شبكة ذي قار
عـاجـل










لكي نعرف الأسباب الحقيقية المحيطة والكامنة وراء ما جرى ويجري لهذا الوطن المبتلى والمستهدف من قبل جارة السوء " إيران " وحلفائها التقليديين , والدفاع المستميت لهذا الشعب العريق والعظيم الذي سطر ويسطر أروع الملاحم على مدى الدهر دفاعاً عن الأرض والعرض بالرغم من تكالب وتداعي الأعداء عليه من كل حدبٍ وصوب , يجب أن نتمعن وندرس تاريخه المشرق والمجيد ونعلّمه وندرّسه للأجيال , فبغض النظر عن تراكمات وارهاصات الحالة والتركية الديموغرافية المعقدة , يجب أن نراجع بشكل دقيق التاريخ البعيد والأبعد , والقريب والأقرب.

إن الكارثة والمأساة التي حلّت بالعراق وشعبه منذ أن اجتاحه المغول التترعام ١٢٥٨ , مروراً بالحقبة العثمانية التي استمرت لما يقرب من خمسة قرون , ومن ثم الاحتلال البريطاني عام ١٩١٧ , وصولاً لقيام وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ , وحتى سقوط النظام الملكي المأساوي عام ١٩٥٨ , التي دشنت عصر الجمهورية الثورية وحكم الشعب , كما وضع حجر أساسها المرحومان عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف , وفترة حكم الزعيم الأوحد حتى عام ١٩٦٣ ونهايته المأساوية أيضاً , ومن ثم تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي عام ١٩٦٨ قيادة المرحة المفصلية , التي استطاع ببراعة ودهاء الاستفادة من مواطن الخلل في الحقب السالفة , ليضع حد للإنقلابات العسكرية وحالة الفوضى , ويضع حجر الأساس لعصر وحقبة مختلفة تماماً عن سابقاتها , وبداية واعدة دشنها مجلس قيادة الثورة الوطني بقيادة المرحوم أحمد حسن البكر بأعظم نهضة شاملة في تاريخ العراق الحديث , كانت من أول أولوياتها وضع خطة خمسية إنفجارية تبدأ من محاربة الجهل والفقر والتخلف والقضاء التام على الرشوة والفساد والمحسوبية وتعليق الخونة والجواسيس والعملاء في ساحة التحرير , ووضع الاسس الصحيحة لبرنامج متكامل لمحو الأمية في عموم العراق , وكان من أهم وأكبر وأعظم إنجازات حكم البعث تاميم الثروة الوطنية النفطية عام ١٩٧٢ , وما تبعها من حملة بناء واعمار في شتى المجالات , كادت أن تخرج العراق من دول العالم الثالث , لولا قيام أعداء العراق بوضع العصا في عجلة العراق الصاعد والناهض للتو من تحت الركام , من خلال اشعال الفتنة الطائفية الأولى بواسطة إشعال فتيل حرب الخليج الخمينية - الصهيونية الأولى عام ١٩٨٠ , مباشرة بعد جلّب الخميني من باريس ! , لتبدأ ولتدشّن مرحلة دموية تدميرية منظمة جديدة من الحروب والاقتتال والصراعات القومية والطائفية والمذهبية , لتدمير كل ما حققه وأنجزه العراق وشعبه من مكتسبات وانجازات عظيمة في شتى وجميع المجالات شهد لها العدو قبل الصديق , خاصة أن العراق أرسى دعائم أعظم نظام صحي وتعليمي وصناعي وزراعي , كانت تفتقر إليه دول أوربية بعينها ! , ناهيك عن بناء مؤسسة عسكرية وجيش وطني قوي مهاب خلال فترة وجيزة لا تتعدى العقد من الزمن , وهذا بحد ذاته أغاظ أعداء الله والعرب , واعتبروا أن العراق بات يشكل خطراً وتهديداً محدقاً بالاحتلالين الإيراني والصهيوني لأرض العرب , وقد تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لدول الشرق والمغرب العربي وللعراق خاصة بعد صد ودحر العدوان الإيراني , الذي لولا حزم وعزم الرئيس الراحل صدام حسين لكان العراق يعيش ويمر بنفس الحالة الكارثية والمأساوية الحالية منذ عام ١٩٨٠ وليس منذ عام ٢٠٠٣ ! , ولم يكن تغيير نظام الشاه في إيران , أو انتصار ما سمي بالثورة الإسلامية في إيران محض صدفة أبداً , حيث كانت وما تزال إيران المحرك الرئيسي والأساسي لإشاعة عدم الاستقرار والسرطان الذي يعتري جسد هذه الأمة منذ ١٤٠٠ عام , لبقاء العالم العربي والإسلامي منقسمين , والمنطقة في حالة طوارئ وحروب وصراعات وتجاذبات لها بداية وليس لها نهاية ! , كما نعيشها ونراها على أقل تقدير منذ عام ١٩٧٩ وحتى هذه الساعة .. أي على مدى أكثر من أربعة عقود , لضرب أكثر من عصفور في حجر واحد , وعلى رأسها أن يأمن وينعم الكيان الصهيوني بالأمن والأمان والاستقرار ما زال العداء والصراع قائم ومحتدم بين العرب والفرس من جهة , وبين العرب أنفسهم بسبب التغلغل والتغول الفارسي - الصهيوني بينهم من جهة أخرى , ولتتم عمليات السلب والنهب المنظم لخيرات وثروات هذه الدول حتى استخراج آخر برميل نفط ولتر غاز من أرض العرب !؟ , ناهيك عن ابتزاز وحلب الأنظمة العربية الخائفة والمرعوبة من الخطر الإيراني بشكل دائم وغير مسبوق عن طريق دفع الاتاوات بحجة توفير الأمن والحماية لهم من القوة الإيرانية المتنامية !؟! , وتبديد أموال الشعوب في شراء الاسلحة الخردة المكدسة منذ الحرب العالمية الأولى في ترسانات ومخازن أمريكا وروسيا والصين وأوربا .. الاستراتيجية !.

هذه الأمور وغيرها بالإضافة للهرج والمرج والفوضى الخلاقة والهلاكة التي وعدت أمريكا بنشرها في المنطقة .. ألقت وما زالت تلقي بظلالها ليس فقط على التركيبة الاجتماعية والدينية - الطائفية والسياسية فحسب .. بل دمرت العقل والادراك والاستيعاب الفكري لدى الشعوب والمجتمعات العربية , بل ودمّرت حتى الانتماء الوطني والقومي لدى السواد الأعظم من أجيال حقب الحروب والصراعات , وأحدثت خلل وشرخ غير مسبوق حتى في تطبيق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف , فما بالنا بالامور الأخرى التي يرتكز عليها تقدم وتطور ونهضة وبناء الشعوب قبل الأوطان ! , كما حدث في الدول غير العربية وبعض الدول الإسلامية كماليزيا وتركيا وإندينوسيا على سبيل المثال في الخمسة عقود الماضية.

إن من أهم وأبرز أسباب الانحدار والتقهقر والانتحار إذا صح التعبير الذي تسير باتجاهه منطقة الشرق الأوسط والعراق منذ عام ٢٠٠٣ , أي منذ احتلاله من قبل إيران وأمريكا مناصفةً !!! , هو استفحال الجهل والتخلف ونشر البدع والخرافات والمخدرات بشكل خطير ومروع ومدمّر لم يسبق له نظير لمنظومة القيم والأخلاق العربية - الإسلامية , بعد أن تم بشكل مقصود ومبرمج إلغاء الدولة والحكم المركزي , وتقسيمه إلى مقاطعات واقطاعيات طائفية وقومية , يقودها أمراء حروب داخلية وخارجية على أسس طائفية بحته , كما يحدث في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا , وتنصيب قيادة وزعامات جاهلة هجينة مزعومة ومهوسة بحب السلطة والتسلط ونهب المال العام وبسط النفود عن طريق تزويدهم بأحدث الأسلحة الفتاكة ليفتكوا بهذه الدول والشعوب المخطوفة , يقودون بدورهم قطعان من شذاذ الآفاق والمرتزقة والهمج والرعاع والأميين والحشاشين الجدد الذين ذهبوا وذهبون بالبلاد والعباد إلى الهاوية السحيقة , لو لم تكن إرادة الله هي الغالبة عليهم وعلى مخططات وأجندة أسيادهم , عندما هيأ الله تبارك وتعالى الأسباب والمسببات .. بأن ينهض وينتفض جيل من الشباب الواعي بعمر الزهور , الغالبية والسواد الأعظم منهم ولدوا بعد عام النكبة ٢٠٠٣ , أو كانوا حينها أطفلاً لم تكن قد تجاوزت أعمارهم الخمسة أو العشرة أعوام ! , ليعيدوا لهذا الوطن مكانته وعزته وكبريائه كما كان.

نعم .. لقد أنتفض هؤلاء الفتية الميامين بعد أن أيقنوا أن وطنهم بدأ يتلاشى ويضيع من بين أيديهم , وبعد أن جعلت منه إيران وأمريكا وربيبتهما إسرائيل حقل ومختبر تجارب تعبث وتعيث فيه الدول العظمى والاقليمية كيف ومتى ما تشاء , ناهيك أن الجميع راهنوا وما زالوا يراهنون بأن العراق لن تقوم له قائمة بعد عام ٢٠٠٣ , وأن شعب العراق لن ينهض أو يقوم من هذه الكبوة الأخطر في تاريخه المعاصر , ولن يخرج من عنق الزجاجة وحقبة التخلف والهمجية والديماغوجية السياسية والدينية والطائفية المقيتة , وسيبقى ردحاً طويلاً من الزمن يرزح تحت نير التخلف والعبودية والتبعية لقادة وزعامات ممسوخة ومهوسة بالتسلط وقيادة مجاميع من الوحوش المتعطشة للدماء والمال , وأن العراق سيبقى ينزف دماءً وأموالً لعقود وربما لقرون قادمة كما ظنوا ويظنون , وتوهموا ويتوهمون .. خسئوا وخاب فألهم , وإن كل ما حدث ويحدث وسيحدث لهذا الوطن المستباح والشعب المنكوب سيكون امتداد ونتيجة حتمية بسبب الافرازات التاريخية التراكمية عبر تاريخ طويل من الاستهداف والعداء والحقد المتجذر على العراق وشعبه يمتد لأكثر من ثمانية قرون إن لم نقل منذ تدمير مملكة بابل عام ٥٣٩ ق.م على يد الفرس الاخميننين.

لكن .. نقول لهم جميعاً إن إرادة الله جل شأنه فوق إرادة وكيد ومكر وخداع وتقية أعدائه وأعداء الإنسانية جمعاء , ولا محالة سينتصر الحق وسيندحر الباطل وأهله قريباً .. ( ويمّكرون ويمّكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العظيم.





الاحد ٥ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جبار الياسري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة