شبكة ذي قار
عـاجـل










القرامطة الجدد أكبر خطر يهدد الأمة

بقلم بدر الدين كاشف الغطاء

بغداد – 31 تشرين الأول 2022

 

منذ بزوغ نوره وإلى قيام الساعة يتعرض الإسلام والمسلمون إلى حروب فكرية وعسكرية. فالغرب المسيحي واليهودي والعلماني استنفر خيرة مفكريه وفلاسفته لهذه المهمة، مع حملات صليبية وأفواج تبشيرية رافقت حملات الاستعمار الغربية على الدول الإسلامية، وفشلت تلك الحملات في تغيير عقائد المسلمين فالإسلام قوي بذاته مؤيد بنصر من الله، وقد قالها صريحة وليم غلادستون رئيس وزراء بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر:(ما دام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان). وفعلا وجد الإسلام طريقه إلى ديار الغرب فكان الملاذ والمنقذ للناس هناك من الخواء الروحي وفجور وضلالات الفكر الغربي، وفي كل عام يُسلم عشرات الآلاف منهم.

بالمقابل فإن الحركات الباطنية الهدامة التي انشأها الفرس كالقرامطة والاسماعيلية والنصيرية والحشاشون والزنادقة والخُرّمية، وبقية الحركات ذات الجذور المجوسية كانت ولا زالت هي العدو الأكبر للقرآن وللإسلام والعرب، كونها تحارب الاسلام من الداخل، واتخذت من التشيع ومحبة الناس لأهل البيت ستارا، يقودها افراد يظهرون اعتناق الإسلام لكنهم يسعون لتدمير عقائده.

والقرامطة هي الحركة الفارسية المجوسية الأكثر عداءً للإسلام وللعرب. وهي حركة باطنية منشقة عن الإسماعيلية أنشأها حمدان قرمط ، وهو فارسي مجوسي الأصل أنشأ حركته على خداع الجمهور واستغلال عاطفتهم نحو اهل البيت، ونَشَر عقيدته أولا بين الفقراء والفلاحين البسطاء في واسط ثم عمد إلى بناء مركز للدعوة القرمطية في سواد الكوفة سنة 277 للهجرةـ (980 ميلاديه)، ومنها انطلقت الحركة لتحتل البحرين وأجزاء من الساحل الغربي للخليج العربي، واستمرت إمارتهم ما يقارب من سبعين عاما، قضتها في تعطيل فروض الإسلام وغزو المُدن الإسلامية وتدميرها.، ومنها مكة المكرمة التي هاجمها  القرامطة عام 319هـ، وفتكوا بالحجاج، وهدموا زمزم واقتلعوا الحجر الأسود، وأخذوه إلى البحرين، وبقي الحجر هناك إثنين وعشرين سنة.

كان ظاهر عقيدة القرامطة يدعو إلى التشيع لآل البيت وإبراز مظلومية آل البيت والمكالبة بحقوقهم، لكن جوهر عقيدة القرامطة هو العمل على تشويه تعاليم الإسلام من خلال رفض التفسير الظاهر للقرآن، وادّعوا أن هناك ظاهراً لنصوص القرآن يعرفها العوام وباطنا لا يعرفه إلا الإمام المعصوم.  وقالوا إن الدين هو أوامر ونواهي الامام المعصوم المقدس الذي يملك السلطتين الروحية والزمنية، وأوّلوا أركان الشريعة: فالصلاة عندهم موالاة إمامهم، والحجّ زيارته وإدمان خدمته، والصوم هو الإمساك عن إفشاء سرّ الإمام لا الإمساك عن الطعام والشراب، والمراد بالزنى عندهم إفشاء سرّهم بغير عهد وميثاق.

وإضافة إلى ترك العبادات فقد نادوا بمشاعيه الأموال والأراضي ومدها إلى مشاعية النساء وبقية المحرمات. وركز القرامطة في نشر أفكارهم على الرعاع وضعفاء النفوس من عوام الناس من أجل ان يستميلوا دعاة الشهوة واللذة البهيمية والتحلل من التكاليف الشرعية مدعين أن هذه التكاليف إنما وضعت وفرضت على المغفلين وقالوا: (إن من عرف معنى العبادة فقد سقط عنه فرضها)،

اختفت حركة القرامطة من مسرح التاريخ حوالي ألف عام ثم عادت للظهور مع وصول الخميني إلى السلطة في إيران في عام 1979 وظهور عقيدة ولاية الفقيه التي اعطت للولي الفقيه السلطتين الروحية والزمنية وجعلته خليفة المهدى المنتظر، إذ نصت المادة الخامسة من دستور إيران على: (في زمن غيبة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، ‌ البصير بأمور العصر، ‌الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة 107). ولم يقتصر دور الولي الفقيه على إيران، بل اعتبره الدستور الإيراني نصير المستضعفين في كل مكان، وبذلك خلقوا نظاماً سياسياً عابراً للحدود يقوم على "تصدير الثورة"، وهكذا دشنت ولاية الفقيه رسالتها بمحاولة احتلال العراق ثم تجنيد عملائها للقيام بأعمال القتل والتدمير في الدول العربية. إن المنطلقات العقدية وممارسات ولاية الفقيه منذ ثلاث وأربعين سنة تؤكد أنها حركة قرمطية بلباس جديد هدفها الكيد للإسلام والعرب.

ولكون العراق هو البلد الذي اجتمعت فيه صفتان جعلتا نشر القرمطية فيه أولوية بالنسبة لولاية الفقيه، الأول هو انه البوابة الشرقية للأمة العربية وجمجمة العرب وكنز الرجال ورمح الله في الأرض، والثاني هو رغبة الفرس الجامحة في الانتقام من العراقيين على هزيمتهم في القادسيتين،

وبعد عشرين سنة من سيطرة عملاء ولاية الفقيه على العراق بتسهيل ومباركة أمريكا والغرب، نجد ان افعالهم كانت قرمطية بامتياز، بل فاقوا فسق وفجور وضلال قرامطة الأمس، وادناه بعض الامثلة

أولاً: سار قرامطة العراق الجدد على نهج حمدان قرمط في ابعاد الناس عن الصلاة وقراءة القرآن وبقية اركان الدين الحنيف، والاكتفاء بالولاء للمرجع وسمّوه (صمام امان العراق). وأدعى مراجعهم أن الامام الصادق قال (إنَّ الله يتجلّى لزوار قبر الحسين (ع) قبل أهل عرفات، ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم). واستباحوا المال العام بعد ان افتى مراجعهم ان أموال العراق وثرواته مجهولة المصدر يحق لهم التمتع بها.

ثانياً: يعتبر القرامطة أن الجهلة والسذج من الناس الذين يسهل ترويج البدع والخرافات عليهم هم حاضنتهم وهم يدهم الضاربة، ولذا حرصوا على نشر الفقر والجهل والبطالة في العراق ليجبروا جيوش العاطلين على الانضمام لميليشياتهم في العراق، وعملوا على نشر المخدرات ودمروا النظام التعليمي والصحي واوقفوا الصناعة وعطلوا الزراعة وزادوا من البطالة والانفلات الأمني وانتهاكات حقوق الانسان، وحرموا الناس من الكهرباء وحولوا العراق إلى دولة فاشلة وأسوأ مكان للعيش فيه. وحتى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينيس بلاسخارت التي عادة ما تجاملهم اضطرت للقول بأن (النظام السياسي في العراق يعمل ضد مصالح الشعب).

 

ثالثاً:  كان سلاح القرامطة الأساسي هو المهدوية وتبشير الناس بعودة المهدي المنتظر، وكان مهديهم الغائب والمنتظر هو  محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. ، والقرامطة الجدد في العراق فاقوا اسلافهم في تخدير الناس بعودة المهدي (مهدي الشيعة الاثني عشرية هو محمد بن الحسن العسكري الذي لا دليل تاريخي موثوق على ولادته أصلاً )، فإذا اشتكى عامة الناس من الجوع والبطالة وعدوهم بالفرج عند ظهور الامام المهدي، واكثروا في قنواتهم الفضائية من الحديث عن (بشارات الظهور)، كما أكثروا من (المراقد المقدسة) لشخصيات وهمية  في أغلب مدن وقرى العراق ودعوا الناس أن يطلبوا (مرادهم) منها، وتمادوا في خلق المقدس فهناك تراكتور مقدس  ونخلة مقدسة وجسر مشاة وحتى خروف يتبرك به الجهلاء. وتأسياً بقرمط الذي كان يعطي لأتباعه قطعة حلوى بحجم حبة البندق يزعم بأنها غذاء أهل الجنة وأنها مرسلة من الامام الغائب، فقد قام القرمطي عبد الحميد المهاجر بتوزيع قطع حلوى (جلكيتة) قال أن الواحدة منها تشفي عشيرة بكاملها، كما اخترع القرامطة الجدد دواءً جديداً للرعاع وهو بصاقهم والتبرك بعرقهم.

رابعاً: كان حمدان قرمط يعمل على كسب الأنصار من خلال اشباع حاجات الحواس والتشجيع على مشاعية النساء، أما القرامطة الجدد في العراق فقد استهدفوا المنظومة القيمية في العراق ونشروا الزنا تحت غطاء "زواج المتعة" الذي أباحه وشجّع عليه مراجعهم، وفتحت فنادق في مدن العراق الدينية لممارسة زواج المتعة لربع ساعة أو نصف ساعة، وهي ممارسة لا تختلف عن بيوت دعارة أمستردام وباريس إلا في طريقة دفع ثمن المتعة المحرمة، فثمن المتعة الذي لا يتعدى عشرين دولاراً يسمونه مهرا، ويضعونه في ورقة تسمى (العقد المنقطع). واباح القرامطة الجدد ممارسات شاذة مثل (تفخيذ الرضيعة) وجواز مداعبة الابن الأكبر لأمّه إذا توفى عنها زوجها. كما نشروا الملاهي وصالات القمار، وفي حي (الكرادة) في بغداد وحده هناك اليوم اثنان وسبعون ملهى ليلي وصالة قمار حسب إقرار القرمطي عمار الحكيم، كما تساهل قرامطة العراق مع انتشار ظاهرتي اللواط والالحاد.

خامساً: كان قرمط يدعو أنصاره إلى إظهار أقصى درجات التقية: الورع أمام الاتقياء، والحرية المنفلتة أمام المنفلتين، والفلسفة امام المهتمين بها والتوحد الصوفي امام الزهاد، والكرامات والعجائب امام عامة الناس، واجاد القرامطة الجدد في العراق لعب هذا الدور المنافق فتراهم في أول النهار يوزعون الطعام على زوار الحسين في عرض اعلامي لدقائق ويقضون بقية نهارهم يتقاسمون ما سرقوه من موارد العراق. وتراهم يبكون في الحسينيات بحرقة مفتعلة على مصاب الحسين في اول الليل وفي آخره يشبعون شبقهم للغواني والغلمان. يدعون الناس إلى التأسي بأبي الثوار الحسين (ع) في مقاومة المحتل الأمريكي، ويهدون لوزير دفاع المحتل سيف ذو الفقار.

سادساً: قرامطة الأمس كانوا ينشرون كراهية العرب بين اتباعهم، ويقولون انهم قتلة الحسين ويصفونهم بأنهم (لصوص الصحراء). وقرامطة اليوم يسعون لذات الهدف فهذا صادق زيبا الأستاذ بجامعة طهران يقولها بصراحة (نكره العرب ونسبّهم ونلعن اهل السنة ولن ننسى لهم القادسية). القرامطة الجدد في العراق يسعون لطمس هوية العراق العربية، واعتمدوا دستوراً حذفت منه عبارة (العراق دولة عربية) التي تضمنتها جميع دساتير العراق السابقة، واستبدلوها بعبارة (العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب)، وكرّسوا الطائفية داخل الدولة والمجتمع، ويحاولون تزوير التاريخ وطمس منجزات الحضارة العربية-الإسلامية، ويعتبرون الخلفاء الراشدين، عدا الامام علي، مرتدين ومغتصبين للسلطة، وكذا الأمر بالنسبة لخلفاء الدولتين الاموية والعباسية.

سابعاً : أباح حمدان قرمط النهب والاغارة على المدن والقرى، بضمنها أم القرى مكة المكرمة،  لأخذ ثرواتها وقتل أهلها. وكانوا يقتلون الاسرى ويحرقونهم ويقتلون الحجيج. والقرامطة الجدد عملوا في العراق بأسوأ مما عمل اسلافهم، وإذا لم يجدوا فرصة لقتل الناس يختلقونها، حتى ولو كان ذلك من خلال تدمير مرقد الامامين العسكريين في سامراء. وشاهد العالم كيف يتلذذون بقتل الأبرياء وحرق وتقطيع أجسادهم وحرق جوامع أهل السنّة. وفي الموصل وحدها قتلوا سبعين ألف مدني ودمروا نصف المدينة وسلبوا ممتلكات الناس بذريعة طرد ثلاثة الاف داعشي هم الذين صنعوهم وسهلوا دخولهم إلى الموصل،

الاستنتاجات:

1 – لقد انتبه الغرب والصهيونية العالمية مبكرا إلى الطبيعة القرمطية للخميني ونظريته ولاية الفقيه، وراهنوا على قدرته على تحقيق ما عجزوا عنه، وهو تخريب عقائد الإسلام ومحاربة العرب، ولذلك غدروا بحليفهم شاه إيران ليصل الخميني إلى السلطة. وتبنى الغرب والصهيونية سياسة التهدئة إزاء إيران ولاية الفقيه، ولم تزعجهم استفزازاتها ولا شعاراتها بإزالة إسرائيل، فهي حليفهم غير المعلن وخير من ينفذ مخططاتهم في الوطن العربي.

2 - العراق هو البوابة الشرقية للأمة العربية ودرعها أمام غزوات البرابرة منذ فجر التاريخ، وها هم العراقيون يبلون خير البلاء في مقاومة القرامطة الجدد دفاعا عن الإسلام والأمة العربية. وخير ما يساهم به العرب والسلمون لمقاومة مستهدفي دينهم ووطنهم هو دعم ثورة العراقيين المباركة ودعم ثورة شعوب إيران، وفي مقدمتهم شعب الاحواز العربي، ولنتذكر ان ضعف الخلافة الإسلامية في الماضي هو الذي أوصل القرامطة إلى مكة المكرمة، وعلينا استيعاب دروس الماضي.

3 –حاضنة القرامطة هم الجهلة والسذج من الناس، وعلى العرب تحصين مجتمعاتهم بالتعليم والمعرفة. ولهم في تجربة العراق بين عامي 1968 و2003 خير نموذج. حيث عمدت الدولة إلى انتشال العراقيين من براثن الجهل والأمية، وبالجيل المتعلم استطاع العراق التقدم في مجالات التنمية كافة، واستطاع الانتصار على القرامطة الجدد في القادسية الثانية وأفشل سعيهم لزرع الطائفية البغيضة بين العراقيين. وجذوة تلك التجربة الفذة لا زالت قائمة وهي أحد اهم أسباب ثورة العراقيين الحالية على القرامطة الجدد.

والله المستعان

بغداد -   31 تشرين الأول 2022

 

ملاحظة: للمزيد من التفاصيل عن القرامطة يرجى مراجعة المصادر الآتية، وهي موجودة على الانترنت

القرامطة للإمام عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق محمد الصبّاغ

القرامطة للكاتب الهولندي ميكال يان دي خويه، ترجمة حسني زينه،

الحركات الباطنية في العالم الإسلامي تأليف الدكتور محمد أحمد الخطيب.






الاثنين ٦ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بدر الدين كاشف الغطاء نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة