شبكة ذي قار
عـاجـل










 مر أربعون عاماً ( 1976-2016 ) قبل أن تكشف الوثائق الأمريكية عن العلاقات الوطيدة ما بين الخميني وثورته وبين الإدارة والاستخبارات الأمريكية، ولو لم يتم نشر هذه الوثائق بتفاصيل العلاقة الخطيرة عبر وسائل إعلام غربية لما آمن بها العرب، إذ كان يُنسب حديث العرب حول هذا الأمر إلى نظرية المؤامرة، لتحجيم العقل العربي، كجزء من المؤامرة ذاتها، وكان يُتهم قائله بالتطرف والعداء الآيديولوجي لتلك الثورة ( السامية ) .

( تفاصيل الوثائق على الرابط
https://www.theguardian.com/world/2016/jun/10/ayatollah-khomeini-jimmy-carter-administration-iran-revolution )

لقد أكّدت الوثائق الأمريكية، التي كُشف عنها في يونيو 2016، بموجب النظام الأمريكي في الكشف عن وثائق الدولة السرية، تفاصيل علاقة إدارة الرئيس الأمريكي كارتر ( الحزب الديمقراطي ) بالخميني، من المنفى إلى سدة الحكم، وحتى هذه الوثائق لم تلق صدى إعلاميا عربيا يوازي حجم الحقائق التي أدت إلى الفوضى المتوحشة في عالمنا العربي، بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية ( 1980-1988 ) .

هذه الوثائق الجديدة جاءت لتؤكد ما نشره الصحفي الأمريكي الاستقصائي روبرت درايفوس ( Robert Dreyfuss ) ، في نهاية عام 1980، حول العلاقات الأمريكية الإيرانية، في كتابه الثمين «رهينة خميني ( Hostage to Khomeini ) »، والذي تكفلت بنشره صحيفة انتجلنس ريفيو ( Intelligence Review ) الأمريكية، التي كان يعمل فيها الكاتب... ذلك الكتاب أيضاً لم يلق صدى في عالمنا العربي في حينه. ( أرجو الاطلاع على مقال الكاتبة «قوس الأزمات والشرق الأوسط الجديد» http://akhbar-alkhaleej.com/13883/article/13523,html ) .

أكّدت الوثائق حجم الدور الأمريكي الجذري، بما فيه دور وكالة الاستخبارات الأمريكية ( CIA ) ، في ثورة الخميني ونجاحها، واستمرار دعمها في سدة الحكم في طهران. لقد كانت اللقاءات الأمريكية مستمرة مع الخميني وأعوانه في النجف ثم باريس ثم طهران، كما قام المبعوثون والمستشارون الأمريكيون بأدوارهم داخل إيران للإطاحة بالشاه ومغادرته للبلاد، ولتحييد دور جنرالات الجيش والأمن الإيرانيين لضمان نجاح الثورة، ثم ضمان انضمامهم الى نظام الملالي على أنقاض نظام الشاه.

إن هذه الوثائق تكشف حجم سذاجة السياسات العربية في علاقاتها مع الآخر، وتكشف أسباب وقوة العلاقة التحالفية الخفية بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية، وتكشف تآمر هذا التحالف ضدنا، وتكشف الحقيقة الغائبة حول عناصر بناء أكبر لوبي إيراني في أمريكا، والدعم الذي يحصل عليه ليقوم بدور يفوق دور كل المليشيات الإيرانية الموزعة في منطقتنا، بما فيهم حزب الله ... والغاية التي يعمل لها هي رعاية مصالح إيران في الخارج عبر جميع الأدوات المباحة وغير المباحة.

تدعونا هذه الوثائق بشكل أساسي الى الوقوف أمام تمثيلية العداء المعلن ما بين نظام جمهورية إيران الإسلامية ونظام «الشيطان الأكبر» الأمريكي، وهي التمثيلية ذاتها التي نسجت خيوط العلاقة ما بين الثورة الخمينية وبين ما يُدعى «جبهة المقاومة والممانعة»، كأهم مستلزمات اكتساب الشرعية الثورية التحررية... جاءت تلك الوثائق لتكشف زيف الثورة، وزيف ما أسبغ عليها من قدسية وثورية وتحررية لتكميم الأفواه وكسب الأتباع، وتسهيل تصديرها إلى منطقتنا، حتى تحولت إلى منطقة منكوبة بالطائفية.

أما الشراكة الأمريكية مع الجانب الإيراني في هذه اللعبة الملعونة فإنها دليل على استثمار الإدارة الأمريكية لعنصر كراهية شعوب العالم لسياساتها في تحقيق مصالحها العليا، بموجب مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».

أسس زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ( 1977-1981 ) ، القواعد الرئيسية لتلك العلاقات الأمريكية الإيرانية على استخدام بطاقة الأصولية الإسلامية في مواجهة الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن العشرين، وقد صرّح بذلك للصحافة حينها، ولم يخف فكرته الثابتة حول توظيف الأديان والطوائف الدينية كسلاح في الحرب السياسية للتأثير على المسلمين في الاتحاد السوفييتي، ولبثّ الفوضى وخلق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، التي وصفها بـ«منطقة قوس الأزمات»، مؤكِّدًا أن «مركز ثقل هذه المنطقة هو إيران». وفي مقابلة له مع صحيفة نيويورك تايمز بعد الثورة الخمينية، أعلن بريجنسكي أن واشنطن سترحب بقوى «الصحوة الإسلامية في الشرق الأوسط».

المثير في موضوع كشف الوثائق المذكورة أن عددا محدود جداً من وسائل الإعلام الغربية تناقلته، من دون إعطائه الكثير من الاهتمام، فظهر بأسلوب إخباري هامشي، ولم تُعرض عنواناً رئيسياً في الصفحات الأولى، ولا موضوعاً لحلقات حوارية، كما تتعامل هذه الوسائل عادة مع أصغر الصغائر التي تقع في بلداننا العربية... لا بل تداولت فضيحة العلاقة بين «روح الله الخميني»، الذي أسبغت عليه ( BBC ) سابقاً لقب «قائد أعظم ثورة تحررية في القرن العشرين»، ضد «الشيطان الأكبر»، تداولت موضوع علاقته مع الشيطان الأكبر ذاته، وكأنها حديث عن حفل عشاء، أو عن مهرجان لمصارعة الثيران، أو حفل زفاف أحد المشاهير، متجاهلة عناصرها الخطيرة، التي مازالت تلقي بتبعاتها المدمرة على واقع حال المنطقة العربية.

لربما نعذر وسائل إعلام الغرب بمنحاها الإعلامي المتحيز، لأنها تعمل على تبرئة بلدانها المتآمرة، فحاولت إلباسها لباس الرهبان، بأسلوب إعلامي متقن ومدروس، إلا أننا لا نجد عذراً لإعلامنا العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، في تعامله العفوي والساذج مع هذه الوثائق الخطيرة.

sameera@binrajab.com
اخبار الخليج : ٢٧ يونيو ٢٠١٦





الثلاثاء ٢٣ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سميرة رجب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة