شبكة ذي قار
عـاجـل










لا شك أن هناك خصوصية بارزة للعلاقة بين فلسطين والعراق، وهذه العلاقة لم تكن وليدة هذا القرن، بل نسجها التاريخ بخيوطه عبر مراحله الممتدة منذ ٦٩٧ ق.م، ونبين أدناه الأطوار التاريخية لهذه العلاقة :

١ - السبي البابلي الأول حيث حطم سنحاريب ملك آشور ( عام ٦٩٧ ق.م ) هيكل اليهود وأسقط المملكة الشمالية من مملكة يهوذا وشرد اليهود وأخذهم سبايا إلى آشور.

٢ - السبي البابلي الثاني حيث حاصر الملك نبوخذ نصر مدينة أورشليم في عام ٥٨٦ قبل الميلاد ودمر هيكلها وسبى عدداً كبيراً من اليهود، ومع هذا السبي انتهى أي وضع سياسي جغرافي لليهود في المنطقة.
تمت عودة اليهود إلى أرض فلسطين مرة أخرى بعد سقوط الامبراطورية البابلية الثانية على يد ( قورش الأكبر ) حاكم فارس في ذلك الوقت، والذي سمح لليهود بالعودة إلى أرض فلسطين مرة أخرى، وهذه بدايات تعاون الفرس مع الصهاينة، ويعد بعض المؤرخين هذا بأنه وعد بلفور الأول وهو الأمر الذي استمد منه بلفور وعده لليهود.

وهذا يبين الحقد الصهيوني التاريخي على العراق، لذا لم تكن صدفة تدمير العراق وآثاره في عام ٢٠٠٣ وإنما الانتقام الصهيوني من السبي البابلي بعد مرور ٣٠٠٠ عام.

٣ - صلاح الدين الأيوبي والقدس : دخلت قوات صلاح الدين القدس يوم ٢ أكتوبر ١١٨٧ وقد بدأت بشائر تلك المعركة المباركة بزحف جيوش صلاح الدين نحو بيت المقدس، الذي بقي اثنتين وتسعين سنة قابعاً تحت سيطرة الصليبيين الحاقدين، وضربت جيوش الناصر صلاح الدين الحصار المحكم على بيت المقدس وحررتها، وهو عراقي أباً عن جد.

٤ - عبد القادر الحسيني والعراق : يعتبر الشهيد القائد عبد القادر موسى كاظم الحسيني مفجر ثورة ١٩٣٦ وهو الأيقونة الثورية الخالدة في ضمير الشعب الفلسطيني، وفي خريف عام ١٩٣٨، جرح عبد القادر موسى كاظم الحسيني ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان، ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي، في بغداد حيث عمل عبد القادر مدرساً للرياضيات في إحدى المدارس العسكرية، ثم التحق في أول نيسان سنة ١٩٤٠ بدورة لضباط الاحتياط في الكلية العسكرية مدتها ستة أشهر، وفي أيار / مايو سنة ١٩٤١م، وقعت الحرب العراقية البريطانية، فأيد عبد القادر ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، وشارك مع رفاقه في قتال القوات البريطانية، حيث شكل الفلسطينيون قوة عسكرية كان عبد القادر أحد قادتها وأخذت هذه القوة مواقعها في جبهة صدر أبي غريب، ولم تنسحب منها إلا بعد انتهاء القتال العراقي - البريطاني، حيث ألقت القوات البريطانية في العراق القبض على عبد القادر، ومَثُل أمام المحكمة العسكرية البريطانية، بتهمة التعرض لزحف الجيش البريطاني، وصدر عليه الحكم بالسجن، وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية العراقية، استُبدل السجن بالنفي عشرين شهراً إلى بلدة زاخو في أقصى شمال العراق.كما مثُلت أمام المحكمة السيدة ( وجيهة الحسيني ) زوجة عبد القادر بحجة مساعدتها وإيوائها للثوار، وتحريضهم على القتال، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً، وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة، ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة ١٩٤٣.

٥ – الحاج أمين الحسيني وثورة رشيد عالي الكيلاني : أرسل الحاج أمين الحسيني ( مفتي فلسطين ) إلى الكلية الحربية في الآستانة ليتخرج منها ضابطاً في الجيش العثماني حيث خدم في منطقة أزمير وتزامل هناك مع مجموعة من الضباط العراقيين، التقى الحاج أمين في العراق مع زملائه القدامى بالجيش التركي والذين أصبحوا يشكلون ما يعرف بالمربع الذهبي وهم العقداء الأربعة صلاح الدين الصباغ، كامل شبيب، فهمي سعيد ومحمود سلمان، وكان ملهمهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني، وكان كل مرة يسافر باسم وبجواز سفر مختلف، حيث كانت تسهل مهمته هذه لأن العراق كان يمنحه الجوازات في كل الحالات بالأسماء التي يريدها لتسهيل تحركاته كقائد وطني بارز ( حيث زعم نتنياهو إنه هو الذي أوعز لهتلر لحرق اليهود !) ، وفي بداية الستينات وبحكم العلاقة القوية بين المفتي ( الحاج أمين الحسيني ) وافق العراق على تشكيل وتدريب جيش التحرير الفلسطيني حيث قام الجيش العراقي بهذه المهمة في المحاويل.

٦ - الجيش العراقي وحرب ١٩٤٨ : لقد كان الجيش العراقي ومعه قوات عربية أخرى على حافة تحرير حيفا حيث تمت محاصرتها، ولكن تقدم الجيش توقف فجأة بسبب رفض القيادة السياسية في بغداد إعطاءه الأوامر للزحف وتحرير المزيد من الأرض، مما سبب ذلك إرباكاً شديداً بين صفوف القوات، وكان أحد الأسباب المباشرة للخسارة في الحرب هو رفض القيادة للتقدم وأمرهم للقوات بالانسحاب.

وقد قدرت قوات الجيش العراقي عام ١٩٤٨ بـحوالي ٣٥ ألف مقاتل موزعة على ثلاث فرق يقودها اللواء عمر علي، ويخلد الفلسطينيون ذكرى الشهداء العراقيين دائماً، حيث تقع مقبرة شهداء الجيش العراقي في إحدى قرى جنين وهي جنزور ( مثلث الشهداء ) شمال قباطية، ويتم زيارتها كل عيد ويتم الترحم على الشهداء الأبطال.

٧ - الجيش العراقي وحرب ٧٣ : عندما اتخذت القيادة العراقية القرار بالمشاركة في حرب تشرين، وتحولها من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة، وجدت هذه القيادة نفسها أمام معضلة استراتيجية تتمثل في نقل قواتها من العمق الاستراتيجي إلى العمق ( العملياتي ) ، وتأمين الحشد في ساحة المعركة تحت ضغط عامل الزمن.

لم تكن القوات العراقية محتشدة قرب الحدود السورية العراقية قبيل اندلاع الحرب، بل على العكس فقد كانت موزعة داخل الحدود العراقية وتبعد مسافة لا تقل عن ( ٣٠٠ - ٧٠٠ كم ) ، كما أن على هذه القوات قطع مسافة وطريق طوله ( ٩٥٠ ) كم، هذا معناه أن معظم هذه القوات ستقطع مسافة تبعد حوالي ( ١٣٠٠ ) كم، كي تصل إلى خضم المعركة، فبعد أن غامر العراق بترابه الوطني من خلال سحب قواته المحتشدة بوجه إيران شارك في المعركة التي سمع عنها بالإذاعات وحمى دمشق من السقوط، وقدم العراق أعداداً كبيرة من الشهداء، قبورهم ما زالت موجودة في سوريا، إضافة إلى مشاركة طياريه على الجبهة المصرية حيث استشهد ٢٥ طياراً عراقياً.

٨ - صدام حسين وفلسطين : إن الحديث في هذا الجانب يطول، فمن نافل القول أن كل التجربة العراقية القومية بقيادة الشهيد صدام حسين قد كانت في خدمة فلسطين، فالتأميم وبناء الجيش القومي العملاق وحربه مع المجوس الفرس والنهضة في التصنيع العسكري والثورة العلمية والاشتراكية ومحو الأمية، كلها كانت سهاماً موجهة لهذا الكيان الغاصب، لقد كان دعمه للمجاهدين الفلسطينيين بكافة ألوان طيفهم السياسي بلا حدود، وهذا ليس منة وإنما واجباً تفرضه المبادئ القومية التحررية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي ولد من أجل تحقيقها، ففلسطين كانت في أعماق وجدانه فعلاً وليس قولاً، لهذا قصفت اسرائيل المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١، ثم جاء رد الشهيد صدام حسين بقصف هذا الكيان الغاصب بـ ٣٩ صاروخ عام ١٩٩١.

وأخيراً لا بد من إنصاف العراقيين كأفراد وقيادات في صفوف الثورة الفلسطينية وفي مختلف الفصائل الفلسطينية قد قاتلوا وضحوا واستشهدوا من أجل فلسطين بلا تردد منذ انطلاقتها حتى دخولها إلى فلسطين.
فالمجد للعراق وشعبه العربي الأصيل الذي أنجب كل القادة العظام من سنحاريب إلى نبوخذ نصر إلى صلاح الدين إلى شهيد العصر صدام حسين.




الجمعة ١٦ محرم ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. سالم سرية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة