شبكة ذي قار
عـاجـل










حركة الاحتجاج الشعبي التي تحولت إلى انتفاضة شاملة وعمت كافة المدن الإيرانية تختلف عن تلك التي شهدتها البلاد عام / 2009. فيوم ذاك تمحور الاحتجاج حول التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية لمصلحة نجاد، أما اليوم فإن مروحة الشعارات التي تظلل الحراك تغطي كافة المطالب المطلبية والسياسية.

أما الجانب المطلبي للانتفاضة فأسبابه كثيرة، من ارتفاع أسعار السلع المعيشية إلى رفع الدعم الحكومي عن سلة خدمات أساسية، ومن ارتفاع نسبة البطالة الظاهرة والمقنعة إلى تراجع في قدرة الدولة على التدخل لدعم قطاعات إنتاجية وخدماتية.

وأما في الجانب السياسي، فأسبابه تتوزع بين بُعد داخلي وبُعد خارجي :

في البعد الداخلي، اشتد الصراع بين أجنحة "الحكم" والتي امتدت لتطال مراكز القوى والنفوذ في المؤسسة الدينية، كما بات التجاذب واضحاً بين وظائف وأدوار المؤسسات العسكرية والأمنية التي أدى تعددها إلى تعدد مراكز القوى المرتبطة بالمواقع السياسية والدينية النافذة، إضافة إلى ذلك، فإنه رغم المظهريات الديموقراطية الشكلية التي تتمثل بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية دورية، إلا أن هذا الشكليات لم تطمس حقيقة التحكم بمقدمات هذه الانتخابات ونتائجها من خلال الصلاحيات الممنوحة لهيئة تشخيص النظام، وصلاحيات المرشد المطلقة. وهذا ما انعكس تضييقاً على الحريات العامة وإتساع الحالات التي تنتهك فيها حقوق الإنسان، وأشدها قوة وعنفاً تلك التي تطال الحركات السياسية التي تطالب بحق تقرير مصير وخاصة في الأحواز. وقد صنفت إيران في ظل النظام الحالي بأنها من الدول التي تحتل مراتب متقدمة في انتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ أحكام الإعدام.

أما في البعد الخارجي، فإن إيران في ظل نظامها الحالي، ومنذ استلام الملالي للحكم فإنهم أداروا وجهتهم إلى الجوار وخاصة الجوار العربي. وخلال الأربعين سنة التي خلت كان النظام الإيراني أحد الأطراف الإشكالية في الواقع الإقليمي وتحديداً المدى القومي العربي. وقد بلغت تدخلات النظام الإيراني ذروتها في الفترة التي أعقبت غزو العراق واحتلاله وبانت أكثر وضوحاَ بعد الانسحاب الأميركي عشية عام /2011. منذ ذاك التاريخ، والنظم الإيراني يقدم نفسه طرفاً سياسياً في الصراع الذي تفجر في العديد من الأقطار العربية، بعد انطلاق الحراك الشعبي. وطيلة هذه المدة كان غض النظر الدولي، قائماً عما يقوم به النظام وحيث اتيحت له امكانية تحقيق نتائج لم يستطع التحالف الصهيو-أميركي أن يحققها في واقع الأوضاع العربية من تفكك بنيوي مع ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي والطائفي والاستثمار السياسي والأمني في حركات الترهيب الاجتماعي والتكفير الديني.

هذا الانتفاخ في دور النظام الإيراني ما كان يستطيعه لولا الرافعة الدولية التي توفرت له وغضت الطرف له، فضلاً عن استفادته من وجود أذرع أمنية وسياسية ترتبط بمراكز التحكم التوجيه الإيرانية. ولهذا كان لا بد لهذا العبء الذي يُحمل أثقالاً ، مادية وسياسية للنظام، من انعكاس سلبي على بنيته وقدرته على التحمل.

لقد حاول النظام الإيراني أن موظف نتائج الاتفاق النووي لتحقيق انفراج أوسع في علاقاته الدولية كما تخفيف نظام العقوبات المفروضة عليه، لكن كل ذلك لم يستطع أن يحقق تحولاً نوعياً في تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأن أسباب التعثر في حلحلة المشاكل الاقتصادية الاجتماعية يمكن إدراجها تحت البنود التالية :

1- إنه بعد الاتفاق النووي، ارتفع أنفاقه العسكري وبدأ يظهر نفسه نداً في سياق تسلح مع أميركا ودول الإقليم ولم يع أن سباق التسلح كان أحد أسباب سقوط النظام السوفياتي، وبالتالي فإن استفادته من عائدات من جراء الرفع الجزئي للعقوبات وظفت في الأنفاق العسكري ولم يوظف في حلحلة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية.

2- إن الثروة العراقية التي دأب على نهبها إبان حكومة المالكي شحت إلى حد كبير ولم يعد المال العراقي يضخ عبر القنوات السرية لخدمة الاستراتيجية الإيرانية وبشكل خاص التخلص من نظام العقوبات وتمويل العمل العسكري المرتبط بالنظام مباشرة ومداورة.

3- أدى تطور الأوضاع العسكرية والسياسية في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأقطار الخليج العربي إلى زيادة تورطه وتدخله وتغوله وبات يقدم نفسه بأنه اللاعب الأساسي في ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية واجتراح الحلول للأزمات البنيوية، وهذا ما زاد من عبء الخسائر البشرية والعسكرية والمالية وهذا الأنفاق كان على حساب تدخل الدولة اقتصادياً في الداخل بجانب منه.

4- من خلال هذا الانتفاخ لدوره بات النظام يعتبر نفسه شريكاً مضارباً في إنتاج التسويات وحفظ موقعه الإقليمي المقرر وتناسي أنه دخل على رافعة الإجازة الدولية وخاصة الأميركية بكل تحالفاتها وعلاقاتها الخاصة والمميزة مع المرتبطين معها بأحلاف استراتيجية علماً أنه في لحظة النتاج التسويات الدولية، تتراجع حكماً حصص قوى الإقليم كما حصص قوى الداخل.

5- إن الطريقة التي قدم النظام الإيراني نفسه من خلالها وعبر دوره المباشر بالتدخل في الشؤون الداخلية العربية، أخرج إلى العلن حقيقة مضمره السياسي، بتنفيذ أجندة فرض سيطرة وهيمنة على الجوار العربي، وهذا ما جعل كثيراً من المواقع العربية الرسمية تحدث نقله نوعية في استراتيجية تعاملها مع النظام الإيراني، كما طال التحول شرائح شعبية عربية واسعة كانت تقع تحت تأثير التضليل السياسي والإعلامي للنظام حول "جذرية" موقفه من الكيان الصهيوني.

كل هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ببعديها الداخلي والخارجي تجمعت في بوتقه الوعاء الشعبي الإيراني ولتأخذ طابع الانتفاضة الشعبية الشاملة. ولو لم تندلع الآن فإنها كانت ستندلع في المستقبل لأن كل أسباب الانفجار متوفرة وأن الأوضاع الداخلية لبلد تشكل من تنوع قومي ويمارس على أبنائه قمع سياسي واجتماعي وقهر قومي، ويقع على تماس مع جدار الصفيح الحامي لدول الجوار الإقليمي وخاصة العربي لا بد وأن ينفجر وأن تشتعل أوضاعه وها هي تباشيرها. إن هذه الانتفاضة وأن لم تصل إلى إمداءاتها في أحداث التغيير وإسقاط النظام إلا أنها تؤسس لواقع جديد لم يعد باستطاعة النظام تجاوز التداعيات التي تتولد عن حركة الاحتجاج الواسعة أخذاً بعين الاعتبار العاملين التاليين :

أولاً : ان الذين يضعون هذه الانتفاضة تحت عنوان نظرية المؤامرة يتجاهلون دائماً العامل الذاتي عند الشعوب والتي تنفجر عندما تختمر أوضاعها الذاتية وإذا كانت نظرية التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول أمر قائم في نظام العولمة السياسية، فالنظام الإيراني ومن يدافع عنه هم آخر من يحق له أن يتكلموا عن نظرية المؤامرة، و هذا النظام يشرب من نفس الكأس المر الذي سقى منه الآخرين.

ثانياً : ان رفع شعارات تتعلق بالأزمة المعيشية والاقتصادية والحريات العامة والمطالبة بحق تقرير المصر للمكونات القومية الغير فارسية قد لا يكون ملفتاً للنظر في حراك شعبي يأخذ طابع الانتفاضة الشاملة، لكن الملفت النظر، هو الدعوة للانسحاب من غزة ولبنان وسوريا،وأن هذا يبين بأن فلسطين ليست هماً شعبياً ولا هماً قومياً للإيرانيين، بعكس ما هو الواقع العربي حيث القضية الفلسطينية هي الهم القومي للأمة العربية وجماهيرها وأياً كانت مواقف الأنظمة منها، وهذا يعني أن موقف النظام الإيراني هو موقف فوقي من القضية الفلسطينية وهو للاستثمار السياسي، والاستغلال لهذه القضية نظراً لموقعها في الوجدان العربي، فالذي يعمل على تفكيك البنية الوطنية العربية لا يمكن أن يكون صادقاً في موقفه تجاه فلسطين وقضيتها. وإذا كانت قوى في الداخل العربي ترتبط بالنظام الإيراني تمويلاً وتوجيهاً وتتموضع في خانة الموقف المقاوم للكيان الصهيوني، فهذا التموضع لا تمليه العلاقة مع النظام بل تمليه طبيعة الحاضنة الشعبية التي هي عربية بانتمائها القومي. وإن موقفها تجه قضية فلسطين، باعثه هوية الانتماء القومي.

هذه الانتفاضة ستقرأ من زوايا مختلفة،وستختلف التقويمات بشأنها،وأنه على أهمية الانفتاح الإقليمي والدولي عليها، إلا أن الأهم هو تفاعلاتها الداخلية بكل الديناميكية التي تنطوي عليها وأن الحقيقة التي يحاول النظام تجاهلها ،أن إيران دولة مركبة،متعددة التكوين القومي،وهي كيان مكشوف وهذه ثابتة وعلى أساسها يجب أن تتحدد آليات التعاطي السياسي مع استراتجية هذا النظام داخلياً وخارجياً.





الجمعة ١٨ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة