شبكة ذي قار
عـاجـل










في الكلمة الترحيبية التي ألقاها الرئيس الاسمي للعراق برهام صالح بمناسبة زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وصف العراق بأنه بلد محظوظ. وهذه "المحظوظية" لم ينلها لكونه بلد حضارات قديمة، من مثل الكلدانية والأشورية وقبلهما الأكادية، وليس لكونه سنت فيه أولى الشرائع الوضعية عبر قانون حمورابي، وبلد الجنائن المعلقة، ودعوة البني إبراهيم في أور وليس لكونه مقر الخلافة العباسية وما أنتجته في حقول العلم والفلسفة والأدب، وليس لكونه بلداً دارت على أرضه أبرز مواجهتين مع الجار الفارسي، في ذي وقار والقادسية وما ترتب عليهما من نتائج، وليس لكونه بلداً تعايشت فيه الأديان والمذاهب والقوميات، وليس لكونه في عصره الحديث، لعب دوراً محورياً في صراع العرب مع أعداءه دون الغوص في تسمياتهم وهم كثر، وليس لأنه أطلق مشروعاً نهضوياً لم يرح أخصامه الأقربين ولا أعدائه إلا بعدين.

إن برهام صالح الذين يتقن العربية لغة لا تاريخاً ، لم يشر إلى كل هذه المحطات المضيئة في تاريخ العراق القديم والوسيط والحديث، ولم يتوقف كثيراً عند انتماء العراق لعروبته وهي الهوية القومية الجامعة للعرب من المحيط الخليج العربي.

إن العراق بنظر صالح، محظوظ لأنه محاط بجيران من مثل إيران وتركيا ودول أخرى لم يسمها وهي عربية بطبيعة الحال.

إن أحداً لا يناقش ولا يجادل بمتاخمة هذه الدول للعراق والمقصود إيران وتركيا، فهاتان الدولتان تعتبران من الدول العميقة في العالم وتمتد جذورهما الكيانية إلى آلاف سنين من التاريخ البشري. لكن لا نعرف ما هي المعايير التي استند إليها برهام صالح لاعتبار العراق محظوظاً بكونه مجاوراً لإيران وتركيا.

عندما يكون بلد محظوظ بدول جواره، فهذا يفترض أن تكون العلاقات قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون بعضهم بعضاً ،وعلى احترام المواثيق والعهود الدولية وكل ما له صلة بانتظام العلاقات الدولية. ولو تمت مقاربة هذه العناوين ، مع حقيقة ما هو قائم وبنسب متفاوتة بين الموقعين الإيراني والتركي لتبين أن الأمر هو عكس ذلك تماماً.

بالنسبة لإيران، هي تحتل الأحواز العربية واحتلالها استيطاني، وطامس للهوية القومية لسكانها العرب الأصليين والأصيلين. وهي تسمي الخليج بالخليج الفارسي، في تأكيد مضمرها بأن الضفة الغربية للخليج إنما هي جزء من بلاد فارس، وأن الخليج هو بحيرة فارسية. وإيران قبل حصول التغيير واستلام المؤسسة الدينية للسلطة، كانت تقدم نفسها بأنها شرطي الخليج، وبعد حصول التغيير واستلام الملالي للحكم، جاهرت بعدائها الفكري والسياسي للعروبة والعرب وبدأت بالتحريض الذي كان من نتائجه توفير المناخات والسلوكيات التي أدت إلى وقوع حرب استمرت ثماني سنوات.

الأمثلة كثيرة التي تبين طبيعة السلوكية "الإيرانية حيال العراق. منها على سبيل المثال لا الحصر رعايتها أعمال التخريب في الداخل العراقي، وابرزها ما سبق حرب الثماني سنوات وأثنائها وما أعقب حرب 1991، والتواطؤ مع أميركا في تسهيل احتلال العراق، ومن ثم ممارسة دور المحتل من الباطن بداية ومن ثم المحتل المكشوف بعد الخروج الأميركي والذي نتج عنه: فتح الحدود وتدفق الإيرانيين بالملايين وتجنيسهم وتشكيل ميليشيات طائفية ومذهبية لعبت الدور الأخطر في تفتيت البنى المجتمعية وتدمير المدن وتهجير السكان وتغيير التركيب الديموغرافي، وتعميم ثقافة اجتماعية تتعارض والمنظومة القيمية للثقافة العربية، وإفساد المجتمع من خلال إدخال تقاليد غريبة عن التقاليد العربية، وإغراق البلاد بالرموز الإيرانية على حساب الرموز الوطنية والتاريخية. واللائحة تطول لتنتهي بإدعاء المسؤولين الإيرانيين، بأن إيران باتت تسيطر على العراق، وأن بغداد ستعود عاصمة تاريخية للامبراطورية الفارسية ، فضلاً عن كون نفط العراق ومردوده وضع في خدمة الاقتصاد الإيراني، وأن حصة العراق من مياه الأنهار الدولية تخضع للمزاجية الإيرانية وهي ورقة ضغط. وأكثر من ذلك الرعاية الإيرانية لإغراق العراق بالمخدرات وبخلاصة العبارة تحويل العراق ساحة للمصالح الإيرانية التي استفادت من المنظومة الحاكمة التي أفرزها الاحتلال الأميركي ورعاها الاحتلال الإيراني، ومعها تحول العراق إلى ركام سياسي تديره منظومة فاسدة نهبت ثروة العراق وأفقرت أبنائه.

إذا كان كل هذا الذي قامت وتقوم به إيران جعلت من العراق بلداً محظوظاً بنظر برهام صالح، فكيف سيكون الحال لو لم يكن محظوظاً بهذه الجيرة "الحسنة" ان العراق سيكون أثراً بعد عين.

وما يقال عن إيران يقال أيضاً عن الجار التركي، فهو يعتبر أن له مصالح حيوية في العراق، وهو يتدخل عبر الضغط على مصادر المياه / دجلة والفرات، وعبر التدخل في شمال العراق تارة في تعامله مع العامل الكردي، وتارة عبر إثارة موضوع الأقلية التركمانية والتي يعتبرها جالية قومية تركية تقيّم في العراق، تبرر له حق التدخل وقس على ذلك.

في ضوء هذه المعطيات القائمة حالياً في إطار العلاقات بين العراق والجارين الإيراني والتركي، فإن كلام برهام صالح هو في عالم آخر وهو لا يمت بصلة لحقيقة الواقع القائم وكأنه يتكلم في عالم افتراضي.

في ضوء ما تستفيد منه إيران من العراق وما يستفيد منه العراق، تبدو المفارقة واضحة حيث أن العراق بات ساحة مكشوفة توظف كل إمكاناتها لخدمة إيران ومصالحها ومشروعها وهي المستفيد من استمرار هذه الحالة، فيما العراق هو المتضرر باستثناء المنظومة الحاكمة المغرقة في فسادها. فهل كانت إيران تحلم بوضع سياسي في العراق أفضل مما هو قائم حالياً؟ بطبيعة الحال، لا.

وما اعتبره برهام صالح أن بلاده محظوظة بجيرة إيران، كان يفترض بروحاني أن يقوله، وأن بلاده محظوظة بجيرة عراق سلمت مفاتيحه إدارته السياسية ومقدراته لحكام إيران ولو كان برهام صالح صادقاً مع نفسه لكان خاطب روحاني "سيدي" أنكم محظوظون بنا وهذه الفرصة اغتنموها لأنها لن تكرر مع غيرنا: " إللي استحوا ماتوا."





السبت ١٠ رجــب ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أذار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة