شبكة ذي قار
عـاجـل










يعيش العرب وضعا جيوسياسيا غير مسبوق.:

* ثروات كبرى تتكدس عند البعض...، زهاء ثلث السكان، دول الخليج العربي، العراق ليبيا والجزائر، وندرة اقتصادية الى حد العدم لدى الغالبية الاخرى، سوريا ولبنان واليمن مصر والسودان وجيبوتي والصومال، تونس والمغرب وموريتانا... هذا دون احتساب الاحواز المحتلة ولا جزر القمر البعيدة...

* ولكن لا الاغنياء يملكون ثرواتهم ويتصرفون في ريعها الفقراء لم يصيبهم اليأس من نصيبهم في ثروة الاشقاء بدوافع الاخوة...

وتحولت هذه الثروة الى ما يشبه العبء او النقمة، على العرب أجمعين... لأنها لفتت انتباه واهتمام الدول العظمى واصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى، شركات ودول وحتى عصابات... بل وبتغير وضع العرب من مطلوبين كقاعدة متقدمة في صراع الاقوياء وممرا لمصالحهم العديدة عبر العالم... الى مطلوبين لذاتهم ارض معركة ومصدر الثروة.

ومورست عليهم كل استراتجيات التقسيم والصدمة والترويع.... حتى ان هذه الرقعة من العالم اصبحت بؤرة حرب وتوتر دائم وحاد منذ اواسط القرن الماضي... حرب 48 والثورة الجزائرية والعدوان الثلاثي فحرب 67 و حرب73 فحربي الخليح الاولى والثانية، العدوان الثلاثيني، وقبله العدوان على لبنان فئ 1982 وفي 2006 وصولا الى غزو العراق واحتلاله فالعدوان على ليبيا والاطاحة بنظامها وفي سوريا وفي اليمن... فاصبحت اخبار العرب هي اخبار الحرب ومديات الصواريخ وعدد طلعات الطائرات وعدد القتلى والمهجربن والنازحبن واللاجئين... والغريب ان العرب هم في نفس الوقت اداة هذه الحروب وضحاياها... وهذا ليس من باب الصدفة... بل هي مخططات، تكتيكات واستراتيجيات تستهدف الثروة العربية...

وعندما نتكلم عن الثروة... لا نعني فقط الثروات المعدنية... والطاقية... وانما كل الثروات... الادمغة العربية المغتربة، 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون ويعيشون في المهجر خارج الوطن العربي... وهذه بالطبع ثروة... وجود الاماكن المقدسة للاديان السماوية الثلاثة في الاراضي العربية... وجود اكثر من ثلثي الاثار العالمية في البلاد العربية... المياه... الاراضي الفلاحية الخصبة... وجود وطننا على ضفتي المتوسط... وقناة السويس... المناخ والطقس المعتدل واماكن الاصطياف... كل ذلك ثروات وثروات جبارة... لكل ذلك وحسب الطامعين او المستفيدين من هذه الثروات يحب ان يبقى حال الفرقة بين العرب، وحلال تشظي وطنهم كما هم عليه الان او اكثر...

والحقيقة كان العرب على مر تاريخهم بهذه الحالة قبل الاسلام وبعده... عدا تلك الفوصل الصغيرة من عمرهم...، فجر الاسلام او بدايات العصرين الاموي والعباسي... وحاربهم حتى المسلمون الذين اوصلوا لهم الرسالة... كالفرس والتتار والاتراك... ناهيك عن قوى الشرق والغرب البعيد...

نربط تلك الفواصل الزاهية من حياة العرب في فجر الاسلام او اثر وفاة علي وفوز معاوية، او حين انتصر العباسيون... ترتبط بنجاح ما لثورة ما... سواء ثورة سياسية تستهدف تغيير شخوص او مؤسسات الحكم، ام ثورة مجتمعية شاملة، تستهدف اكثر من ذلك كثورة محمد عليه الصلاة والسلام...

لا نريد ان يتحول النص الى نص تاريخي، ولكن لا بد من الاشارة الى ارتباط كل حالات النهوض الحضاري العربية بثورة ما... ثورة غيرت البنى الفوقية وخلقت عربا جددا كثورة النبي الاكرم، او ثورة غيرت البنى التحتية السياسية كما في بداية العصرين الاموي والعباسي... وحتى بعض النجاحات في العصر الحديث في هذا القطر او ذاك، ارتبطت بثورات محلية كما في مصر والعراق... وقد وعى خبراء واستراتجيو الاستعمار وقوى الهيمنة العسكرية والاقتصادية ذلك، وجاء 《مؤتمر لندن》 و《وثيقة كامبل بنيرمان》لتحبط اي ثورة عربية جديدة، وتحبط اي تخطيط ثوري... بداية من استهداف حركات المقاومة للاستعمار والحؤول دون وحدتها كما حصل في المغرب العربي وصولا الى 《سايكس بيكو》 و《وعد بلفور》... كلها كانت تستهدف رصيد اي ثورة فتثبط عزائمها وتحبط قياداتها وانصارها...

 البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للغرب، إلا أنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، أيضا هو مهد الأديان والحضارات، ولكن الإشكالية أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص؛ شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان.


وتوصي لجنة بنرمان ب :

1 -إبقاء شعب هذه المنطقة مفككا جاهلا متناحرا، من خلال حرمانه من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمه في هذا المجال، ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.

2 -محاربة أي توجه وحدوي فيها، والبدء بفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، ثم تقسيم كل جزء على حدة 》

مرة أخرى تضع القوى العظمى وحتى الاقليمية، العرب تحت السيطرة وتخيرهم بين ضرب استقرارهم وتفكيك مجتمعاتهم، وبين التخلي عن سيادتهم، عن قرارهم الوطني وعن ثرواتهم مقابل حماية مشاهد سياسية مصطنعة، لا وطنية ولا قومية في مجملها... حمايتهم من انتفاضات شعوبهم ومن شظايا الصراع والمنافسة الدولية حول الثروة في العالم وحول المواقع الجيوستراتيجية... وقد بينت كل الاحداث وجود تخطيط الاعداء بما في ذلك تحريك الانتفاضات والحروب الداخلية... واصبح الليبيون لا يتحدثون مع بعضهم الا بحضور مبعوث دولي... وكذلك اليمنيون والسوريون واصبحت احزاب العراق وحكامه لا يستنكفون من العمالة لهذا الطرف الدولي او الاقليمي او ذاك...

هكذا واقع عربي لا تفيد معه السياسات العادية، ولا الاحزاب العادية ولا تحركه المصالح والاهداف الصغيرة...

ولكن لو عدنا الى البدايات، كما يقول القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق ، لوجدنا ان حزب البعث اتملك هذا التشخيص وهذه القراءة... لذلك كان ابداعه ليس في تقديم حلول جدية..فقط . بل ايضا كان ابداعه في التفطن الى جدلية الترابط بين القطري والقومي سواء في مستوى التشخيص او في مستوى الحلول... قومية الاهداف والرجحان المعنوي للوحدة، البنية القومية للتنظيم... فكان البعث هو تلك الثورة/الرد الوحيد عن واقع الامة... ثورة تستهدي بثورة النبي الاكرم... وكانت ذكرى الرسول العربي عبارة عن بيان البعث Manifeste baâthiste، واعتبار روح تلك الثورة وليس الجانب الطقوسي فيها هي رسالة الامة... وتحولت تلك الطقوس الى قواعد تنظيمية تحكم كل التنظيم القومي... منذ البداية... بل ومنذ البحث عن 《تسمية للحزب》، بل لعله لم يكن هناك بحث وعناء بل فرض الاسم《البعث》فالبعث لغويا Resurrection يعني الثورة على واقع ميت فيحييه والاحياء اعظم اشكال الثورة واكثرها جذرية فهل يوجد بعد الموت عودة الا بالبعث ؟ فرض الاسم نفسه، كما تفرض كلمة 《الثورة》نفسها لكل تغيير جذري وقلب الامور راسا على عقب... الانقلابية بداية من الفرد على ذاته الى الامة على واقعها... فحورب الحزب وكثر اعداؤه... ومارسوا ضده《السرقة》كما في سورية، والاجتثاث كما في العراق والشيطنة والمنع كما في بقية اقطار الوطن العربي....

وقد كشفت الاحداث التي عاشها الوطن العربي خلال العقد الماضي حقائق خطيرة تجعل من كل مواطن عربي امام مسؤوليته التاريخية في التعاطي مع الخريطة السياسية للوطن العربي والذي اصبح مسرحا مكشوفا تتناظر فيه الاممية الدينية ( كل الحركات الدينية التي تتستر بالاسلام التابعة للحركة للسلفية او الخمينية الصفوية لمحاربة مشروع البعث العربي الاشتراكي ) والاممية الراسمالية ( بقيادة الصهيونية العالمية المعادية لمشروع البعث العربي الاشتراكي )، واليسار العربي التقليدي، يسار الاحزاب الشيوعية الرسمية... يتناظرون في التصدي لرؤية البعث لحل المعضلة العربية، بل ويتنافسون تنافسا مشبوها للفوز بدور الوكيل لدى القوى الامبريالية والصهيونية.... لتابيد حالة التحزئة والتخلف.

الوحدة ثورة، والحرية ثورة والاشتراكية ثورة، والثورة العربية خلاص للانسانية كلها بما تبشر به من ثورة في العلاقات الدولية... ثورة تصفي الارث الاستعماري والعلاقات الدولية في عالم اليوم القائمة على الهيمنة وعلى الاستغلال... وترسي معالم نظام دولي جديد قائم على التفاهم بين الشعوب والامم وعلى السلم وعلى احترام كرامة الانسان وحقوقه...

فحزب البعث استطاع في الظروف القومية البالغة الصعوبة والتعقيد خلال عشرات السنين من مسيرته أن يحافظ على إرادته ويحميها من التزييف والتعطيل والانحراف، ويحافظ على دوافعه الأصيلة الخيرة... بالرغم من كل ارادة الالغاء الذي تعرض ويتعرض لها على المستوى القطري والقومي والدولي... ولكنه يبقى ملاذ العراقيين لمقاومة الطائفية والعنصرية والتدخل الاجنبي، وسلاح السوريين ضد التكفيريين والميليشيات الطائفية والدفاع عن سيادة سورية وتحرير اراضيها... وخيمة الفلسطينيين من اجل وحدة المقاومة وصلابة الثورة... ويبقى طريق الوحدة المغاربية من اجل مزيد من الاندماج الثقافي والازدهار الاقتصادي... من اجل القضاء على الارهاب والبطالة والفساد... ووسيلة دول الجزيرة العربية الوحيدة، من اجل حماية اراضيهم وثرواتهم وجزر التدخلات الاقليمية في مجتمعاتهم...

البعث ثورة، وحال العرب لم يعد ينفع معه الاصلاح... ولكن المسؤولية هي اولا وبالذات تقع على البعثيين.





الاربعاء ٢٧ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عثمان بن حاج عمر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة