شبكة ذي قار
عـاجـل










هل يولد الإنسان مرتين ، يوم عندما ترى عيناه الضوء ، ويعلن قدومه للحياة ، وآخر عندما يصنع من حياته مجداً ، يمارس دوراً غير مسبوق ، فمن يستطيع فعل ذلك هم القليلون الذين ركبوا الصعاب ، وتحدوا المألوف في سبر الحياة ، وأعلنوا أن الحياة ليست أياماً تمر بلا هدف ولا قيمة ، فالحياة هي إنجاز عملي يحاول المرء فيها أن يصنع ما لايستطيع الآخرون فعله .

وحدهم الرجال الذين يصنعون الحياة ، الذين يرسمون الأهداف ، ويخططون للإنجازات العظيمة ، وهؤلاء ليسوا متواجدين في كل مكان ، فهم قليلون لأنهم الذين يتحدون الحياة ، فيعملون على تغيير الواقع ، ومن يستطيع العمل على تغيير الواقع غير الناس المتميزين على أقرانهم ، والمتحدين ذواتهم ، فهم الأول في كل شيء ، وهم السباقون في كل فعل وعطاء ؟ .

لن تجد لهؤلاء مثيلاً كثيراً في دروب الحياة ، فهم ندرة من يتغلب على ذاته ، ويصنع الفعل الاختراقي لناموس الحياة ، ليصنع مجد أمة ، وليشق طريق حياة مملوءة بالنضال في سبيل الإنسان ، ورقيه ورفعة شأنه ، فهؤلاء يحترقون ليضيؤوا الطريق لغيرهم ، وهم من يصنع تاريخ البشرية عموماً ، وقد تبحث عنهم ولن تجدهم في كل مكان وزمان ، فالزمان في كثير من الاحوال يبخل بولادتهم ، وكذلك المكان يضّيق الخناق على مسرح الاحداث الذي يتواجدون فيه حد ضياعهم بين عموم البشر .

صدام حسين ومن سبقه من العظماء الذين شقوا الطريق لأمة تبحث عن ذاتها في ظل الظروف الصعبة ، قد استطاع في ظل ما يدور في العراق مكاناً وزماناً وإنساناً بنى مجداً على الارض ، وصنع إنساناً وأعلى مكاناً ، فقد بنى نموذجاً نضالياً على أرض العراق ، مؤطراً بنظام سياسي وطني ، وخلق إنساناً يتوق للحياة ، حياة النضال في زمن تتلاطم فيه الأمواج ليست على أرض العراق فحسب ، بل أرض الامة الممتدة من الماء إلى الماء .

النموذج الذي بناه صدام أوغر قلوب الحاقدين ، وأجج حول العراق كل المتربصين ، وسارعت كل قوى البغي والشر لهدم البنيان والإلتفاف على النومذج المتميز في الارض العربية القاحلة الجرداء ، حتى الأرض العربية هذه ومن عليها وقفت ضد نموذج يرون فيه أنه خطر عليهم ، لأنهم تعودوا أن لايكونوا إلا في مؤخرة القاطرة الاخيرة من المسيرة ، فكيف بهؤلاء المتخاذلين إلا أن يحاربوا نموذجاً يتجاوز تخاذلهم ؟ ، فبالقدر الذي كان يسير فيه صدام بنموذجه إلى العلى بالقدر الذي كان فيه الاشرار والمتخاذلون يضعون له العصي في الدواليب ، حتى أعجزتهم كل الحيل التي مارسوها ، فسارعوا إلى الغزو والعدوان ، لتهديم البيت على ساكنيه للخلاص من النموذج وصاحبه .

ظن هؤلاء خاسئين أن في مقدور غزوهم واحتلالهم وتدمير اعمدة البيت على ساكنيه أنهم قد تخلصوا من النموذج العراقي الصدامي ، ولكنهم يا لبؤسهم ما فطنوا أن هذا النموذج قد ضرب جذوره في الارض ، فهناك من يدافع عنه ، ويبذل الروح في سبيل بقائه شامخاً رغم كل الظروف والتحديات ، فقد كان صدام صاحب مشروع بكل مقوماته المادية والفكرية ، فإن دمروا جوانبه المادية فما باستطاعتهم أن يدمروا جوانبه الفكرية فأسقط في أيديهم ، وبدلاً من اجتثاث النموذج خرجت عليهم أفاعي الشر لتحصد الأخضر واليابس ، ولعلهم على طريق هذه الافاعي .

ما مات النموذج بالقدر الذي مات هؤلاء الذين ارادوا له الشر ، فستعود الحياة من جديد كما عاد صدام يوم استشهاده ، التي كانت تعميقاً لايمانه بالمسيرة ، وتعزيزاً للنموذج الذي صنعه على الارض ، وغرس أفكاره في صدور المناضلين ، فالفكر لن يموت وهناك من يحمله على أكفه ، ويحنو عليه بين ضلوعه ، ويقدم روحه في سبيل استمراريته ، وهو ما يجري على الارض العراقية ، وفي كل نفس تتنفس الروح العروبية على امتداد الوطن العربي ، وحتى في كل بقعة على الكرة الارضية يتواجد فيها عروبي يفهم حقيقة الدور الملقى على عاتق أمته .

هل عرفنا لماذا أن يوم استشهاد صدام كان يوم عيد ميلاد جديد نحتفي به ؟ ، لأن النموذج الذي بناه ما زالت جذوره ضاربة في عمق الارض ، فنم قرير العين سيدي فإن رفاقك على الدرب سائرون ، و جحافل أمتك تبشر بأن يوم نصرها لقريب ، فهي أمة الممانعة والمقاومة ، وأمة الرسالة ، وهل هناك من أمة آمنت بدورها تكون هذه سماتها لا تحقق النصر ؟ ، وهي تقدم الشهادة أمام الله على طبق من ذهب ، كما قدمت أنت شهادتك يوم استشهادك ، رحمك الله سيدي ، ورزقنا الشهادة على طريق نصرة الحق ، حق الامة في الحياة .

dr_fraijat45@yahoo.com
 





الاحد ٣ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة