز ورغم ما تتوفّر عليه من ثروات، هي أكثر الأقاليم التّابعة لسلطات الاحتلال الفارسيّ الصّفويّ بؤسا وفقرا ومعاناة، تكاد تنعدم فيها كلّ مقّومات الحياة الكريمة في مظاهرها البدائيّة وذلك بالنّظر لتردّي جميع الخدمات الأساسيّة من صحّة ونقل وتغذية وبنية تحتيّة وغيرها، بل إنّ أحقاد الفرس على الأحوازيّين لم تقف عند تلك الحدود مطلقا ولم يكتفي الاحتلال الفارسيّ المجرم بما يسبّبه تشييد المفاعلات النّوويّة هناك من تسمّمات وأمراض سرطانيّة تفسد الحياة في ربوع الأحواز كاملة، ولم ينته عند الحرمان من ممارسة الشّعائر الدّينيّة بما يوافق عقيدة الأحوازيّين وذلك لإلحاقهم قهرا بولاية الفقيه المتخلّفة، فها هو يغرق الأحواز في سيول السّدود وفيضاناتها لحملهم على الهجرة والنّزوح خدمة لممارساته الاستيطانيّة التّوسّعيّة ومساعيه لتغيير الخارطة الدّيمغرافيّة هناك حيث يفرض منذ سنوات زرع مستوطنين فرس ومن قوميّات أخرى تكون مهمّتهم إلحاق الأذى بالسّكّان الأصليّين وإهلاك محاصيلهم وتخريب ممتلكاتهم ليثبّتوا حقيقة مصطنعة تغتصب عروبة الأحواز وشعبها.

هذا ويلاقي الأحوازيّون تعدّد الانتهاكات الجسيمة قانونيّة كانت وإنسانيّة وحقوقيّة وغيرها، فهم مطاردون وملاحقون دوما ومتّهمون أبدا، ويعانون الأمرّين جرّاء العقيدة العنصريّة التي تسم عقيدة الفرس فيٌختطفون قسريّا ويٌعدمون في الشّوارع والسّاحات دونما محاكمات، وليس خافيا على أحد أنّ الاحتلال الإيرانيّ يتصدّر القوائم الدّوليّة التي تحدّد أكثر الدّول انتهاكا لحقوق الإنسان وتنفيذا للإعدامات العشوائيّة.

إنّ كلّ هذه السّياسات الإرهابيّة للاحتلال الفارسيّ الصّفويّ تهدف لإذلال المواطن الأحوازيّ وإهانته وتنفيره من عروبته بل والدّفع به لإنكارها.. ولكن ورغم كلّ الإجراءات السّاديّة والعنجهيّة المتّبعة من الفرس بحقّ الأحوازيّين، فإنّهم – أي شعبنا العربيّ الأحوازيّ – لا يزالون صامدين بوجه آلة التّقتيل والتّرهيب الفارسيّة الصّفويّة البربريّة الوحشيّة ولا يزالون معتصمين بعروبتهم عاضّين عليها بالنّواجذ، ويبلي شعبنا الأحوازيّ بلاء حسنا مبهرا وخلاّقا في مقارعة منظومة الاستبداد والاستهتار الإيرانيّة المسكونة بالثّارات والضّغائن والأحقاد العنصريّة فتكبّده مقاومتنا الباسلة في الأحواز خسائر فادحة في الأرواح والمعدّات يحرص الملالي على التّكتّم عليها وإخفائها خشية تعميمها في داخل الشّعوب الإيرانيّة من خارج القوميّة الفارسيّة المتحكّمة في الشّؤون الدّينيّة والسّياسيّة والعسكريّة هناك.

إنّ صمود شعبنا العربيّ الأحوازيّ بوجه الاحتلال طيلة 91 عاما، وصبره على الخذلان الرّسميّ دوليّا وعربيّا – إلاّ من رحم ربّك – لا يجب أن يستمرّ إلى ما لا نهاية له، كما لا يجب أن يٌترك هذا الشّعب المقاوم المتمسّك بثوابته القوميّة العربيّة رغم كلّ مساعي الفرس التّخريبيّة الطّامسة والمضلّلة لها، وحيدا ليكون لقمة سائغة يستفرد بها مجرمو الملالي وإرهابيّو الحرس الثّوريّ الدّمويّ..

وهو ما يحتّم على الأنظمة العربيّة الرّسميّة وعلى النّخب السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة والإعلاميّة أن تكسر الطّوق الحديديّ المضروب على أحواز العروبة والعزّ والشّموخ وتنخرط في مسيرة تحريره كلّ من موقعه وبسلاحه واختصاصه، كما يتوجّب رأسا أن يقع الاعتراف بالأحواز دولة عربيّة لها كلّ حقوق الأقطار العربيّة الأخرى من حيث الإسناد والدّعم الماديّ والسّياسيّ والقانونيّ والدّيبلوماسيّ والعسكريّ، ولا يجب أن يتوقّف ذلك الاعتراف عند الحدود العربيّة بل لا بدّ من الانطلاق اليوم وليس غدا في حملة ديبلوماسيّة واعية لا تنقطع ولا تتراخى ولا تهدأ في حمل المجتمع الدّوليّ على الاعتراف بالأحواز دولة محتلّة يحقّ لها خوض غمار كافّة أشكال الكفاح مسلّحا ومدنيّا وسياسيّا ضدّ المستعمر الفارسيّ البغيض وضمان حقّ شعبها في تقرير المصير على أساس هويّته وإرادة شعبه الحرّة ناهيك عن تجريم المحتلّ الفارسيّ الصّفويّ وملاحقته في كلّ الفضاءات والهيئات الحقوقيّة الدّوليّة رسميّة وشعبيّة ودفعه عن كفّ جرائمه بحقّ الأحواز والرّحيل والجلاء عنها إضافة لضرورة دفعه لتعويضات تتوافق وجرائمه بحقّ الأحواز طيلة التّسعة عقود الماضية.

إنّ قضيّة الأحواز العربيّة قضيّة عادلة تماما كما القضيّة الفلسطينيّة والعراقيّة، وهي لا تقلّ شأنا عن أيّ قضيّة عربيّة أخرى، وهو ما يضع كلّ أحرار العرب أمام تحمّل مسؤوليّاتهم التّاريخيّة في الدّفاع عنها بكلّ الوسائل والسّبل.

المجد للأحواز العربيّة الصّامدة.
عاشت الأحواز العربيّة حرّة عربيّة عصيّة عن الفرسنة..
يسقط الاحتلال الفارسيّ البغيض.

أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
٢٠ / نيســان / ٢٠١٦





الجمعة ١٥ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / نيســان / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة