شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

العالم يتشكل ، وقواه الفاعلة على المسرح السياسي الدولي والأقليمي تتحوَل .. وبعض من هذه القوى يحاول أن يجهض بروز القوى الأخرى ويمنع صعودها بمختلف الوسائل الممكنة والمتاحة حتى لو كانت خارج أطر القانون والشرعية الدولية.. وتكاد ( شرعنة ) القوة هي التي تكيف السياسة وتلوي الأذرع وتفرض الأمر الواقع بالتوافق أو بالشراكة أو من خلال الحروب بالإنابة .. والبعض الآخر من القوى يتربص بفراغات الأمن ليملأها بالتدخل المسلح النظامي التوافقي ( روسيا ) وبالتدخل المسلح غير النظامي التوسعي ( إيران ) .. وبالتسلح العسكري والأستخباري الناعم والخشن ( أمريكا ) .. وبالقضم الاستيطاني الاستعماري ( إسرائيل ) .. مصادر الإرهاب تكمن في ثلاث إيران و ( إسرائيل ) وأمريكا .. وما لم تعالج مسببات الإرهاب وتُحَجَّمْ دول الإرهاب فلن يستقر العالم ويظل عرضة للاضطراب وانعدام الأمن وعجز التنمية .

- ما الذي يرسمه مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني للمستقبل؟ :

- ظاهرة العولمة وحقيقتها ومصيرها :

1- ما الذي يرسمه المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني ؟ :

بات واضحًا إن الصين تكرس نظامًا أنموذجًا للحكم ، ليس لإعمامه على العالم كما يعتقد المفكر السياسي الأمريكي " جون ميرشيمر " ، من أن ( الصين لن تنهض سلميًا ) ، إنما لإكمال ثبات النموذج على قاعدة إقتصادية رصينة تتأسس عليها قدرات عسكرية ( دفاعية ) وليست مُهدِدَة للسلم والأمن الدوليين .. فعلى الرغم من مظاهر النفوذ الصيني بالقرب من مضيق باب المندب ( جيبوتي ) و ( الصومال ) و ( زيمبابوي ) ، ومحاولات إقحام الشركات الصينية الكبرى في إستطلاعات مناطق تراها الصين ليس نفوذًا سياسيًا ، إنما أسواق تجارية ممكنة الاستثمار ، ونسج شبكة علاقات من أجل إقامة مؤسسات تحالفية من تلك الشبكات لتعزيز النظم الإقليمية خدمة لمصالحها واستتبابًا للأمن والسلم الدوليين .

الصين تبحث عن أسواق بحكم نموها الاقتصادي المتصاعد ومعدلات إنتاجها ، التي تحتاج إلى تصريف خارجي ، في آسيا والخليج العربي صوب القارة الأفريقية ، إضافة إلى الأسواق الأوربية .. والنهوض الصيني الاقتصادي والصناعي وتقنياته المتطورة ، هي في حقيقته تحولات متوازنة بين القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية لها مؤثراتها في مجرى بلورة نظام دولي جديد ، فيما تتراجع قدرات الولايات المتحدة الاقتصادية وغيرها عدا النووية في مجال تصريف السياسات وضبط مفاتيح الصراعات الاقليمية .

- يقول المفكر الاستراتيجي الأمريكي " جوزيف ناي " الذي تحدث سابقًا عن مفهوم القوة الناعمة خلال ولاية " أوباما " ( إن نهوض الصين سيكون الاختزال من القوة الأمريكية التقليدية المعلنة حول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ) ، ويُشَبهْ الإزاحة كما قامت بها أمريكا للوجود البريطاني في الشرق الأوسط .. ولكن ، هذا التصور يبدو قاصرًا ، لأن بريطانيا استعمار وأن أمريكا إمبريالية ، وأن الإزاحة جاءت في إطار التنافس والصراع على مناطق النفوذ بوجه إستعماري .. والفرق واضح حيال الصين ، التي تريد أن تبلور قطبيتها في نظام متعدد الأقطاب .

- فإذا كان التوسع في الانتاج يضع الصين في مرتبة التنافس ، فإن ذلك يضعها في مسار تحديث الجيش وبناء سلاحها البحري على درجة عالية من القدرة والأهمية ، حيث ترى الصين أنها مهددة من بحرها فعززت رؤيتها الدفاعية بميزانية عسكرية ملحوظة من أجل تحديث جيشها الدفاعي .. بكين لا ترغب بأن تُجْهَضْ جهودها من أي طرف حتى لو كان صديقًا أو حليفًا ولا يمكن أن تكون ذيلاً لموسكو ، كما باتت لندن ذيلاً مستدامًا لواشنطن !! .

- ولكن الصين تواجه أربعة أخطار اقتصادية :

1- زيادة الاعتماد على الديون لتمويل عملية النمو العام .

2- فشل القطاع العام الذي تتولاه الدولة .

3- زيادة معدلات النمو والقدرة الانتاجية الصناعية .

4- صعوبة الحصول على الأسواق بما يتناسب ومعدلات الانتاج وازدياد النمو الاقتصادي والصناعي .

5- تزايد فشل الكثير من الشركات الصينية بسبب تراكم الديون المحلية .. هذه الشركات مدعومة من لدن الدولة الصينية لسبب ( المحافظة على وظائف العاملين فيها ومنع تسريحهم ) !! .

6- الحلول الواقعية تشير إلى تقنين معدلات النمو الاقتصادي والصناعي بما يتوازى مع الحاجة إلى الأسواق واستيعابها من جهة ومع السياسات الاقتصادية المرسومة من قبل الكارتلات العالمية من جهة أخرى .

ماذا ترسم سياسة الصين الخارجية بعد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني ؟ :

- في الوقت الذي ينشغل فيه الغرب بأزماته السياسية والاقتصادية ومشكلاته الأمنية ، تحقق الصين قفزاتها النهضوية كما أشار إليها مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر في بكين وهو يرسم ملامح سياسة خارجية لثلاثين عامًا قادمة .. وفي الوقت الذي يعاني فيه الغرب من ( حركات شعبوية ) و ( انفصالية ) و ( نزاعات داخلية ) و ( هجرات ) و ( إرهاب ) ، تحقق الصين تكنولوجيا ما يسمى بالذكاء الاصطناعي وإحياء طريق ( الحرير ) التجاري على أساس العولمة التي تستسيغها على وفق طريق ( العصرنة ) أو التحديث .

- إن النظريات السائدة ، التي شغلت تفكير العالم حول صعود الدول وهبوطها لم يعد لها قيمة تذكر ، كما أن ما يسمى خصخصة عمليات الانتاج وتحويل الملكية العامة إلى خاصة ، مكن الصين من دمج الاشتراكية مع اقتصادات السوق في كيان واحد خلافًا لنهج الخصخصة المدعومة بالانتخابات ( الديمقراطية ) ، التي أفشلت الكثير من سياسات الدول الأخرى .

- لقد استطاعت الصين أن تصهر الأفكار ( الماركسية – الماوية ) مع الفكر الفلسفي ( الكونفوشيوسي ) .. وخلاصة هذا الانصهار ، الذي قطع شوطًا طويًلا منذ المسيرة الكبرى لـ ( ماتسي تونغ ) عبر ( دنغ تسشياو بينغ ) ، وضع الصين على أعتاب عصر القطبية وتحولاتها نحو التعددية .. يقول ( ستيف تسانغ ) المحلل السياسي ( إن المؤتمر الحزبي الذي عقد مؤخرًا في بكين يمثل نقلة من سياسة الرئيس الصيني الأسبق " دنغ تسشياو بينغ "، التي تبنت الاصلاح والانفتاح على الاستثمار الرأسمالي ، إلى عهد جديد بات فيه الحزب الشيوعي الصيني واثقًا من تنمية نموذجه الاشتراكي .. فلم تعد الصين تنظر إلى خارج حدودها لتستلهم الطموح والحلم ، فهي باتت تشدد على رفضها لأي أنموذج ديمقراطي غربي ) .. ولكن مثل هذه النقلة أو التحول أو الاصلاح أو الانفتاح لم تبدأ بكين بها من ( الرأس ) القيادي للدولة الصينية ، إنما من ( القاعدة ) الاقتصادية والاجتماعية وبصورة مقننة ، فيما بدأ الاتحاد السوفياتي إصلاحاته وتحديثاته الـ ( غلاسنوست ) والـ ( بروسترويكا ) بتغيرات من ( الرأس ) أولاً ، حيث أربك كل شيء وفتح ثغرات قاتلة في الهيكل السياسي والبنيوي للدولة ، الأمر الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي إضافة إلى عوامل أخرى يقع في مقدمتها ( سباق التسلح ) .

- ويبدو أن النمو الاقتصادي ، الذي تتصاعد معدلاته دون حساب المنافسات والأسواق الخارجية ، سيخلق إشكالات تفرزها ما يسمى جماعات المصالح ، التي تتميز بالتفاوت في مداخيلها وثرواتها وتتمسك بسلطاتها وبالنفوذ ، الذي تكرسه مرحلة التحولات .. وهو الأمر الذي يشكل تحديًا مستقبليًا للقيادة السياسية الصينية وهي في قمة نجاحها في بناء قاعدة اقتصادية متماسكة ورصينة تعزز ( قدراتها ) نحو القطبية المؤكدة .

2- ظاهرة العولمة وحقيقتها ومصيرها :

ليست إشكالية العولمة - ونحن نتحدث عن التطور الحتمي للمجتمعات الإنسانية - في صيغتها إلا إشكالية أوربية خالصة ، فهي كما نراها محاولة تحويل مسار التاريخ إلى بُعْدٍ واحد وإلغاء الأبعاد الأخرى الوطنية والقومية وتغيير مجرى روافدها الاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية .. إلخ ، كما إنها محاولة لإلغاء محددات الوجود الأسمى للتاريخ ، وإيقاف التراكم التاريخي للشعوب ، غير أن التجربة الإنسانية في هذا المكان تشكل تراكمًا تاريخيًا يسهم في إكمال وإنضاج تجارب إنسانية في مكان آخر.. فهي إذن ، شرط ضروري في مجمل التجارب الإنسانية الأخرى .. فكيف يتحول مسار التاريخ الإنساني إلى بُعْدٍ واحد ؟! .

إن مسألة الإستلاب الوجودي لفهم التجربة في علاقاتها بتجارب إنسانية أخرى يعرض الحضارات الإنسانية الأساسية إلى الانحلال ، لأن مكوناتها ومقوماتها والجذور التي تتأسس عليها تختلف من حضارة إلى أخرى بحكم قولنين الطبيعة وقوانين التاريخ .

وعلى أساس هذا الفهم ، فأن التعارض أو التلاقي ما بين الثقافات الإنسانية مسألة مهمة والتعامل معها يشترط التحديد في أن الأساسي يتلاقى والثانوي في ما بينها قد يتعارض ويتنافى ، ولكن لا ينبغي التسليم باشتراط نفي الآخر بالجملة وتحويله إلى تابع من الدرجة الأولى !! .

إن إشكالية العولمة في صيغة أُطروحتها الحالية هي إشكالية أوربية أمريكية محضة وإن في هذه الإشكالية مصدرين : أحدهما إقتصادي والآخر ثقافي يتشكلان في وحدة الخوف من الخارج في أبعاده الحضارية .. فالعنصر الأول : يتعلق بإشكالية النسيج الاقتصادي والاجتماعي الأوربي في قمته المرفهة ، لأن الإشكالية في هذا المصدر تكمن في الخوف من نهوض الشرق .. أما المصدر الثاني : فيتعلق بإشكالية التهديد الناجم عن منافسة أمريكا الثقافية والاقتصادية لأوربا والعالم ، لكون أمريكا إمبريالية يعوزها العمق الحضاري .

ورغم ذلك ، فأن أوربا التي فقدت بعد الحرب العالمية الثانية سيادتها بفعل تبعيتها لأمريكا تحاول العودة لترسيخ دعائمها السيادية .. إذ ليست العولمة مشكلة كونية ، إنما هي مرض أمريكي يراد تصويره في شكل ظاهرة مطلقة ، والمعروف أن الإطلاق في العولمة ، يجعل العولمة تحكم بصورة الوهم وكأنها فعلاً أصبح البشر يعيشون في ما يسمى حقيقة الإمكان الوهمي للعولمة .. ولما كان الأمر يكمن في هذا المفهوم الذي يفرض خواص المركز الرأسمالي على الآخرين لتتشكل من ثم العولمة بذات البعد السلبي الاستعماري ، فأن التسليم بالإندماج أو الدفاع عن الخصوصية يحول مجرى العلاقات الإنسانية كما يحلو للغرب إلى صراعات بين أنموذجين أحدهما يمثل الحضارات الأساسية الراسخة ، والآخر يمثل التجمعات ذات النمط الحضاري الثانوي .. وهو صراع بين الأسمى الضعيف والأدنى القوي .. أعني الشرق والغرب !! .

ومن الغريب أن يدعي البعض بأن العولمة لها بُعْد كوني واحد هو نتاج الحتميات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والتاريخية .. إلخ ، التي تتشكل في بُعْدٍ أحادي ينسجم مع التفسير الأمريكي والصهيوني للعولمة ، الذي يؤدي تدريجيًا ومرحليًا إلى الهيمنة على مقدرات العالم ، حيث لا أديان ولا قوميات ولا هويات وطنية !! .

غير أن العوامل المحركة للصراع والتنافس في واقع السياسة الدولية لا تسمح بخلق نظام أحادي القطب عن طريق القوة ، والقوة في معناها العملياتي قد استخدمتها الولايات المتحدة في مجالين خطيرين هما : التدخل العسكري المباشر ، وإحكام قبضة العقوبات الاقتصادية .. وكلا هتان الأداتان تخالفان الاعراف والمواثيق الدولية باعتبارهما من أدوات الإبادة الجمعية وضد حقوق الشعوب فضلاً عن عدم اكتسابها الشرعية القانونية والاعتبارية .

ورغم الادعاء بأن العولمة تمثل المستقبل الانساني ، غير أنها في الحقيقة عولمة تسد كل آفاق الانساني ، عولمة المافيات المحلية في خدمة المافيا العالمية ، لكون العالم تحكمه ( أوليغارشيات ) مافيوية تستبعد بقية البشر.!!

- صياغة إشكالية العولمة :

- صراع القوتين العظميين حول معاهدة الصواريخ النووية لتعزيز القطبية :

يتبـــع ...





الجمعة ١٩ ربيع الاول ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة