شبكة ذي قار
عـاجـل










ألمقدمة : ألتاريخ سلسلة في حلقات تم التوافق والتعارف في وضعه مجازاً في ثلاث محطّات هلاميّة الأبعاد: ألماضي والحاضر والمستقبل، بحيث أنّ جهل حقائق الماضي أو معرفتها والتغاضي عنها يجعل من فهم أحداث الماضي قاصراً، ويدخل المستقبل في عالم المجهول المربك وحتّى المخيف، ويخرج الإستفادة من عبر الماضي كدليل مساعد لمواجهة تحديّات الحاضر والبناء للمستقبل عن مساراتها الطبيعيّة. منذ عام 2011 دخل العالم العربي في مرحلة تاريخيّة أبسط ما يقال عنها أنّها لم تخطر على بال معظم إن لم يكن جميع الأحزاب السياسيّة باختلاف منطلقاتها الفكريّة وبرامجها قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى ما يعرف مجازاً بالتكتيك والإستراتيجيّة، وكذلك الأنظمة السياسيّة الحاكمة في الوطن العربي، والمحللين في مجالي الإسترتيجيّة والمستقبلات. إنّ ذلك ينطبق على الأحداث التي مرّت بها بعض الأقطار العربيّة ومنها ليبيا ، حيث تتناول هذه الدراسة أزمتها التي بدأت منذ شباط 2011 ولا تزال، دون الولوج في الأفق بوادر حلّ سياسيّ يخرج البلاد من دوامة العنف المتنقّل والمتفاقم، وارتفاع درجة التدخل الأجنبي، ويضعها على سكّة الوصول إلى نظام سياسي يؤمّن الإستقرار، والإحتكام إلى دستور عصري وقوانين قابلة للتطبيق، ومؤسّسات قابلة للحياة والإستمرار. ولفهم تعقيدات الأزمة الليبية والتفتيش عن بقعة ضوء في أخر النفق الذي دخلت فيه خاصّةً منذ الرابع من نيسان 2019 لا بد من الرجوع إلى منابع الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ ألمؤثّرة على مجريات الأحداث.

ألجغرافيا والديموغرافية
تتميّز ليبيا بخصائص جيواستراتيجيّة بالغة الأهميّة جعلتها ساحة صراع داخلي وأطماع خارجيّة : مساحة كبيرة { 1759541 كم2} موزعة على 22 محافظة، وشاطئ طويل وقريب من أوروبا خاصّةً إيطاليا {1770 كم}، وحدود بريّة مع ست دول { مصر، السودان، الجزائر، تونس، تشاد والنيجر}، وثروة نفطيّة كبيرة حيث تحتلّ المرتبة التاسعة عالميّاً في الإحتياطات النفطيّة المقدّرة ب 46.4 مليار برميل، وحوالي سبعة ملايين مواطن بتنوع ديموغرافي مؤلّف من "أكثريّة" عربيّة تعود بشكل رئيسيّ إلى قبائل المرابطة المنتمية تاريخيّاً إلى أحفاد الأمير أدريس الأكبر مؤسّس دولة الأدارسة في بلاد المغرب، وبني هلال وبني سليم؛ و"أقليّات" من البربر {الأمازيغ} ومن أبرز ممثليها نوري أبو سهمين، والكراغلة { تركمان وأكراد وشركس وألبان}؛ وأوروبيّين معظمهم إيطاليّين؛ والكريتيليّين نسبة إلى جزيرة كريت اليونانيّة؛ وبيزنطيّين؛ وقبائل التبّو وهم سكان واحات الجنوب الليبي؛ والزنوج وهم أحفاد العبيد الذين يتركّز وجودهم في مدينة تاورغاء جنوب مصراته، وبسبب قتالهم إلى جانب قوات القذّافي تعرضّوا للتهجير على يد الكتائب المسلحة من مصراته التي ثارت على النظام.

ألأحركات الإسلاميّة في ليبيا
1ـ ألسنوسيّة : ظهرت في ليبيا ومنها انتشرت في إفريقيا، أسّسها محمد بن علي السنوسي القادم من مستغانم في الجزائر عام 1737، وتعد واحة جغبوب في الصحراء الليبيّة قرب الحدود المصريّة مركز الدعوة السنوسيّة. قاومت هذه الحركة الإستعمار الإيطالي والفرنسي والبريطاني لأكثر من نصف قرن حتّى وصل محمد أدريس السنوسي لحكم المملكة المستقلة عام 1951، وبقي تأثير الحركة ممتداً إلى شمال أفريقيا خاصةً دعم حركات التحرر في الجزائر وتونس والمغرب ضد الإستعمار الفرنسي. وقد تعرّض أتباع الطريقة السنوسيّة للتنكيل من قبل نظام القذّافي وتم إزالة 330 زاوية كانت تعتمد مقرّات لنشر تعاليم الطريقة. وعادت السنوسيّة للظهور مع الإعلان الذي لم يدم طويلاً عن برقة في الشرق من جانب واحد إقليماً فيدراليّاً في آذار 2012، ولاحقاً إقليم فزان عام 2013. وكانت برقة في الشرق مع فزان في الجنوب وطرابلس في الغرب تشكل الولايات الثلاث التي كوّنت المملكة الليبية المتحدة بعد الإستقلال عام 1951.

2ـ جماعة الأخوان المسلمين : بدأت هذه الحركة في الظهور في ليبيا عام 1949 أثر الأحداث التي جرت في مصر حين استقبل الملك إدريس السنوسي الأخوان المسلمين الذن فرّوا بعد اتهامهم بمقتل رئيس وزراء مصر فهمي النقراشي، وبمجيئ من كانوا يقاتلون منهم في فلسطين عام 1948. بدأ التشكيل التنظيمي لهم في طرابلس عام 1968، وبعد حكم القذافي عام 1969 خيّرهم عام 1974 بين البقاء في ليبيا أو النشاط غير المقبول ممّا أدى ذلك إلى خروج الكثير منهم من البلاد. تشكّلت لاحقاً "ألجبهة الوطنيّة للإنقاذ" عام 1982 من إسلاميّين وغير إسلاميّين، وتبع ذلك انقسام الأخوان في موقفهم من الجبهة. حاولت الجبهة أن تقود انقلاباً انطلاقاً من باب العزيزيّة عام 1984 ولكنها فشلت ودخل الكثير من أعضائها بمن فيهم من كان من جماعة الأخوان المسلمين السجن. وفي عام 1994 تشكل "التجمع الإسلامي" أثر خلاف داخل جماعة الأخوان، وفي الوقت نفسه شنّت حملات واسعة ضد الحركات الإسلاميّة ممّا أدّى إلى سجن الكثير من أعضاء التجمع في سجن "أبي سليم"، والقضاء على عدد كبير منهم ما أطلق على ذلك "مذبحة أبي سليم". ورغم ذلك استمرّ نشاط الجماعة حتّى عام 1998 حيث سجن البعض وفرّ البعض الآخر إلى الخارج. وبعد أحداث 17 شباط 2011 الموجّهة ضد نظام القذافي عقد أخوان من الداخل والخارج مؤتمراً في تشرين الثاني 2011 في بنغازي وقرروا إنشاء حزب وطني مستقلّ عن الأخوان المسلمين سمّي لاحقاً " حزب العدالة والبناء" الذي اعتبر الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين في ليبيا ويضم في صفوفه أعضاءً من غير المنتمين سابقاً للأخوان المسلمين، حيث أكّد رئيس الحزب محمد صوّان أن رؤية الحزب انبثقت عن المؤتمر العام في 2011.

3ـ الجماعة الإسلاميّة المقاتلة : أنشئت في أواسط الثمانينات وتزامن ذلك مع بروز "اللجان الثوريّة" التي اعتبرت أهم أذرع نظام القذافي. وقد بدأ الصدام بين الجماعة الإسلامية المقاتلة والنظام عام 1986 ومن بين قادتها عبد الحكيم بلحاج الذي شغل موقع رئيس" المجلس العسكري للثوار" في طرابلس عام 2011 بعد تأسيس "الجماعة الإسلاميّة للتغيير" والتي تعتبر بديلاً معتدلاً عن الجماعة الإسلامية المقاتلة. هذه الجماعة هي أول تنظيم ليبي يعلن البيعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي.

4ـ مجلس شورى ثوار بنغازي : ظهر هذا المجلس في 20 حزيران 2014، ويتألف من إئتلاف مجموعة كتائب إسلاميّة في مدينة بنغازي ويضم "أنصار الشريعة" التي ترفض العمليّة الديموقراطيّة والإنتخابات ولا تعترف بالدولة، وتدعو إلى الخلافة الإسلاميّة وتركّز على مفهوم الحاكميّة، وتعدّ كل من لا يحكم بالشريعة كافراً، ويتزعمها محمد الزهاوي، وقد صنّفت من قبل الولايات المتحدة الإميركيّة منظمةً إرهابيّة؛ وجماعة "درع ليبيا" التي تعتبر من الأذرع الرئيسيّة لمدينة مصراته وتمتلك دبابات وصواريخ ومضادات طيران وأسلحة حديثة أخرى تم الإستيلاء عليها من محازن الجيش الليبي بعد تطورات 2011؛ وكتيبة "شهداء 17 فبراير/شباط"، كما تنتمي إلى هذه المجموعة "سرايا الفاروق".

5ـ حركة التجمع الإسلامي الليبي : تأسّست عام 1992، وتتّخذ موقفاً وسطاً بين الأخوان المسلمين والجماعة الإسلاميّة المقاتلة وتتّخذ من جنيف مقرّاً لها.

6ـ قوات فجر ليبيا : هو تحالف مجموعة ميليشيات إسلاميّة تضم "درع ليبيا الوسطى"، و "غرفة ثوار ليبيا " في طرابلس، وميليشيات تنحدر من مصراته وغريان والزاوية وصبراته. في 25 آب 2014 أعلن البرلمان الليبي هذه الجماعة وجماعة أنصار الشريعة سالفة الذكر جماعات إرهابيّة، وفي 6 شباط 2015 أصدرت حكومات فرنسا وألمانيا وإسبانيا إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركيّة بياناً مشتركاً أدانت فيه أشكال العنف في ليبيا ومنها هجوم "قوات الشروق" التابعة لفجر ليبيا على منطقة الهلال النفطي الذي يمتد مسافة 205 كم على الساحل من طبرق شرقاً إلى السدرة غرباً والتي تمكنت قوات "البرق الخاطف" التابعة لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر في 14 أيلول 2016 من استعادة الموانئ النفطيّة في السدرة ورأس لانوف والبريقة، هذا وقد سيطر الجيش الوطني الليبي لاحقاً على الهلال النفطي في حزيران 2018.

7ـ داعش { تنظيم الدولة الإسلاميّة } : ظهر في ليبيا عام 2015 في مدينة درنة وسيطر على المباني الحكوميّة، وبعد طرده من هناك عام 2016 سيطر على سرت والتي طرد منها لاحقاً في عملية "البنيان المرصوص" بواسطة قوت تابعة لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج في طرابلس. للتنظيم تواجد في جميع المناطق الليبية.

محطّات التغيير
بدأت الحركات الإعتراضيّة على نظام القذافي في شرق البلاد {ألبيضاء وبنغازي} وأدّى ذلك إلى خروج المنطقة عن سيطرة الحكومة المركزيّة في طرابلس في 17 شباط 2011. أعلن بعدها في الثامن والعشرين من الشهر نفسه عن تاسيس المجلس الوطني الإنتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل الذي اتخذ من بنغازي مقرّاً له، وقد اعترفت فرنسا وقطر بالمجلس. تبع ذلك مواجهات في المنطقة الغربيّة {طرابلس، الزاوية، مصراته، الزنتان وغيرها}، حتّى صدر طلب من الجامعة العربيّة في 12 آذار 2011 إلى مجلس الأمن الدولي للتدخل من أجل "حماية الشعب الليبي" وما تبع ذلك من إصدار المجلس قراره تحت رقم 1973 في 17 آذار 2011 بفرض منطقة حظر جوّي فوق ليبيا، حيث قامت أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بتوجيه ضربات جويّة وصاروخيّة لقوات القذافي ممّا أدّى إلى سيطرة الكتائب المسلحة المعارضة على طرابلس واغتيال القذافي في تشرين الأول 2011. أنتقل بعدها المجلس الوطني الليبي من بنغازي إلى طرابلس.

جرت أول انتخابات في ليبيا لإختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام {البرلمان} في 7 تموز 2012 لإختيار 200 عضواً أسفرت عن فوز"التحالف الوطني" بقيادة محمود جبريل، وحلول حزب "العدالة والبناء" ثانياً، واختير محمد المقريف رئيساً، وانتخب المجلس الوطني الإنتقالي عبد الرحيم الكيب رئيساً للوزراء في تشرين الأول 2013. في 20 نيسان 2014 جرى انتخاب لجنة لإعادة صياغة الدستور مكونة من 60 عضواً. رافق ذلك دخول الفصائل المسلحة صراعات فيما بينها، وإطلاق خليفة حفتر "عملية الكرامة" في 16 أيار 2014 ضد مجلس شورى بنغازي ودرنة، ممّا حفّز كتائب مسلّحة للسيطرة على طرابلس وطرد "قوت الزنتان" الموالية لحفتر. أدّت تلك التطورات إلى نقل البرلمان إلى طبرق. كلّ ذلك أدّى إلى وجود حكومة مؤقّتة برئاسة عبدالله الثني، والبرلمان برئاسة عقيلة صالح في الشرق بدعم من مصر والإمارات والسعوديّة وروسيا وفرنسا. أمّا في الغرب فكانت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السرّاج مع السيطرة آنذاك على المنطقة الجنوبيّة {الجفرة وسبها} مع دعم من إيطاليا وبريطانيا وقطر.

أعلن اتفاق الصخيرات في المغرب وبرعاية الأمم المتحدة وإشراف المبعوث الأممي الأسبق مارتن كوبلر في 17 كانون الأول 2015 والذي نصّ على تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة فايز السراج وبدء مرحلة إنتقاليّة جديدة مدتها 18 شهراً، وفي حال عدم إنهاء الحكومة مهامّها يتم التمديد لمدة ستة أشهر إضافيّة، ونصّ الإتفاق أيضاً على تشكيل المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة ، والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في حزيران 2014. رفض الإتفاق قائد الجيش الليبي خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح وأكثريّة النواب وكذلك بعض القوى في طرابلس الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بسسب عدة نقاط خلافيّة أبرزها البند الخامس في باب "مبادئ حاكمة" التي تنص على: "ألإلتزام بأنّ الشريعة الإسلاميّة هي مصدر كلّ تشريع، وكلّ من يخالفها يعدّ باطلاً" والتي تعطي أرجحيّةً للتنظيمات الإسلاميّة بتوجيه تشريع القوانين في البرلمان، والمادّة الثامنة في باب "أحكام إضافيّة" التي تنصّ: " تدخل كافّة صلاحيّات المناصب العسكريّة والمدنيّة والأمنيّة العليا المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبيّة النافذة إلى رئاسة مجلس الوزراء فور توقيع هذا الإتفاق، ويتعيّن قيام المجلس باتّخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال مدّة لا تتجاوز 20 يوماً، وفي حال عدم اتّخاذ قرار خلال هذه المدّة، يقوم المجلس باتّخاذ قرارات بتعيينات جديدة خلال مدّة لا تتجاوز 30 يوماً، مع مراعاة التشريعات الليبيّة النافذة". رغم أنّ ما ورد أعلاه يعتبر طبيعيّاً في أيّ نظام حكم مدني لكنّه ليس مناسباً لمرحلة إنتقاليّة توجب وجود تطمينات لجميع الأطراف، وهذا لا يفي به اتفاق الصخيرات لأنّه لا يلبّي متطلبات النهج الوطني والليبرالي الذي يتبنّاه المشير خليفة حفتر مع أعضاء البرلمان الليبي و رئيسه عقيله صالح. وبسبب عدم ولوج اتفاق الصخيرات مساره التطبيقي بقيت ليبيا منقسمة بين طرفين رئيسيّين: واحد في الشرق وأهم أركانه الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر والبرلمان برئاسة عقيلة صالح مدعوما" من قبل مصر والسعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة وروسيّا، وآخر في الغرب من خلال جكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السرّاج ومدعوماً من قطر وتركيا وإيطاليا وبريطانيا ومعظم التنظيمات الإسلاميّة الليبيّة المسلّحة، وقد تميّز الموقف الفرنسي العلني بالحياد ولكن في الواقع هو أقرب إلى الطرف في الشرق الليبي بسبب التنافس بين شركتي شلّ الفرنسيّة وإيني الإيطاليّة على استثمار الموارد النفطيّة. أمّا الولايات المتحدة الأميركيّة التي كان لها الدور الأساسي في إسقاط نظام القذافي واغتياله فقد حافظت على دورها المعتاد في مسك أطراف الخيوط وإن أبدت دعمها للمشير حفتر في مواجهته للتنظيمات الإسلاميّة خاصّةً تنظيم داعش في أكثر من مكان في ليبيا خاصّةً في الجنوب وإخراجه مع عناصر مسلحّة تشاديّة من قاعدة تمنهنت والمواقع النفطيّة في الجنوب الليبي في نيسان 2019.

جرت عدّة مؤتمرات ولقاءات بين الطرفين المتنازعين خلال الأعوام 2017 و2018 وبداية عام 2019 في مصر والمغرب وتونس والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا الإتحاديّة، لكنّها لم تؤد إلى الغاية المنشودة في تفعيل الحوار والسير بمرحلة إنتقاليّة وإجراء إنتخابات تشريعيّة جديدة، وآخر محاولة كانت الإعداد لمؤتمر حوار في غدامس في 14ـ 16 نيسان 2019 برعاية الأمم المتحدة وممثلها غسان سلامة والتي كان من المقرّر مشاركة 120 ـ 150 شخصيّةً ليبيّة، لكنّ التطورات المتسارعة حالت دون انعقاده، والأسباب سوء تقدير ردّة فعل كلّ طرف على مواقف الطرف الثاني، إذ ورد في كلمة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج في مؤتمر القمّة العربيّة المنعقدة في تونس نهاية آذار 2019 نقطتين: لا للشموليّة ولا للعسكرة وهما شعاران أو هدفان صحيحان في الظروف العاديّة ولكنّهما يفجّران أيّ مخرج حلّ في الظروف الإستثنائيّة. تبع ذلك إطلاق الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر عمليّة عسكريّة كبيرة في الرابع من نيسان 2019، والتي تمخّض عنها السيطرة الكاملة على مناطق الجنوب والشرق، والوصول إلى مشارف طرابلس ومصراته في الغرب حيث سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني مدعومةً من ميليشيات عسكريّة إسلاميّة مثل " قوات حماية ليبيا" و " ثوار ليبيا" و "لواء البقرة" وغيرها، ومن قطر وتركيا التي ظهر جليّاً تدخلّها العسكري المباشر، وبعض الدول الأوروبيّة. ورغم ما صدر عن عدّة إجتماعات لمجلس الأمن الدولي، وعدد من الدول العربيّة والإوروبيّة منفردةً أو مجتمعةً في الدعوة إلى وقف الحرب، والإتفاق حتّى على هدنة إنسانيّة فإنّ الحرب لا تزال مستمرّةً والتدخّل الدولي يتفاقم، بحيث يمكن القول أنّ النّزاع العسكري قد دخل مرحلة الكرّ والفرّ "الستاتيكو" وإن كانت الأرجحيّة تميل لصالح الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر،بحيث لا يستطيع أيّ طرف الوصول إلى درجة الحسم رغم ما يثار في الإعلام بأنّ ذلك أصبح قريباً.

ألخلاصة : إن التصعيد العسكريّ الذي دخلت فيه ليبيا منذ الرابع من نيسان 2019 لا يمكن الخروج منه إلاّ بالعودة إلى الحوار الوطني المسؤول عبر مؤتمر وطني تحضره كافة الأطراف وبرعاية عربيّة خاصّةً من دول الجوار الليبي والأمم المتحدة وذلك استناداً إلى مخرجات الحوار السابقة، والقواسم المشتركة في المبادرات المعلنة أخيراً من طرفي النزاع، وإتفاقيّة الصخيرات التي وإن كانت غير مثاليّة وعليها اعتراضات جوهريّة ومنطقيّة إلاّ أنّه يمكن اعتبار مخرجاتها واحدة من الأوراق السياسيّة التي يتمّ وضعها قيد المناقشة في المؤتمر الوطني مع المخرجات الأخرى لتشكيل سلطة إنتقاليّة موحّدة تمهّد لإنجاز المهامّ الدستوريّة وإجراء إنتخابات نيابيّة جديدة وسلطات تنفيذيّة وقضائيّة تؤمّن انتظام عمل المؤسّسات القادرة على الحفاظ على وحدة ليبيا وأمنها، وتوحيد وتمكين الجيش الوطني الليبي للقيام بدوره الوطني الجامع مع المؤسّسات الأمنيّة الأخرى، وإنهاء ظاهرة السلاح الميليشياوي، ومعالجة مشكلة الإرهاب والهجرة غير الشرعيّة، والمعتقلين والمهجّرين، واستثمار الموارد النفطيّة وطنيّاً، ومعالجة آثار الحرب التدميريّة على الحجر والبشر، وبذلك تعود ليبيا إلى ذاتها دون تحوّلها إلى دولة فاشلة، وتاخذ دورها الإيجابي والفعّال عربيّاً وإفريقيّاً ودولياً. وحيث قد ثبت تورط تركيّا عسكريّاَ في الحرب الليبيّة الداخليّة ممّا يعتبر اعتداءاً موصوفاً، ومهما تكن المبرّرات فمن الضروري اتخاذ الخطوات اللاّزمة والممكنة على الصعيد الوطني الليبي والجامعة العربيّة ومجلس الأمن الدولي لوقف هذا التدخّل الذي يطيل الأزمة مع ما يترتّب عليها من تداعيات، وكذلك تأخير الوصول إلى الحلّ الوطنيّ المنشود.





الاثنين ٢٧ ذو القعــدة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة