شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يختلف عاقلان على أن استهداف العراق بما انطوى عليه من همجية ووحشية وإرهاب فظيع إنما كان مخططا امبرياليا استعماريا صهيونيا مركبا تم الإعداد له بعناية فائقة وبشكل مدروس دراسة دقيقة، وأنه لم يكن بأي شكل من الأشكال حماقة أو نزوة أو خطأ كما يحاول البعض الترويج إليه، كما أنه لم يكن ليتوقف عند حدود العراق رغم فهمنا العميق لكارثية توقفه عند عتباته.

وإنه وبناء عليه، لا يختلف عاقلان بالقدر نفسه على أن غزو العراق كان فاتحة المخطط الامبريالي الكبير الخبيث الذي يستهدف العرب جميعا ويعمل على معاودة تقسيم الوطن العربي وتفتيته لكنتونات إثنية وعرقية ودويلات طائفية متناثرة لا حول لها ولا قوة، حتى يبقي المتحكمون بالعالم واللاعبون الكبار على مصالحهم في إحدى أخطر الرقع الجغراسياسية في العالم وأشدها أهمية وأكثرها ثراء من حيث الموارد الطبيعية المتنوعة والمقدرات الطاقية الهائلة ومن حيث المخزون الحضاري والروحي والقيمي والفكري والثقافي والتاريخي وغير ذلك.

ويدلل التخريب فائق الضراوة وشديد البشاعة والتدمير الممنهج لكل البنى التحتية والفوقية في العراق على مدى ما صمم عليه الغزاة وعلى رهاناتهم الحقيقية من وراء مشروعهم الشيطاني الآثم ومنقطع النظير في التاريخ البشري كله، ذلك أن تطويع العراق وتركيعه وتدميره بما له من ثقل في الموازنة القومية العربية على جميع الصعد سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا وأمنيا وعسكريا وتاريخيا، من شأنه أن يشرع بقية أبواب العواصم والأقطار العربية فتستباح بيسر شديد بعدما تلحقه بمكوناتها مشاهد الترويع والتخريب المتسارعة في العراق بشكل هيستيري، من آثار سلبية وتدفعها للاستسلام والرضوخ والقبول بواقع الحال الجديد المفروض.

إنه ما من حاجة لمعاودة التذكير بأسباب انطلاق هذا المشروع الامبريالي الاستعماري الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، وإنه ما من مبرر لتكرار استعراض موجبات البدء بالنظام الوطني العراقي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وعقيدته القومية العربية التحررية الانبعاثية الإنسانية الرسالية، حتى نفهم ونخلص إلى أن غزو العراق كان في الحقيقة إيذانا بمباشرة عملية اكتساح شامل وعميق الأمة العربية قاطبة.

وها أن الأيام بما حملته في طياتها من تطورات متسارعة أترعت بانكشاف شامل وتهاوي عميق وانخرام مفزع للأوضاع العربية على امتداد الساحة العربية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن السبب الأساسي في ذلك كله هو تغييب العراق وتدميره واجتثاث طليعته الثورية الانقلابية التي حمل لواءها نظامه الوطني الذي التزم طيلة انتصابه بمصالح الأمة وتعهد بالدفاع عنها قولا وفعلا في صفحات كثيرة يضيق المجال للتذكير بها.

لقد تعرى ظهر الأمة باستباحة العراق، كما انتهكت كل المحرمات العربية منذ 9 افريل - نيسان 2003، وتواتر تكالب الأمم والأعداء والطامعين والحاقدين على العرب والعروبة معا، فكشرت الطائفية بما تمثله من سلاح فتاك قاتل عن أنيابها، ومزقت الجسد العربي في عدد كبير من الأقطار العربية، وازداد تشظي البلاد العربية، وأطل العدو الفارسي الإيراني الصفوي بأحقاد التاريخ المتعاقبة من العراق وتوغل في الجسد العربي وعاث فيه فسادا وأثخن فيه الجراح، كما بلغ الإرهاب الصهيوني مبالغ هيستيرية ما بلغها من قبل، حتى وصلت الخطط التصفوية للقضية الفلسطينية حدودا فظيعة ساهم التخاذل والتهاون العربي في منح العدو الصهيوني المدعوم غربيا سيما أمريكيا مرونة كبرى على طريق تحقيق مآربه فيها.

وتزداد الأوضاع العربية سوءا ومأساوية مع ما تمر به مصر من مؤامرة كونية لا يتفطن إليها إلا العارفون بطرائق تفكير الأعداء، ومع ما تشهده كل من سورية واليمن وليبيا من دوامة حروب مفتوحة تكاد تمسحها من الخريطة، دون نسيان الجرائم الاحتلالية الفارسية العنصرية في الأحواز العربية وما يرشح عنها من إبادة عرقية لشعب الأحواز تماما كما يجري في العراق، ناهيك عن التحرش الفارسي بالخليج العربي.

ومن المؤكد أن هذه الأوضاع العربية المنخرمة والتي هي سليلة زلزال غزو العراق، كانت ستكون تداعياتها أشد كارثية وأخطر تعقيدا لولا صمود العراق بمقاومته البطلة التي فجرها حزب البعث العربي الاشتراكي وحلفائه وجيش العراق الباسل بوجه الغزاة منذ اليوم الأول للاحتلال والتفاف شعبه حولها، ولكان حينها قد تحقق ما بشرت به الإدارة الأمريكية المجرمة وما سمته بالشرق الأوسط الجديد.

لقد شددنا مرارا، وأكدنا دوما على أنه لا أمل للأمة في تجاوز هذا المنعطف المأساوي التاريخي والكبير إلا بتوحيد جهودها واستنهاض هممها وإخلاص عزائمها من أجل تحرير العراق واستعادته للحاضنة العربية وتخليصه من براثن الصفوية الفارسية الحاقدة وإفشال مخططات تفريسه وتقسيمه وإلغائه من الخريطة كما ذكر قبل سنوات مدير المخابرات الأمريكية.

إن تحرير العراق ضرورة قومية استراتيجية فارقة، لا مجال للتراخي في التداعي لها وإنجازها والانخراط فيها فورا وبلا أدنى تسويف أو تلكئ، وذلك لما للعراق من ثقل معلوم ومؤكد في المعادلات لا العربية والإقليمية فحسب، بل وحتى الدولية، ولأنه لا يمكن بحال من الأحوال الفلاح في أي عمل عربي بدون عراق موحد عربي قوي وناهض.

فنصر العرب اليوم مشروط بالمحافظة على العنصر العربي والنأي به من مغبات حروب الإبادة العرقية المنظمة التي يشنها ضده الأعداء التقليديون والطامعون المستحدثون، وهذا لا يمكن تحققه في ظل بقاء العراق محتلا ومستباحا من طرف الطغمة الفارسية العنصرية الشعوبية الحاقدة والتي تتعكز على سلاح الطائفية القاتل، والذي تنجح في استنساخه في المنطقة بل في مدايات أبعد مما يجب حتى أن الشطر الإفريقي من الوطن العربي لا ينجو منه ومن ويلاته ونيرانه.

خلاصة القول إن نصر الأمة وبقاءها ودوام رايتها رهين تحرير العراق والاستفادة من الخبرات العراقية في مقارعة الأعداء بما للعراق من رصيد تاريخي وحضاري ووزن جيوسياسي ثقيل لا مناص من استغلاله والحرص على عدم التفويت فيه.
 





الاربعاء ٢ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة