شبكة ذي قار
عـاجـل











في البداية لابد من التمييز بين نظرية تحكمها تطلعات الجماهير وتكونت نتيجة التعامل مع الواقع و تخوض معارك شرسة مع اعدائها الذين يعيقون تقدمها نحو مستقبل افضل ، وبين نظريات تكونت في ابراج عاجية ونابعة من عقلية مجردة دافعها الترف الفكري.والبعث كما شخصه الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي القائد عزة ابراهيم حفظه الله في خطابه هو : { حزبُ الرسالة الخالدة الذي ولد أصلاً للتصدي للتحديات المصيرية التي واجهت الامة العربية ولازالت تواجهها وتزداد قساوة وضراوة }.

ولأن النظرية النضالية لايمكن انتاجها بين ليلة وضحاها، اذ تتبلور عبر تحولات تاريخية طويلة ، لذا فان تلك التي يكتب لها الديمومة و الحياة هي التي تتعامل مع الواقع الحي المتغير.فالمنطلقات النظرية الثابتة التي انبثقت في زمانها ومكانها وبقيت كذلك ، نتيجة لعدم ايمانها او قدرتها على التحديث، لاتعطي نفس النتائج عندما تتغيير الظروف الموضوعية التي انتجتها، بل ربما تتمخض عن نتائج معاكسة واخفاقات كبيرة.

ومن هنا اكد الخطاب : { على الحزب الثوري الرسالي ان يضع استراتيجيات لمراحل مُتعددة وفي جَميعِ الميادين للتنفيذ وانجاز المهام الملحة وفقاً لعقيدته ومبادئه وأهدافه }.وفي هذا دعوة الى المرونة والتجديد الموضوعي مع الابقاء على الاصول المبدئية الثابتة.

وانطلاقاً من ذلك فان الفكر الثوري الذي يهدف الى التغيير وفق المنهج العلمي عليه في الوقت الذي يستند فيه على تراثه الفكري ويستلهم منه القوة والعزيمة، العمل على اجراء عملية المراجعة الدائمة لتجاربه واستخلاص الدروس المستنبطة منها ومواكبة متغيرات الواقع لكي يسير قدما نحو المستقبل.وان لم يفعل ذلك فانه ينساق من غير ان يدري الى مايسمى ب { الاستسلامية العلمية } ، على خلاف العلمية التي تعني اكتشاف القوانين المحركة للواقع ووضع استراتيجيات تلبي تطلعات الجماهير.

واستنادا الى ماتقدم فان خطاب الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ، بما تضمنه من مواكبة للمتغيرات فقد حمل بين ثناياه روحاً شبابية تتعامل مع الواقع العربي الراهن بعلمية تدعو الى التجديد والتحديث الموضوعي ، في الوقت الذي تستند فيه الى الاصول والثوابت المبدئية التي نادى بها الرفاق الرواد الاوئل وفي مقدمتهم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق و اكدها السفر الخالد للحزب على صعيد فكره النظري وتجربته العملية منذ العام ١٩٤٧م ، حيث قال { ان البعث اليوم استناد الى عقيدته وفكره وتجاربه بسمينها وبغثها قد وضع حتى تفاصيل مَشروعه القومي التقدمي النهضوي القابل للتطبيق فأنهى الشعارات الفارغة التي لا مضمون لها ولا تمس شيئا من الواقع }.

ان المبادئ الثابتة في خطاب الامين العام هي الاهداف الاستراتيجية للحزب ،في الوحدة والحرية والاشتراكية، و مبدأ رفض كل شكل من اشكال الاستعمار ، والعمل على معالجة العوامل التي ادت الى تخلف الامة وتفشي الامراض والفقر والجهل وغيرها.

كما دعى الى وضع تلك الثوابت المبدئية وتجربة الحزب امام الجماهير العربية لمنع تزويرها ولتكون شاخصة امامها وفي خدمة نضالها دائما قائلاً : { مطلوب منا ايها الرفاق ان نضع صورة الأمة وحزبها الرسالي حزب البعث العربي الاشتراكي كعقيدة ومبادئ وأهداف وقيم ومثل أمام شعبنا على الدوام لكي لا يشوش العدو ولا يضلل ولا يزور على حقيقة الأمة }.

وفي نفس الوقت فقد تميز الخطاب بالدعوة الى التعامل مع الواقع المعاش تعاملاً تحليلاً علمياً فاتسم بالحداثوية في تفاعله مع القضايا ومنها الثورات العربية الشبابية في العراق ولبنان والسودان والجزائر ، فكان بحق دليلاً ونبراساً لتلك الثورات من خلال ما تضمنه من توجيهات للثوار ودعوة لهم لاستنباط الدروس من سفر النضال الخالد للجماهير العربية ، مبيناً لهم بكل موضوعية ان الطريق لم يكن ولن يكون معبداً بالورود.وفي هذا دعوة لهم للتزود والاستعداد للمواجهة في معارك الامة لنزوعها نحو النهوض ضد الاعداء الذين يعيقونه واصفاً هذا التحدي بشكل دقيق بقوله : { كلما نهضنا وظهرت في أمتنا مراكز وقواعد تقدم علمي وحضاري تعرضت للتخريب والتدمير وَوضِعتْ أماَمها عشرات التحديات المصطنعة والمفبركة }.

ومن الدروس المستنبطة هي المرونة والتجديد الموضوعي الذي عبر عنه تغيير الاساليب الواجب اتباعها حسب متطلبات الواقع ففي حديثه عن المقاومة العراقية قال : { اعلموا ان البعث العربي الاشتراكي بقيادته الباسلة وبجيشه العظيم لم يسلم ولم يستسلم للغزاة ولم يُلقِ السلاح في معركة التصدي للغزو والعدوان وانما انتقل من الحرب الرسمية الى حرب التحرير الشعبية فوراً وبدأت عمليات المقاومة النوعية منذ اليوم الاول لاحتلال بغداد وتصاعدت بشكل سريع }.

ولقد تضمن الخطاب دعم الشباب العربي الثائر وتبني مواقفهم واعتبارها مواقف تعبر عن تطلعات الجماهير حيث جاء في الخطاب : { ان ثورة الشعب بشيبه وشبابه بنسائه ورجاله في الجنوب والفرات الاوسط اعادت الى شعب العراق عزه ومجده وزهوه واظهرت حققيقته }.وهذا موقف مبدئي.

والتجديد الموضوعي هنا هو دعم الشعار الذي رفعه الشباب الثائر على امتداد الوطن العربي وهو { سلمية الثورة } كإسلوب في تحقيق الاهداف والتطلعات ، فالشعار الثابت الذي عرفه الحزب منذ التأسيس ينص على ان : { الكفاح الشعبي المسلح هو طريقنا في التحرير } ، مما يشير الى ان ايمان البعث اليوم باسلوب ثورة الشباب السلمي هو تجديد موضوعي ناتج عن مواكبة حية لتطورات العصر ومتطلباته.

كما ان استحضار الخطاب للمتغيرات فيما يخص القضية الفلسطينية باعتبارها في الاصل قضية العرب المركزية ، يعدّ تجديداً موضوعياً اخر.فمع اشتداد الهجمة الشرسة على الامة العربية من الخارج ومن الداخل حيث فتحت عليها عدة جبهات لا تقل خطورة عن القضية الفلسطينية بل تتعداه في ابعادها الاستراتيجية حيث جعلت وجود الامة برمته مهدداً ، مما يقتضي استنهاض كل قواها وجهدها للتعامل مع كل هذه الساحات بوتائر عالية الاهمية، لذا فقد اكد على ان العراق والاحواز العربية المحتلة واليمن وسوريا ، اصبحت كلها قضايا مركزية للامة.

هذا بعض مما زخر به الخطاب من مبادئ اساسية ومواطن تجديد وتطوير موضوعية لا مجال لحصرها في مقال واحد.

وختاما اقول ان الرفيق الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي بمواكبته وإرادته الشبابية الوثابة ، يحرج الكثير من رفاقنا البعثيين الذين لا يستطيعون اللحاق بهذا السيل من التطور والتجديد الذي ينهجه في التعامل مع المتغيرات باندفاع الشباب وحكمة الشيوخ.





الجمعة ٢٤ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة