شبكة ذي قار
عـاجـل











بعد سبعة اشهر على انطلاق الجولة الثانية من الانتفاضة الشعبية في العراق ، ونقول الجولة الثانية لأن الاولى انطلقت في العام الماضي ، وهي التي أسست للثانية مع ماتراكم عليها من معطيات اوصلت العراق الى مستوى الانفجار الشعبي الشامل ، حصل تكلفين لتشكيل حكومة جديدة بعد تقديم المهدي لاستقالته بعد اسابيع من تفجر الانتفاضة.والملفت للنظر ان ماادلى به الزرفي بعد تكليفه هو بذات المضمون الذي سبق وادلى به علاوي ، والملفت للنظر اكثر ان ماتطرق اليه اللذين كلفا بتشكيل حكومة ، كان محاكاة لمطالب الحراك الشعبي ، وكأن المراقب الذي لايعرف جذور الانتماء السياسي للاثنين ، ولا الطريقة التي اخرجت اسماءهما للعلن ، يظن للوهلة الاولى انهما اتيا من ساحة التحرير او الخلاني او من ساحات الاعتصام في الناصرية او البصرة، او من ميادين النجف و كربلاء وواسط والعمارة.فعندما يقرأ كلامهما بعد التكليف لايسع المرء إلا ان يقول انه يعجبني ، لكن من يعرف السير الذاتية لكلاهما لايسع المرء الا القول ، ( اسمع كلامك يعجبني ، اشوف اعمالك ونسبك السياسي اتعجب ).طبعاً انه امر مثير للعجب ، ان يأتي من كان كل مسار عمله في الشأن العام ، واحد عناوين الفساد السياسي والادراي وملفاته حافلة بالسرقة للمال العام وممارسة كل اشكال العهر السياسي ،ان يأتي مثل هولاء ليقدموا انفسهم خشبة خلاص سياسي وانقاذ اقتصادي ويحاضرون بالعفة الوطنية ،وهم الذين ازكموا الانوف من روائح الفضائح التي فاحت من سلوكهم على مدى سبعة عشراً عاماً ، هو عمر العملية السياسية التي افرزها الاحتلال الاميركي ،واحتواها النظام الايراني ،الذي يمارس من خلالها هيمنته على كل مفاصل الدولة بكل مؤسساتها السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وذات الصلة بالشؤون الدينية ، ومعها تحول العراق الى بلد محتل من ايران بكل ماينطوي عليه الوضع من اوصاف قانونية وسياسية.ان الانتفاضة عندما انطلقت واتخذت هذا البعد الشامل ، فهي لم تنطلق من فراغ ، بل انطلقت بعدما وصل الاحتقان الاجتماعي والسياسي الى ذروته، وبعدما بات المواطن يفتقر الى ابسط مقومات الحياة الكريمة.كما ان الانتفاضة لم تنطلق لتغيير واقع افتراضي او بوجه سلطة افتراضية ، بل انطلقت لتغيير واقع سياسي واجتماعي مزري ، ولاسقاط منظومة سلطوية لم تنبثق من ارادة شعبية، ولا ضبط سلوكها مقياس الالتزام بعناوين المسألة الوطنية ولا بقواعد المواطنة.ان الذي اوصل العراق الى ماهو عليه الان ، هو الاحتلال بطرفيه الاميركي والايراني ، وان من دفع الثمن هو شعب العراق بكل طيفه الوطني والمجتمعي ،ومن استفاد من الاحتلال ، هو المحتل بالدرجة الاولى ومن ارتبط به ونفذ توجيهاته واملاءاته ، وهولاء هم اداة العملية السياسية التي انتفض الشعب بوجهها ،لانهم كانوا واجهة للاحتلالين الاميركي والايراني في تنفيذ مخطط تدمير بنية العراق الوطنية على المستوى الدولتي ( من دولة ) ، كما على المستوى المجتمعي ، وبما ادى الى نهب ثروات العراق وتوظيفه في خدمة مشروع التغول الايراني فضلاً عما وضعت اليد علية الشركات النفطية الاميركية.وبالعودة الى اللذين كلفا بتشكيل حكومة جديدة، يتبين من خلال سيرهما الذاتية انها خدما مع بريمر يوم كان حاكماً ادارياً ومفوضاً سياسياً لحكومة بلاده ، وبعد انتقال الادارة السياسية والامنية الى المحتل الايراني وحلول سليماني مكان بريمر ، كان علاوي والذرفي يعملان تحت عباءة الهيمنة والوصاية الايرانيتين ، واسميهما ظهرا من خلال الاتصال والتواصل بين الاحزاب والقوى الطائفية والمليشياوية التي تدور في فلك التوجيهات الايرانية ، وهذه القوى وان ابرزت مواقفها بعض الافتراقات ، إلا ان هذا الافتراقات تدور حول مقدار الحصص وما يمكن لأي منها ان يحصل على مكاسب اكثر ،اوعلى وزارات وادارات دسمة.وبالتالي فإنه لا التكليف لعلاوي والزرفي ،ولا الاختلافات في مواقف الاحزاب المذهبية ذات التركيب المليشياوي ،له علاقة بالرؤية السياسية التي تطرحها الانتفاضة لاخراج العراق من ازمته ذات الابعاد الوطنية والسياسية والاجتماعية.وكل مافي الامر هو الالتفاف على مطالب الانتفاضة ومحاولة اجهاضها من خلال منمق الكلام واستحضار مضمون خطابها السياسي ،وبعدما فشلت كل محاولات ضرب الانتفاضة من خلال القمع المليشياوي المغلف بمسميات سلطوية وبتوجيه واضح من مركز التحكم الايراني وغرفة عملياته التي كان يديرها سليماني قبل مقتله.لقد قال المنتفضون كلمتهم ، بأن لا علاوي ولا الزرفي يمثلان الانتفاضة ، لانهما سميا من رحم المنظومة المليشياوية السلطوية التي يحدد سقف توجهاتها السياسية النظام الايراني ، وان من يمثل الانتفاضة وروحيتها هو الذي تكوّن في رحمها وهو الذي تحتضنه الميادين والساحات التي مازالت تنبض بالحياة رغم ماتعرضت من قمع وما قدمته من تضحيات.

وعندما تقدم الجماهير الثائرة مئات الشهداء والاف الجرحى ومثلهم من المفقودين والمختفين قسراً ، فليس ليأتي رموز الفساد ليتولوا شؤون البلاد.واذا كان الرهان قائماً عند الذين يعملون على اسقاط الانتفاضة بالقمع كما بالسلوك المليشياوي الطائفي ، او بالسلوك الاحتوائي كما في بيانات التكليف لعلاوي والزرفي ، فهذا رهان محكوم عليه بالفشل مسبقاً ،لان الوضع الشعبي في العراق خرج عن نطاق السيطرة عليه او احتواءه ، وان الانتفاضة التي وضعت العراق في مدار سياسي جديد ، باتت رقماً صعباً لايمكن تجاوزه في تحديد مخرجات سياسية للصراع والازمة البنيوية التي تعصف بالعراق منذ وقع الاحتلال.

وعليه فإن الانتفاضة التي صمدت وما تزال، مرهون انتصارها بتزخيم الحضور الشعبي اولاً ، وابقاء بوصلتها موجهة نحو ربط التغيير باسقاط العملية السياسية بكل رموزها وشخوصها واحزابها وهيئاتها.لذلك لاحل الاباسقاط العملية السياسية ، لانها عملية بنيت على باطل الاحتلال واسقاطها لايسقط رموزها وحسب بل يسقط ايضاً الاحتلال الذي افرزها واحتواها ،ومن هنا تبدأ مسيرة البناء الوطني استناداً الى معطى عملية سياسية جديدة يحاكي خطابها المشروع السياسي للانتفاضة كما هي في طبيعتها وما ترنو اليه من اجل عراق عربي وطني واحد موحد متحرر من كل اشكال الاستلاب الاجتماعي والوطني
 





الخميس ٢٤ رجــب ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أذار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة