شبكة ذي قار
عـاجـل










في تراجيديا الوصول إلى سدّة الرئاسة:

من أفشل عهد ميشال عون !

نبيل الزعبي 

 

لم يحظَ رئيس للجمهورية اللبنانية من الشعبية ما حظي به الرئيس ميشال عون، بل إن الظروف السياسية التي بدأ منها كانت مهيأة لتجعل كل من سبقه على هامش سيرته الوطنية، عندما انطلق "وطنياً" جامعاً عابراً في طروحاته السياسية، كل الطوائف والمناطق، فكان ابناء عكار وطرابلس ، في الجيش اللبناني ، على سبيل المثال، اوائل من دافع عنه في اوج الحرب عليه واستمروا على الوفاء له من منطلق "وطنيته" التي لطالما جهر بها، سواء يوم اخراجه بالقوة من قصر بعبدا ولجوئه إلى فرنسا، ام بعد عودته من اللجوء في العام ٢٠٠٥ عندما كان اول ما خاطب به شعبه "العظيم "قائلاً : إذا رأيتموني أتكلم طائفيةً انبذوني .

كان هذا الطرح الوطني النظيف هو جواز سفره الجديد إلى اللبنانيين بمختلف مناطقهم والوان طيفهم الديني الذين رأوا فيه المخلّص والقائد الوطني الملهم، قبل اي شيءٍ آخر.

منذ عودته إلى لبنان، كان الاصدقاء الخُلّص للعماد ميشال عون، يتابعونه بكل جدية واهتمام، ولطالما توقفوا عند "زلّاته " الصغيرة وبداية " تكويعاته " الطائفية وارسلوا ينصحونه من واقع الخوف على ماضيه الوطني والحرص على ان يبقى "الايقونة " الوطنية التي لا ينازعها رئيس آخر، سابق له ام لاحق، لتتكرّس وطنية الموقع الاول في البلاد وهو يطرح الاصلاح والتغيير شعاراً له قبل اي شعارٍ آخر .

كان عليه ان يدرك ان الرئيس الوطني التوحيدي الجامع، هو من يبقى في ذاكرة مواطنيه، وان الحياد عن ذلك، يجعل منه قائداً لطائفة ومذهب أو منطقة بصورة مُذَهَبّة رسمها له المقرّبون اليه تحت مسمى الرئيس القوي حيث وجد هذا المسمى " هوىً" في نفسه وللأسف، فلم ينصحه من زيّنوا له ذلك، انه ما بين الرمز الوطني و الزعيم الطائفي، بوناً شاسعاً يجعله ملكاً لفريق دون آخر ولكن في زاوية أحادية من زوايا الوطن، وهو الذي كان بوسعه ان يجمع الوطن كله حواليه فلا يترك زاويةً فيه إلا وتنشد له حباً وولاءً.

كان عليه أن يدرك الأفخاخ المنصوبة له ودخلها بإرادته، يوم اطلق وريثه السياسي عبارة " ما خلُّونا " دون ان يتمرّد على الذين ما " خلّوه" ويرمي الكرة في وجههم فينفض يديه من المسؤولية ويكاشف مواطنيه بالحقائق ليخرج كبيراً بمصداقية القول والفعل معاً، عوض استمرائه للعبة الحكم وتشبُّثه بالوزارات العشر التي يشغلها وكلها وزارات وازنة ومفصلية سعى بمحاصصاته فيها أن يكون على نمط من ينتقدهم ويدعو لتغييرهم، واذا به ينحر "الاصلاح والتغيير" الذي دعا اليه ليجعله شعاراً بائداً امام شعار  "لبنان القوي " الذي بدوره، اوصل الرئيس إلى الاقرار مؤخراً انه " مُحاصَر "، ليضيف في نفحة تراجيدية محزنة على طريقة " عليَّ وعلى اعدائي " انه لن يغادر القصر  إذا شعر بوقوع مؤامرة و لن يقف مكتوف الأيدي "، كما جاء في مقابلة صحافية له مع جريدة الاخبار اللبنانية  بتاريخ ١٣/٩/٢٠٢٢ .

يذكرُنا الرئيس عون بعبارة (وكأنك يا ابو زَيد، ما غَزيت )، وهو الذي كان بيده كل ادوات رمي اللبنانيين في جهنّم التي بشّر بها منذ اشهر، فما عدا ما يجعله اليوم يتقمّص مظلومية الرئيس المضطَهَد ( بفتح الهاء )، بينما كان في كل السنين التي تلت عودته في العام ٢٠٠٥ لم يخرج عن كونه المضطَهِد ( بكسر الهاء ) في كل امور السياسة والحكم والتوزير وفرض الوريث وتعطيل الاستحقاقات الحكومية والرئاسية لسنوات اقتُطِعَت من عمر اللبنانيين ويتحمل اوزارها من يخرج علينا اليوم بشخصية البطل التراجيدي الذي دفعته اخطاءه إلى المساهمة في تحقيق واقعنا المأساوي الذي نعيش ويقود نفسه إلى النهاية الحتمية التي نعيشها في  التراجيديات العاطفية التي تتميز بجعل العالم من حول البطل الرئيسي عنصراً اضافياً في صناعة مأساته، حيث يمنعه مجتمعه، أو عرقه، أو لونه من تحقيق عاطفته، ويصبح عائقا أمامه، وفي هذا النوع من التراجيديات، يأتي الاخراج النهائي من على مسرح الرواية خلاصاً للبطل، حيث لا تستطيع البطولة المزيفة ان تتعايش  والمأساة معاً.

( النص مستوحى من التراجيديا الشكسبيرية التي أراد شكسبير أن يقول أنه لا يوجد إنسان كامل  وإن لدى كلّ امرئٍ نقصاً ما ) .

ليس في كل ما تقدّم تشفيّاً او شماتةً بعهد الرئيس ميشال عون الذي يتحمل مسؤولية افشاله بيده عن سابق تصور وتصميم عند رضائه بتسليم زمام اموره لمستشارين ومقرّبين وبطانة فاسدة الذين خرَّبوا عليه اضعاف مضاعفة مما فعله الخصوم، وانهوا معه تجربة من كان يوماً، قائداً وطنياً شجاعاً.






الاربعاء ١٦ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة