شبكة ذي قار
عـاجـل










عرفت كبرى دول العالم ومن جاء معها وأعانها، أن تخطّط لاحتلال العراق وتدميره، ولكنها لم تعرف يوما أن تخطط لأي أمر آخر بعد هذا الاحتلال، غير الدمار والسلب والنهب والقتل وافتعال الحروب الداخلية والطائفية والإرهابية، وكل المأسي التي حلت بشعب العراق منذ غزو أرضه ولغاية اللحظة.

الحكومات التي تخاف على مستقبلها ومستقبل شعوبها، تعمل جاهدة على التخطيط للتعليم بشكل دقيق ابتداءً من المرحلة الابتدائية وانتهاءً بآخر مرحلة من التعليم الجامعي، بالإضافة إلى إدراج الاختصاصات العلمية والإنسانية التي تخدم سوق العمل في كل بلد حسب حاجته وطاقته الاستيعابية، كما أنّ نسبة التعليم الخاص، أو الذي يتم الإشراف عليه من قبل الدولة، يجب ألّا يتجاوز ما نسبته خمسة وعشرون بالمائة من نسبة التعليم الجامعي التابع للمؤسسات الحكومية ( المدنية والعسكرية )، وتعمل الحكومات والجهات ذات الصلة في أي بلد وفق معادلات محسوبة بشكل دقيق تعتمد في معطياتها على ( حاجة سوق العمل من اختصاص معين، نسبة البطالة بين الخريجين من نفس الاختصاص، نسبة استيعاب الوظائف في القطاع الحكومي والخاص من نفس الاختصاص، نسبة الخريجين المهاجرين من نفس الاختصاص، ملائمة الاختصاص مع خطط التنمية والمشاريع التي تنفذها الحكومة، نسبة السكان في كل منطقة جغرافية لعدد المختصين في مجال معين ) .. هذه المعايير يتم ترجمتها لأرقام بمعادلات حسابية فتظهر على أساسها أعداد ما هو مطلوب من اختصاص معين في مجال معين، سواء كان إنسانيًا أو علميًا، ليتم تحويلها لأقسام الجامعات ويتم قبول الطلبة وتخريجهم على هذا الأساس ليخدموا سوق العمل والمجتمع ومن ثم الوطن ويبنوا مستقبلهم ويشقوا دربهم كمواطنين لهم حقوق على بلدهم كما أن لديهم واجبات يجب أن يلتزموا بها.

كل ما ذُكِر أعلاه يطبق في أغلب بلدان العالم وتلتزم به الحكومات والجهات المختصة، إلا في العراق بعد الاحتلال، وبمقارنة بسيطة فإن التعليم العالي في العراق كان قبل الاحتلال يشمل سبعة وعشرين جامعة على امتداد العراق، سبع عشرة جامعة منها حكومية مدنية إذا أضفنا لها الجامعات العسكرية (الكليتان العسكريتان وكلية الأركان)، فستصبح ثلاثين جامعة كانت تعتمد في التدريس على أرقى وأحدث المناهج وتخضع للمعايير العالمية وأساتذتها، تتلمذوا أغلبهم في جامعات أجنبية عريقة ولهم باع طويل في التدريس الجامعي وخبرة عميقة باختصاصاتهم.

بعد تاريخ الاحتلال المشؤوم أصبح الأمر عشوائياً، تماما فصار افتتاح الجامعات سواء الحكومية منها أو الخاصة، أسهل من افتتاح محل بقالة، وأصبح أمر التدريس أسهل من أي مهنة أخرى، فبالتزوير أصبحت الشهادات العليا متوفرة لكل مريد دون حساب أو كتاب، وتشير الإحصاءات الأخيرة لوزارة التعليم العالي العراقية إلى أن عدد الجامعات الحكومية والخاصة في العراق من أقصى شماله لأقصى جنوبه، وصل إلى تسعين جامعة؛ أي أنه تضاعف مرتين منذ زمن الاحتلال، وبالطبع هذا الرقم لا يشمل المعاهد التقنية والإدارية والزراعية والرياضية والإسلامية، التي ربما تصل أعدادها لما فوق المائة، والمتفحص للوهلة الأولى يجد أن الأمر جيدٌ، ويحسَبه نوعا من التقدم والتطور، ولكن لو دققنا النظر ونزلنا إلى أرض الواقع لوجدنا أن الأمر مغاير تماما، فهل من سائل يسأل لماذا بعد افتتاح كل هذا الجامعات هنالك بطالة؟ ولماذا نجد أن أصحاب الشهادات يعملون بأعمال غير اختصاصهم الذي درسوه؟ ولماذا عندما تتحاور مع طالب جامعي لا تجد عنده أياً من مقومات الثقافة العامة لا في اختصاصه ولا في أي اختصاص آخر؟ ولماذا هنالك أعداد كبيرة من حملة شهادة الماجستير والدكتوراه لا يجدون عملا رغم وجود هذه الجامعات الكثيرة؟

والأجوبة على كل تلك الأسئلة وغيرها، تكمن في أن عدد الجامعات لا يخص نظام بعينه، أو أن افتتاح الجامعات سيكون لفئة على حساب فئة أخرى، فالحكومة الشرعية التي سبقت سنين الاحتلال كانت تتبع المعايير التي ذكرت أعلاه في تحديد حاجة كل رقعة جغرافية لافتتاح جامعة أو كلية أو معهد، والأمر لا يرتكز على من يسكن في هذه المحافظة أو تلك، بقدر ارتكازه على نوعية المخرجات المطلوبة من هذا المنبر العلمي ولماذا تحتاجه تلك المنطقة، والدليل على ذلك أن نسبة البطالة بعد الاحتلال قد ارتفعت إلى أربعة وثلاثين بالمائة من نسبة السكان، وما يعادل ستة عشر بالمائة من فئة الخريجين، وبلغة الأرقام فإنّ اثني عشر مليون مواطن عاطل عن العمل، أو يعمل بوظيفة غير الاختصاص الذي درسه، وأن من بين الاثني عشر مليون مواطن هنالك مليوني شاب منهم خريج جامعي ( يحمل شهادة أكاديمية في اختصاص محدد ) حديث أو خريج منذ أربع سنوات أو ثماني سنوات وهي آخِر فترة قبل انتهاء التخطيط الحكومي للتعليم العالي، وبدأ التخطيط العشوائي الذي أتت به حكومات ما بعد الاحتلال.

نحن هنا أمام كارثة بمعنى الكلمة فالرقم مهول نسبة لبلد يمتلك ثروات ولكنه لا يشغِّل أبناءه، بل يقوم بافتتاح الجامعات لهم لكي يقنعهم بشهادة وهمية، ثم يقوم بإيقاف التوظيف الحكومي بحجة التقشف، أضف إلى ذلك أن جودة التعليم العالي تنحدر سنويا وبشكل سريع، فبعد أن كانت جامعة بغداد وهي من أقدم جامعات العراق وأعرقها ضمن تسلسل أفضل ثلاثمائة جامعة من جامعات قارة آسيا وإفريقيا، فهي اليوم تحتل الرقم ألف وثمانمائة وخمسة عشر (١٨١٥)، وهو تسلسل متأخر جدا نسبة لبلد من المفترض أنه يمتلك ثروات وقدرات، وميزانيته العمومية تقدر بمئات المليارات وربما أكثر.

أصبح افتتاح الجامعات واستحداثها أمرا تجاريا وبالاتفاق مع الوزارة لأن التعليم بعد أن كان مجانيا ( أصبح بمقابل )، حتى للتعليم الحكومي، وبما أن انعدام التخطيط وانتشار الفساد هو سمة من يحكم العراق بعد الاحتلال فلا عجب أن نرى هذا الكم من الجامعات مع انحدار المستوى العلمي والثقافي لشباب العراق لكي يبقى المواطن العراقي في تراجع ويستمر من يحكم في سرقة خيرات الوطن وثرواته.. هذا وسنتناول في الحلقة الثانية من سلسلتنا هذه، انعدام التخطيط وتأثيره على الاقتصاد!

يتبـــــــــــــــع ...

لجنة الثقافة والإعلام
هيئة طلبة وشباب العراق / تنظيمات الخارج





الثلاثاء ١ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحفاد حمورابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة