شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى رحيل القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق نستنهض الهمم

علي العتيبي

 

إن الله سبحانه وتعالى كتب الموت على كل البشر ولم يستثنِ أحداً، ولكن هنالك من اصطفاهم ليكونوا رسلاً وأنبياء يبلغون رسالة رب العالمين ومنهم من خلد ذكرهم  في القرآن الكريم، وهنالك بشر خلدهم التاريخ لأعمالهم ومواقفهم التي تتخذ نهجها من الرسالة الخالدة رسالة الإسلام  وتقتدي برسول الإسلام  محمد صلى الله عليه واله وسلم ونحن اليوم نستذكر يوم وفاة القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق  الذي جند نفسه وفكره من أجل عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي هذه العقيدة التي جعلت الترابط الجدلي بين العروبة والاسلام لهذا حين نقرأ كلمته طيب الله ثراه في جامعة دمشق في 5/4/1943 والذي يعد خطاب التبشير بفكر البعث ووضع الأسس الفكرية للبعث وكانت مناسبة لعرض فكر البعث ونظرته للإسلام وللرسول حيث كان المؤسس يرى أن الإسلام  ثورة ودين ورسالة سماوية ويعبر عن الشخصية العربية  ومن خلال ذلك نعرف مدى إيمان القائد المؤسس بعقيدة الإسلام  واتخذ من النبي قدوة له كثائر ضد الظلم والفساد والرجعية والجهل والتخلف وحين يقرأ المتلقي تلك الكلمة سيعرف فلسفة القائد فيما يخص القومية العربية وترابطها بالإسلام، حيث يعرف القومية بأنها حب قبل كل شيء، ولم يعتمد في تعريف القومية على العنصر والعرق واعتبر العربي هو من يتحدث العربية ويعيش في الوطن العربي ويعتبر نفسه عربياً، حيث يقول في كلمته تلك:

 

((فالإسلام إذن كان حركة عربية، وكان معناه: تجدد العروبة وتكاملها. فاللغة التي نزل بها كانت اللغة العربية، وفهمه للأشياء كان بمنظار العقل العربي، والفضائل التي عززها كانت فضائل عربية ظاهرة أو كامنة، والعيوب التي حاربها كانت عيوباً عربية سائرة في طريق الزوال. والمسلم في ذلك الحين لم يكن سوى العربي، ولكن العربي الجديد، المتطور، المتكامل. وكما نطلق اليوم على عدد من أفراد الأمة اسم "وطني" أو "قومي" مع أن المفروض أن يكون مجموع الأمة قومياً، ولكننا نخص بهذا الاسم الفئة التي آمنت بقضية بلادها لأنها استجمعت الشروط والفضائل اللازمة كيما تعي انتسابها العميق إلى أمتها وتتحمل مسؤولية هذا الانتساب، كان المسلم هو العربي الذي آمن بالدين الجديد لأنه استحضر الشروط والفضائل اللازمة ليفهم أن هذا الدين يمثل وثبة العروبة إلى الوحدة والقوة والرقي.))

 

ومن خلال هذا الطرح فإننا نستلهم من فكر القائد المؤسس كيف تكون ثورة الشعب ضد الاستعمار والتخلف والظلم والجهل لأن الظروف التي نعيشها لا تختلف عن ظروف الجزيرة العربية آنذاك حين بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هذا كان التحفيز للشباب العربي أن يشحذ الهمم ويحذو حذو الثوار الأوائل لسيادة العدالة الاجتماعية وتحرر الإنسان من العبودية والجهل، ولكن ذلك يتطلب أن ينهضوا نهضة تليق بمكانة العرب حيث يقول:  ((إذن فالمعنى الذي يفصح عنه الإسلام  في هذه الحقبة التاريخية الخطيرة، وفي هذه المرحلة الحاسمة بين مراحل التطور، هو أن توجه كل الجهود إلى تقوية العرب وانهاضهم وأن تحصر هذه الجهود في نطاق القومية العربية.))

 

ونحن نعيش هذه الذكرى والتي تجعل من فكر القائد المؤسس نبراساً في النضال من أجل التحرر من أشكال الاستعمار والعبودية وما تعانيه أمتنا العربية من تراجع جعلنا نعيش الفرقة والتفتت والانقسام ووصل الحد إلى التفكك الأسري والاجتماعي وتفشي الفساد الأخلاقي والمالي والسياسي واستغلال الدين لأمور تتنافى مع مبادئ الدين والعروبة ونستنبط هذا القول من كلمته: ((نحن الجيل العربي الجديد نحمل رسالة لا سياسة، إيماناً وعقيدة لا نظريات وأقوالاً. ولا تخيفنا تلك الفئة الشعوبية المدعومة بسلاح الأجنبي، المدفوعة بالحقد العنصري على العروبة، لأن الله والطبيعة والتاريخ معنا. إنها لا تفهمنا فهي غريبة عنا.  غريبة عن الصدق والعمق والبطولة، زائفة مصطنعة ذليلة. لا يفهمنا إلا المجربون والذين يفهمون حياة محمد من الداخل، كتجربة أخلاقية وقدر تاريخي. لا يفهمنا إلا الصادقون الذين يصطدمون في كل خطوة بالكذب والنفاق والوشاية والنميمة، ولكنهم مع ذلك يتابعون السير ويضاعفون الهمة. لا يفهمنا إلا المتألمون، الذين صاغوا من علقم أتعابهم ودماء جروحهم صورة الحياة العربية المقبلة التي نريدها سعيدة هانئة، قوية صاعدة، ناصعة تتألق بالصفاء. لا يفهمنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله. قد لا نُرى نصلي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة ملحة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة. ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه إرثاً ولا استلمناه تقليداً، فهو لذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة أتعابنا. ولا أحسب أن شاباً عربياً يعي المفاسد المتغلغلة في قلب أمته، ويقدر الأخطار المحيطة بمستقبل العروبة تهددها من الخارج وخاصة في الداخل، ويؤمن في الوقت نفسه أن الأمة العربية يجب أن تستمر في الحياة، وأن لها رسالة لم تكمل أداءها بعد، وفيها ممكنات لم تتحقق كلها، وإن العرب لم يقولوا بعد كل ما عليهم أن يقولوه، ولم يعملوا كل الذي في قدرتهم أن يعملوه، لا أحسب أن شاباً كهذا يستطيع الاستغناء عن الإيمان بالله، أي الإيمان بالحق، وبضرورة ظفر الحق، وبضرورة السعي كيما يظفر الحق.))

 

من لا يفهم البعث وعقيدته وفكره لا نريد منه أن يقرأ ويطلع على أدبيات البعث وقائده بل الاكتفاء فقط بهذه الكلمة التي شملت ترابط العقيدة البعثية مع عقيدة الإسلام دون أن نتخذ من التدين وسيلة لنشر العقيدة بل إن حزبنا واضح المعالم.  إن الراحل القائد المؤسس كان إيمانه عميق بعروبته ودرايته لتاريخها جعلته يضع نصب عينيه رسالة الإسلام وإعلان النبي محمد عنها بأنها هي الطريق الذي ينقذ الأمة مما هي فيه ويفتح لها الآفاق، وقد جاء قوله: ( إذ لا شيء يعدل العروبة وشرف الانتساب إليها) ولهذا نجد أن يقينه بالأمة العربية ووحدتها والإيمان بعز الأمة في إسلامها فقد بقي قلبه وفكره منفتح نحو الإسلام.

 

إننا لا نعبد إلا الله سبحانه ولانؤله أحداً، ولا نعطي العصمة لأحد وحين نستذكر القادة العظام أمثال القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق وشهيد الحج الأكبر وشهيد الجهاد عزة إبراهيم فإننا نضع الفكر والبطولة والمطاولة والصبر والتضحية في سبيل التحرر والتحرير لوطننا مما أصابه من ويلات نتيجة التآمر الدولي عليه والذي يؤكد صحة النهج الذي نسير عليه، وهذا الطريق الذي عبدناه بدماء شهدائنا لابد أن يأتي اليوم الذي يقطف ثماره أبناء شعبنا العربي بالتحرر من كل أشكال الاحتلال والتغلغل الأجنبي وهذا يزيد من همة وعزيمة الشباب الثائر الذي يواجه أذناب المحتل بصدور عالية، ومن خلال هذا أيضاً نناشد جميع الرفاق أن يضعوا أمام أعينهم بوصلة المبادئ التي أرساها القائد المؤسس من خلال النظام الداخلي والذي رسم لنا كيف نتعامل مع بعضنا وجعل المظلة العليا هي القيادة القومية كمؤسسة ومن بعدها القطرية ودوماً من يكون في سلم المسؤولية العليا يحصل على أدق التفاصيل من خلال تعدد منافذ إيصال المعلومات فتكون له الدراية الكاملة بكل ما يحصل ومن خلالها تتخذ القرارات، ومن يشعر أنه غير مؤهل عليه أن يتنحى جانباً ومن يشعر أنه أكبر من الكل وهو أيضاً عليه أن يتنحى جانباً لأننا نعمل كفريق متكامل لا مكان بيننا لمن يتكبر أو يتكتل أو يطعن برفاقه  لأن من أخلاق العرب والإسلام ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ونطبق مبدأ (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) أي ننصر المظلوم وننصح الظالم لتجاوز ظلمه وبهذا ننصره، ومن يعثر في الطريق نساعده للنهوض من جديد، ولا نعطي المجال لمن يدخل بيننا للفرقة خدمة لمن يتربص بحزبنا العظيم الذي تكالبت عليه كل قوى الشر ولم تستطع هزيمته، ويحاولون الآن دس عناصر تثير الفتنة لأجل شق وحدة صف الحزب واشغاله بأمور جانبية حتى يترك الجهاد والتعبئة للثورة والنضال ضد كل محتل وعميل.

 

إذاً علينا أن نتخذ من ذكرى وفاة القائد المؤسس الرفيق أحمد ميشيل عفلق والتركيز على كلماته التي أوردتها في هذا المقال عبرة ونبراساً لنا لإصلاح ما في داخل أنفسنا أولاً ومعالجة التراكمات التي علقت بمسيرتنا بسبب انشغالنا بأعدائنا ولم نلتفت إلى ما يحصل من تغلغل وتسلق من لا يستحق في غفلة من الزمن ووخز كل بالون نفخ فيه وأصبح لا يرى إلا نفسه مما جعله يسرب أسرار الحزب إلى العموم لأنه أصلاً لم يتمتع بالحصانة الحزبية  وفي قلبه مرض قديم أو ضمن دوائر تريد النيل من البعث العظيم من داخله، ولكن هيهات، والأخذ بيد من تعثر وندم ونعطي كل ذي حق حقه  والحيطة من المؤامرات المتتالية التي نتعرض لها بين الفينة والأخرى، ولدينا من الدروس الكثيرة التي مرت على الحزب ولكن في كل مرة ينهض بأقوى مما كان.

نسأل الله العظيم أن يتغمد القائد المؤسس وشهيد الحج الأكبر وشيخ المجاهدين برحمته الواسعة.

المجد والخلود لرسالتنا الخالدة والرحمة والغفران لشهدائنا الأبرار.

والتحية والاعتزاز إلى القيادة القومية وعلى رأسها الأمين العام المساعد الرفيق على الريح السنهوري.

ولتسقط كل المؤامرات وما يحاك ضد حزبنا المناضل، وبإذن الله اقترب الوعد الحق بالثورة على الطغيان والاحتلال وتحرير وطننا من براثن المحتلين وأعوانهم.






الثلاثاء ٢٨ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي العتيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة