شبكة ذي قار
عـاجـل










في كتابه "أحزان الإمبراطورية" يقدم "تشالمرز جونسون" الادعاء المشوش أن القوة العسكرية لأمريكا في عهد الحرب الباردة ونظام القواعد المنتشرة على نحو واسع في العقد الماضي قد تم تعزيزها ودمجها في شكل جديد من الحكم الإمبريالي العالمي، لقد أصبحت الولايات المتحدة وفقاً لرواية "جونسون" قوة عسكرية ماحقة هدفها السيطرة على العالم.

وطالما يدفعها مبدأ الانتصار العسكري والإحساس المبالغ فيه بالتهديد وعقدة خدمة الذات عسكرياً وصناعياً فإن هذه القوة الماحقة تحكم قبضتها على أغلب العالم، لقد حل البنتاغون محل وزارة الدولة في صياغة السياسة الخارجية وقد أصبح الضباط العسكريون في إدارات المناطق حاكماً عسكرياً ودبلوماسياً مقاتلاً يوجه المد الإمبريالي الأمريكي.

ويخشى جونسون أن تفسد هذه الإمبراطورية العسكرية الديمقراطية، وتفلس الأمة، وتوقد شرارة المعارضة وتنتهي آخر المطاف إلى الانهيار الذي آل إليه الاتحاد السوفييتي.

بهذا التصوير تكون الإمبراطورية العسكرية الأمريكية شكلاً جديداً من الهيمنة، يصف جونسون هذا على أنه خديعة الحماية الدولية، معاهدات دفاع مشتركة، استشارات عسكرية، قوات عسكرية تتمركز في بلاد أجنبية لمقاومة تهديدات تم التعبير عنها بشكل ضعيف، هشة أو غير موجودة.

إن هذه الاتفاقيات خلقت دولاً مستقلة ظاهرياً على المحطات الفضائية في حين تدور علاقاتها الخارجية حول الدولة الإمبريالية، ويطرح جونسون فكرة أن هذا التنوع في شكل الإمبراطورية كان رائده الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة في أوروبا الشرقية والولايات المتحدة في شرق آسيا، إن الإمبراطوريات العظمى في الماضي مثل إمبراطورية الرومان وسلالة هان في الصين حكموا مقاطعاتهم بإقامة المخيمات العسكرية الدائمة في المناطق التي تم الاستيلاء عليها، أما الإمبراطورية الأمريكية فقد لجأت إلى الابتكار لأنها لم تعتمد على كسب مزيد من الأراضي وإنما جعلت من نفسها إمبراطورية القواعد.

إن هجوم جونسون العنيف هذا يؤكد أن مناطق النفوذ الأمريكية بعد عام ١٩٤٥ في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية إنما كانت قسرية واستغلالية مثل نظيرتها السوفييت.

يؤكد جونسون أن نظام الأمن في الحرب الباردة المعتمد على الحلفاء والقواعد إنما نشأ على تهديدات مصطنعة وتدفعه الرغبة الشديدة في التوسع، حيث لم تكن الولايات المتحدة تتصرف من منطلق دفاعها الذاتي وإنما كانت تستغل كل فرصة سانحة لإنشاء الإمبراطورية.

لقد تشابه الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وفقاً لهذا الجدل أكثر مما اختلفا، فكلاهما فرض الجانب العسكري على مجتمعه وسياسته الخارجية وتوسعوا خارج بلادهم وأنشأوا حكماً امبريالياً من خلال النظام المعتمد على الدول العميلة والاتكال السياسي.

من وجهة نظر جونسون أن نهاية الحرب الباردة مثلت فرصة وأزمة للحكم الأمريكي العالمي، فرصة لأن مناطق النفوذ السوفييتي السابقة أصبحت الآن مكشوفة للتوسع الإمبريالي، وأزمة لأن سقوط الاتحاد السوفييتي ألغى تبرير النظام العالمي لوجود القواعد البحرية، ميادين الطيران، الحاميات، أعمدة الالتقاط الجاسوسية، والمناطق الاستراتيجية المحاذية لأراضي أجنبية.

ولم يكن بالإمكان حل هذه الأزمة إلا بهجمات ١١ أيلول إذ توفر لبوش فجأة عذر لتوسيع الهيمنة العسكرية الأمريكية كما سمحت هجمات ١١ أيلول لأمريكا بأن ترمي ورقة التين عن شراكتها مع الحلفاء.

وأصبحت واشنطن الآن تستطيع حل نفسها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وحتى من القانون وأن تبدأ حكماً امبريالياً مباشراً، ويتابعُ جونسون : أن "الإمبراطورية العسكرية الأمريكية قد تأسست على مجموعة معقدة وواسعة من المصالح والالتزامات والمشاريع".لقد أصبحت إمبراطورية القواعد ترعاها المؤسسات ضمن إطار عسكري وقد اتخذت لها حياة خاصة بها.ولكن لا توجد مناقشة للقوى التي ترفض أو تعارض الإمبراطورية داخل السياسة الأمريكية.

ونتيجة لذلك فإن جونسون يجد الإمبريالية في كل مكان وفي كل شيء تفعله الولايات المتحدة، في قبولها للأسواق المفتوحة، والدمج الاقتصادي العالمي وفي سعيها لمكاسب اقتصادية ضيقة.

إن المواثيق العسكرية والشراكات الأمنية هي جزء واضح من تكوين السلطة العالمية الأمريكية التي تعزز الحكومات الهشة الفاسدة لإسقاط الضوء على النفوذ الأمريكي، ولكن تستطيع البلدان أيضاً استخدام روابط أمنية مع الولايات المتحدة بحيث تكون لصالحها هي، ربما تكون اليابان شريكاً أمنياً ثانوياً ولكن الحلف بين أمريكا واليابان يضيع على اليابان فرصة تعزيز قدرتها العسكرية التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار في شرق آسيا.

وللبلدان خيارات أخرى أيضاً : أن بإمكانهم، وهم غالباً يفعلون، النجاة من الهيمنة الأمريكية بأن يطلبوا من أمريكا الرحيل، لقد فعلت الفلبين هذا وربما تكون كوريا الجنوبية الثانية، إن تنوع وتعقيد روابط الأمن الأمريكية مع الدول الأخرى يجعل من وجهة نظر جونسون المبسطة عن السيطرة العسكرية أمراً مضللاً.





الثلاثاء ٢٢ ربيع الثاني ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابن قاسيون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة